شارك المقال
  • تم النسخ

فحص حجاجي لتفاعل العلماء والإعلام بالمغرب مع نازلة إحراق المصحف الشريف من لدن متطرف عراقي في السويد!

أقدم متطرف عراقي مقيم في الدول الاسكندنافية على إحراق المصحف الشريف بمملكة السويد، وهو إجراء أجمع العقلاء على إدانته، بل حتى المسؤولون الحكوميون بالسويد أدانوه واستنكروه، رغم أنه فعل مؤطر بالقانون عندهم، ولم يقدم عليه مقترفه إلا بعد الترخيص القانوني.

تفاعلت الحكومة المغربية مع الحادث ممثلة في وزارة الخارجية، وبعد ذلك طالعتُ بيانا صادرا عن المجلس العلمي المحلي بتمارة، يستنكر تصريحات أحد الأشخاص حول الحادث، وبما أن البيان لم يذكر المعني بالأمر بالاسم، فإنني لم أعرفه إلا بعد تفاعل المواقع الإلكترونية وتغطيتهم لذلك البيان، حيث عرفت المعني بالأمر اسما ونعتا وصفة، وهو السيد المعطي منجب.

وبناء على معرفتي المسبقة بفعاليات الرجل وتصريحاته ومواقفه، فإنني لم أتسرع في اتهامه، وبحثت عن تصريحه المشار إليه، فوجدت المجلس العلمي المذكور قد جانب الصواب كما سيأتي بيان ذلك.

ما قاله المعطي منجب في تصريحه بالحرف هو: “يقدم كثير من المتطرفين أو الباحثين عن الشهرة أو البوز على إحراق الكتب المقدسة [سواء كانت القرآن أو العهد القديم أو العهد الجديد] في الدول الغربية عموما، وهذا سهل جدا، والقضية تبقى حساسة حتى في الدول الديمقراطية أو المجتمعات الليبرالية. الغريب أن المغرب رغم أن المقدم على الإحراق أصله عراقي، ينتمي إلى الحزب الديمقراطي السرياني، والسريانيون أقلية تنتمي إلى المنطقة القريبة جدا من الثقافة العربية، ويعملون على الدفاع عن حقوقهم الثقافية خصوصا في العراق وسوريا وبعض الدول الآسيوية كأذربيدجان، وقد أحرق هذا العراقي القرآن بدون أي تدخل من المجتمع المدني السويدي أو من الحكومة السويدية، والحكومة السويدية والمجتمع المدني السويدي يعتبران أن أي إنسان لا يقوم بفعل ضرر بدني للآخر له الحق أن يفعل ما يشاء ما دام أنه يحترم القانون.

لذلك، فإنني لا أفهم لماذا اتخذ المغرب هذا القرار لمعاقبة دولة السويد، هل لأنه لا يفهم بأن السويد دولة ديمقراطية؟ أو لا يفهم بأن المقدم على هذا الفعل ليس من أصل أوربي؟ والقرار المغربي مندرج في إطار سياسة شعبوية للقول بأن المغرب دولة عظمى وتدافع عن الإسلام وإفريقيا وعن المنطقة العربية إلخ، ولكن هذا يجعلنا أضحوكة أمام الدول والإعلام العالمي، خصوصا أن الكتب المقدسة تحرق يوميا في أمريكا بطريقة رمزية، يحرقها أناس متطرفون، أو أناس لهم اعتقاد بان هذا الدين أو ذلك الدين هو لا يوافق الحقيقة أو شيء من هذا القبيل، أو فقط للبحث عن الشهرة، والمغرب يذهب في هذا الاتجاه للعمل على الإشهار لهؤلاء الأشخاص الذين يقومون بحرق الكتب المقدسة، وكأنه يقوم بذلك الفعل الذي يريده المتطرف أو المبادر إلى حرق القرآن وهو جلب الانتباه له أو حوله”.

هذا كلام المعطي منجب بتمامه، وهو يتضمن الآتي:

أولا: ليس فيه أي تأييد أو مباركة لحرق المصحف.

ثانيا: وصف المقدم على هذا العمل بالتطرف، وكرر كلمة التطرف ثلاث مرات.

ثالثا: وصفُ المقدم على الإحراق بالتطرف والبحث عن الشهرة والبوز، كل هذه الأوصاف لا تدل على تبني الرجل للإحراق ولا تدل على التأييد.

رابعا: أحال على القانون السويدي الذي يبيح القيام بكل التصرفات ما دامت لا تلحق ضررا بدنيا بشخص ما.

خامسا: استغرب إقدام المغرب على التنديد.

سادسا: اعتبر أن تنديد المغرب يفيد المتطرف أكثر، لأنه يحقق له هدفه المتمثل في جلب الانتباه والشهرة.

هنا أسجل اختلافي مع السيد المعطي منجب في رفضه للموقف المغربي، لأنه كان موقفا صويبا في نظرنا، بل على الدولة المغربية وعلى الدول العربية والإسلامية وعلى الفعاليات المجتمعية أن تضغط على الدول الغربية بكل وسائل الضغط لإقناعها بضرورة تضمين قوانينها ما يجرم الاعتداء على الأديان والمقدسات، حتى يتحقق التعايش ونؤسس للشراكة الحقيقية بين المجتمعات.

ورغم اختلافنا مع المعطي منجب، فإنه لا يجوز الكذب عليه ونسبة ما لم يقله إليه، بناء على قوله تعالى: “لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا”.

فلماذا أصدر المجلس العلمي المحلي بتمارة بيانا ضد تصريحات الرجل؟

لو أصدر المجلس بيانه ضد تصريحات مسيئة إلى القرآن أو إلى الدين، فله ذلك، ونؤيده، وهذا ما لم يقع.

أما أن يصدر بيانه ضد تصريحات شخص ما حول سياسة الدولة الخارجية، فلا حق له في ذلك حماية لهيأته من الزج بها في الصراعات السياسية للفاعلين معارضين وموالين، وإلا سيلزمه إصدار بيانات حول مواقف المغاربة أفرادا وأحزابا. وهذا انحراف عن عمل المجلس وجب التنبيه إليه والتحذير منه.

لنعد إلى الأساس الديني للمسألة، ولنرصد الإساءة إلى الدين في المغرب وليس في السويد، والصمت المطبق لمجلس تمارة.

أ – ما قاله ويقوله وسيقوله عصيد هو أخطر بكثير عقديا وتشريعيا وأخلاقيا مما قاله منجب، فلماذا سكت مجلس تمارة عن عصيد ولم يسكت عن منجب؟

ب – أكثر رشيد أيلال مؤخرا من الإساءة إلى الدين وإلى مقدسات المسلمين، ولم يصدر عن المجلس العلمي المحلي بتمارة أي بيان ضد الرجل، أما منجب الذي لم نعهده معاديا للدين ولا مستهزئا به وبمقدساته ورموزه فلم يتردد المجلس العلمي في الرد عليه واعتبار تصريحه “عداوة للأمة المغربية المتعلقة قلوبها بالقرآن الكريم”، وأنه باع نفسه للشيطان، وهذه مفارقة ثانية تبين أن المجلس العلمي في تمارة ليس له همّ الدفاع عن الدين بقدر ما يهمه الرد على المعارضين للسلطة كما كان يفعل القساوسة ورجال الدين في العصور الوسطى بأوربا.

ج – بالأمس القريب، دخل بعض اليهود إلى رحاب الزاوية الفاسية رفقة بعض المسلمين، ودخلوا بأحذيتهم ونعالهم، ولم يحترموا قدسية المكان، واعتلت امرأة سافرة كرسي الدرس الديني بالزاوية لتقدم عظة للحاضرين، وكل هذه التصرفات مخالفة للشرع وللحضارة المغربية وللفقه المالكي، ومع ذلك لم ينبس المجلس العلمي ببنت شفة، فهل يمكنه أن يقنعنا اليوم في بيانه ضد منجب بأنه يؤمن بحرمة المقدسات؟

لن نسترسل في إيراد الأمثلة التي تدل على أن المجلس العلمي انحرف عن خطه المرسوم له بإصداره لهذا البيان الشارد، وسنتوقف عند بعض عبارات البيان.

أولا: تحدث البيان عما نشره “شخص ينتسب إلى المغرب”، وهذه عبارة غريبة، لأنه لا نقول مثلا عن الحسن السكنفل أنه ينتسب إلى المغرب، بل هو مغربي أصالة، كذلك نقول عن المعطي منجب وغيره، أما عبارة “المنتسب إلى المغرب” فغير أخلاقية وغير قانونية وغير شرعية، وتدل على أن محرري البيان مجرد هواة لا يتمثلون المبدأ القرآني “لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا”.

ثانيا: نسب البيان إلى منجب أن حرق المصحف “ليس جريمة ما دام لم يقترن بقتل”، وهذه العبارة تدل على أنها موقف للمعطي، وهي ليست كذلك، بل هو ذكّر المغرب أن القانون السويدي لا يعتبر مثل هذا التصرف جريمة مادام أنه لم يلحق ضررا ماديا بالغير، وهذا صحيح، فالقانون السويدي لا يعتبره جريمة، وإذا كان مجلس تمارة يقول بالعكس فما عليه إلا أن يحيلنا على بنود ومواد القانون السويدي التي تجرم هذا الفعل.

ثالثا: وصف البيان موقف منجب وتصريحاته بـ”الدناءة الفكرية”، و”الادعاء الشنيع”، و”العداوة للأمة المغربية”، وأن صاحبه “باع نفسه للشيطان”، إلى غير ذلك من النعوت، وماذا بقي بعد هذا التوصيف المنسوب إلى فئة يطلق عليها “علماء”؟

ألا تعدّ هذه النعوت أرضية ممهدة للاعتداء المعنوي على الرجل؟ وقد وقع ذلك في مواقع التواصل الاجتماعي.

وكيف بنا إن امتدت أيادي الشر إلى الرجل للاعتداء عليه جسديا؟ ألم يصفه “علماء” تمارة بـ”العداوة للأمة المغربية”؟.

رابعا: أشار البيان العلمائي إلى أن تصريحات منجب تصادم العقل، و”لا عقل يرى مصلحة في الإساءة إلى فرد واحد، فما بالك بالإساءة إلى ملايين الناس”.

هل تصريحات منجب تعارض العقل؟ وما المقصود بالعقل؟ وهل يراد به عقل علماء تمارة أم القضية العقلية التي لا يختلف حولها العقلاء؟

خامسا: تعامل المجلس العلمي مع تنديد المغرب واستغراب منجب لهذا التنديد بنوع من الاندفاع وعدم التعقل، واستعمل عبارات تهويلية كثيرة، منها “العداوة للأمة المغربية المتعلقة قلوبها بالقرآن الكريم”، فما رأي المجلس العلمي بتمارة في نازلة إحراق المصحف الشريف بأوسلو عاصمة النرويج من قبل لارس ثورن؟ 

وما رأيه في عدم تنديد المغرب بتلك الفعلة الشنعاء؟ وهل يعتبر سكوت المغرب الرسمي عن ذلك الإحراق بمثابة قبول واستساغة لـ”العداوة للأمة المغربية المتعلقة بالقرآن الكريم”؟ أم أن المجلس يتعامل بمزاجية مع حوادث الإحراق؟ أم أن المجلس تضرر معنويا من تصريحات رجل له رأي مخالف؟.

سادسا: تفاعلت كثير من وسائل الإعلام بمهنية مع بيان مجلس تمارة، وأستثني من ذلك موقع هوية بريس الذي عمل على تغطية البيان تحت عنوان: “المعطي منجب يبرر حرق المصحف بالسويد والمجلس العلمي يصعقه”.

وهذا عنوان أبعد ما يكون عن المهنية الصحفية أولا، ولا يعكس محتوى النازلة ثانيا، والصعق لم يقع ولم يتحقق إلا في أذهان الموقع ومحرريه، إضافة إلى أن التغطية تذرعت بالكذب وتوسلت به، لأن منجب لم يبرر الإحراق، وإنما استغرب الموقف الرسمي للمغرب.

ومن أكاذيب هذا الموقع “الإسلامي” قوله: “المعطي منجب يبارك حرق السويدي للمصحف والمجلس العلمي يصعقه”، وهكذا انتقلنا من “يبرر” إلى “يبارك”، فأين نجد مباركة منجب للحادث؟ وكيف يباركه ويصف فاعله بالمتطرف؟ ألـ”هوية برس” عقلٌ أم أن أجندتها تبيح هذا التهويل؟

ختاما نقول، إن إحراق المصحف الشريف وسائر الكتب المقدسة عمل متطرف متهور لا يقبله عاقل، وموقف المغرب الرسمي في حادثة السويد موقف موفق صويب، ونحن في أمس الحاجة إلى تعضيده عربيا وإسلاميا للضغط على دولة السويد لتغيير قوانينها، أما موقف المعطي منجب فلا نراه مبارِكا ولا مؤيدا للحادث، ومن حقه اتخاذ موقف من الموقف الرسمي للدولة، لأن رئاسة الدولة لم تتبن بعد شعار “ما أريكم إلا ما أرى”.

ومن غرائب عصرنا أن الدولة – ولله الحمد – لم تتبن الشعار الفرعوني المذكور، و”العلماء” يدعونها ويحرضونها على تبنيه، ويشنعون على كل من يختلف مع مواقفها، وكأنهم يستدرجونها للتحالف معها وإنشاء جبهة موحدة على غرار رجال الدين والدولة في أوربا الوسيطية، فهل من رجل رشيد يذَكّر “العلماء” بمصير ذلك التحالف؟  

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي