شارك المقال
  • تم النسخ

الدروس الحسنية بين الإشعاع السياسي والتوظيف الدبلوماسي

     على غرار شهور رمضان السابقة ترأس الملك محمد الساس، مرفوقا بولي العهد الأمير مولاي الحسن والأمير مولاي رشيد، والأمير مولاي إسماعيل، عصر يوم الجمعة بالقصر الملكي بالرباط، الدرس الأول من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية لسنة 1445. فقد شكلت الدروس الحسنية امتدادا لإرث تاريخي دشنه السلاطين العلويون ، حيث كانوا ينظمون هذه الدروس الدينية في شهر رجب وشعبان ورمضان، قبل أن يتم التوقف على العمل بها في عهد الحماية. لكن بعد حصول المغرب على استقلاله، تمت العودة إلى تنظيمها في بداية عهد الملك الحسن الثاني لأهداف سياسية داخلية ليتم الحفاظ عليها في عهد الملك محمد السادس كآلية من آليات دبلوماسيته الدينية. وهكذا

 قام الملك محمد السادس منذ توليه الحكم بإعادة هيكلة الحقل الديني لاحتواء مظاهر التطرف الديني والسياسي الذي شهده المغرب  في بداية الألفية الثانية، حيث  تم بالإضافة إلى إعادة هيكلة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، والمجلس الأعلى للعلماء والمجالس العلمية الجهوية ، العمل على خلق مجموعة من المؤسسات الدينية كإطلاق قناة محمد السادس للقرآن الكريم، وكذا إحداث معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات …لكن إلى جانب ذلك ، عمل الملك محمد السادس على توظيف الدروس الحسنية في دبلوماسيته الدينية خاصة في بعديها الاشعاعي والدولي .

الإشعاع الديني للدروس الحسنية

   استطاعت المقاربة المغربية ، بالإضافة إلى جوانبها الأمنية والاجتماعية …توظيف الدروس الحسنية في مواجهة تمدد الفكر المتشدد والتأويل المتطرف للإسلام . حيث شكلت الدروس الحسنية بما أصبح لها من إشعاع دولي وإقليمي نقل  نموذج مغربي عصري عن الدين الإسلامي السمح والإقناع بأن الإسلام هو دين وسطية وإعتدال مصداقا للمقولة القرآنية :”وكذلك جعلناكم أمة وسطا” .وهكذا  دخلت هذه الدروس منعطفا جديدا منذ تولي الملك محمد السادس العرش، بإشراك المرأة المغربية في إلقاء الدروس وحضور مجالسها إلى جانب العلماء ورجال الدولة. وهكذا تم إشراك بعض العالمات  لإلقاء بعض المحاضرات خلال الدروس الحسنية في  إشارة إلى الدور المحوري للمرأة في الإسلام وكذا على العناية المولوية السامية بالمرأة المغربية. فقد عرفت الدروس الحسنية في عهد الملك محمد السادس تطورا على مستوى التجديد التنظيمي والانفتاح السياسي. فعلى المستوى التنظيمي شهدت هذه الدروس في سابقة من نوعها منذ تأسيسها إشراكا للمرأة العالمة والمثقفة الدينية، من خلال مساهمة رجاء ناجي المكاوي الأستاذة الجامعية في القانون الخاص بكلية الحقوق بجامعة محمد الخامس بالرباط والعضوة بالمجلس العلمي الأعلى في رمضان لسنة 2003 بدرس حسني حول الأسرة بعنوان “كونية نظام الأسرة في عالم متعدد الخصوصيات” ثم لتليها مشاركة فريدة زمرد الأستاذة بدار الحديث الحسنية في رمضان سنة 2005 بإلقاء درس بعنوان “المرأة في القرآن بين الطبيعة والوظيفة” والقاضية السعدية بلمير، عضوة بالمجلس العلمي الأعلى ، بموضوع “حركة التقريب بين المذاهب: منطلقاتها وآفاقها المستقبلية” في رمضان 2006،  بالإضافة إلى درس ألقته زينب العدوي سنة 2007 بعنوان “حماية الأموال العامة في الإسلام“ ليصبح حضور المرأة في هاته الدروس عرفا ساريا يتساوق مع الانفتاح الرمزي والقانوني والسياسي التي تشهده البلاد في تدبير قضية المرأة على الصعيد العربي والاسلامي.

        -التوجه الدولي للدروس الحسنية

 بدا التوجه الدبلوماسي واضحا في السياسة الدينية للملك محمد السادس ، حيث ظهر ذلك على سبيل المثال  في إحداث مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة ، و كذا إحداث مؤسسة محمد السادس لنشر المصحف الشريف، حيث تمت طباعة ونشر المصحف المحمدي في كافة المساجد المغربية وكذا توزيعها على مساجد بعض الدول الافريقية خلال الزيارات الملكية لهذه الدول. كما حافظ الملك في هذا السياق ، على الدروس الحسنية مع الإبقاء على تسميتها الأصلية للاستفادة من رصيدها الديني والإشعاعي ليتم توظيفها ضمن هذه الدبلوماسية الملكية . إذ تحولت هذه الدروس الحسنية ،التي يستدعى لها ممثلوا السلك الدبلوماسي العربي والإسلامي المعتمد في المغرب، إلى قناة رسمية وعملية لنقل تقارير عما ما يجري داخل المجلس إلى العديد من الدول الإسلامية سواء بآسيا او بافريقيا  أو بالمنطقة العربية. كما أن استضافة العديد من الشخصيات العلمية والثقافية وأصحاب الفكر والرأي ، وعدد من العلماء والفقهاء وممثلي الطرق الصوفية من خارج المغرب ومن مختلف القارات شكل بدوره قناة غير رسمية لنقل ما يجري خلال إلقاء الدروس الحسنية . بالاضافة إلى فتح هذه  الدروس في وجه جميع العلماء والفقهاء بغض النظر عن مذاهبهم وتوجهاتهم الفكرية، سنية كانت أم شيعية ، وكذا  أمام مشايخ الصوفية، الذي تزايد دورهم في زخم تزايد نشاط الحركات الجهادية والمتطرفة في مختلف بقاع العالم . من هنا تم الحرص على إلقاء هذه الدروس الحسنية من طرف علماء مغاربة وعلماء من مختلف بقاع العالم (الشرق الأوسط، إفريقيا، أوروبا،أمريكا…)  . ولعل مما يبرز الطابع العالمي الذي أصبح يميز الدروس الرمضانية السنوية التي يترأسها الملك محمد السادس، رغم توقفها المؤقت بسبب تداعيات جائحة كورونا ، الحضور اللافت لممثلي الأقليات الإسلامية ورموزها من مختلف القارات الخمس وكذا قيام وزارة الاوقاف والشؤون الإسلامية بترجمة سلسلة الدروس الحسنية إلى اللغات العالمية الرئيسية، كالفرنسية والإنجليزية والإسبانية وطبعها ونشرها. كما جرت العادة أن يتم تقديم هذه الشخصيات وفق مراسيم خاصة ، للسلام على الملك وإهدائه بعض إصداراتها العلمية والدينية مما يعكس بشكل كبير هذا البعد الدبلوماسي في السياسة الدينية الخارجية  للمملكة.

     ولعل هذا ما يفسر الاستقبال الذي يخصصه الملك بعد اختتامه  لكل درس حسني  لهذه الشخصيات الدينية والعلمية التي يقدمها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية للملك التي أصبح يغلب عليها الطابع الافريقي تماشيا مع السياسة الافريقية المنتهجة من طرف المملكة خلال العقدين الأخيرين .وقد ظهر ذلك واضحا في ختام الدرس الأول من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية لهذه السنة . حيث “تقدم للسلام على أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بالإضافة إلى الأستاذ الشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي والأستاذ جمهاري معروف رئيس الجامعة الإسلامية العالمية الأندونيسية والأستاذ الشيخ المحفوظ بن عبد الله بن بيه أمين عام منتدى أبوظبي للسلم ، كل من الأستاذ الشيخ شوقي علام مفتي الديار المصرية، ، وسمو الأمير أمينو أدو بايرو أمير ولاية كانو، ، والأستاذ محمد ماثيو نبكومبو رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية ناميبيا ورئيس مجلس القضاء الإسلامي بجمهورية ناميبيا، والأستاذ عبد الله بن ادريس ميغا، رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية النيجر، ورئيس جامعة الدار متعددة التخصصات بالجامعة الإسلامية بالنيجر، والأستاذ محمود عبده الزبير رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية مالي ومكلف بمهمات بديوان رئيس الجمهورية، والأستاذ علي محمد سالم رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية كينيا، والأستاذ عبد القادر شيخ علي إبراهيم، رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية الصومال الفدرالية، والأستاذ سليم هيتيمانا عضو فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية رواند ومفتي الدولة ورئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بجمهورية رواندا، والأستاذ لانغا دولاني فنسنت زيد، رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية جنوب افريقيا.”. ولعل حضور أمثال هذه الشخصيات الدينية لهذه الدروس سيساهم بلاشك في تقوية الروابط الثنائية والمتعددة الأطراف بين المملكة والكثير من هذه الدول الافريقية خصوصا على الصعيد الديني والاشعاعي في إطار ما يمكن نعته “بالقوة الناعمة الدينية” للمغرب.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي