شارك المقال
  • تم النسخ

لولا الصحافي المخضرم حميد المهداوي لما عُرف المغرب !

“لولا عياض لما عرف المغرب” هكذا قيل قديما عن العلامة القاضي عياض نظرا لمنزلته العلمية في المشرق وهو ابن مدينة سبتة المغربية.

وأنا أقول “لولا حميد المهداوي لما عرف المغرب” وأقصد بذلك حميد المهداوي بدمه وشحمه وعظمه ولحمه ابن مدينة سيدي قاسم المغربية.

سبتة وسيدي قاسم مدينتان مغربيتان، والقاضي عياض وحميد المهداوي علمان ذاع صيتهما في المشرق.

 القاضي عياض عالم اشتهر في المذهب المالكي وذاع صيته في المشرق.

 وحميد المهداوي صحافي مغربي ذاع صيته أيضا في المشرق العربي بالنظر إلى اللغة والأسلوب، وأيضا بفضل الدبابة التي أراد أن يدخلها إلى سيدي قاسم عبر مدينة سبتة المغربية، لولا ألطاف الله.

وأنا أعتبر وأقر أن حميد المهداوي أدخل الدبابة فعلا من سبتة إلى الخنيشات وغابة المعمورة  كما سنبين لاحقا في تجاويف هذا الإنشاء ضمن هذه الزاوية.

صدقوني أو لا تصدقون فــ ” أنا داخل سوق راسي”!

المهداوي المخضرم

قلتَ حميد مخضرم؟!

نعم حميد المهداوي صحافي مخضرم، والدليل فيما ذهبنا إليه هو أن حميد عاش بين قرنين، القرن العشرون والقرن الواحد والعشرون، وعاصر ملكين، الملك الحسن الثاني والملك محمد السادس، وفوق هذا وذاك فهو عاش زمنا أطول ولم يسأم تكاليف الحياة كمن عاش ثمانين حولا، بل إن حميد عاش بيننا أكثر من الثمانين حولا مما تعدون.

كما أن مصطلح المخضرم في علم الحديث يُقصد به طبقة من كبار الصحابة والتابعين، وحميد اختار أن يُقيم في دائرة القيم التي تثير الجدل والاحتجاج بين قيم الثبات والتحول، فهو مخضرم!

باختصار، وبدون تفلسلف في شرح الواضحات، حميد صحافي مخضرم، وهذا من باب السماء من فوقنا، ودليلي في ذلك هو رأسه الذي اشتعل شيبا !

قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ! حميد مخضرم.

حميد بين اللغة والأسلوب

الكثير من الصحافيين والمثقفين في المشرق العربي يسألون عن حميد المهداوي، والبعض منهم أصبح يقلد حميد، ولاسيما المصريين منهم، الذين غادروا البلاد وأصبحوا معارضين في بلاد المهجر يقلدونه في الأسلوب، والأسلوب هو الرجل، بينما حميد فضل البقاء داخل أرض الوطن. وهنا التحدي الذي أكسبه التموقع وعلمه أن يقيم بين المجتمع والدولة، وتلك قيمة القيم كما كتب المهدي المنجرة يرحمه الله.

وهذا هو التحدي بعينه، وهنا موطن الإعلام والصحافة تحديدا، أن يقرب الدولة إلى المجتمع، وأن يقرب المجتمع إلى الدولة، ونقطة الوصل هي الإعلام، هي حميد، أو هي نقطة اللقاء والتواصل كما حددها حميد.

الإعلاميون المصريون المعارضون الذين فضلوا العيش خارج أرض الوطن باتوا يقلدون حميد، ينقلون منه كلمات من الدارجة المغربية، وإن شئنا التدقيق لقلنا لغة دارجة محلية في الخنيشات وجرف الملحة وحد كورت ونواحي سيدي قاسم.

وفي ظل غياب سينما مغربية مؤثرة في المشرق، وفن وأدب وأغاني وملحون ناطق باللهجة المغربية، أصبح حميد يقوم بالدور والوظيفة، أصبح المشارقة يتعلمون اللغة/ اللهجة المغربية من حميد.

بل إن المشارقة أصبحوا يتقنون اللغة الغرباوية الشرادية الحسناوية بفضل حميد، حميد هو المخاطب الوحيد الذي يعطي صورة عن الدولة والمجتمع معا، ومن يريد أن يعرف في المشرق مزاج المغاربة في الدولة والمجتمع بالغرب الإسلامي فلا بد أن يستمع إلى حميد.

وهنا أعطي مثلا، أحد المصريين المعارضين يقيم في لندن أراد أن يقول: التبعية فنطقها “تشبعية”، أي نطق حرف التاء “تشاء”، بل إنه أراد مرة أن يخاطبني بضمير المخاطب “أنت” فنطقها “أنتشَ” .. وكل ذلك يعود إلى حميد المهداوي.

وهكذا أصبحت وجبة الكفتة “كفتشة” علامة تجارية في المشرق..!

 “الكفتشة ولا نطيح في الكلتشة” كما ينطقها ابن المنطقة الدكتور عبد الوهاب السحيمي عندما يأمرني بتناول وجبة “الكفتة” في سيدي قاسم أو سيدي علال البحراوي أو سوق الاثنين في جرف الملحة.

أين دبابة حميد؟!

كنت أجد حرجا في الجواب عن سؤال أحد الصحافيين المشارقة عندما يسألني عن اعتقال حميد المهداوي بتهمة محاولة إدخال دبابة، والسبب لا جواب عندي، لأني أنا شخصيا لا أصدق ولا أثق في هذه التهمة، كيف للأخ حميد الذي أعرفه جيدا أن يفكر في إلحاق الضرر ببلده وهو إنسان جد مسالم كما يعرف الجميع، ولطيف وحنون قد يبكي فعلا أمام إنسان مظلوم، بكى أمامي مرتين، حميد حنون لطيف وفي نفس الآن لا يقدر أن يصمت عندما يرى ظلما حاق بمن يعرف وأحيانا بمن لا يعرف.

كما أعرف حميد، رجل وطني يحب بلاده بالرغم من الفساد والظلم المستشري، وأرى حميد ممثلا لبيت شعري لشاعر مجهول ورد في رواية “الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل”، لإيميل حبيبي، يقول هذا البيت الشعري:

كما تحب الأم ابنها المشوها ** أحبها حبيبتي بلادي

كيف يعن لي أن أتحدث عن الوقائع الغريبة في اختفاء حميد المهداوي مدة ثلاث سنوات في ضيافة محمد سالم التامك؟

كيف يمكن تبرير ظلم حاق بالمهداوي بسبب أنه يحب بلاده  بالرغم من التشوه الذي يطالها ويتنزل فسادا في ضعف المؤسسات وغياب كفاءة النخب؟!

وأخيرا اهتديت إلى الجواب !

اسمع يا أخي في المشرق، إن للمغرب خصوصية ثقافية وحضارية وروحية تختلف عن المشرق، وقديما قيل: إذا كان المشرق بلاد الأنبياء فإن المغرب بلاد الأولياء!

والأنبياء يكملون ويعضدون مهمة الأنبياء، ولذلك فلغة الأولياء غير إنجازية، فهي لغة تعتمد على الذوق والتذوق والإشارة التي هي سوانح ودلالات منفتحة على الإدراك غير المحدود، والوعي اللانهائي.

لا تَتَصَورَنَّ يا عزيزي المشرقي أن من حاول أن يدخل دبابة يمكن للحكم الذي يتوسل باللغة الإنجازية والعبارة المحكمة أن يقضي بثلاث سنوات، ولو كان القاضي عياض في محكمة بمدينة غرناطة الأندلسية لما فعلها.

في مصر مثلا يتم حبس صحافيين ثلاث سنوات وأكثر على ذمة التحقيق بدون حكم قضائي كما وقع مع صحافيي قناة الجزيرة وصحافيين آخرين.

دبابة حميد في المغرب هي حلم تحقق، هي رؤيا رآها عبد مؤمن فعبرها في ثلاث سنوات، وهي رؤية إعلامية تحققت في المنام عندي خلال هذه السنة، تحددت نقطتها في عمليتي الاتصال والتواصل، في إعادة الربط بين الدولة والمجتمع.

والخوف من الدبابة عند مفسري المنام وعابري الرؤى معناه أن الحالم مقبل على أيام سيسود فيها الخوف ويغيب فيها الاطمئنان والاستقرار.

يقول علماء تفسير الأحلام أن الدبابة في المنام ترمز للمشاكل التي سوف يعيش فيها من رأى هذا الحلم والمنام.

وشراء الدبابة في الحلم، كما في قضية حميد، لا يدل على الخير، بل يشير ويرمز إلى أن الحالم مقبل على ارتكاب أمور لا يجب عليه ارتكابها.

كما أن استخدام الدبابة في الحرب في المنام دليل على أن الحالم يفسد في الأرض ولا يسعى فيها للصلاح.

والحقيقة أن حميد يصلح ولا يفسد، ويدل على الخير وينهى عن الفساد، وحميد يبتعد عن المشاكل التي ترزح فيها الكثير من البلدان في المنطقة بسبب الاستبداد والفساد.

حميد والأثافي الثلاث

قبل بضعة أشهر رأيت حميد في غابة المعمورة على متن دبابته من نوع “الميركافا” يوجه القذائف إلى الأثافي الثلاث التي يقوم عليها مرجل مشروع إعلامي وطني يراه حميد خصيما له في بعض الأحيان.

 خرجت مسرعا من البيت في منتصف الليل كي أتوسط لإنهاء الحرب المستعرة بين حميد والأثافي الثلاث، والمصيبة العظمى كلهم أصدقائي، كان حينها قد اختفى يونس دافقير بين الخنيشات وحد كورت، وعمر الشرقاوي تبخر بين مكناس وعير عُرمة، ولما استنجد بي الرمضاني، قلت بصوت عال:

إلا رضوان، اقتلني يا حميد قبل رضوان… !

نزل حميد من الدبابة وعانق رضوان بحرارة وبكى كما عادته.

وفي الصباح الباكر هاتفت حميد وحكيت له القصة، أخبرته بأن خبر الدبابة صحيح، وأني تدخلت لصالح رضوان بعدما فر الاثنان، دافقير والشرقاوي، خوفا على أرواحهما من قذائف “ميركافا” المهداوي… أكلنا “الكفتشة” أمس في البحراوي، وشربنا “أتشاي” (الشاي) رفقة الرمضاني… في المنام!

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي