شارك المقال
  • تم النسخ

شقير يكتب: حزب الاستقلال بين التماسك التنظيمي والمشاركة الحكومية

  يعتبر حزب الاستقلال ، إلى جانب كل من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية والحركة الشعبية …، من أقدم و أعرق الأحزاب السياسية بالمغرب. لكن بخلاف هذه الأحزاب التي عانت من انقاسامات تنظيمية في بعض محطاتها السياسية ، حافظ حزب الاستقلال على تماسكه الداخلي رغم التوترات الداخلية التي عرفها في بعض الفترات من تاريخه السياسي . حيث تمثل أخيرها  وليس آخرها في الخلاف الذي ساد بين ما سمي بتيار حمدي ولد الرشيد وتيارنزار بركة والذي أدىت تداعياته  إلى تأجيل انعقاد المؤتمر الوطني 18 عشر للحزب لأكثر من سنتين قبل أن يتم التوافق على عقده في نهاية شهر أبريل 2024 . وبالتالي ، فالتساؤل المطروح عن الآليات التنظيمية التي يمتلكها هذا الحزب لتفادي الانقسامات التي عانت منها باقي الأحزاب الكبرى.

1-التجذر التنظيمي لجهاز مفتشي الحزب

     يتميز حزب الاستقلال عن باقي الأحزاب السياسية المغربية بمؤسسة متفردة تتمثل في جهاز مفتشي الحزب. إذ على الرغم من السجال التنظيمي بشأن الحمولة السياسية لهذا الجهاز الذي يوحي بدور المراقبة الذي قد يتنافى مع طبيعة العمل النضالي الحزبي، المبني على التطوع والاختيار الديمقراطي ، فقد تم الاقتناع على أن المصلحة العليا للحزب تقتضي الإبقاء على هذا الجهاز، الذي ارتبط دائما بالحفاظ على وحدة الحزب المركزية و الفرعية . وبالتالي  فقد تجذرت مركزية مفتشي الحزب في البناء التنظيمي للحزب نظرا لعدة اعتبارات تاريخية وتنظيمية:

  • الاعتبارات التاريخية المتمثلة في صدمة انشقاق 1959 كواقعة تاريخية في مسار هذا الحزب وما خلفته من آثار في الذاكرة الجمعية لمناضليه ، الذين  كان يعتبرون وحدة الحزب وتماسك بنيانه وتنظيمه أمرا مقدسا. حيث عادة ما يتم استحضار الدور التاريخي لمفتشي الحزب في كل محطة تنظيمية ناقشت جدوى استمرار مسؤولية المفتش في بنائه التنظيمي ،والدور الحاسم الذي لعبه مفتشو الحزب في سنة 1959 للحفاظ على وحدة الحزب وممتلكاته على الرغم من أهمية ورمزية ومكانة دعاة المنشقين عنه .إذ “إن جل مفتشي الحزب في تلك المرحلة ناصروا اتجاه الوحدة والعقيدة الاستقلالية الحقة، ولم يلتحقوا بالاتجاه المنشق، باستثناء حالتين معزولتين، حيث جاء في الكلمة التي وجهها الزعيم علال الفاسي إلى جميع أعضاء الحزب من خلال اجتماع الندوة الأولى للجان العمل واليقظة، بتاريخ 7 ماي 1959: “ويمكننا الآن أن نصرح بأن المجهود الذي بذل في هذا الصدد قد كلل بالنجاح التام، وقد سهل ذلك إخلاص القاعدة الشعبية للحزب وثباتها في مبادئها. على أن الخسارة التي وقعت في صفوف الحزب لا تساوي شيئا مذكورا، فلم يفصل من هيئة المفتشين إلا اثنان من بين التسعة عشر مفتشا”.
  • الاعتبارات التنظيمية المتمثلة في تقوية مركزية جهاز المفتشين في البناء التنظيمي للحزب ، حيث حددت الأنظمة الأساسية للحزب عبر مؤتمراته مهاما أساسية لمفتشي الحزب تتمثل في السهر على تطبيق أنظمة الحزب ولوائحه وقراراته، والحفاظ على ممتلكاته ، وتشكيلهم حلقة وصل بين اللجنة التنفيذية للحزب وباقي مكونات التنظيم على المستوى المحلي والإقليمي، من خلال رفع تقارير بانتظام حول أوضاع ونشاط فروع الحزب وهيئاته ومنظماته الموازية في مختلف الميادين وكذا رفع تقارير عن بعض السلوكات التي تسيء إلى تنظيم الحزب”.

ولعل هذه الأهمية التنظيمية التي يتمتع بها هذا الجهاز هي التي دفعت إلى تقوية تجذره داخل البناء التنظيمي للحزب . والتي تجلت بالأساس  في أن التعديلات الجوهرية التي أدخلت على النظام الأساسي للحزب خلال مؤتمره الرابع عشر شددت على اعتبار مفتشي الحزب أعضاء بالصفة كاملي العضوية بمجلسه الوطني. في حين تم التصويت بالاجماع خلال اجتماع اللجنة التحضيرية بتاريخ 14 ابريل 2024 ، بالإضافة إلى إحداث باب جديد خاص بميثاق السلوك والأخلاقيات ، على “تعيين مفتش عام من خارج أعضاء اللجنة التنفيذية بقرار للأمين العام بعد موافق اللجنة الذي يتولى تتبع ومواكبة مهام المفتشين الإقليمين وإدخال مهامه ضمن الادارة العامة للحزب  حيث ينعقد مجلس المفتشين في دورة عادية كل 6 أشهر خلال شهري شتنبر ومارس”.

2- التوافق كآلية لانتخاب قيادة الحزب

     كان انتخاب قيادة حزب الاستقلال عادة ما يتم بسلاسة تنظيمية ، حيث كان يتم التوافق على تعيين الأمين العام بدون مشاكل تذكر طيلة ولاية كل من بلافريج وعلال الفاسي وبوستة . وعندما احتدمت المنافسة بين هذا الأخير ، ومحمد الدويري ، تم اللجوء إلى صيغة توافق ، تم من خلالها تعيين عباس الفاسي ، وإلحاق كل من بوستة والدويري بمجلس رئاسة الحزب إلى جانب عبد الكريم غلاب. وبالتالي ، فقد

شد انتخاب الأمين لحزب الاستقلال خلال مؤتمره السادس عشر انتباه العديد من المتتبعين الصحفيين لخروجه عن هذه القاعدة  ، حيث تم  التساؤل عن دواعي هذا التحول في المسار التنظيمي للحزب ، فهل يرجع بالأساس إلى رغبة داخلية لهذا إلى الآلية الديمقراطية للحسم في انتخاب أمينه العام ، أم يرجع بالأساس إلى شخصية شباط المثيرة للجدل الذي فاجأ الجميع بترشحه للأمانة العامة في منافسة لابن علال الفاسي الأب الروحي والرئيس الكاريزماتي والمنظر الرئيسي للحزب منذ    تشكله ؟  إذ بعد كل المحاولات التي بذلت من طرف لجنة المساعي الحميدة  التي كلفت من طرف مجلس رئاسة الحزب لإيجاد حل توافقي لحل مسألة الأمانة العامة ، تم الحسم في الأخير إلى اللجوء إلى الآلية الانتخابية للفصل بين كل من مرشحي الحزب عبد الواحد الفاسي وحميد شباط ، والتي نجح فيها هذا الأخير . إذ بعد الانتهاء من عملية التصويت ،  وفرز الأصوات ، أعلن عن فوز حميد شباط ب 478 صوتا مقابل 458 صوتا  لعبد الواحد الفاسي ، ليكرس كأول أمين عام تم انتخابه من خلال آلية ديمقراطية  بدل الآلية التوافقية التي كانت تفرز الأمناء العامين لحزب الاستقلال . ونظرا لما خلفته فترة رئاسة شباط للحزب  من اهتزازات داخلية وتراجع سياسي للحزب ، فقد ظهرت رغبة للعودة لهذه الآلية التوافقية لتجديد انتخاب نزار بركة  كأمين عام للحزب. إذ على الرغم من الخلافات التي استعرت بين تيار ولد الرشيد والموالين لنزار بركة والتي تمثلت خاصة في تعديلات اقترحها تيار ولد الرشيد على النظام الأساسي للحزب، من قبيل سحب اختصاصات من الأمين العام وفرض منصب نائب له وتقليص عدد أعضاء المجلس الوطني للحزب ورفع عدد أعضاء اللجنة التنفيذية ، مع حذف عضوية المجلس الوطني بالصفة لأعضاء مجلسي النواب والمستشارين…، فقد تم الاتفاق خلال اجتماعات قيادات الحزب على احتواء هذه الخلافات ، انتهت باجتماع اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال في الرباط، الذي شدد فيه  القيادي محمد ولد الرشيد (ابن حمدي ولد رشيد رئيس التيار المناهض لنزار بركة)، على ضرورة تغليب مصلحة الحزب وإنجاح محطتي اجتماع المجلس الوطني وكذلك المؤتمر. ليتم تنويه أعضاء اللجنة التنفيذية بالجهود المكثفة التي بذلها محمد ولد الرشيد للتوصل إلى التوافق المسؤول والإجماع على ترشيح نزار بركة لمنصب الأمين العام للحزب لولاية ثانية كمرشح وحيد”.

3- الارتباط  بالإرث عائلة علال الفاسي

     ارتبطت الأحزاب منذ نشأتها، وخاصة تلك التي انبثقت في سيرورة الحركة الوطنية، بشخصيات قيادية وكاريزمية ، كارتباط حزب الشورى والاستقلال بلحسن الوزاني ، وحزب التقدم والاشتراكية بعلي يعته ، والاتحاد الوطني للقوات الشعبية بعبدالله ابراهيم بعد اغتيال المهدي بنبركة ، ونفي محمد البصري ، وارتباط الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بعبد الرحيم بوعبيد و حزب الاستقلال بشخصية علال الفاسي . فس علال الفاسي لم يكن يعتبر فقط رئيسا للحزب ، بل هو قبل كل شيء منظر الحزب الذي رسم له مبادئه المذهبية ورؤاه الفكرية التي ما زالت تشكل النواة الإيديولوجية لسياسة الحزب عبر مساره الطويل . وبالتالي ، فرغم وفاة هذا الأخير في 1974 ، فقد بقيت معالم شخصيته ، ورصيده الفكري والسياسي موروثا مشتركا للحزب ، جعل كل من محمد بوستة ، وبعده عباس الفاسي يسيران في نهجه ، ويرتكزان في تعيينهما ومشروعيتهما على الارتباط به سواء من خلال الارتباط بفكره أو الارتباط بالمصاهرة معه.

 وبالتالي ، فإن الارتباط بفكر علال الفاسي الذي تجسد في “عائلة الزعيم “،  أضفى على الحزب صبغة عائلية تماهت مع صورة عائلة الفاسي والانتساب لها . ولعل محاولة حميد شباط القطع مع هذا الإرث أدخل الحزب في دوامة من الصراعات أثرت على مساره السياسي وبالأخص على تموقعه الحكومي . ففي منافسته مع ابن علال الفاسي السيد عبد الواحد الفاسي. استند شباط في ترشيحه لرئاسة الحزب ، على القطع مع نظام التوريث العائلي الذي تكرس مع ترشيح ابن علال الفاسي خاصة وأن أجواء الربيع العربي التي مست تداعياتها المغرب ، ساعدت شباط على تكريس هذا المعطى .ففي ندوة عقدها بالرباط في إطار حملته الانتخابية ضد عبد الواحد الفاسي صرح شباط ” أنه بعد يومين سيدخل مناضلونا مقر باب العزيزية لحزب الاستقلال ، وسيتم إسقاط العائلة الفاسية …إن حزب الميزان لا يختلف كثيرا عن أحزاب بنعلي ومبارك التي كانت فيها العائلات والأصهار “وقد كان من تداعيات فوز شباط  بالأمانة العامة للحزب انسحاب الوزراء الاستقلاليين وعلى رأسهم نزار بركة من الحكومة التي كان يتصدرها حزب العدالة والتنمية، وانقسام كبير داخل الحزب تجسد في تراشق أعضائه بالصحون قبل أن يتم استعادة وحدته بإبعاد شباط عن قيادته وانتخاب نزار بركة  صهر عباس الفاسي لأمانة الحزب في غشت 2017  .ولعل التخوف من استعادة سلبيات تجربة حميد شباط  في رئاسة  الحزب ،  هو الذي  دفع بالقيادات الاستقلالية لإخراج الحزب من وضعيته التنظيمية الداخلية التي هيمن عليها صراع بين تيارين: الأول تابع للأمين العام، والثاني يتزعمه القيادي النافذ بالأقاليم الجنوبية حمدي ولد الرشيد. إذ أن من أبرز الضغوطات التي عجلت بقيادة الحزب إلى التوافق على موعد المؤتمر ومرشح وحيد، هو تفادي أي إحراج  سياسي ينجم عن  تطبيق  منطوق المادة 62 من قانون الأحزاب، التي تنص على أنه “في حالة عدم احترام  الإجراءات أو الآجال، وفق ما هو منصوص عليه، تقوم السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، بتوجيه إشعار إلى الحزب المعني قصد مطالبته بتسوية وضعيته في أجل ستين يوما، وإذا لم يقم الحزب بتسوية وضعيته بعد انصرام هذا الأجل، تطلب السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية توقيف الحزب وفق الشروط والشكليات المنصوص عليها”. وكذا تجنب أي انقسام داخلي قد يؤثر على مشاركة الحزب داخل حكومة عزيز أخنوش، كما حدث في عهد الأمين العام السابق حميد شباط الذي تسبب في إخراج حزبه من حكومة 2012، مما ساهم في إضعاف مكانة الحزب في المشهد السياسي والحزبي.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي