شارك المقال
  • تم النسخ

باحث أنثروبولوجي: ينبغي إدماج “الكيف” في بدائل اقتصادية

حاوره نورالدين لشهب

أكد خالد مونة، الباحث الأنثروبولوجي، أنه لا يمكن القضاء على زراعة القنب الهندي، أو ما يسمى بـ”الكيف”، ودعا إلى إدخاله في البدائل الاقتصادية للمغرب.

وأشار الأستاذ في قسم السوسيولوجيا بجامعة المولى إسماعيل بمكناس وصاحب كتاب “بلاد الكيف، السلطة والاقتصاد عند كتامة”، في حوار خاص، إلى أن النقاش حول عشبة “الكيف”، الذي طرحته بعض القيادات الحزبية في سياق الانتخابات، لم يكن علميا ولم يذهب بعيدا في خلق وعي مجتمعي للتعامل مع عشبة “الكيف”، التي أصبحت تفرض نفسها بقوة على أكثر من جهة.

الحوار تطرق أيضا إلى تاريخ دخول عشبة “الكيف” إلى المغرب، وسن قوانين بخصوص زراعة “الكيف” في عهد الاستعمار الفرنسي، وكذا شبكات التهريب التي تنشط في دول، ولها علاقات متشابكة.. إليكم الحوار.

كيف كانت بدايتك مع البحث الأكاديمي في موضوع القنب الهندي أو ما يسميه المغاربة “الكيف”؟

أولا، أنا ابن مدينة تطوان، ولم أكن في يوم من الأيام أنظر الى “الكيف” باعتباره اختراقا للقواعد الاجتماعية والأخلاقية. وحين كنا صغارا لم يكن غريبا بالنسبة إلينا أن نشاهد أحد الجيران في الحي يقوم بـ”تقصيص الكيف وطابا”. كما لم يكن غريبا رؤية أناس يدخنون “السبسي”، فهذا الأمر كان شيئا عاديا. ولما كنت أتابع دراستي في العلوم السياسية بجامعة باريس 10، وحين وصلت إلى سلك الدكتوراه، شعرت بأنه لم تعد تروقني التحليلات المبنية على المقاربة التي تقدمها العلوم السياسية، إذ كنت أجدها في تلك السنوات سطحية، ولا أزال أراها كذلك.

وهكذا قررت التوجه إلى الأنثروبولوجيا؟

نعم، قررت أن أتجه نحو الأنثروبولوجيا، حيث كنت أحضر الدكتوراه، وأتابع الدروس مع طلبة الإجازة في الأنثروبولوجيا السياسية والاقتصادية. وقد اشتغلت على أشكال السلطة الجديدة في الريف الأوسط، تلك السلطة المادية والرمزية، التي جاءت مع اقتصاد “الكيف” في شكله الجديد كاقتصاد رأسمالي احتكرته فئة “البزناسا”.

وماذا أفادتك الأنثروبولوجيا في موضوع القنب الهندي؟

الهدف من هذا العمل من الناحية الأنثروبولوجية هو فهم الأشكال الجديدة للسلطة بمنطقة كتامة بالخصوص، وأيضا تجاوز القراءة الثابتة لمفهوم السلطة التي قدمها ريمون جاموس عن الريف، والمبنية على الشرف والبركة.

طيب، كيف دخل “الكيف” المغرب؟

ارتبط تاريخ عشبة “الكيف” في المغرب بأشكال وتنظيمات اجتماعية مختلفة، فقد استعمل لأهداف غذائية وطبيعية وعلاجية. ورغم أنه لا يمكن أن نحدد فترة تاريخية محددة لاستعمال “الكيف”، فإن طرق استعماله اختلفت بين المقدس والسحر وأشكال أخرى مختلفة من الطقوس، خصوصا منها الدينية، حيث استعمل في مجموعة من الطقوس الصوفية، سواء في المشرق أو المغرب على حد سواء.

وقد رافق مجموعة من الطرق الصوفية في المغرب، حيث استعمل كأداة للوصول إلى نشوة روحية. كما استعمل في الطب التقليدي، إلى حدود سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. إضافة إلى استعمالاته الترفيهية في المناسبات الاجتماعية بشكل جماعي وطقوسي، وأخص بالذكر مادة “المعجون” التي يستعمل فيها “الكيف”.

أما على المستوى الاقتصادي، فإلى حدود القرن التاسع عشر، كان “المخزن” يحتكر تجارة “الكيف”، قبل أن يتم الضغط عليه مع الغزو الأجنبي للتخلي عن هذا الاقتصاد، واحتكاره من طرف القوى الأجنبية من خلال إنشاء شركة “الكيف” والتبغ سنة 1906.

على المستوى التاريخي، من انتفع أكثر من تجارة “الكيف” بالمغرب؟

لقد مر الانتفاع من تجارة “الكيف” عبر مراحل متعددة، فمن مرحلة الاحتكار التي مارسها “المخزن” على هذه التجارة إلى حدود أواخر القرن التاسع عشر، إلى مرحلة التقنين من طرف المستعمر الفرنسي من خلال إصدار عدد من الظهائر، أهمها ظهير 1934، الذي حدد المناطق الجغرافية التابعة للنفوذ الفرنسي عبر إبرام عقود موقعة مع مزارعين في مناطق متعددة، وصولا إلى مرحلة الاتجار الدولي.

منطقة الريف لم تكن تحت الاستعمار الفرنسي، هل كان هناك قانون يشمل هذه المنطقة؟

طبعا، عكس منطقة الريف، التي ظلت بمنأى عن أي تأطير قانوني، وضعت فرنسا اللبنات الأولى لتقنين “الكيف” قبل أن تمنعه قبل خروجها من المغرب بظهير 1954، الذي تم بموجبه منع زراعة وتجارة واستهلاك القنب الهندي.

ومنطقة الريف؟

هذا الظهير سيتم تعميمه على منطقة الريف، التابعة للنفوذ الإسباني بعد الاستقلال. وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا أصدرت هذا الظهير لأن “الكيف” لم يعد يدخل ضمن اهتماماتها الاقتصادية بحكم التغير السوسيو-سياسي الذي حصل في هذه المرحلة. لم تراع فرنسا أي خصوصية محلية، خصوصا أنه بعد الاستقلال سيعرف “الكيف” مسارا مغايرا، حيث ستتحول تجارته واستغلاله إلى تجارة غير شرعية تتحكم فيها شبكات جهوية ووطنية ودولية بحكم دخوله في اللاشرعية.

كيف ترى المقاربة الحالية التي تنهجها الدولة في علاقتها بـ”الكيف”؟

أولا، يجب تحديد مسألة مهمة. فما نلاحظه، اليوم، هو أن الدول المنتجة هي دول الجنوب، والدول التي تفرض اتفاقيات، كاتفاقية 1971 و1972 و1961، والتي تخلط بين مخدرات المهلوسة والأومفيتامينات والمهدئات.

هذه الاتفاقيات الموقعة من قبل دول الجنوب، والمفروضة من طرف دول الشمال، لا تراعي الخصوصيات المحلية، فلا مجال للمقارنة بين مخدر “إكستازي” والقنب الهندي.

وأشير في هذا الصدد إلى أن الدول المنتجة للمخدرات، سواء تعلق الأمر بـ”الكوكا” أو القنب الهندي، لم تمتلك إطلاقا السيادة في اختيار سياستها تجاه المخدرات التي تنتجها، عكس دول الشمال التي يمكنها أن تقرر أن تقنن أو تمنع زراعة واستهلاك المخدرات متى شاءت، كما هو الحال في ولاية كاليفورنيا ومجموعة من الدول الأوربية.

فمجال المخدرات، إذن، يعطينا رؤية واضحة حول علاقة شمال-جنوب، حيث إن دول الجنوب لا تمتلك الجرأة ولا الرؤية المستقبلية في سياستها تجاه المخدرات. وربما تبقى التجربة البوليفية استثناء وفريدة من نوعها كدولة من دول الجنوب.

أما عن التجربة المغربية، فمن نتائج سياستها الأمنية وجود عدد مهم من المزارعين في وضعية المتابعة القضائية.

وماهي المقاربة الأوفر حظا لهذه الزراعة؟

لا بد أن تنطلق كل المبادرات من مقاربة تشاركية مع المنتجين، خاصة أن القضاء على هذه الزراعة أصبح، اليوم، أمرا صعبا للغاية، فعلى الدولة إعطاء الفرصة لإدماج “الكيف” في بدائل اقتصادية.

فالقنب الهندي يحتوي على مؤهلات طبيعة يمكنها تنظيم الدورة الدموية، والتخفيف من نوبات الحساسية، والحد من تفاقم هشاشة العظام، كما يمكن استعماله بديلا للإدمان على الكوكايين. إضافة إلى استعمالاته في مجالات أخرى كالبناء، مثلا، وهناك مبادرات من هذا القبيل من المفروض تشجيعها والإنصات إليها.

كيف تابعت مبادرة الأحزاب أثناء مناقشتها موضوع “الكيف”، خاصة حزبي الاستقلال والأصالة والمعاصرة، إضافة إلى النقاش المجتمعي الذي رافق هذه المبادرة؟

بالرغم من أن مبادرة الأحزاب جيدة على مستوى المضمون، لكنها لم تخرج عن نطاقها الفولكلوري، خاصة أنها لم ترق إلى فتح نقاش مجتمعي جاد.

وما رأيك في الأمر، باعتبارك متخصصا في الموضوع على المستوى الأكاديمي؟

حسب رأيي، فإن السبب في ذلك يعود إلى غياب وعي لدى الفاعل السياسي بصعوبة الموضوع، فالحديث لا يكون باسم الفلاحين فقط، لأننا ننحدر من الريف، فقد غلب البعد الانتخابي في هذا النقاش، وهو ما أفرغ المبادرة من مضمونها.

وقد أبان النقاش عن جهل مجموعة من المتحدثين باسم المنطقة بهذا الملف، عبر وضع تقسيمات جغرافية انطلاقا من المناطق التاريخية والمناطق الجديدة. وقد سمعت في أحد اللقاءات قياديا سياسيا بارزا يقول للفلاحين إن فرنسا تنتج “دوليبران” من “الكيف”، وأنها تجني أورو واحدا من كل علبة “باغسيتامول”. كيف لمسؤول أن يقول هذا الكلام ويدعي بأن له بديلا بخصوص موضوع زراعة القنب الهندي؟

كان هناك حديث في الإعلام عن الحملة ضد البارونات في تسعينيات القرن الماضي، ماهي أبعاد تلك الحملة، حسب رأيك؟

كانت للحملة ضد البارونات أبعاد سياسية واقتصادية. فعلى المستوى السياسي، كان الهدف منها هو وضع حد لنفوذ بارونات في شمال المغرب. هذا النفوذ وصل إلى دواليب الدولة عن طريق العلاقات، التي كانت تجمع إطارات كبيرة في الجيش والدرك والشرطة ببعض البارونات. أضف إلى ذلك السلطة التي كانت تمارسها البارونات على ضفة البحر الأبيض المتوسط كمجال للتهريب.

وقد حاولت الدولة أن تعيد هيبتها من خلال هذه الحملة، ومنعت الاحتكار الذي كانت تمارسه مجموعات معينة من البارونات، التي كانت لا محالة ستؤدي إلى بروز كرتيلات في المنطقة.

أما على المستوى الاقتصادي، فـ”الحشيش” يدر سيولة مالية مهمة لم تكن الدولة قادرة على متابعتها، مع الركود الاقتصادي الذي عاشه المغرب في هذه الفترة، إذ ساهمت هذه الحملة في إدخال موارد مهمة إلى خزينة الدولة، لكن الحملة لم تخرج عن تصفية حسابات داخلية بين مسؤولين كبار في دواليب الدولة كانت لهم ارتباطات بشبكات التهريب. ويمكن القول إن الحملة ساهمت في القضاء على الجيل القديم من البارونات، وتم فتح الباب أمام بارونات جدد مثل هشام الرماش.

وما علاقة تهريب “الحشيش” بإغلاق الحدود بين المغرب والجزائر؟!

يختلف الاتجار الدولي في المخدرات عن المنتوج، رغم أنه جزء من العملية، فالمغرب منتج للقنب الهندي، لكن عملية التهريب لا تتم إلا عن طريق شبكات عابرة للأوطان، مكونة من جنسيات متعددة، ولها علاقات بمسؤولين أمنيين في كل الدول. هذه الشبكات هي المستفيد الأول من إغلاق الحدود بين المغرب والجزائر. أضف إلى ذلك أن الشبكات الجزائرية كانت السباقة إلى عملية التحويل والاتجار في “الحشيش” المغربي بين الريف ومرسيليا في أواخر الستينيات.

يعني أن هذه الشبكات الجزائرية تقوم بالتهريب عبر إسبانيا؟

طبعا، لأن هناك فرقا كبيرا في هذا المجال بين إسبانيا والجزائر، فإسبانيا تعلم بأنها تتعامل مع شبكات تهريب عابرة للأوطان، وبدل اتهام المغرب، تقوم سياستها على التعاون، لأنها تعي جيدا بأن القضاء على القنب الهندي يتطلب إمكانيات بديلة هائلة، وأي فشل في هذه السياسات يمكن أن تكون له نتائج وخيمة عليها بحكم القرب الجغرافي. فـ”الحشيش” المغربي لا يحمل سوى هوية الإنتاج، أما على مستوى الاتجار فهويته متشعبة.

بعض الساسة الجزائريين يتهمون المغرب بإدخال الحشيش إلى الجزائر، في الوقت نفسه هناك اتهامات من قبل مغاربة للجزائريين بإدخال الأقراص المهلوسة إلى المغرب؟ من أين تأتي هذه الأقراص؟ هل من الجزائر بالضبط أم من دول أخرى؟

هناك مزايدات من كلا الطرفين. القول إن المغرب كدولة يدخل “الحشيش” إلى الجزائر كلام سياسي لا أساس له. كما يتم أيضا الحديث عن المغرب باعتباره دولة تعتمد في مداخيلها على “الحشيش”. هذه الاتهامات ليست فقط شاذة، بل لا تعتمد على حقائق سوسيولوجية.

بالمقابل يتهم المغرب الجزائر بتصديرها الحبوب المهلوسة.

أولا، “الحشيش” الذي يصل إلى الجزائر يمر عبر شبكات دولية، يشتغل فيها مغاربة وجزائريون، كما قلت. وهذه الشبكات تعتمد في عملها على تقسيم العمل، حيث إن كل جنسية تشتغل داخل حدود وطنها، وهناك بطبيعة الحال استثناءات. أضف إلى ذلك أن شبكات التهريب الدولي للمخدرات تنسج علاقات مع مسؤولين في كل البلدان التي تمر عبرها، فتهريب المخدرات لا يشتغل في الظل. المغرب على هذا المستوى أكثر واقعية لأنه يقوم بين الفينة والأخرى بحملات ضد المسؤولين المشتبه في خلقهم علاقات مع هذه الشبكات، كما هو الحال في إسبانيا أيضا بصفتها مستهلكا وبلد عبور، الشيء الذي لا نسمع عنه في الجزائر.

ولكن هناك مراقبة أمنية قوية بين المغرب والجزائر.

المراقبة الأمنية على الحدود الجزائرية المغربية من جهة وجدة، جعلت مجموعة من المهربين يغيرون الطريق عبر موريتانيا ثم الجزائر. فالسوق الجزائرية لا تستقبل كميات مهمة من “الحشيش” لأن السوق الأوربية رغم شدة المراقبة، تبقى المفضلة لدى شبكات التهريب عكس “الحشيش” والحبوب المهلوسة التي تنتقل بسرعة، ولا تتطلب تعقيدا على مستوى الشبكات، كما هو الحال مع “الحشيش”.

هذه الحبوب يمكن أن تأتي من الجزائر أو من بعض الدول الأوربية عبر الجالية المغاربية المقيمة في البلدان الأوربية، فالجزائر ليست مصدرا، بل معبرا. لهذا أتحدث عن مزايدات سياسوية بين البلدين، فإذا كان هناك صراع، فعليه أن يرقى إلى مستوى أعلى، وأن يتم تجاوز هذا النوع من الاتهامات من كلا الطرفين.

هل هناك معطيات سوسيولوجية حول استهلاك القنب الهندي في السوق الداخلية بالمغرب؟

ليست هناك معطيات حول المدن المستهلكة لـ”الحشيش” أو القنب الهندي، فنحن بلد منتج ومستهلك. لكنه، للأسف الشديد، يفتقر إلى بنيات بحث في هذا الموضوع، بنيات قادرة على بناء معطيات وتحليلات كفيلة بتغيير نظرتنا تجاه الحشيش، ووضع سياسة عمومية صحية في مجال استهلاك المخدرات. هناك بعض الإحصائيات التي تتحدث عن 80000 شخص مستهلك للحشيش.

وهناك مناطق كانت ولا تزال مستهلكا لـ”الكيف” كمنطقة بني ملال وعبدة ودكالة، عكس استهلاك “الحشيش” الذي له طبيعة حضرية، فـ”الكيف” ما زال يستهلك في البوادي والمواسم التي تقام في ربوع المغرب.

نبذة عن الباحث الأنثروبولوجي خالد مونة:

خالد مونة أنثروبولوجي وأستاذ باحث في جامعة مولاي إسماعيل بمكناس شعبة علم الاجتماع، وأستاذ زائر بجامعة مونبوليي 3 والمدرسة العليا للدراسات الاجتماعية بباريس، وعضو هيئة التدريس في الماستر الأوربي Crossing the Mediterranean: towards Investment and Integration (MIM) في جامعة كافوسكري بالبندقية، وباحث في معهد جاك بيرك للعلوم الإنسانية، وعضو في لجنة التحكيم في مجلة Espace Temps الصادرة عن مدرسة بولي تيكنيك لوزان ومجلة FuoriLuogo الصادرة عن جامعة فريدريك 3 نابولي.

صدرت له أبحاث متعددة في مجال زراعة القنب الهندي في المغرب، نشرها في مجلات دولية محكمة، إضافة إلى كتاب “بلاد الكيف، السلطة والاقتصاد عند كتامة”.

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي