شارك المقال
  • تم النسخ

معهد أمريكي يسلط الضوء على الجدل الدائر حول خوصصة قطاعي الماء والكهرباء في المغرب

سلطت ورقة بحثية صادرة عن “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” الضوء على الجدل الدائر حول خوصصة قطاعي الماء والكهرباء في المغرب، مؤكدة أن من شأن تنفيذ مشروع خوصصة قطاع المياه والكهرباء أن يغير بشكل جذري الطريقة التي يتم بها تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين في المغرب.

وأوضح المصدر ذاته، أن قضية الخوصصة في المغرب ليست بجديدة، ففي بداية الثمانينات من القرن الماضي، لجأت الدولة المغربية إلى إطلاق برنامج “التقويم الهيكلي” برعاية البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، الذي دشن مشروع التخلي الرسمي عن مجموعة من الخدمات العمومية الأساسية (مثل البريد والمواصلات والصحة والتعليم…إلخ) لفائدة مؤسسات القطاع الخاص.

وسجلت الورقة البحثية، التي حملت عنوان: “الجدل الدائر حول خوصصة قطاعي الماء والكهرباء في المغرب”، أن نهج السوق الحرة هذا إزاء الخدمات الأساسية شكل أحد أعمدة سياسة الدولة في الألفية الجديدة، وهو ما فاقم المعارضة العامة لمثل هذه التدابير.

وراهنت الكثير من الأوساط السياسية والحقوقية على إمكانية تعزيز أسس “الدولة الاجتماعية” وتمكين المؤسسات العامة، خاصة في ضوء البرنامج الحالي للحكومة (2021-2026)، الذي يتضمن عددًا من المبادرات التي تقودها الدولة في مجالات التعليم والبنية التحتية ومشاركة المرأة في الاقتصاد.

 ومع ذلك، تراجع هذا التفاؤل في العاشر من فبراير من العام الماضي بعد أن طرحت الحكومة مشروع القانون رقم 83.21، الذي يقضى بتحويل تدبير مياه الشرب والكهرباء والتطهير السائل والإنارة العمومية إلى الشركات الجهوية متعددة الخدمات.

ورغم الانتقادات التي تعرض لها القانون من قبل النشطاء السياسيين والحقوقيين وبعض المهتمين، إلا أنه تمت المصادقة عليه وصدر الأمر بتنفيذه في 12 يوليو 2023.

وطرح القانون رقم 83.21 – والطريقة التي تم إقراره بها، جملة من التساؤلات المقلقة من قبل العديد من الأطراف المعنية في المغرب، أبرزها: غياب الحوار السياسي والعمومي حول المشروع، والضعف المحتمل لسلطة الدولة، والأعباء الاقتصادية المحتملة والاضطراب الاجتماعي الذي قد يسببه هذا القانون للمواطنين العاديين.

العجلة في إقرار وتنزيل القانون

وتميز المشهد المغربي في العديد من المناسبات ببروز نقاشات موسعة حول قوانين وسياسات عمومية، أسهمت من خلالها مختلف الاتجاهات الاجتماعية والسياسية في بلورة التشريعات، وأفرزت العديد من الانقسامات والتناقضات في بنية المجتمع المغربي كما هو حال التعديلات المتعاقبة لقانون الأحوال الشخصية والنقاشات حول قانون الشغل والقانون الجنائي.

وإذا كان هذا الزخم المجتمعي قد ارتبط في السياقات المذكورة بمبادرات رسمية من أجل إشراك مختلف الأوساط الاجتماعية، فإن سياق صدور القانون رقم 83.21 المتعلق بالشركات الجهوية متعددة الخدمات لم يستحضر هاته المنهجية التشاركية الموسعة، وذلك انطلاقا من قصر زمن تداوله بالبرلمان بمجلسيه (خمسة أشهر تقريبا) رغم تأثيره المحتمل وتفاصيله الدقيقة التي تستدعي الحوار.

كما أن سرعة تنفيذه فور إصداره تزكي الملاحظة السابقة. ولعل هذا ما جعل بعض الأحزاب السياسية و”الفرقاء الاجتماعيين” يصوتون ضد القانون في البرلمان، بل وحتى أثناء مباشرة تنزيل القانون ذهبت بعض الأطراف السياسية إلى وصف تلك الخطوة بأنها “متسرعة” ومغيبة للمقاربة التشاركية.

وقد ترجع أسباب تضييق مساحات التداول في القانون إلى سيادة الخوف لدى المدبرين العموميين من أن تؤدي تلك الخطوة إلى قيام حركات احتجاجية معارضة للقانون، وبالتالي إعاقة مشروع الخوصصة، ولذلك جرى تمرير القانون في الغرفتين البرلمانيتين في آخر الدورة التشريعية الربيعية للسنة الفارطة.

مخاوف بشأن السيادة المائية والطاقية

إن فكرة تولي الشركات الجهوية مهمة تقديم الخدمات الأساسية، تتماشى تماماً مع الأهداف المعلنة للحكومة المغربية، حيث كانت اللامركزية مبدأً أساسيًا نص عليه الدستور المغربي الصادر سنة 2011.

ووفقا للقانون رقم 83.21، ستأخذ الدولة زمام المبادرة في إنشاء العقود وتوفير رأس المال الأولي، مع تولي الشركات الخاصة الجهوية الخدمات بعد ذلك. ورغم “التطمينات الرسمية” بكون مشروع الشركات الجهوية لا يقفز على الأبعاد الاجتماعية ولا يُجاوز “الوظائف العمومية” للدولة، إلا أن العديد من الهيئات النقابية والحقوقية والسياسية عابت على المشروع كون “خوصصة” القطاع تعني “خضوعه لمنطق السوق الاحتكارية الذي يتم عبره تحديد الأثمان حسب منطق العرض والطلب دون مراعاة التفاوتات الكبيرة في وفرة المياه أو ندرتها” و”تبضيع خدمات أساسية تندرج ضمن إطار المرفق العمومي الذي لا يحتمل التفويت”.

كما استحضر هذا النقاش الناقد للمشروع إشكالية حصة الدولة من أسهم الشركة والمحددة قانونيا في 10 في المائة، وهو ما اعتبره كثيرون إضعافا لسلطة قرار الدولة على قطاع استراتيجي، حيث “لا تمنحها الحصة المذكورة إلا حقوق الإعلام والحضور والتصويت والأرباح”.

وأضافت الورقة، أن واحدة من الإشكالات كذلك التي طرحها القانون المحدث للشركات الجهوية تتمثل في حلول الشركات المذكورة بقوة القانون محل المكتب الوطني للكهرباء والماء في تدبير القطاع بما في ذلك نقل ممتلكاته وأصوله وخصومه إلى الشركات الجهوية، حيث سيقع تجميد هاته المؤسسة الرسمية بحكم الواقع، ولهذا السبب ذهب البعض إلى اعتبار ذلك بمثابة “تصفية قانونية وفعلية لمؤسسة عمومية واستراتيجية”.

ومن الملاحظ أن مشروع الخوصصة جاء متزامنا مع أزمة المياه وندرتها بالمغرب خلال السنوات القليلة الماضية، خصوصا في ظل قلة التساقطات المطرية وانخفاض نسبة ملئ السدود، وهو ما يطرح السؤال حول: هل من شأن الخوصصة والحالة هاته أن تحل هذا المشكل، أم بالعكس ستفاقمه؟

الآثار الاجتماعية والاقتصادية المحتملة

ومن شأن تنفيذ مشروع خوصصة قطاع المياه والكهرباء أن يغير بشكل جذري الطريقة التي يتم بها تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين في المغرب.

وسيفتح القانون الجديد الباب أمام تحويل خدمة الماء والكهرباء من صيغة “الخدمة العمومية والاجتماعية” إلى صيغة “الخدمة الربحية الاقتصادية”، وقد يؤدي هذا التطور في المستقبل القريب إلى مراجعة أسعار الماء والكهرباء بما يتلاءم مع الوضع الجديد، ومن المرجح أن يؤثر ذلك حتما على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمغاربة التي آخذت في السنوات القليلة الماضية في التدهور والتراجع بحسب كثير من المؤشرات الدولية.

إضافة إلى ما سبق فإن مستقبل مستخدمي قطاع الماء والكهرباء يبقى على المحك، خصوصا في ظل الاتجاه نحو حل كل من المكتب الوطني للكهرباء والماء والوكالات المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء، إذ أن نقل مستخدمي القطاع إلى الشركات الجهوية بدل من وضعهم “رهن إشارة” الشركة كما جاء في بعض المقترحات النقابية يعني تغيير وضعيتهم الإدارية، بالرغم من أن القانون المحدث للشركات الجهوية يتحدث عن الحفاظ على نفس “الحقوق النظامية” التي كانت للمستخدمين في الوضع السابق، وهو التدبير الذي لم يحض بقبول “الشغيلة” وكثير من الإطارات النقابية والحقوقية التي تجمعت في بعض المدن المغربية للاحتجاج على القانون.

وأشارت الورقة إلى أن تطورات الشهور القادمة بخصوص تنزيل مشروع الشركات الجهوية قد تعمق أكثر من النقاش العمومي حول جدوى وآثار “انفتاح” قطاع الكهرباء والماء بالمغرب على القطاع الرأسمالي وتحريره “تدريجيا” من مفاهيم التدبير العمومي.

ومن الأرجح أن نتائج ذلك ستنعكس على باقي القطاعات، وربما يؤثر نجاح أو فشل جهود عملية الخوصصة التي تتولاها الحكومة المغربية، على كيفية تعامل الجمهور والدولة مع قضية “التحرر الاقتصادي” في المستقبل.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي