شارك المقال
  • تم النسخ

علاقة إسلاميي المغرب مع تنظيم الإخوان المسلمين

إذا كانت التقية السياسية قادرة على تحوير مسارات النقاش ونجحت في محاولاتها لطمس الوقائع والحقائق التي تؤطر لارتباط إخوان المغرب “التنظيمي” بالجماعة الأم في ظل ظرفية سياسية وبيئة استراتيجية داخلية ترفض المواجهة المباشرة بالمفهوم الكلاوزفيتزي، فإن التاريخ له أحكامه الخاصة ومنطقه الصارم في الحكم على مواقف تيارات الإسلام السياسي وكشف أجندتها السياسية وحقيقة مخططات “التمكين” للوصول إلى السلطة.

في هذا السياق، تتناسل مجموعة من الشهادات والتعبيرات السلوكية (شهادة المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين في رسالة تأبين الراحل عبدالكريم الخطيب، مذكرات توفيق الشاوي وغيره، شهادة النائب السابق للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين…) التي تؤكد وتقطع يوما بعد يوم بوجود ارتباط عضوي وتنظيمي، ينضاف إلى الارتباط الإيديولوجي الذي لا تنكره قيادات الإخوان في المغرب، بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين الذي كانت مصر، إلى الأمس القريب، حاضنته الشرعية وعاصمته الروحية، قبل أن تُطوى عاصمة “الخلافة” الجديدة إلى الدوحة ثم بعدها إسطنبول.

وحيث أن المناسبة شرط فإن العودة للتطرق إلى هذه العلاقة العضوية بين الفرع والمركز أملته مجموعة من القرائن التي طفت إلى السطح وهو ما يفرض إعادة النظر في علاقة الدولة بمفهومها الفيبيري مع هذا التنظيم “الشبكي” والذي يبدو أن أجندته “التمكينية” تتجاوز مجرد أجندة حزب سياسي عاد.

في هذا السياق، جاء على لسان السيد محمد حبيب النائب السابق للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين خلال استضافته على قناة (س ب س CBC) بتاريخ 20 يوليوز 2016 ما نصه: “في سنة 1992 كنا مجتمعين بألمانيا كمجلس شورى التنظيم الدولي على مسألة الخلافة فارتأينا أن القضية التي أثارها الاستاذ حسن البنا لا يمكن تطبيقها والسعي إلى تنفيذها. ونحن نرى (أي مكتب الإرشاد العالمي) أنه لابد من وجود وحدة فكرية قبل الوحدة السياسية. فبعد أن بدأ الأمر يتكشف لنا نحن أعضاء التنظيم الدولي، ارتأينا أن نقوم بتأسيس ما يسمى بالاتحادات الكونفدرالية مثل ما هو موجود على مستوى أمريكا والاتحاد الأوروبي بحيث أن كل تنظيم إخواني يسعى لإقامة الديمقراطية في بلده ومن خلال هذه الديمقراطية يسعى للوصول للسلطة لكن لا يمكن يتم هذا إلا من خلال التوازي في الخطوط بين التنظيمات الاخوانية في الدول المختلفة”.

لكن ما علاقة هذا الأمر بإخوان المغرب وما هي أدوات الضبط والربط بين ما أشار إليه نائب المرشد العام السابق والوضع السياسي في المغرب؟

الجواب على هذا السؤال يجد حيثياته في قيام حركة الإصلاح والتجديد بزعامة عبد الإله بن كيران (في نفس السنة التي أصدر فيه التنظيم الدولي للإخوان المسلمين أوامره وتوجيهاته من أجل ضرورة الانخراط في اللعبة الديمقراطية كوسيلة للوصول إلى الحكم) باتخاذ مجموعة من التدابير التي تصب في هذا الاتجاه ومن بينها الموقف الإيجابي من التعديل الدستوري لسنة 1992 وكذا الموقف من الانتخابات مما دشن، آنذاك، لعلاقة جديدة بين التنظيم ودوائر صنع القرار السياسي بالمملكة.

في نفس السنة، وتماشيا دائما مع توجيهات مكتب الإرشاد العالمي، ستقوم حركة الإصلاح والتجديد رسميا بتاريخ 4 ماي 1992 بطلب تأسيس حزب سياسي تحت اسم حزب التجديد الوطني، من خلال الإدلاء بالوثائق المنصوص عليها في الفصل الخامس من الظهير المؤرخ في 15 نونبر 1958 المنظم لحق تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية. غير أن السلطات رفضت تأسيس هذا الحزب بدعوى تعارض أهدافه مع التشريعات الجاري بها العمل، ولاسيما الفصل الثالث من الظهير الشريف المذكور.

على إثر ذلك، وفي مناورة جديدة/قديمة للحركة من أجل الانخراط في العملية السياسية، قامت، هذه الأخيرة، بفصل جناحها السياسي المتمثل في حزب التجديد الوطني (الغير معترف به) كإطار للعمل السياسي، وحركة الإصلاح والتجديد كإطار للعمل الدعوي والتربوي، معتبرين أن العمل الدعوي والتربوي، يجب أن يبقى بعيدا عن الصراع السياسي المباشر، فتسقط بذلك شبهة استغلال الدين لأغراض سياسية، وهو المانع الذي حال دون قيام حزب “إسلامي” في دولة إسلامية، منها بعض بلدان المغرب العربي، حسب تعبيرهم.

فهل هي مجرد مصادفة تاريخية تزامنت مع مخرجات اجتماع مكتب الإرشاد العالمي للتنظيم الدولي للإخوان وتوجيهاته لفروعه في البلدان الإسلامية بضرورة اعتماد الديمقراطية كمنطلق للوصول إلى الحكم وما قامت به حركة الإصلاح والتجديد بالمغرب، أم هو فعلا انضباط لتوجيهات المكتب المذكور مما يجعل شبهة الإنتماء إلى هذا التنظيم تزداد التصاقا إلى حد لا يمكن إنكاره ولا يمكن تجاهله أو إغفاله بسهولة.

ومن الاستنتاج والاستنباط إلى الوقائع والدلائل التي تجعل من الشك يقينا ومن الزعم قطعا، وقفنا على قرائن مادية قوية تفيد بتكليف “رباعي” من إخوان المغرب زار مصر سنة 1996 لتقديم فروض البيعة للمرشد العام الجديد (آنذاك) مصطفى مشهور والذي أعطى توجيهاته للرباعي المذكور (نتوفر عل أسمائهم وصفاتهم داخل التنظيم) في شكل رسالة أطلق عليها “الرسالة المغربية” والتي يمكن اعتبارها بمثابة خارطة الطريق للتنظيم الإخواني في المغرب للوصول إلى السلطة من خلال توحيد الحركات التي تتبنى نفس التوجه مع ضرورة الانفتاح على جماعة العدل والإحسان، ووضعت الوثيقة كهدف سياسي ضرورة تحجيم سلطات الملك بشكل تدريجي في أفق إضعاف وعزل المؤسسة الملكية والوصول إلى سدة الحكم في المغرب.

وحسب شهادة حية (من شخص حي) حضر الاجتماع فإن مصطفى مشهور نصح الإخوان المغاربة بالتقيد بنص “التوجيه” ووضع آجالا زمنية للوصول إلى السلطة في المغرب حددها “فضيلته” في ثلاثون سنة (2026).

ويمكن القول أن ما قمنا بالتأصيل له أعلاه يصب في خانة ما طرحناه في كتاباتنا السابقة حول حقيقة الأجندات السياسية/الدينية لهذا التنظيم الإخواني والذي يحاول الاستفادة من هامش الديمقراطية التي سمحت به الدولة من أجل استغلالها والركوب عليها بهدف مواصلة استراتيجية الانتشار الجماهيري والاختراق المؤسساتي من أجل وضع اليد على المفاصل الحساسة للدولة وكسب تأييد جماهيري يُصَعِّبُ من مهمة مواجهة الدولة له ويساعد بذلك في وصول هذا التنظيم إلى ما يصطلح عليه في أدبياتهم ب”مرحلة التمكين”، تمهيدا لتكريس المنطق الكونفدرالي الذي طرحه نائب المرشد العام وأصل له قبله أبو الأعلى المودودي حيث يعتبر هذا التكتيك معبرا لتأسيس “كونفدرالية الخلافة” والتي تبقى بدورها مرحلة للوصول إلى المرحلة الأسمى في بناءاته الاستراتيجية وهي مرحلة “أستاذية العالم”.

ويبدو أن انكشاف المخطط الإخواني في العديد من الدول العربية، دفع بالتنظيم إلى إعادة النظر في أساليب واستراتيجيات المواجهة بالاعتماد على منطق العنف والمواجهة المباشرة تماشيا مع المبدأ الإخواني القائل “إذا لم تنفع الكتب تعيّنت الكتائب” أو ما يصطلح عليه في الأدبيات الإخوانية بمرحلة “العنف المؤجل”

*باحث في الحركات الجهادية واستراتيجيات الأمن القومي

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي