شارك المقال
  • تم النسخ

ملف خاصّ.. جريدة “بناصا” ترصد كيفية تأثير الأخطاء الكارثية لـ”السّياسة الماكرونية” بالدّول المغاربيّة على أحداث فرنسا بعد مقتل نائل المرزوقي؟

تشهد فرنسا، منذ أيام، موجة احتجاجات وأعمال شغب لا تزال مستمرة حتى الآن، عقب قتل المراهق نائل المرزوقي (17 عاما) ذي الأصول الجزائرية، برصاصة في الصدر، بسبب رفض التوقف خلال مراقبة مرورية أجراها شرطيان دراجان في نانتير، حيث تتوقع السلطات أن تتوسع دائرة العنف وتتسم بأعمال تستهدف الشرطة ورموز الدولة.

ويرى خبراء السياسة، أن مقتل نائل كان بمثابة الشرارة الأكبر التي أشعلت موجات الغضب، وقد تجسد ذلك في مقتل نائل الذي فجر الاحتجاجات التي يتوقع أن تتوسع، كما تأتي هذه المواجهات العنيفة وأعمال التهب والحرق والاستلاء على الأسلحة بعدما نجح الرئيس الفرنسي ماكرون في احتواء أزمات أصحاب “السترات الصفر” والمحتجين على تعديل قانون التقاعد بعدها.

وذهب بعض المحلليلن السياسيين بالقول إلى أن رقعة الاحتجاجات وموجات الغضب التي تشهدها فرنسا حاليا، قد يكون لها تأثير بالغ الأهمية على المنطقة المغاربية، لاسيما أن الرئيس الفرنسي ماكرون يصر بأخطائه “الكارثية” على المواجهة الأمنية للاحتجاجات والإضرابات، ويراهن على يأس المحتجين، وانفراط تجمعاتهم، وذلك بعد أن فقد البوصلة في سياسته الداخلية والخارجية.

القادم قد يكون أسوأ.. والجمهورية الفرنسية الخامسة تواجه عائلتها الجزائرية

وحول هذا الموضوع، يعتقد عبد الرحيم المنار السليمي، أستاذ العلاقات الدولية والمحلل السياسي ورئيس المركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية والتحليل الأمني، أن الأمر لا يجب قراءته من زاوية حدث مقتل الشاب الفرنسي ذوي الأصل الجزائري من طرف الشرطة الفرنسية، مبرزا أن “هذا الحدث ماهو إلا ظاهر جبل الثلج الذي تخفيه أخطاء فرنسية كثيرة ارتكبها ماكرون في تدبير علاقاته بالدول المغاربية”.

ولفت السليمي في حديث مع جريدة “بناصا” الإلكترونية، إلى أنه و”منذ شهور نبه سفير فرنسي سابق بالجزائر الى أن النظام الجزائري وحالة الجزائر الراهنة، ستكون سببا في انهيار الجمهورية الخامسة الفرنسية، وهذا مايحدث اليوم”.

وأضاف: “الأحداث الجارية في فرنسا سبقتها حملة تحريض كبيرة من طرف النظام العسكري الجزائري ضد فرنسا، وسبقتها أخطاء النظام الفرنسي لما سمح للجزائريين المقيمين في فرنسا والجزائريين من أصول فرنسية بالتظاهر والاحتجاج في فرنسا”.

وأردف: “النظام الفرنسي سمح بقافلة الاحتجاج الجزائري في فرنسا ضد كل شيء وسمح بصدامات بين مكونات هذه القافلة، ولم ينتبه الى أنها قد تنقلب ضده، وهذا ما وقع اليوم، فالجزائريون الفرنسيون كانوا مهيئين لبداية الاحتجاح والانتقال لأعمال تخريب بمجرد الاعلان عن مقتل الشاب الفرنسي من أصول جزائرية لتنظم إليهم جاليات اخرى غاضبة من فرنسا”.

وأوضح أستاذ العلاقات الدولية، أن “الحدث فيه مقتل شاب فرنسي من أصول جزائرية، وأن الذي يدير الأزمة ويواجه أعمال التخريب وزير داخلية فرنسي من أصول جزائرية، وأن الحشود المخربة هم فرنسيون من أصول جزائرية”، مشيرا إلى أن “القادم سيكون أسوأ، ذلك أن فرنسا تواجه عائلتها الجزائرية والعدوى آتية من دولة جزائرية مريضة أسستها فرنسا”.

ومن المتوقع، بحسب المصدر ذاته، “أن تتطور خطورة الأحداث في الأسابيع القادمة، لأن فرنسا ستركب على الأحداث لتلغي اتفاقية 1968 التي تعطي الإمتياز لحوالي أربعة ملايين جزائري يستفيد من فرنسا”.

وأشار منار السليمي، إلى أن “كل هذه الأحداث تبين أننا أمام رئاسة فرنسية ليس لها خبرة، ولم تستطع القيام بالقراءة الجيدة للمنطقة المغاربية، ولم تكن لها القدرة على إدارة التوازن في علاقاتها مع الدول المغاربية، حيث انجرفت نحو الجزائر بسبب الغاز، ولم تنتبه إلى أن الجزائر دولة مريضة قريبة من الإنهيار وستجر معها الجمهورية الخامسة”.

فرنسا ماكرون الأسوأ ديبلوماسيا.. والقيادة في باريس استيقظت متأخرة

من جانبه، أكد الأكاديمي المغربي، والخبير في العلاقات الدولية هشام معتضد في تصريح لـ”بناصا”، أن “فرنسا تجتاز مرحلة سياسية جد معقدة، وأن القيادة الفرنسية تحاول جاهدة تدبير الأوضاع المتأزمة للخروج منها بأقل الخسائر الممكنة سياسيًا، وأمنيًا، و إقتصادياً، وخاصة بنيويًا”.

وأضاف معتضد أن “الوضع السياسي الراهن في فرنسا يؤثر بشكل كبير ليس على الفضاء العام الفرنسي، ولكن على المنطقة المغاربية بشكل عام، وخاصة المغرب والجزائر لأنهما يرتبطان سياسيًا واقتصاديًا وإجتماعياً بالديناميكية المدنية لفرنسا وتفاعلاتها الداخلية”.

ولفت المتحدث ذاته، إلى أن “القيادة في فرنسا تعي جيدًا أن هناك انفلات اجتماعي وخلل مدني، بالإضافة إلى هشاشة إقتصادية يخيمون على الشأن العام والفضاء السياسي في فرنسا، لذلك فالدائرة المقربة من الرئيس ماكرون تحاول بكل جهدها إخفاء معالم الوضعية الخطيرة التي يعيشها الفرنسيين، ولو باللجوء إلى التضليل الإعلامي أو تمويه الرأي العام بالاعتماد على ميكانيزمات الخطاب السياسي”.

وزاد، أن “الخطير في الأمر، أن مكانة الثقافة الفرنسية التي كانت تحضى إلى وقت قريب بأولوية استراتيجية لدى العديد من المكونات الاجتماعية والشعبية خارج الفضاء الفرنسي، أصبحت تفقد الكثير من شأنها وقيمتها نظرًا للتدبير السياسي والاختيارات الاستراتيجية للقيادة الفرنسية الراهنة”.

وأوضح الخبير المغربي، أن “التداخل السياسي والاقتصادي لفرنسا وشمال إفريقا أصبح يفقد الكثير من ترابطه التقليدي، وأن القيادة في باريس استيقظت متأخرة في ضبط الشأن العام الفرنسي، وفهم التطورات الجيوسياسية و التحديات الجيوستراتيجية التي تهمين على الضفة الجنوبية من البحر الابيض المتوسط، لذلك فهي تواجه مرحلة جد حساسة في السياسة الداخلية والخارجية لفرنسا السياسية”.

وخلص المصدر عينه، إلى أن “فرنسا ماكرون تعتبر الأسوء ديبلوماسيا في تاريخ فرنسا، خاصة فيما يتعلق بتدبير العلاقات الثنائية لباريس والعواصم المغاربية، حيث أن قيمة فرنسا إنهارت بشكل كبير في بورصة السياسة لدول شمال إفريقيا، وأن إرث فرنسا الاجتماعي والسياسي والثقافي أصبح جزءاً من الماضي، ويغيب بشكل كبير في الرؤية المستقبلية للشعوب المغاربية”.

فرنسا في الحضيض.. وماكرون يطبق المنهجية الصهيونية في تعامله مع أحداث الشغب

إدريس جنداري، الكاتب والباحث الأكاديمي المغربي وصاحب كتاب “المسألة السياسية في المغرب”، في رده على سؤال “بناصا” حول المنهجية التي تعامل بها الرئيس الفرنسي مع المتظاهرين بمختلف المدن الفرنسية، قال: “إن ماكرون يناقش تطبيق المنهجية الصهيونية في معاقبة أولياء أمور (المراهقين) الذين يشاركون في أعمال الشغب”.

وأوضح جنداري، أنه “من الناحية القانونية والحقوقية، فيجب معاقبة الفاعل، وغير ذلك، فهو خرق قانوني، وحقوقي يجب مواجهته من طرف من تبقى من مثقفي النزاهة، أما مثقفو التزييف فقد رفع عنهم القلم”، مؤكدا أنه “بدل المقاربة البوليسية، على الطريقة الصهيونية، يجب إعادة الاعتبار لسكان الضواحي/ الهوامش عبر ربطهم بمراكز المدن، وتوفير الشروط اللازمة لحياة إنسانية سوية”.

وشدد المتحدث ذاته، على أن “فرنسا اختطفت إفريقيا واستهلكت ثرواتها، ورحلت شعوبها، كعبيد، لقيادة حروبها وبناء نظامها الصناعي، وأن هؤلاء الضحايا خلفوا أبناء وأحفاد ولدوا ونشأوا في فرنسا ويحملون الجنسية الفرنسية، لكن، للأسف، كمواطنين من الدرجة الدنيا، يتم الزج بهم في ضواحي المدن، كلاجئين، وتمارس في حقهم كل أشكال العنصرية المقيتة، في التعليم والتطبيب والتشغيل”.

الأسباب التي دفعت الفرنسيين إلى الاحتجاج عقب مقتل نائل

ولفت إدريس جنداري، إلى أنه “ورغم كل هذا الحيف، يتساءل مثقفوا التزييف Les intellectuels faussaires بتعبير P.Boniface عن الأسباب التي تدفع هؤلاء إلى الاحتجاج ؟! ليعلم هؤلاء، أنهم لو وضعوا محمية وزجوا بحيوانات داخلها دون طعام و شراب تنظيم وحماية لخرجت من محميتها واندفعت بحثا عن ظروف أفضل”.

وأضاف صاحب كتاب “المسألة السياسية في المغرب”، أنه “لا مجال للمقارنة، طبعا، بين الإنسان والحيوان، لكن واقع الحال يؤكد أن رعاية الحيوان في محميات أصبحت أفضل من ظروف العيش في الضواحي الفرنسية، فنظام المركز والضاحية/ الهامش تصميم رأسمالي لهندسة المدن، وفي المركز تعيش النخبة الاقتصادية مالكة وسائل الإنتاج، بينما تُحشر اليد العاملة التي لا تتجاوز ملكيتها عضلات الإنتاج في الضواحي”.

ويرى المصدر ذاته، أن “ما يجري في فرنسا، ليس سوى نموذج مصغر لما يجري في كل المدن الصناعية الكبرى، حول العالم، حيث انتقلت نظرية الصراع الطبقي من مستواها النظري إلى حيز الممارسة العملية، فلم يعد الوعي الإيديولوجي الطبقي، المؤطر حزبيا ونقابيا، شرطا للانتفاض، لأن واقع الفقر والتهميش أصبح يتجاوز مخيلة المنظر/الفيلسوف الذي تحمل، يوما ما، مسؤولية صياغة وعي عن الواقع”.

وأشار الكاتب والباحث الأكاديمي المغربي، إلى أن “انتفاضة الجوعى المشردين العاطلين المحشورين في الضواحي/الهوامش بسبب سياسات ماكرون الداخلية والخارجية، ستشكل قنبلة موقوتة تتجاوز قوتها التدميرية ما يروجه إيلون ماسك عن خطر الذكاء الاصطناعي الذي يتجاوز، نفسه، الخطر النووي”.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي