شارك المقال
  • تم النسخ

كيف ينخرط المثقف المغربي في محاربة الإرهاب العابر للحدود؟

نورالدين لشهب

سبق لمدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية، عبد الحق الخيام، أن صرح في حوار سابق مع أحد المنابر الوطنية بأن قضية التطرف والإرهاب باتت في حاجة إلى المثقف كي يمارس دوره في محاربة الظاهرة، وهي الدعوة نفسها التي نادى بها الخيام مرة أخرى في ندوة بطنجة نهاية الأسبوع الفائت، إذ تطرق في مداخلته إلى غياب المفكر المغربي بخصوص منظومة معالجة هذه الظاهرة، والذي ينبغي أن يجاور المقاربة الأمنية، ناهيك عن دور الحقل الديني، والمجتمع المدني، وكذا محاربة الفقر.

واعتبر الخيام أن ظاهرة الإرهاب تمت معالجتها أمنيا، لكنها تنبني على إيديولوجية، “وهي التي لا يمكن مواجهتها إلا من لدن المفكرين، الذين ينبغي أن يعوا الرسالة المنوطة بهم، المتمثلة في محاربة جميع أنواع الأفكار المتطرفة الزّارعة للكراهية”.

حديث عبد الحق الخيام عن دور المفكر والمثقف في مقاومة العنف والتطرف العابر للحدود، وهو المسؤول الأمني رقم واحد المتخصص في تفكيك الخلايا الإرهابية، وفي مناسبتين اثنين، ينبئ بأن المقاربة الأمنية، ورغم تفوقها كما يبدو من خلال عدد الخلايا المفككة منذ إنشاء المكتب المركزي للأبحاث القضائية، وبشهادة أجهزة أمنية خارجية، تبقى قاصرة في غياب دور المثقف والمفكر في عملية الاستقطاب المضاد كما هو الشأن في بلجيكا وفرنسا، حيث نجد اسم عبد المنعم الطعمة، وهو من أصول فلسطينية، ودنيا بوزار في فرنسا، وهي أنثربولوجية من أصول جزائرية.

كلام عبد الحق الخيام أثار الباحث إدريس الكنبوري، الذي كتب مقالا نُشر على هسبريس بعنوان “الكنبوري يسائل أدوار المثقفين المغاربة في محاربة الإرهاب”، حيث دعا الباحث الأكاديمي إلى فتح حوار مع السلفية الجهادية من داخل السجون، و”تحويل الفضاء السجني إلى فضاء للحوار والنقاش بدل أن يكون فضاء للمراقبة والعقاب فحسب. وبتعبير ميشيل فوكو، فإنه من السهل اعتقال شخص متطرف وإيداعه السجن وتركه في فضاء مغلق ينمي مشاعره العدوانية أو أمراضه النفسية في مكان يوفر الفرصة لذلك النمو، ولكن من الصعب أن تحوله إلى مواطن قادر على الاندماج مجددا بدون رؤية واضحة ومشروع متكامل”.

وأكد الكنبوري في المقال نفسه أن “مسألة انخراط المثقف في معركة محاربة الإرهاب في المغرب، التي نعتبرها ضرورية وحلقة أساسية في هذه المعركة، لا يمكن لها أن تنجح في ظل الطريقة التقليدية التي تتصرف بها الأجهزة الأمنية تجاه المثقفين والباحثين في الظاهرة الإرهابية والتطرف الديني”.

واعتبر الباحث في الشأن الديني أن “الباحث في التطرف الديني والإرهاب يبقى معلقا بين الأجهزة الأمنية التي تتشكك فيه، وبين المتطرفين الذين ينظرون إليه كشخص يردد ما تقوله الأجهزة الأمنية، بل أحيانا يسخر منه الطرفان معا نتيجة غياب المعلومات المحينة لديه، بسبب الحصار المضروب على المعلومات وانغلاق جسر التواصل بين الباحثين والمسؤولين الأمنيين”.

ويبدو أن دعوة الخيام، وصيحة الكنبوري، هما “حديثان صحيحان سندا ومتنا”؛ من حيث المتن فإن الحاجة إلى المثقف هي ضرورة ولا ريب، وهنا يأتي الاتفاق بين الرجلين، وأما من حيث السند، فإن المسؤول الأمني والباحث الأكاديمي لهما دراية بموضوع الظاهرة عن كثب؛ فالأول يفكك، والثاني يحلل، وبين التفكيك والتحليل تغيب أسئلة جوهرية في الموضوع.

من المعلوم أن حد المثقف في الثقافة العربية يبقى هلاميا؛ فمن هو المثقف يا ترى؟ هل هو الشاعر أم الكاتب أم الناشط الإعلامي في عصر الإنترنيت أم ماذا؟ وهل هو الفقيه المتمكن من الأصول والفروع والمذاهب وتاريخ الملل والنحل؟ أم المؤرخ أم الباحث في العلوم الاجتماعية؟ وكيف يمكن للباحث أن يتخلص من أهوائه وميولاته الإيديولوجية في مقاربة الظاهرة؟ هل المثقف الذي له موقف مسبق من الدين يمكن أن يفيد في ظاهرة تتصل بالدين أصلا؟ وكيف لمثقف اكتفى بالقشور أن يفيد في الظاهرة؟ ألم يقل أمين الخولي ذات مرة: إن بداية التجديد تبدأ من قتل القديم فهما؟ وكيف يمكن لهذا المثقف، وبصرف النظر عن ميولاته، أن يكون مستقلا؟ أو ليست الاستقلالية والحرية هما “أعز ما يطلب” عند الباحث والمثقف والمفكر؟

المثقف ومطلب الاستقلالية

يرى عبد الرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية، في اتصال مع هسبريس، أن المقاربة الثقافية لظاهرة الإرهاب تحتاج إلى مثقف يتمتع باستقلالية، بالإضافة إلى تملكه نصيبا من المعرفة في الموضوع، واعتبر أن “المثقف الذي نظرت له الكتابات النظرية، وكرسته التجربة العملية، هو الإنسان الذي امتلك نصيبا من المعرفة العلمية، تؤهله لفهم حيثيته ومحاولة الفعل في واقعه ومجتمعه”.

ويرى العلام أن المثقف “هو ذاك الإنسان المنخرط في الواقع من منطلق أكاديمي علمي وليس من منطلق الأكاديمية المحضة، التي تتسربل بلغة تكاد تكون سرية لا تفهمها إلا قلة؛ فالمثقف هو بشكل عام إنسان يفكر كيف يتجاوز العالم مشاكله، ويروم الإسهام في تغيير العقليات وتطوير تصورات الإنسان حول الوجود”.

هل يمكن للمثقف المغربي اليوم أن يساهم في المساعدة على الحد من انتشار التصورات المتطرفة؟

يجيب العلام: “نعم يمكن أن يساهم. لكن الجواب الصعب هو بصيغة سؤال آخر: كيف يمكنه ذلك؟”.

ويذهب الباحث في العلوم السياسية إلى أن “المثقف في المغرب يستطيع فعل الكثير، لكنه لا يمكن أن يكون مؤثرا وفاعلا إلا إذا توافرت لديه العديد من الشروط”. ومن أهم هذه الشروط برأي العلام:

– أن يحرر المثقف إرادته من مختلف التصورات الذهنية المرسخة لديه حول المثقف، وأن يتخلص من ضيق الأدلوجة إلى رحابة المجتمع والتاريخ.

-أن ينتزع نفسه من دوامة الخوف والهواجس المتعددة المرتبطة بالسلطوية وبالتقاليد والأعراف، بل أن يفر من سجونه النفسية وأوهامه.

– والأهم من ذلك كله هو أن توفر له الدولة ومؤسساتها الفرصة لكي يعمل بحرية، وأن تمكنه من الحصانة اللازمة لأداء مهمته؛ لأن المثقف لا يمكن أن يكون فاعلا ومؤثرا إلا إذا كان حر الإرادة ومستقل التعاطي. والمجتمع لا يمكن أن يثق في مثقف أجير لدى السلطة أو مهادن لها؛ فهذا النوع من المثقفين يصعب أن يجد له موطن قدم داخل فئات كثيرة في المجتمع، لاسيما تلك التي تحمل مواقف راديكالية.

الحاجة إلى الأمن الثقافي

لا شك أن المقاربة الأمنية الصرفة لا يمكن أن تقوم بكل شيء لوحدها، وإنما يتعين توسيع المفهوم ليضم أيضا ما يمكن أن نسميه “الثقافي والإعلامي”.

وتبقى دعوة رجل الأمن للمثقفين بلعب دور مهم في محاربة التطرف والغلو والإرهاب مرتبطة بوجهة نظر خاصة قد تكتسي مستويات متنوعة. والسؤال: لماذا التركيز على المثقف؟

يرى إدريس بنيعقوب، الباحث في علم الاجتماع السياسي، أن المثقف مؤهل أكثر من أي فرد آخر داخل المجتمع بتقصي تحولات المجتمع من خلال فهم دقيق وعميق للثقافات الجديدة والوافدة على مجتمع ما لكونه هو أصلا نتاج تربة ثقافية معينة.

فالمثقف، ومن وجهة نظر تواصلية في شتى الحقول المعرفية، “يقوم بعملية تواصل أفقي مع باقي المثقفين، وأيضا مع عموم أفراد المجتمع من خلال ما ينتجه من أفكار وتطورات وقراءات قابلة للنقاش أو للتبني، وعموديا في توجيه السلوك العام والخاص للمكلف بتدبير شؤون الجماعة داخل التراب الوطني، كما أن نظرته قد تكون استباقية وتحذيرية من خلال تتبعه لمسارات الأفكار عبر العالم”، يقول بنيعقوب.

ويمكن أن نضيف أن للمثقف دورا تأطيريا مهما لأفراد المجتمع وبإمكانه التأثير على قناعاتهم وتوجيه سلوكهم تجاه بعضهم البعض. فكيف يمكن لمثقف له ميولات تختلف مع الدين أصلا أن يكون مفيدا للموضوع؟

للإجابة عن السؤال قدم الباحث مثالا لعدد من المثقفين كما حدث في فترة معينة في مصر، حيث انغلقوا على فكر معين اعتبروه حداثيا وتقدميا، وما دون ذلك رجعية وتطرفا وخروجا عن الحضارة وعن التاريخ البشري، وهو ما زاد من حدة التوترات والرفض المتبادل والتقوقع المتطرف على مرجعيات فكرية معينة، فأصبحنا نواجه الغلو الديني والتكفير بتكفير مدني علماني بحجة الحداثة.

فالتطرف، يقول بنيعقوب “ليس ثقافة أو سلوكا دينيا صرفا، وإنما هو ظاهرة بشرية تشمل جميع الفكر والثقافة البشرية”. ولذلك يرى الباحث أن من أهم واجبات المثقف “أن يتحلى أولا بثقافة قبول التنوع والاختلاف وقيمة الحوار وضرورة التمسك بقيم العيش المشترك وقبول الشاذ داخل البناء مع العمل على التقرب منه أكثر لفهمه ودفعه نحو مراجعات بدون شروط مسبقة، اللهم شرط الحفاظ على التماسك الداخلي حتى لا يزيد من انزوائه وحقده على الجماعة”.

ويخلص المتحدث ذاته إلى أن المثقف بإمكانه أن “يلعب دورا تواصليا تأطيريا عبر وسائل الإعلام وعن طريق العمل الجمعوي المدني وأيضا السياسي الهادف أيضا، لأن المثقفين الذين ينتمون إلى صنف المبدعين في الأعمال الأدبية والدرامية التلفزية يكون لهم تأثير قوي على الأسر ومساعد الآباء على تربية الأبناء”.

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي