شارك المقال
  • تم النسخ

الدكتور علي الإدريسي يكتب: من فقهاء السلطان إلى شرعنة نرجسية السلطة

كان عقلاء الأمة وحكماؤها يستنكرون ولاء أهل العلم لرغبات أصحاب السلطة، فأطلقوا عليهم صفة “فقهاء السلطان”. وهل تبدّل الحال اليوم في زمن الحداثة والعصرنة؟أمسى تأثير الفقهاء في توجيه الناس، أو المجتمع، أو الشعب، في الدرجة الثانية، بعد أن حل محلهم من يطلق عليهم مفكرون، وكتاب إعلاميون، وصحافيون إذاعيون وتَلفَزيّون في الصدارة.    ويبدو أن الأسماء هي التي تغيرت وليست الوجوه ووظائفها، فحق للملاحظين أن يسموهم بـمفكري السلطة، وهم أقرب إلى التوصيف الذي لخصه نزار قباني بقوله:

“من مطبخ السلطان يأكلون … وخارج التاريخ يسكنون”. ومن لا يوافق وينحني ترغيبا له أو ترويعا لرغبات السلطة كان حاله أسوأ من الحال الذي أصاب ابن تيمية، وكان مصيره كمصير ابن الخطيب قديما، أو كمصير صالح بن يوسف التونسي، والمهدي بنبركة المغربي وكريم بلقاسم الجزائري المعاصرين. وهلم جرا…    

كان فقهاء السلطة يسوغون ظاهريا فتاويهم السلطانية بقول مأثور عن أحد الخلفاء “إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”. ويزعم مفكرو السلطة المعاصرة في بلداننا وإعلاميوها في مختلف المنابر، الموجِّهة لرأي الشعب المحلي، أنهم في خدمة الوطنية ودولتها، وأن مصلحة بلادهم فوق كل اعتبار، وقبل أي شيء مهما تكن قيمته.     ومن محصنات الحكم والسلطة لاعتمادها فتاوى فقهائهم بأنها مستمدة من الشريعة. أما كتبة وسائل الإعلام وأقوالهم فيبدو أن “فتاويهم” لم تتجاوز المعنى اللغوي لكلمة “إعلام” أو إخبار بشيء لا يجوز لك أن تناقشه وأحرى أن تنتقده وتخضعه لمنطق العقل السليم والقلب الذكي.    ويبدو أن إعلاميي السلطة مخلصون لتوجيهات مشغليهم، المتمثلة فيما يعرف في بعض الأنظمة السياسية المغاربية بشعار “وحدة الفكر والتصور”. في حين أن وظيفة التواصل (الإعلام) تهدف إلى صناعة الرأي العام، كل حسب ثقافته، وقناعته، وانتمائه، وموقفه السياسي الظرفي… إلخ.

     ويعلم الجميع أن تكوين الرأي العام للمجتمع أو بنائه لا يتوقف على صناعة أحادية وحيدة، لأن ذلك يتعارض جذريا مع ما يتطلبه إنجاز أي مخطط أو مشروع من تعدد الصناعات   .

    ونعتقد جازمين بأن وحدة الفكر والتصور كان وراء السقوط الحر للدولة الشيوعية الروسية (الاتحاد السوفيتي) بدون حرب. ولا تزال الأنظمة الدكتاتورية والاستبدادية تعاني من التخلف الاقتصادي رغم ثرواتها الطبيعية والإنسانية، كما تعاني من الفشل السياسي رغم لجوئها إلى كل مساحيق وشعارات الشوفينية، والنرجسية الوطنية.

* مفكر ودبلوماسي سابق

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي