شارك المقال
  • تم النسخ

“نبي” تتحقق أفكاره عن عدالة “مسألة فلسطين”.. جيل “التيك توك” يعيد اكتشاف المُفكّر إدوارد سعيد

نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرا أعده الباحث مصطفى بيومي، أستاذ اللغة الإنكليزية بكلية بروكلين بجامعة سيتي في نيويورك، قال فيه إن الناقد والمفكر الفلسطيني- الأمريكي إدوارد سعيد يبدو وبعد عشرين عاما على وفاته كـ”نبي”، وإن هناك جوعا لسرده الذي قدمه خلال مسيرته الفكرية.

مات سعيد في عام 2003 حيث يعرف الكثيرون عن اجتهاداته الفكرية وكتبه التي خرقت القانون الأوروبي مثل “الاستشراق” ومعاركه من أجل القضية الفلسطينية مثل “مسألة فلسطين” واهتماماته الموسيقية وحبه للأناقة، حيث لا تزال أفكاره ملهمة وتلهم. وهذه المرة فقد أجابت كلمات وحضوره على الحاجة التي نبعت من الهجوم الإسرائيلي على غزة، وهي حملة مقصودة ولا ترحم حيث اعتبرتها محكمة العدل الدولية بأنها نية إبادة. ولا أحد يعرف كيف يرد على هذا الشر، ولهذا لجأ البعض إلى سعيد كمرشد لهم. ولا يجد الباحث صعوبة في العثور على لقطات قديمة لسعيد على منصات التواصل الاجتماعي، إلا أن أفكاره وكلماته ولقطاته الأرشيفية نشرت بشكل واسع في كتب ومقالات علمية وأكاديمية ومنصات.

وبعدما علقت جامعة كولومبيا منظمة طلاب من أجل العدالة لفلسطين وأصوات يهودية للسلام، سخرت المجلة الراديكالية الساخرة “بيجون بوست” من الجامعة، والتي ظلت مراحا لسعيد على مدى 40 عاما، وبكلام منه “كتب سعيد مرة: “دورنا هو توسيع مجال النقاش، وليس وضع القيود بناء على السلطة السائدة، ولهذا تقوم جامعة كولومبيا بتعليق عمل طلاب من أجل العدالة لفلسطين وأصوات يهودية من أجل السلام”.

وأتبع مؤسس “بيجون بوست” جيري ليم ذلك بفيديو نشره على “تيك توك” حول سعيد تحدث فيه عن نفاق جامعة كولومبيا التي دعمت مرة حرية التعبير لسعيد عن فلسطين لكنها تقيد خطاب الطلاب اليوم وحول نفس الموضوع.

وفي يناير، نشرت المجلة الأكاديمية “سوشال تيكتس” نصا جميلا لستيفن شيهي تحدث فيه عن سعيد عندما قام برمي حجر باتجاه إسرائيل عبر الحدود اللبنانية عام 2000.

ويقول بيومي إن كتاب الأعمال المختارة لسعيد ما بين 1996- 2006 والذي شارك بتحريره مع أندرو روبين، وكلاهما تتلمذ على يد سعيد، زادت مبيعاته بعشرة أضعاف. وفي الحوارات على منصة إكس ظهر حوار بين سعيد وسلمان رشدي تم في معهد الفن المعاصر بلندن في 1986، وانتشر على عدة منشورات. وفي الحوار ذكر سعيد مواجهة مع بنيامين نتنياهو، السفير الإسرائيلي في حينه بواشنطن “تمت دعوته لنقاش تلفازي مع السفير الإسرائيلي”. و”لكن نتنياهو رفض الجلوس في نفس الغرفة معي، حتى لا يلوث بحضوري”. وأصر نتنياهو على الفصل زاعما أن سعيد كفلسطيني “يريد قتلي” ولاحظ سعيد أن المشهد “كان في الحقيقة غريبا بالمطلق”.

وولد سعيد عام 1935، في القدس لعائلة ثرية ودرس في كلية فيكتوريا بمصر قبل أن يسجل في مدرسة ماساشوستس، وتخرج من جامعة برنستون وهارفارد وكان باحثا مرموقا ومعروفا قبل صدور كتابه “الاستشراق” عام 1978، وهو الكتاب الذي غير مشهد الدراسات الثقافية أو دراسات ما بعد الاستعمار وتحدى التمثلات الغربية لغير الغربيين.

وكان سعيد الفلسطيني- الأمريكي الأكثر شهرة في الولايات المتحدة حيث ظهر في الإعلام بشكل دائم للدفاع عن القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين في دولتهم. وانتخب في عام 1977 كعضو مستقل في المجلس الوطني الفلسطيني ولكنه استقال منه عام 1993، بعد اتفاقيات أوسلو التي ناقش أنها لن تعطي الفلسطينيين حق تقرير المصير بل وستحول الفلسطينيين إلى “فارضي نظام” نيابة عن الاحتلال.

وكان سعيد وحيدا في معارضته ونقده الشرس لمنظمة التحرير الفلسطينية وياسر عرفات، وقد أثبت التاريخ صحة تحليله. وترجمت أعماله لعدة لغات وأهمها “الثقافة والإمبريالية” و”مسألة فلسطين” و”خارج المكان”، سيرة حياته وغيرها، ومات في 25 سبتمبر 2003 بعد كفاح مع مرض سرطان الدم.

ويرى بيومي أن العودة إلى سعيد ليست جديدة، فهو الحاضر الدائم بين الفلسطينيين. ففي عام 2022، نشرت دار نشر “سيتي أوف لايتس” بسان فرانسيسكو مجموعة شعرية لمصعب أبو توهة، مؤسس مكتبات إدوارد سعيد في غزة. وفي قصيدة بعنوان “إدوارد سعيد، نعوم تشومسكي وتيودور أدورنو” “مشى الغبار على رؤوس الأصابع في تصفيق حار، بعد الانفجار. إدوارد سعيد خارج المكان، مرة أخرى، سقطت كتبه من رفوفي على زجاج النافذة المهشم. فلسطين خارج المكان أيضا، سقطت خريطتها عن الجدار”.

وكتبت القصيدة كرد على هجوم إسرائيلي سابق، حيث دمرت إسرائيل 13 مكتبة في هجومها الحالي وقتلت 9 أمناء مكتبة وغادر أبو توهة غزة إلى القاهرة حيث كتب “عبّد إدوارد سعيد الطريق أمام الكثير من الكتاب والمثقفين لكي يواجهوا السلطة بالحقيقة وهذا مهم في ظل محاولات الخطاب الصهيوني نزع الأنسنة والعنصرية ضد الفلسطينيين”.

وخطاب كهذا ليس جديدا ولن يختفي. وقال سعيد في عام 1979 “من الناحية العملية فالإثنية الوحيدة التي يتسامح الغرب مع الافتراءات ضدها بل ويشجعها، هم العرب”. فقد نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرا قبل فترة شيطنت فيه مدينة العرب ديربورن بولاية ميشيغان، التي يعيش فيها “إرهابيون غير تائبين”. وفي نفس اليوم نشر المعلق في صحيفة “نيويورك تايمز” توماس فريدمان مقالا شبه فيه العرب والإيرانيين بالذباب.

ولم تتراجع أي من النشريتين عن ما نشر فيهما مع أن أي مستوى من التعصب لا يمكن التسامح معه ضد أي مجموعة عرقية أخرى. والخطاب المتعصب ضد العرب والمسلمين والفلسطينيين يركز اليوم على تقييد حريتهم بالتعبير.

ويقول تيموثي برينان، مؤلف كتاب “أماكن العقل”، وهي سيرة عن حياة سعيد “قراءة سعيد بعد هجمات 7 أكتوبر مليئة بالكثير من الإحباطات” و”إحباط أنه ليس موجودا لكي يرد على الرقابة التي تطبع كل مظاهر الحياة اليومية في الولايات المتحدة، وكان سعيد يخترق ويجد مستمعين، في هذه اللحظة التي يرى الكثيرون حول العالم ما هي طبيعة المشروع الصهيوني ومن الناحية العملية”. ولعل السبب وراء بحث الناس عن رؤية في كتب وتراث سعيد أنه كان قادرا على تقديم موقف أخلاقي ورؤية تاريخية معقولة. لعل السبب وراء بحث الناس عن رؤية في كتب وتراث سعيد أنه كان قادرا على تقديم موقف أخلاقي ورؤية تاريخية معقولة.

وصف سعيد الفلسطينيين بأنهم “ضحايا الضحايا”، وكشف أنهم أصبحوا وبطريقة لا تنفصم جزءا من تاريخ اليهود الأوروبيين، مع أن “ثقافة وحياة وسياسة الفلسطينيين لها دينامياتها وبالتالي أصالتها”. وكان هذا التحرك مهما لتفكيره حيث الرابطة أهم من الانقسام. وما كتبه سعيد قبل 35 عاما يبدو وكأنه كتب أمس. كان قادرا بجاذبيته السياسية وسحره وعاطفيته على بناء ما وصفته الروائية أهداف سويف أنها “واحدة من 3,000 صديق لسعيد” بأن والدها رجل أحب الناس الاستماع إليه لأنه على خلاف نتنياهو كان مستعدا للحديث مع أي شخص ومنهم اليهود الأمريكيين “اعترف والدي بالمعاناة اليهودية وكان داعية للتعايش مع الإسرائيليين وعلى قدم المساواة ولكنه كان ناقدا شديدا لإسرائيل”.

ولم يفهم سعيد فقط المعاناة اليهودية ولكنه فهم الضرر نتيجة لإساءة استخدامها “أفهم وأقدر ما أستطيع وبعمق الخوف الذي يشعر بع معظم اليهود أن أمن إسرائيل هو حماية حقيقية ضد محاولات لإبادة الشعب اليهودي في المستقبل”، ولكنه أضاف عام 1979 في كتابه “مسألة فلسطين” “لن تكون هناك طريقة مقنعة لممارسة حياة هدفها منع عودة الماضي. وبالنسبة للصهيونية، أصبح الفلسطينيون هم المعادل لتجربة الماضي وتجسدوا في التهديد الحاضر. والنتيجة هي أنه تم إدارة مستقبل الفلسطينيين كشعب، من خلال هذا الخوف وهو كارثة لهم ولليهود أيضا”.

والأهم في كل هذا هي قدرة سعيد على ربط النضال الفلسطيني بالمقاومة ضد الاستعمار، فقد كتب في “مسألة فلسطين” “كل دولة أو حركة استعمرت أراضيها سابقا في أفريقيا وآسيا تعرف نفسها وتدعم بشكل كامل النضال الفلسطيني”، مشيرا إلى التشابه في تجارب العرب الفلسطينيين على يد الصهيونية وتجارب الشعوب السوداء والصفراء والبنية والذين وصفوا بأنهم غير بشر وأقل قيمة في أدبيات المستعمرين في القرن التاسع عشر. ولا يزال الشبان حول العالم ينجذبون نحو هذه الرسالة المعادية للعنصرية.

ويقول محرر “بيجون بوست” إن تحليل سعيد للغرب وعلاقته بالغرب حي في الكثير من المحتويات على صفحات تيك توك. وقال ضاحكا إن منهج سعيد سيكون شهيرا لأنه سيكون نصف بيانو ونصف تحليل. وفي قراءة سعيد يعتقد الواحد أنه نبي، وهو دقيق لأن التشرد الفلسطيني متواصل والاحتلال مستمر ولا عدالة بدون نقد، قال سعيد وأضاف أن الحديث عن فلسطين هو “ركيزة” حقوق الإنسان العالمية اليوم. ومع اكتشاف الجيل الجديد سعيد، فإنهم يتعرفون على حقيقة القضية الفلسطينية والعدالة المطلوبة.

(القدس العربي)

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي