شارك المقال
  • تم النسخ

الحس التضامني والترافعي لمغاربة العالم في زمن زلزال الحوز

أظهر زلـزال الحوز في شتنبر 2023 الطينة الحقيقية للمغاربة، عبر حملات تضامن وتآزر منقطعة النظير وكـرامة وأنفـة وأحضان حقيقية بين أبناء الوطن الواحد، وكذا من خلال الإصرار على المشاركة والمساهمة والتواجد بعين المكان؛ وجعلت الصور التلقائية الرائعـة التي صنعها المغرب ملكـاً وشعبا ومؤسسات العالم يقف احتراما لأمـة “نُشـهِـد الدنـيا أن هُـنا نَـحيا…”.

ولأن المناسبة شـرط، فلابد من الإشادة بالدور الكبير لمغاربة العالم سواء على مستوى تنظيم قوافـل التضامن والمساعدات، أو المساهمة المباشرة لفائدة أسـر الضحايا أو المساهمة بقوة في الحساب الخاص بكارثة زلزال الحوز. وقد تعودنا على الحس التضامني الكبير لمغاربة العالم، وأنهم لم يخلفوا أي موعد تضامني مع وطنهم المغرب خاصةً في الأزمات آخرها جائحة كورونــا، والدفاع عن الوحدة الوطنية والترابية والمؤسسات الدستورية المغربية في الساحات العمومية الكبرى في أوروبا وأمريكا.

لكن زلزال الحوز أظهر كذلك دفاع مغاربة العالم من داخل “مطابخ” الإعلام المعادي لصورة المغرب عن كيفية واستقلالية تدبير المغرب لكارثة الزلزال. فمن مِنـا لم يُعْـجب مثلا بترافع السيدة سميرة سيطايل أو رشيدة ذاتـي أو جاد المالح عندما لم يكن الموقف يتطلب ازدواجية المواقف؛ لـذا فـقـد اختاروا بصوت عالي أن يكونوا مغاربة بلغة فرنسية راقية وبثقة كبيرة في النفس، ولم يسجلوا فقط أخطاء الاعلام الفرنسي بل فضحوا سوء نيتهم في تغطية الزلزال، وكشفوا كيف أن الإعلام الفرنسي كان يبحث من خلال استضافتهم فقط عن “وشهد شاهد من أهلها”، لكنهم أخطأوا الاختيار. فكل من سيطايل وذاتي والمالح شربوا من مياه أم الربيع وملوية وسبو وأبي رقراق، ورضعوا من حليب الوطنية، وخبروا التعامل مع الإعلام.

إلا أن السؤال المطروح هو: هل كان هجوم الاعلام الفرنسي على المؤسسات المغربية بريـئا؟ وهل كانت تغطيتهم موضوعية؟ الجواب قطعا لا. فهم حاولوا جاهدين لتحوير مفهوم “المساعدات الإنسانية” كما حاولوا عبثًا توجيه الاتهام للمؤسسات المغربية، بالقول إنها رفضت مساعدات فرنسية في الوقت التي يحتاجها سكـان مناطق الزلزال! وهو الامر الذي فنده العديد من المتابعين الذين مالوا إلى فرضية كون فرنسا حاولت الدخول للمغرب من نافذة المساعدات بعد إغلاق باب الديبلوماسية، وأن الإعلام كان ورقة ضغط يمرر عبرها “الفاعل السياسي” نواياه الغير حسنة.

دعونـا نترك كل هــذا اللغط الإعلامي الفرنسي جانبا ونُـذكِرهم فقط بأحد أهم إصدارات الطبيب الفرنسي ” روني برومان بعنوان L’action humanitaire، الصادر سنة 1993، وهو بالمناسبة رئيس سابق لمنظمة أطباء بلا حدود سنوات 1982/1994 والرئيس حالي لمركز تفكير. ففي هذا المؤلف تحدث الطبيب عن مفاهيم المساعدات الإنسانية والعمل الإنساني و”واجب التدخل” والذي جعلت منه الدول القوية مطية فوق السيادة وفوق الحدود الوطنية، كما تحدث عن مفاهيم “الوهم السياسي” والخيال القانوني” كذريعة لتدخل الدول القوية عبر نافذة واجب التدخل الإنساني والذي رفعته إلى “حق” تختص به وحدها.

وأشار في نفس الوقت الى فشل العديد من عمليات المساعدة الإنسانية في العديد من الدول كالبوسنة والسلفادور ورواندا وأفغانستان والصومال، والسبب هو غياب مؤسسات ومحاورين داخل تلك الدول، وبالتالي لم يتم تقديم المساعدات للضحايا والسكان في زمن الحرب والصراعات المسلحة.

وهنا نذكر الفاعل الإعلامي وكذا السياسي الفرنسي أولًا، أن المملكة المغربية تجندت وقت زلزال الحوز بجميع مؤسساتها، وكانت حاضرة منذ اللحظة الأولى ولا أحد يمكنه الحديث بلغة الهمز واللمـز عن عنصر الفراغ أو الغياب.

وثانيا، أن عمليات الإنقاذ والمساعدة والإيــواء انطلقت منذ الساعات الأولى للزلزال ولم تعقها لا صعوبة المرتفعات الجبلية ولا ظلام الليل ولا حتى عنصر المفاجأة الذي جاءت به هاته الكارثة الطبيعية.

وثالثا، أن سرعة انعقاد مجالس عمل خاصة بالزلزال برئاسة جلالة الملك محمد السادس الممثل الأسمى للدولة المغربية. وهنا نذكر فقط ذات “الفاعل السياسي” أن أي طلب بخصوص المساعدات الخارجية أو غيرها يجب أن تقـدم حصريًا للممثل الأعلى للبلاد وليس لغيره. لأننا لا نعيش فراغًا للسلطة.

ورابعًا، أن المغرب ليس بالدول المذكور في كتاب “روني برومان” السالف الذكر، أي أنه ليس في حالة حرب تستبيح سيادته؛ كما أن أيـام جائحة كورونا تذكرنا أن المغرب هو من أرسل الكمامات الطبية إلى فرنسا في الوقت التي كان العالم كله في بحث عنها، ولم تكن له أجندة معينة أو غنيمة سياسية أو اقتصادية، وبدون أي خرق لقرار فرنسا السيادي.

لكل هذا، فقد فشلت الحملة الإعلامية الفرنسية المسعورة في تشويه صورة المؤسسات المغربية واتهامها برفض المساعدات هي في حاجة إليها. في حين أن المغرب لم يرفض كل المساعدات الإنسانية، واكتفى مرحليا بمساعدات كل من قطر والامارات واسبانيا وبريطانيا، وهو بذلك يمارس حقوقه السيادية ويدافع عن حقه في تحديد وترتيب أولوياته، كدولة مستقلة ولها سيادة ومؤسسات دستورية وقانونية، وهذا بالضبط ما حاول شرحه كل من سطايل وذاتي والمالح وغيرهم من مغاربة العالم أمام عدسات الاعلام الغربي.

ومرة أخرى يبصم مغاربة العالم مسلمين كانوا أو يهودًا بطابع “تمغرابيت”، مؤكدين أن للمغاربة هوية واحدة ووطن واحد سواء انحدروا من الصحراء المغربية أو الريف الشامخ أو من الحوز أو الشاوية أو الغرب، وبأن وطنيتهم المغربية ليست محل مساومة وأن السيادة الوطنية ومقدسات المغرب خط أحمر، وأن حسهم التضامني والترافعي هو أحد عناصـر بصمتهم الوراثية المتفـردة.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي