شارك المقال
  • تم النسخ

يلدرم: إلى حدود اللحظة ليست هناك معارضة شعبية قوية في تركيا

حاوره من إسطنبول: نور الدين لشهب

قال رمضان يلدرم، أستاذ جامعي بجامعة إسطنبول، إن الربيع التركي بدأ بوصول زعيم حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان إلى الحكم قبل 18 سنة، مبرزا أن الشعبية الجارفة التي يحظى بها الرئيس التركي لدى العالم العربي، تعود إلى اتخاذه “موقفا مبدئيا تجاه الربيع العربي، بجانب الشعوب وليس الأنظمة الحاكمة”.

وأفاد الباحث في مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعي SETA، ،أن عبارة أردوغان الشهيرة One Minute التي قالها في دافوس للرئيس الإسرائيلي شمعون بريس بوأته مكانة في قلوب المسلمين، ومنحته شعبية أممية في العالم الإسلامي، مؤكدا أن معارضة تركيا لإسرائيل هي “معارضة مبدئية، لأن موازين العلاقات الخارجية قد انقلبت رأسا على عقب”.

وأبرز يلدرم، وهو رئيس تحرير مجلة “رؤية تركية” ومتخصص في علم الكلام والمذاهب الإسلامية، في حوار خاص، أن الشباب التركي الذي اعتصم في ساحة تقسيم في العاصمة كانت لهم مطالب حقيقية استغلتها بعض المنظمات اليسارية، إحداها منظمة يسارية ماركسية متطرفة مارست التقتيل أكثر من عشرين سنة، واستغلت الشباب في أحداث تقسيم بإسطنبول”.

كيف يمكن لحزب العدالة والتنمية أن يحافظ على مكاسبه السابقة بعد الهزات السياسية تعرض لها مؤخرا؟

لابد من التذكير أن حزب العدالة والتنمية حينما جاء إلى الحكم قبل أزيد من 10 سنوات، كان الوضع الاقتصادي لتركيا غير جيد، وبالنسبة للحقوق والحريات بشكل عام هناك مشاكل كبيرة في تركيا، مثلا يوجد لدينا “سنويات” أو ما نسميه الأئمة والخطباء والذين كانوا لا يستطيعون الدخول للجامعات، ما عدا الكليات الشرعية، ولكن فيما قبل كان مسموحا لهم بذلك، وأنتم تعرفون قبل هذه المدة كان لدينا حكم شبه عسكري، وتحديدا عام 1997 عندما قضى العسكر على حكم نجم الدين أربكان، وتم التضييق حينها على الجانب الحقوقي بشكل ملحوظ وكبير جدا، فجاء حزب العدالة والتنمية في ظل هذا الوضع البئيس، وبدأ في سياسته منطلقا من الفئة الفقيرة والمعدمة، وتحسن الوضع، واستطاع الحزب بزعامة أردوغان أن يكسب سبع انتخابات متتالية منذ ما يزيد عن عشر سنوات، وانتخابات يوم 30 مارس هي الثامنة.

نجاح حزب العدالة والتنمية مرده أيضا إلى عدم وجود معارضة قوية من لدن الأحزاب الأخرى، ولكن يبقى النجاح الكبير الذي حققه الحزب متمثلا في الوضع الاقتصادي أساسا، ولا بد من التذكير مرة أخرى أن أردوغان قبل أن يكون زعيما ورئيسا للحكومة قد جربه الناس لما كان رئيس بلدية إسطنبول، وكما هو معلوم فمدينة اسطنبول تعتبر حاضرة تركيا الصغيرة، فنسبة 40% من الدخل القومي لتركيا يأتي من إسطنبول وأذكر شخصيا أني كنت هنا في اسطنبول مدرسا في الجامعة، وحين أذهب إلى بلدي في منطقة “مالاطيا” في شرق تركياـ وهي منطقة كردية، كان أبي وأمي يسألان عن رئيس بلدية إسطنبول، ولم يكونا يسألان عن رئيس الجمهورية ولا رئيس الوزراء. ما أود قوله، هنا والآن، أن الاهتمام الشعبي بشخص أردوغان وحزبه انتشر في أنحاء تركيا من انطلاقا من مدينة إسطنبول، وكما تعرفون أنتم ولا شك في ذلك، أن عبارة One Minute في دافوس التي قالها للرئيس الإسرائيلي شمعون بريس بوأته مكانة في قلوب المسلمين، هذه العبارة منحته شعبية أممية في العالم الإسلامي، وأنتم تعرفون أن كل من عارض إسرائيل في العالم الإسلامي يُوجد لنفسه شعبية كبيرة.

معارضة إسرائيل من قبل تركيا، هل هي معارضة مبدئية أم هي من أجل استدرار التعاطف والبحث عن الزعامة لدى الشارع العربي والإسلامي؟

أنا أعتبرها معارضة مبدئية، لأن موازين العلاقات الخارجية قد انقلبت رأسا على عقب، فتركيا الآن دولة كبيرة ومؤثرة، وهذا يعود إلى خلفياتها التاريخية، ثم يعود أيضا إلى بعض الممارسات الثابتة والتي لا يستطيع السياسيون أن يغيروها، فمثلا نحن عندنا في تركيا نميز بين شيئين مهمين: الدولة والحكومة، بحيث أننا نفرق ما بين الدولة والحكومة، فالدولة شيء ثابت لا يطاله التغيير، وأما الحكومة فهي متغيرة، ولكن كلمة One Minute غيرت الدولة بشكل عام، وليست السياسة الحكومية المبدئية، ولا تنس أن أردوغان له خلفية إسلامية كما تعلمون، وهذا ما يؤهله أن يجري هذه السياسات التي أصبحت تغير وجه الدولة على المستوى الخارجي.

حكومة العدالة تعرضت لهزات داخلية تجسدت في الاحتجاجات التي تجسدت في ساحة تقسيم، إلى درجة أن بعض الباحثين أطلقوا عليها وصف الربيع التركي، كما أن هناك مشاكل إقليمية مع سوريا ومصر ودعم تركيا للمعارضات العربية، زد على هذا الصراع القائم ما بين حزب العدالة والتنمية وجماعة فتح الله كولن، ألا يؤثر هذا على حظوظ حزب العدالة والتنمية للظفر بالانتخابات البلدية؟

هذه الأمور لن تؤثر على الانتخابات أبدا، فوضع تقسيم أخي الكريم كان في خارج تركيا وفي داخلها، بحيث أنهم كانوا يقيسون الأمور على ميادين التحرير الذي بدأت منه شرارة الربيع العربي، ولكن هم نسوا أن الربيع التركي بدأ بوصول أردوغان إلى الحكم، أي قبل 11 سنة، بمعنى أن النظام القديم بدأ يتغير، وهذا ما منع من وجود ثورة كبيرة في تركيا في حال لو استمر الوضع على ما هو عليه قبل عشر سنوات.

إن ما وقع في تقسيم هو أن شبابا من تركيا كانت لهم بعض المطالب المعتبرة على واقع الحياة، ولكن مع ضعف وجود معارضة قوية جعل الشباب ييأسوا من المعارضة أصلا، فأكثر من عشر سنوات غيرت الشيء الكثير، مثلا من كان عمره 10 سنوات أو ثمان سنوات، لما جاء أردوغان إلى الحكم، أصبح عمره الآن 20 سنة، يعني لما فتح عينيه على السياسة وجد طيب أردوغان، فالمعطى السوسيولوجي الذي يحارب به أردوغان لا تفهمه المعارضة، أردوغان يحارب اليوم بالمعطى السوسيولوجي، فتصور أنه قبل عشر سنوات كانت اسطنبول مملوءة بالأزبال، وكان الماء ينقطع عبر الحنفيات، فلما كنت أقيم في اسطنبول وابني عمره عشر سنوات كان يعلم أن اسطنبول لم يكن بها ماء، والآن هناك ماء وهناك نظافة، ابني يتساءل لماذا؟ ولا شك أنه وغيره من الشباب سيعجبون بهذا التطور الحاصل اليوم في تركيا، ومع ذلك فإن الشباب الذي اعتصم في تقسيم كانت لهم مطالب حقيقية استغلتها بعض المنظمات اليسارية، وبعضها إرهابي، استغلوا الشباب في أحداث تقسيم…

لماذا وصفت منظمات يسارية بالإرهابية؟

نعم توجد لدينا منظمة يسارية ماركسية متطرفة..

يعني تؤمن بالعنف الثوري وتعمل على قلب النظام؟

طبعا، وهي مارست العنف أكثر من عشرين سنة، وتعرض أعضاء في سلك الشرطة للقتل من لدن هذه المنظمة، كما فجرت أماكن يرتادها أناس عاديون، هذا بات معروفا لدى المواطن التركي، وكما قلت هذه المنظمة الإرهابية استغلت الشباب في أحداث تقسيم، ولكن يجب أن نؤكد أن أردوغان له معارضة، وهذا طبيعي جدا، نتصور أن له 50% من المؤيدين فأكيد أن 50% الباقية هي ليست في صفه، أي أنها معارضة ولا شك، غير أن هذه المعارضة غير منظمة ولها مشاريع مختلفة ومتضاربة ولا يجمع بينها سوى معارضة أردوغان وحزبه.

أما حركة فتح الله كولن، فنحن في تركيا لنا تاريخ يوم 17 دجنبر، هذا التاريخ تعرض فيه أبناء الوزراء للاعتقال والتحقيق على ذمة الفساد، وهذا يمكن أن يكون صحيحا، فتصور أن حزبا يحكم تركيا منذ 11 سنة، والناس يتكاثرون سنة بعد أخرى، ولهذا يمكن أن تكون هناك قضايا فساد من هذا النوع، ولكن النية من هذه العملية البوليسية تتوخى قلب النظام، فهم جمعوا الأدلة منذ ثلاث سنوات، فالنائب العام يقبض على الجاني فور توفر الدليل، أما هم فبدؤوا يجمعون الأدلة كي يعبثوا بالنظام العام، فالحكومة سارعت إلى منع هذه المؤامرة، واستقال بعض الوزراء…

وشهدت تركيا أكبر تعديل حكومي في تاريخها؟

طبعا، كما أن أحد الوزراء طرده طيب أردوغان من الحكومة، وهو أول وزير يتم عزله في تاريخ تركيا، وكان من أصدقائه المقربين، وبالرغم من هذا فالمعارضة، وعلى الخصوص، جماعة فتح الله كولن كانت تقول بأن هذا لا يكفي كلكم حرامية، وهذا ليس أسلوبا سياسيا، وأما أردوغان فكان رده كالتالي: القضية في المحكمة ولا بد من انتظار النتائج…

ولكن جماعة كولن ليست حزبا سياسيا…

هذا صحيح، جماعة فتح الله ليست حزبا سياسيا، ويقولون أيضا أنهم ليسوا جماعة دينية، نحن منظمة مدنية نراقب السلطة، وهذه فكرة جديدة جيدة، وهذا شيء مهم أن تتقدم منظمة مدنية بالأفكار للسلطة، ولكن لا تستطيع أن تقضي عليها ما دام هدفها مدني وليس سياسي، ولكن العكس هو الذي حصل.

أريد أن أرجع بكم إلى الخلفية التاريخية للجماعة، وكما تعلمون يوجد لدينا الزعيم سعيد النورسي، وجماعة فتح الله كولن تقول بأنها تنتمي فكريا إلى هذا العالم المشهور، ولكن المنتسبين للزعيم النورسي كثيرون، في تركيا أكثر من عشر جماعات كلها تدعي انتسابها للزعيم النورسي، وجماعة فتح الله كولن انشقت عن كل هذه الجماعات منذ ثلاثين سنة وهي تعمل في مجال التعليم والتدريس، وبدأت الجماعة في إنشاء الكوادر التي أصبح لها وجود داخل الشرطة والقضاء والتعليم، في البداية نالوا التأييد من لدن حكومة أردوغان لأنهم هم أيدوه في البداية ضد أربكان، لأنهم كان لهم خلاف مع نجم الدين أربكان، وهذا الخلاف لم يخرج إلى فضاء الإعلام بل ظل كامنا، فهم تعاونوا مع العسكر أثناء الانقلاب ضد أربكان…

وما سبب اختلافهم مع أربكان؟

والله هذا سؤال مهم ويغيب على الدارسين للحركات الإسلامية، فأنا مهتم بأفكار هذه الحركات الإسلامية وحسب ما أرى أن هناك تنافر بين الاتجاهين، اتجاه فتح الله كولن يقول بأنهم يعملون على إنشاء كوادر كبيرة ونستخدمها بداخل الدولة، وبهذا الشكل نصل إلى السلطة..

يعني أنهم يهتمون بالمجال الدعوي على حساب العمل السياسي المباشر؟

فكر دعوي مرحلي طبعا، ولكن أربكان كان يعتبر الشعب التركي مسلما، والدولة هي للشعب، وكان يقول بأن إنشاء الحزب يكون وفق قوانين وقواعد الدولة التركية وبخلفية إسلامية نشتغل بالسياسة وندخلها من أبوابها ونحكم البلد، فأسلوب أربكان نجح بطبيعة الحال، أما أردوغان اليوم، وبالرغم من كلامه الذي يقول بأنه نزع عنه قميص أربكان، ولكن هذا الأمر صعب أن نصدقه، وإلا كيف يمكن للإنسان أن ينسلخ من فكر انتمى إليه مدة أربعين سنة؟ فهذا صعب جدا.

إذا كان هناك خلاف بين أربكان وجماعة كولن في المشاريع الفكرية في سبل التغيير، وعندما أسس أردوغان حزبا في اتجاه آخر وانفصل عن أربكان نال التأييد في البداية من قبل جماعة كولن، وهذا التأييد لم يكن حبا في علي ولكن بغضا في معاوية، كما يقال، جماعة كولن وقفت إلى جانب أردوغان بغضا في أربكان وليس حبا في أردوغان..

هناك من يذهب إلى أن حزب العدالة والتنمية يطل على العالم من قلعة أقامتها جماعة كولن؟

هذا ليس صحيحا أبدا، لابد أن نعرف أن جماعة فتح الله كولن هي جماعة نخبوية وليست جماعة ذات امتداد شعبي، وفي هذه الانتخابات سنرى ما هو حجم تأثيرها، إذا كانت الجماعة نخبوية وليس لها امتداد جماهيري فكيف يمكن لحزب سياسي يبحث عن الأصوات أن يعتمد على جماعة نخبوية، هذا غير ممكن بطبيعة الحال.

من المؤكد أن أردوغان كانت له شعبية منذ البداية، والحركة استخدمت الكوادر الموجودة في الدولة، وأخذوا كل ما طلبوه من حكومة أردوغان، والحكومة أيدتهم مدة طويلة وإلى أبعد الحدود إلى درجة أن بعض الحركات الإسلامية الأخرى الموجودة على الساحة التركية بدأت تنزعج من هذا الدعم والتأييد، والواقع أن الحركات الإسلامية الأخرى لها عمل مشهود في التعليم والعمل الأهلي بشكل عام، وهذا كان أكبر خطأ ارتكبه طيب أردوغان حسب رأيي، يمكن أن تفهموا هذا من غضبه الكبير، الغضب هذا سببه نفسي لأنه أيده في السابق، الآن القضية تغيرت عن السابق، الدولة كانت تتحرك ببطء شديد، وها هي تحركت تجاه هذا وأصبح هناك فصل ما بين جماعة فتح الله غولن وتنظيم غولن، وأقصد بالتنظيم، أتباعه الذين استغلوا قوته للترسخ بقوة في مؤسسات وكوادر الدولة، هم مجموعة من الأشخاص تعاونوا فيما بينهم، ومتواجدون في القضاء والأمن، والاستخبارات وفي المالية، يتحركون بدون إذن وأوامر قائدهم، يجتمعون في مكان ما ويخططون.

مقاطعا، هل هذا ما يطلق عليه طيب رجب أردوغان بالتنظيم الموازي؟

نعم، إنها دولة بداخل الدولة أو دولة موازية، وعندما وصل هذا التغلغل إلى هذا الحد والشعب قد أدرك هذا وأخذ يتساءل عن ماهية هذه الجماعة، تجد الرجل فيهم يتحدث بخطابات دينية ويقرأ الآيات والأحاديث ويسرد قصص الأنبياء والصحابة، ولكنه يتدخل كل يوم في شؤون السياسة، إذا أنت تمثل جماعة دينية، لماذا إذن ستهتم بالسياسة على هذا النحو وخصوصا في أيام الانتخابات، هل نؤيد تنظيما يشتغل بهذا الشكل؟ السيد طيب رجب أردوغان يريد أن ينظم العلاقة بين الدين والسياسة طبعا هذا هو سبب التفاف الجمهور عليه، لأنهم يعرفون أنه قادر على الحد من الجمع بين جماعة دينية والتدخل في السياسة.

إذن أنت تعتقد أن هذا الصراع لن يؤثر على الانتخابات المحلية؟

طبعا لا، أردوغان بطبيعة أسلوبه السياسي يريد دائما أن يخلق عدوا يحاربه عند كل محطة انتخابية، لاستقطاب الناخبين، وخصمه الحالي هو فتح الله غولن..

ربما يرى البعض أن هذا الأسلوب لا أخلاقي، لأنه تخلى عن أربكان فيما قبل، وكذلك حارب أحد المدافع الثقيلة في حزب العدالة والتنمية، والذي كان نائب رئيس الحزب، والآن سيواجه جماعة غولن؟

التحاليل السياسية تختلف، أنا أقدم وجهة نظري الخاصة، ربما في جماعة غولن من لا يرغب في كلامي هذا، وكذلك من المنتمين حزب العدالة والتنمية من لن تعجبه آرائي كذلك، الإشكال في نظري، هل الأمر يتعلق بجماعة دينية أم بحزب سياسي، من أراد أن يمارس السياسة لابد أن يؤسس حزبا وتزاول العمل السياسي بكل وضوح، وعندنا تأسيس الأحزاب ليس صعبا، تجمع توقيعات عشرة أشخاص، وتكتب لائحة وتحصل على رخصة حزب، لا أحد ممنوع من ذلك ولو من توجهات مختلفة، هذه الجماعة أشبهها بذلك الشخص القاعد على رصيف الميناءـ، ويراقب أي سفينة أقلعت لكي يركب فيها وتوظف ذلك لمكاسبك الشخصية، المواطن العادي يرى هذا، وبالتالي هذا لن يؤثر على الأصوات، بالعكس ما وقع زاد من حدة التنافس السياسي بين الأحزاب الرئيسية المشاركة وستزيد النسبة التي سيحصل عليها حزب أردوغان، وأرشحه للحصول على 43 أو 44 في المائة من إجمالي عدد الأصوات حسب رأيي مقابل 38 في المائة في الانتخابات البلدية السابقة.

قبل أن نختم الحديث عن جماعة فتح الله غولن، هل تعتقدون أنهم سيقومون بدعم حزب سياسي معين؟ يتحدث حاليا عن دعم حزب الشعب الجمهوري المعارض وهو ذو مرجعية يسارية، هل يمكن تصور جماعة إسلامية تدعم حزبا يساريا، بإمكانها دعم حزب إسلامي، لم لا؟

القرار الذي اتخذته الجماعة التي نتحدث عنها، هو أن يقدموا درسا لأردوغان، مبدئيا لم يختاروا حزبا معينا في كل أنحاء تركيا، هم سيؤيدون المرشحين الأقوياء المنافسين لمرشحي حزب العدالة والتنمية حسب كل مدينة، فمثلا في إسطنبول، سيؤيدون مرشح حزب الشعب الجمهوري، وفي مدينة أخرى يمكن أن يؤيدوا مرشح حزب السعادة، أو حتى مرشح حزب صغير…

هل للجماعة تواجد في شرق تركيا حيث يتواجد الأكراد بكثافة؟

جماعة غولن متواجدة في كل مكان في تركيا، لأنها تشتغل في مجال التعليم والدراسة ويقدمون نموذجا ناجحا بكل المقاييس.

هناك نقطة دكتور، تهم المقارنة بين الحركات الإسلامية في العالم العربي وتركيا، يتبين لي نوع من اللبس، في العالم العربي الحركات الإسلامية تبتدئ بالدعوة والإعلام في منابر صغيرة ومتواضعة، وعندما تتقوى رويدا رويدا، وتصبح لها شعبية، تلج العمل السياسي. في تركيا، العمل الإسلامي بدأ مع عدنان مندريس، الذي عمل على عودة بعض الرموز الإسلامية التي ألغاها حكم العسكر سابقا، حزب العدالة والتنمية يصف نفسه بكونه حزبا محافظا، ليست له أجنحة دعوية، ألا يمكن هذا أن يؤثر في مستقبل الحزب، عندما تلجأ حركات إسلامية إلى تشكيل أحزاب سياسية وتستفيد من تراكمها الدعوي، مثل جماعة غولن أو غيرها؟

هذا سؤال مهم جدا، في تركيا وفي أغلب العالم الإسلامي، بدأ النقاش حول التساؤل التالي، هل التنظيم على أساس ديني ينفع المجتمع الإسلامي أم لا؟ في العالم العربي عامة الحركات الإسلامية المعتدلة كجماعة الإخوان المسلمين أو حركة التوحيد والإصلاح عندكم في المغرب أو حركة النهضة في تونس، هذه حركات سياسية في الأصل وليست حركات دعوية خالصة، الظروف السياسية الداخلية لبلدانها هي التي فرضت على هذه الحركات هذا السبيل، لأنها كانت تمنعهم من مزاولة العمل السياسي، فهم انكمشوا داخل دائرة العمل الدعوي لاستمرار وجودهم، حركة الإخوان هي حركة سياسية، والشيخ حسن البنا رحمه الله دخل الانتخابات ثلاث مرات، غير أن القانون آنذاك لم يسمح له بمزاولة العمل السياسي، بينما الأمر في تركيا خلاف ذلك، لهذا منذ أزيد من 50 سنة كل واحد أسس حزبه.

لكن الحزب المؤسس من طرف الإسلاميين، كان دائما يقمع وينقلب عليه بدعوى أنه يهدد النموذج العلماني الأتاتوركي؟

فعلا يقولون حزب علماني لكن بجذور إسلامية ويحارب على هذا الأساس، ولكن دائما التنافس السياسي كان بين الديمقراطيين ‘الإسلاميين” والعلمانيين الكماليين، في هذه الانتخابات ولأول مرة تكون المنافسة بين الإسلاميين أنفسهم، العلمانيون والكماليون هم في صف جماعة فتح الله غولن.

هذا الاختلاف كان في السابق حتى في عهد نجم الدين أربكان، حيث كان ينادي بالانفتاح على العالم العربي والإسلامي، بينما آخرون كانت لهم مطامع في دخول الاتحاد الأوربي لدرجة أنهم قاموا بتغييرات في بعض القوانين والتشريعات لتحقيق ذلك، فلنتحدث عن تركيا والعالم العربي، ماذا جنت تركيا بمواقفها المتخذة تجاه الصراع الدائر في مصر وسوريا؟

من الناحية البراغماتية، لم تجن تركيا شيئا يذكر، بل بالعكس مصالحها الاقتصادية تضررت، ويوجد حاليا أزيد من مليون نازح سوري بالأراضي التركية مما يشكل عبئا على الاقتصاد التركي، ولكن من الناحية المبدئية، كسبت تركيا كثيرا، عندما تقف ضد شيمون بيريز، وتقول له «one minute»، وبعدها تقول لحسني مبارك ارحل، لا تستطيع أن تقول إبان الثورة السورية، أنت مع بشار الأسد.

طيب أردوغان اتخذ موقفا مبدئيا تجاه الربيع العربي، ووقف بجانب الشعوب وليس الأنظمة الحاكمة، من أجل هذا حافظ على ثبات موقفه، وأظنه كسب شعبية كبيرة لدى مواطني العالم العربي الذين استحسنوا موقفه، ومن الممكن أن يجني ثمار مواقفه بعد 10 سنوات، ولن يستطيع أحد أن يقول أن أردوغان تخلى عن الشعوب العربية التواقة إلى التغيير.

في البرلمان التركي، كانوا يسائلون حزب العدالة والتنمية بكونه يأخذ أموال دافعي الضرائب ويمول بها المعارضة السورية، وهذا يشكل عبئا على الاقتصاد التركي؟

هذا ليس صحيحا، وليس ممكنا على الإطلاق المشكلة في سوريا تختلف عن مصر وعن تونس واليمن والبحرين، سوريا لديها حدود ممتدة على ألف كيلومتر مع تركيا، وإغلاق هذه الحدود من شأنه أن يؤدي إلى كوارث إنسانية، أردوغان قام بفتح الحدود تجاه النازحين السوريين، فمن الممكن أن تجد أناسا مسلحين يخترقون الحدود، لكن أن يتم تمويلهم، فهذا غير موجود.

يعني هناك جماعات مسلحة معارضة لنظام الأسد تخترق الحدود التركية السورية، لكنها تتحرك بدون تمويل تركي.

هذه التسربات أثرت على الواقع الأمني لتركيا ولنأخذ حادث تفجير السليمانية مثلا، ألن تتزعزع قناعات المواطن التركي الباحث عن الاستقرار والأمن؟

العمليات الإرهابية لم تأت وليدة اليوم بل كانت في الماضي، ولنتذكر جيدا عمليات حزب العمال الكردستاني الذي قام مند 30 سنة بعمليات إرهابية، حوالي 40 أو 50 ألف مقتول من جراء هذه العمليات.

هناك صراع قوي بين ثلاثة دول رئيسية في منطقة الشرق الأوسط إيران وإسرائيل وتركيا، العالم العربي بالرغم من الإرث الاستعماري العثماني، فهو قريب وجدانيا إلى تركيا لاعتبارات مذهبية أساسا، هل يمكن لتركيا أن تتخلى عن العالم العربي في يوم من الأيام؟

لا.. لا يمكن أن يقع هذا، وتركيا لا تقتصر على المذهب السني فقط من أجل تمتين علاقاتها مع العالم العربي، الإشكال بين السنة والشيعة له جذور تاريخية والصراع تغذيه جماعات متطرفة في الجانبين، مشكلتنا في العالم العربي، هي أن القيادات السياسية تحاول لعب الورقة المذهبية بينما غالبية السنة والشيعة تعيش في تآلف وتآخ فيما بينهما، السعودية وإيران تلعبان الورقة المذهبية في الصراع بينهما من أجل الهيمنة على الشرق الأوسط، بينما تركيا لا تحاول تغذية الصراع المذهبي وتأجيجه، لأنها إن فعلت ذلك ستضرب نفسها من الداخل، فهناك حوالي 8 مليون مواطن علوي بتركيا، ولهذا المشكلة السورية أصبحت إشكالا داخليا في تركيا بخلاف مصر، حادث الريحانية نفذه متطرفون علويون مؤيدون لبشار الأسد من داخل تركيا وليس من خارجها.

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي