شارك المقال
  • تم النسخ

صحافيون بدون صحافة.. أين الصحافة؟؟ في الحاجة إلى الأمن الإعلامي!

صمتُ عن الكتابة ما يقرب من نصف سنة تقريبا، منذ شهر يوليوز من السنة الفائتة تحديدا، ومأتى هذا الصوم/الصمت يتعلق أساسا بمتابعة ومواكبة ما يجري على الساحة الوطنية والدولية، وكيف يتم تصريف هذه الأحداث على الجبهة الإعلامية.

كنت بين الفينة والأخرى أطالع كتابات وأبحاث أكاديمية عن الإعلام والصحافة والتواصل عموما، ناهيك عن متابعة الإعلام الإفريقي وخاصة في الدول التي عرفت صراعا بين هذه البلدان ودولة فرنسا من قبيل مالي وبوركينا فاصو والنيجير والكونغو والتشاد، وهو إعلام غني في تعددية آرائه المفتوحة على المجتمع وقواه الحية، إعلام يقوده إعلاميون كبار لهم تجربة في الميدان ومثقفون محترمون من أساتذة جامعيين ومحاميين ودبلوماسيين سابقين، إعلام متقدم عن الإعلام المغربي والعربي.

خلال هذه الفترة من الصمت مرت أحداث الزلزال الذي ضرب جزءا من البلاد، جاءت أحداث طوفان الأقصى على الصعيد الإقليمي والدولي، وتلاها طوفان إسكوبار الصحراء على الصعيد الوطني وربما الإقليمي، وبرزت أزمة التعليم التي دخلت شهرها الثالث، ظهر جليا ضعف وانهيار الوسائط التي كانت تلعب دورا رياديا في الوساطة بين المجتمع والدولة: الأحزاب والنقابات والصحافة.

صحافيون بدون صحافة!

ماذا يقع بالمغرب؟ وما هي جذور وأصول الأزمة؟ هل هي أزمة إنسان أم كيان؟ وكيف نستطيع أن نلوي على تداعيات هذه الأزمة؟ هل يوجد إعلام أصلا يضيء الطريق؟ هل يوجد نقاش عمومي نتابعه عن طريق الإعلام المغربي؟ هل توجد مقالات تحلل وتفكك وتركب وتستنتج بالحجج الواضحة والبراهين اللائحة؟

ما موقع الإعلام المغربي والصحافة تحديدا ضمن الإعلام العربي؟ هل هناك كتابات في الصحافة المغربية يطالعها القارئ العربي؟ هل الصحافة المغربية مؤثرة على الصعيد الإقليمي والعربي؟ لماذا يغيب المغرب البلد الغني بتاريخه وحضارته وامتداده الإفريقي والعربي والدولي على صعيد الإعلام الدولي؟

أين الصحافة الثقافية بالمغرب؟ الصحافة الرياضية المتخصصة؟ أين الصحافة الاقتصادية المتخصصة؟ أين الحوارات الراقية مع مثقفين ومفكرين وقادة سياسيين؟ أين صحافة الجامعة من مجلات متخصصة في العلوم الإنسانية والاجتماعية والأدب والرواية والشعر وعلم السياسة والتاريخ والسوسيولوجيا والفقه المالكي والامتداد العربي والإفريقي؟

الجواب عن هذه الأسئلة يظهر أننا نعيش في المغرب أزمة تواصلية على جميع الصعد، أزمة تتعلق بالإعلام أساسا، بالمشهد الإعلامي برمته، فهل هي أزمة صحافيين أم أزمة صحافة؟

خلال الأيام الأخيرة ثار نقاش على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية جدال بخصوص حيازة بطاقة الصحافة، من يحق له حيازة هذه البطاقة، ومن يحق له أن يمتهن الصحافة ومن لا يحق له، إذ أضحت بطاقة الصحافة بالمغرب شهادة على “إجازة العالمية” في الإعلام، زعموا

المجلس الذي أنيطت به مهمة تسليم بطاقة الصحافة يضع شروطا لعملية “ضبط” العمل الإعلامي بالمغرب، وهي شروط بعيدة كل البعد عن ما ينبغي أن تلعبه الصحافة من أدوار مهمة في التنشئة الاجتماعية كما كانت تقوم بذلك الجرائد والمجلات والمطبوعات والمنشورات في السابق، على خلاف واقع الصحافة والإعلام بالمغرب، في يومنا الحالي، التي يتزعمها مجموعة من “الصحافيين” لا علاقة لهم بالصحافة، بل لا يميزون بين الأجناس الصحافية، ولا يستطيعون أن يقوموا بدور الوسيط بين الدولة والمجتمع، لأنهم يفتقرون إلى أهم معيار يتعلق بأخلاقيات المهنة وهو معيار المصداقية، فضلا عن معيار المهنية، إنهم مجموعة من الكتبة سبابون لعانون تكفيريون.

هؤلاء “التكفيريون الجدد” منهم من بات يكتب بلاغات وبيانات، وبأسماء مستعارة تبدأ بـ “أبو” على طريقة الجماعات الإرهابية، لا فرق بين “أبو” الجهادي (المسلم الأعلى sur-musulman) بتعبير فتحي بنسلامة وفرهادخوسروخافار، الذي يكفر الآخر ليرهبه وإن لم يرتدع يقتله، وبين “أبو” التكفيري الجديد “الوطني جدا “sur-citoyen” الذي وضع نفسه في مكانة رجل الأمن ورجل القضاء وأخذ القلم الأحمر ليمنح الوطنية والشرف لجماعته من الانتهازيين، ويقوم بتكفير من يختلف معه باتهامه بالخيانة والعمل على زعزعة الوطن، وربما أنه ضالع في مؤامرة انقلابية ضد النظام.

هذا “الصحافي” التكفيري الجديد يأخذ القلم الأحمر وبأسماء مستعارة “أبو..” لترهيب المثقفين والإعلاميين فيخط مقالات/ بلاغات وبيانات، على طريقة التنظيمات التكفيرية في “إدارة التوحش” وذلك لتخوين/ تكفير المواطنين، ويوجه لهم اتهامات تمس وطنيتهم وأخلاقهم وشرفهم، يوجه اتهامات خطيرة بالخيانة للمثقف والكاتب والصحافي ليرهبه حتى يلتحق بعصابته، وإن أبى ورفض في احترام تام لأفكاره وقناعاته أطلق عليه رصاصات قاتلة تضرب الشرف والعرض والأخلاق المرعية في المجتمع، يدمر المجتمع، يجعل المواطنين يكرهونه وينتظرون ساعة فرصة للتشفي، وفي أسوإ الأحول رد الصاع صاعين، عبر مُسيرات عابرة للحدود، وهذا هو الأخطر على البلاد والعباد، بل على الاجتماع المغربي برمته المشهود له بالقيم والأخلاق الرفيعة التي طبعت الشخصية المغربية في تنوعها الاثني والقبلي وأصولها الاجتماعية.

إن “الإعلام” التكفيري الذي يخرب العلاقة بين المجتمع والدولة، هو الخطر الداهم، والسم القاتل الذي يوهم البعض أنه ناطق باسم جهة معينة، زعموا !!، يهدد المواطن الذي يتحول إلى رافض و”كافر” بالدولة الحقيقية ويلتحق بالدولة الافتراضية، ومن المعلوم أن الدولة الافتراضية هي أخطر إيديولوجية عرفها التاريخ، الدولة الافتراضية لا تعترف بالدولة الحقيقة المتعارف عليها، قوتها تتجاوز الحدود والسدود، بل وتتفوق على مؤسسات الدولة من أمن وقضاء وجيش، كما يذهب إلى ذلك المفكر جاك أطالي في تمييزه بين الإعلام التقليدي والإعلام في عصر التطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي، إنه اللفياتان الجديد في عصر مواقع التواصل الاجتماعي كما يذهب إلى ذلك الباحث الأنثروبولوجي روبرت روديكر .

هل هي أزمة صحافيين أم أزمة صحافة إذن؟ الجواب برأيي : إنها أزمة المشهد الإعلامي برمته بالمغرب!

في الحاجة إلى الأمن الإعلامي!

إن الإعلام بشكل عام هو الكتاب المقدس للعصر، فهو يلعب دورا في استقرار المجتمعات، بل له دور أمني لا يقل أهمية عن المؤسسات الأمنية الأخرى، بل يتفوق على جميع المؤسسات المعنية بالأمن في عصر اللفياتان الجديد، مواقع التواصل الاجتماعي، الإعلام سلاح، فمن لا يعي بشكل جيد الاستثمار فيه فإنه يرتد على صاحبه، والاستثمار في الإعلام يتطلب ثقافة واسعة بالعلوم الاجتماعية والتاريخ والعلاقات الدولية، وفوق هذا وذلك يتطلب فهم العلاقة بين الدولة والمجتمع، باختصار: يتطلب معرفة بالإنسان الذي نتوجه له بالرسالة الإعلامية، بصرف النظر عن موقعه.
الأمن الإعلامي هو مثل الأمن الغذائي والأمن الروحي والأمن المائي، فلا روح ولا ماء ولا غذاء ولا استقرار إن لم يكن هناك أمن إعلامي.

الأمن الإعلامي يبدأ في المغرب من فهم المغرب ( الدولة والمجتمع) في تعدده وتنوعه الثقافي والجغرافي والتاريخي، فهم واقعه وإكراهاته وأحلام وتطلعات شبابه، يبدأ من الانفتاح على الشخصية المغربية داخل المغرب وخارج المغرب، وبما أن لكل بلد له هويته، يمكن أن نذهب إلى أن لكل إعلام له هويته الإعلامية، بالرغم من الاتفاق حول أخلاقيات المهنة، فإن الأخلاق تختلف من هوية إلى أخرى حسب مبدإ الانتماء وسؤال التنمية،

إن الأمن الإعلامي بات ضرورة ينبغي أن يتنزل مشروعا وورشة، وينبغي أن يبدأ بها أي إصلاح وطني حقيقي من أجل مواجهة الدولة الافتراضية والليفياتان الجديد، مشروع يقوده إعلاميون وأساتذة جامعيون ومثقفون وطنيون بصرف النظر عن الاختلاف والاتفاق على صعيد القناعات الفكرية والأهواء الإيديولوجية، إنه المغرب الواحد بأصوات متعددة كما كتب ذات يوم الراحل العربي المساري رحمه الله.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي