شارك المقال
  • تم النسخ

حسنين هيكل ينتصر للمشروع الأمريكي وفهمي هويدي يسقط في “حروب أبوظبي”.. تعالوا نتحاكم إلى محمد عابد الجابري!

يذكرنا الصحافي التونسي في قناة الجزيرة محمد كريشان في كتابه ” محمد كريشان يروي.. وإليكم التفاصيل” بالبرنامج الحواري الذي أداره في القاهرة عام 2004، والذي جمع كل من الكاتب الصحافي المصري فهمي هويدي، والكاتب الصحافي المصري الراحل محمد حسنين هيكل، والكاتب الصحافي المغربي الراحل العربي المساري، هذا بالإضافة إلى عدنان أبو عودة المستشار السابق للعاهل الأردني الراحل الملك حسين.

محمد حسنين هيكل يعلن انتصار المشروع الأمريكي

وبتواضعه المعهود، يحكي كريشان أنه أصيب بتوتر لما تم تعيينه لإدارة هذا البرنامج الذي تجتمع فيه شخصيات من العيار الثقيل، بين حضور في الأستوديو وآخر عبر الأقمار الاصطناعية في حيز زمني لا يتجاوز خمسين دقيقة، والحقيقة أن هذا اللقاء كان أقرب إلى الندوة منه للبرنامج، ولا زلت أتذكر الحلقة التي انتظرناها على أحر من الجمر.

سأل محمد كريشان هيكل: “لقد شخصت يا أستاذ هيكل بعمق ودراية طبيعة وواقع الإمبراطورية الأمريكية، لكن شعرنا بعد هذا العرض وكان أمريكا قدر لا يمكن مجابهته، فهل هذا ما كنت تريد قوله؟

يجيب حسنين هيكل: “أمريكا قوة عظيمة، علينا أن نعرف كيف نتعامل معها بعد أن نفهمها”، في مقابل ذلك رأى فهمي هويدي أن “أمريكا تفشل في أفغانستان وتخسر في العراق” ومن ثمة فمقاومتها ليست مستحيلة.

لم يتوقف حسنين هيكل عند هذا الحد، بل إنه اعتبر أن “المقاومة الفلسطينية لا أفق لها إذا بقي الوضع العربي على حاله، وقال بأن شارون ربح المعركة”، ومرة أخرى يخالفه فهمي هويدي بقوله: إن “شارون لم يربح بدليل إقامته للجدار العازل ومشروع الانسحاب من غزة”.

وبدا حسنين هيكل غير مقتنع برد فهمي هويدي، لكن كلام هيكل وردود فهمي هويدي لم تمر دون أن تثير مجموعة من التحفظات والآراء حولها، وخاصة بين القوميين الذي يعد محمد حسنين هيكل منهم.

في هذا الصدد كتب أحد القوميين بمرارة وهو ناصر الأيوبي المحسوب على “المؤتمر الشعبي اللبناني” مقالا يوم 28 شتنبر 2004، جاء فيه أن “الملايين كانت تنتظر من الأستاذ هيكل تعبئة الشعب لمواجهة المخططات المعادية، برنامج عمل للصمود القومي، رؤية لتطوير العمل العربي المشترك… فإذا بالملايين التي شاهدت الحلقات واستمتعت في البداية تجد نفسها أمام نهاية مأساوية، وومن؟ من الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل”.

سقوط فهمي هويدي في حروب أبو ظبي

يعد محمد حسنين هيكل وفهمي هويدي من الصحافيين الكبار ولا ريب، كان القارئ العربي يستمتع بقراءة مقالاتهم وكتبهم ويتابع مشاركتهم في ندوات ومداخلات عبر التلفزيون، وإن كان الكاتب محمد حسنين هيكل قد غادر حياتنا الدنيا فقد بقي ما قاله وما كتبه شاهدا على فترة زمنية من حياته ما تزال ممتدة، وخلف بعده مريدين ومفتونين أو كارهين حاقدين، مشتطين فيما يشبه التقديس، أو مسرفين في الذم والقدح، على حد تعبير كريشان (ص 342)، فإن الكاتب الصحافي فهمي هويدي لا يزال على قيد الحياة دون أن يتابع القارئ العربي مقاله اليومي الذي كان ينشر في سبع جرائد يومية بالإضافة إلى مقاله الأسبوعي.

وسبب غياب فهمي هويدي هو مقال كتبه بعد مرور عشر سنوات بالتمام والكمال، على الندوة الحوارية في قناة الجزيرة 2004، وعنوان المقال هو “حروب أبو ظبي” الذي أثار ردود فعل غاضبة وساخطة من لدن كتاب مقربين من الإعلام الذي ترعاه أبو ظبي.

المقال نشرته جريدة الشروق المصرية وجرائد عربية أخرى، وتلقفته مواقع إلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، ومما قاله فهمي هويدي في المقال بناء على مقال نشرته جريدة الحياة اللندنية يوم 8 يوليوز من عام 2015، حيث ذكر التقرير ما سماه بالتوقيع بين الولايات المتحدة ألأمريكية وأبو ظبي على تأسيس “مركز صواب” لمحاربة الفكر “الداعشي”.

التقرير ذكر أيضا أن مركز “صواب” الجديد امتداد لمبادرات أخرى أطلقتها أبو ظبى في ذات الاتجاه، منها مركز “هداية” لمواجهة التطرف، ومنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، إضافة إلى مجلس حكماء المسلمين الذى أرسل قوافل إلى ١٥ دولة للدفاع عن سماحة الإسلام واعتداله.

وما أثار انتباه هويدي أن دولة الإمارات لا تعانى من مشكلة التطرف والإرهاب من أي باب، كما أن الولايات المتحدة ألأمريكية لا يعرف لها دور في تصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام والمسلمين.

الأمر الثالث أن المبادرات الأخرى التي أطلقتها الإمارات تصب في ذات الاتجاه، حيث لا فرق يذكر بين مركز هداية ومركز صواب ودورهما ليس بعيدا تماما عن مهام منتدى تعزيز السلم أو مجلس حكماء المسلمين.

المقال هذا أثار ردود فعل غاضبة من صحافيين بل ومن شخصيات سياسية وأمنية، ويمكن الرجوع إلى محرك البحث على الانترنيت لمعرفة المزيد من ردود الفعل.

وما يهم هو أنه منذ ذلك الحين غاب فهمي هويدي بالرغم من أن مقالاته كانت تثير النقاش وتدعو إلى الحوار وتغضب الكثير من القيادات السياسية من قوميين ويساريين وإسلاميين وغيرهم.

المشكل هنا لا يتعلق بمقال كاتب صحافي عبر عن رأي وحسب، بل إن الموضوع هنا أكبر من ذلك، إنه يتعلق برؤيتين متعارضتين بخصوص مطلب الإصلاح على صعيد المنطقة بشكل عام.

تعالوا نتحاكم إلى محمد عابد الجابري!

كثيرا ما رافع المفكر محمد عابد الجابري ودافع عن حكمة المغرب وعقلانيته، لذلك ارتأينا أن نسمع إلى رأيه عن سؤال الإصلاح في المنطقة العربية، هل هو نابع من التربة العربية، ينطلق من أسئلتها وهمومها ويرنو إلى إصلاح حقيقي تشترك فيه النخبة، سواء كانت رسمية أم شعبية (= من الشعب) أم أنه مفروض من الخارج يسعى لمزيد من توسيع الهوة بين الدولة والمجتمع.

كتب محمد عابد الجابري مقالا في سلسلة مواقف عام 2004، حول سؤال الإصلاح بالمنطقة العربية، واعتبر الراحل أن الحاجة إلى الإصلاح كانت قضية راسخة في الفكر العربي بكل تياراته ومنازعه بما فيها “الفكر الرسمي” الذي يمثل وجهة نظر الحاكمين في العالم العربي منذ ما يزيد عن قرن ونيف، أما اليوم فإن قضية “الإصلاح”، كما يتم تناولها اليوم في الساحة العربية، فهي مفروضة من الخارج، وتحديدا من الولايات المتحدة الأمريكية كما طرحها على العرب الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن وإدارته.

الدعوة الأمريكية إلى الإصلاح أثارت ردود أقوال وأفعال في الإعلام والصحافة عموما آنذاك، بين من يرفض رفضا قاطعا التعامل معها بدعوى أن ما هو إصلاح، من المنظور الأمريكي الإمبريالي، لا يمكن أن يكون في صالح من تعتبرهم الإدارة الأمريكية، الحاكمة اليوم، أعداء لها، وهم بالتحديد العرب والمسلمون.

وهناك من اعتبر أن الدعوة الأمريكية إلى “الإصلاح” في البلدان العربية، ومطالبتها الحكام العرب بالانخراط فيه، فرصة تاريخية يجب اقتناصها لتحقيق الإصلاح الذي بقيت الأنظمة العربية القائمة ترفضه وتتهرب منه منذ ما يزيد على قرن من الزمن.

ولكن ما غاب عن الفريقين أن دعوى الإصلاح، كما تريد الإدارة الأمريكية فرضها على المنطقة، كما يرى محمد عابد الجابري، هدفها هو إشعال نار الحرب الأهلية في كل بلد من بلدان هذه المنطقة.

ويقول بالحرف: “إن مطالبة الحكومات العربية والإسلامية بالانخراط مع أمريكا في حربها الدولية على الإرهاب يؤدي بهذه الحكومات، إنّ عاجلاً أو آجلاً، إلى خوض حرب أهلية ضد قسم من شعوب بلدانها”.

وما تنبأ به المفكر محمد عابد الجابري هو ما حصل، وهو ما نراه اليوم على واقع الأرض من حرب أهلية في الكثير من البلدان العربية بعد فشل الدولة الوطنية وضياع المجتمع.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي