شارك المقال
  • تم النسخ

“سجن القنيطرة” و”الوداع الأخير”.. المريزق يحكي لـ”بناصا” والدّموع تغالب عينيه تفاصيل مؤثرة عن حياته (+ الفيديو)

فتح المصطفى المريزق، الأستاذ بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس، صدره لجريدة “بناصا”، وحكى تفاصيل مؤثرة من حياته، منذ نعومة أظافره في قرية غفساي، مروراً بمرحلة الحركة الطلابية ثم الدخول إلى السّجن، ووصولا إلى الهجرة إلى الديار الأوروبية مُكرهاً، وترك والدته على فراش الموت.

قرية غفساي وعائلة المريزق

وقال المريزق، خلال حلوله ضيفا على الإعلامي نورالدين لشهب، ضمن برنامج “معهم حيث هم” الذي سيُبث لاحقا على جريدة “بناصا”، إنه ولد في قرية غفساي (ضواحي تاونات)، “وهي إحدى القرى الشهيرة التي تنتمي إلى قبيلة بني زروال”، مضيفاً أن عائلته: “من العائلات القديمة داخل هذه القبيلة. والعائلة كلها تحمل اسم المريزق، باستثناء بعضها _ لأن العائلة ممتدة وليست نووية _ التي اختارت اسم عائلي المرزوقي”.

وتابع المريزق، أن عائلته “جربت السلطة، وجرّبت العلم، وجربت الفقه، لأن أغلب أبناء العمومة، درسوا في جامعة القرويين، وهم تلامذة القرويين، وأطر القرويين، وتحملوا العديد من المسؤوليات خصوصا في قطاع التعليم”. كما كانت عائلة المريزق، حسبه، “فلاحة، بمفهوم الكلمة السوسيولوجي، لأنها كانت تمتلك الأرض؛ أشجار الزيتون والعنب، كما لها موقع إلى جانب عدة عائلات، التي شيدت معالم هذه القبيلة”.

التجربة الطلابية

وسلط المريزق في حديثه، الضوء، على التجربة الطلابية وما بعدها، حيث قال إن هذه التجربة “يتقاطع فيها العائلي والشخصي والاجتماعي، من حيث التفاعل مع الواقع، ومع العديد من المحطات التي اجتزتها وكانت جزءاً لا يتجزأ من الواقع المغربي والدولي”.

وتابع المريزق، في سرد الأحداث التي مهّدت الطريق نحو دخوله إلى الحركة الطلابية، كعضو فاعل ومسؤول لاحقا: “كان أغلب إخوتي لديهم مسؤوليات نقابية داخل الحركة الطلابية، وأيضا أبناء قريتي كان أغلبهم قياديين بارزين في منتصف السبعينات”، مسترسلاً: “كنت تلميذا مخلصا للعديد من أساتذتي الذين كانوا ينتمون إلى الاتحاد الاشتراكي، وكانوا نقابيين في مدرسة الإمام الشطيبي، منهم المرحوم الأستاذ فاضل الفوال، ابن مدينة الشاون مدرس اللغة العربية، الذي تم اعتقاله ووضعه في سجن عين القادوس لاحقا”.

وواصل المتحدث نفسه: “أنا اخترت أن أتوجه إلى ثانوية الاقتصاد في مولاي سليمان بفاس، كنت تلميذا داخليا، وكانت لي علاقة مباشرة مع الحركة الطلابية، فهيأت نفسي، إن لم أقل هيأوني، أن أدخل إلى الحركة الطلابية. كنت في البداية مستمعا، ثم متعاطفا داخل الحركة الطلابية، وكان يعجبني النقاش، وبعدها تحملت بعض المسؤوليات”.

اليسار الطلابي و”الثورة المزعومة”

وذكر المريزق، في شق مثير للجدل، أنه خلال الحركة الطلابية، وفترة انتمائه إلى الطلبة القاعديين، لم يكن، لا هو ولا العديد ممن معه، يؤمنون بـ”الثورة”، قائلاً: “على الأقل، الحلقة النضالية القاعدية التي كنت أنتمي لها، وكنت مسؤولا في بعض سنواتها، لم نكن نؤمن بالثورة”. متابعاً: “ربما كانت حلقات أخرى، لها امتدادات أو لها علائق مع التيارات التي كانت تحلم بالثورة، تؤمن بها، أما في تجربتي لم نكن نحلم بالثورة، بل كنا نتبنى ما يلي: نناضل داخل الحركة الطلابية، من أجل مصلحة الطلبة بكل أبعادها، وأيضا لنهيء أنفسنا لنكون مناضلين ديمقراطيين، لكي ننتشر في المجتمع بعد الجامعة”.

ونبه المريزق، إلى أن هذه القناعة، كان يقتسمها مع “العديد من الأصدقاء”، الذين كانوا ينتمون إلى نفس “الفصيل” الطلابي اليساري، متابعا: “والدليل على ذلك، أننا بعد يوم من الحكم علينا بالسجن، أصدرنا بلاغا وقعناه أنا وبعض الأصدقاء، وأعلنا أننا نفك الارتباط بالطلبة القاعديين، وأننا منذ اليوم، معتقلون سياسيون مناضلون خلف الأسوار”.

التجربة القاعدية.. اللغز الكبير

وقال المريزق، إن إعلان فك الارتباط، بعد الدخول إلى السجن، يعني “أننا نعتبر أن الطلبة القاعديين هم من داخل الجامعة فقط”، مبرزاً أن “فك الارتباط تنظيمي، أما فكري، فالحلقة التي كنت أنتمي إليها، تنهل من كل التيارات الماركسية التقدمية اللينينية الماوية المغربية. نعتبر هذه التيارات، وهذه المؤسسات التي كانت من 1971 إلى غاية الثمانينات، أن لها أفكارا وإيديولوجية، وتحليل ونسق، ننهل منها. ولم نكن في يوم من الأيام امتدادا لها”.

وأشار المحدث نفسه، إلى أن الطلبة القاعديين، الذين كان ينتمي لهم، كانوا يأخذون مزايا هذه التيارات، ويحترمونها إلى درجة القدسية في بعض الأحيان، ولكن دون أن ينتموا إليها، وذلك راجع بالأساس إلى أن الطلبة، لم يكونوا عبارة عن كتلة منسجمة. مردفاً: “في تلك المرحلة كان اليسار في السجن، بمعنى أن امتداده، هي البيانات والكتب والكراسات”.

ولم ينكر المريزق، وجود علاقات بين بعض الحلقات اليسارية في الحركة الطلابية، وبين بعض التنظيمات أو التيارات، غير أنه أكد أنه كان يعتبر “أن كل التجارب محترمة، إلى درجة القدسية، وأتاحت الظروف، والتقيت بزعماء كل هذه التيارات، داخل السجن المركزي بالقنيطرة، وهناك ترسخ لي هذا الاحترام؛ احترام تجربتهم، تكوينهم العالي، لكنني لم أنتسب ومن حقي ذلك”. مضيفاً: “في السبعينات، كنت أميل لبعض الأطروحات التي كانت قد قررت القطع مع الحركة الطلابية، واعتبرت أن الحركة الطلابية ليست طليعة ثورية، ويجب الاشتغال في المغرب كله، وهو ما قادني إلى تجارب أخرى لاحقا”.

تجربة السّجن

بخصوص تجربة السجن، قال المريزق، وعكس العديد من السجناء السياسيين السابقين: “من بين أجمل فتراتي عمري تلك التي قضيتها في السجن، حيث السجن، لم يكن بالنسبة لي عنوانا للقمع أو للتنكيل، وللعيش خلف القضبان، ووراء الأسوار، لم يكن السجن فقط معاناة، للعائلة أولا، وللأصدقاء والصديقات ثانيا، ولا وصمة بالنسبة لمغربنا وقتها”.

واسترسل الأستاذ بـ”جامعة مكناس”: “حصلت إجازتي في الاقتصاد، في السجن المركزي بالقنيطرة، وبه أيضا، وتابعت دراستي في السنة الأولى للدراسات المعمقة. امتحانات الإجازة اجتزتها في المعهد العالي للقضاء، وفي يوم تقديمي لشهادة الإجازة، حضر معي قامات لن أنساها طوال حياتي، ويتعلق الأمر بنورالدين العوادي، وكان يحاضرني، عبد اللطيف عواد، وكان يشرف على بحثي الأستاذ فتح الله ولعلو”.

وأوضح أن “السجن تربيت فيه، واكتسبت أصدقاء فيه، كما فتح لي علاقات، خصوصا على المستوى الدولي. استطعت لاحقا إدخال آلة العود إلى زنزانتي، وكنا نقيم أمسيات وسهرات. لقد كان فضاء للعيش المشترك. وللقدرة على الاندماج مع أصدقاء ورفاق جاءوا من مناطق مختلفة يحملون عادات وتقاليد مختلفة”. أما بخصوص الجانب السلبي للسجن، يقول المريزق، إن “السجن وجد ليكون هكذا”، ولكن على المرء أن يحوله “إلى مدرسة للتعليم والتعلم والانفتاح وللحوار والنقاش. أنا لا أقف فقط عند المعاناة والجراح”.

الخروج من السّجن وتجربة “الزيتونة”

بعد الخروج من السجن، يقول المريزق: “بحثت عن إمكانية العمل، ووجدته في القطاع الخاص، لأنه كانت لي ظروفي الخاصة، واشتغلت في شغل بسيط جدا، وتعلمت منه الكثير. بعدها عدت إلى قريتي، وأنشأت محلا تجاريا أبيع فيه الكتب، أنا وزوجتي، التي تزوجت بها خلال مرحلة السجن، وقبلها كنت أبيع الكتب في الأسواق الأسبوعية”.

عقب ذلك، يضيف المريزق، “أنشأت مؤسسة الزيتونة، وهي جريدة كانت تصدر شهريا، لمدة ثلاث سنوات، وبدون أي دعم من الدولة، بعدها تعرضت لمضايقات كبيرة من طرف السلطات، لأنه إلى جانب الجريدة، نظمت ندوات كبيرة حضرتها عدة قامات في الإعلام وقتها”.

والدة المريزق.. الوداع الأخير

وواصل المريزق سرده: “بعد حصولي على جواز السفر، سافرت إلى إسبانيا، ومنها إلى فرنسا. خرجت تاركا أمي على فراش الموت، لم أخبر أحدا، حتى هي، قمت بتوديعها وطلبت منها الدعاء لي، سألتني عن وجهتي، وقلت لها في المغرب فقط. وصلت إلى فرنسا بعد 4 أشهر، وبلغني خبر وفاتها”.

وأضاف بخصوص إحساسه، وهو يحاول كبح دموعه عن النزول: “إحساسي مثل إحساس أي شخص فقد أمه، وكان لي ارتباط قوي جدا بأمي، تألمت كثيرا، عاتبت نفسي، بل وندمت على ذهابي وترك أمي على فراش الموت”، متابعاً: “لكني حين أختار الرحيل، فإني أبيت ولا أصبح”.

تجربة الاغتراب.. ودرس: الإنسان صنيعة الآخرين

استعاد المريزق، وهو يحكي تجربة الاغتراب، لحظة أخرى من لحظات الوداع، بعد قراره الهجرة، وهذه المرة توديع زوجته وابنه خليل، الذي كان يبلغ من العمر بضع شهور: “تركته في أحضان أمه، وغادرت الوطن، ولم أره إلا بعد أكثر من سنة، حين استقبلته في المطار، لم يعرفني، وظل لفترة قبل أن يعي أني والده”، يقول المريزق والدموع تعاود مباغتته.

وفي مرحلة الاغتراب، يوضح المريزق، تمكن من تسوية وضعيته القانونية بعد سنوات، بفضل “العديد من الصديقات والأصدقاء الفرنسيين والفرنسيات، محامون وجمعيات، وبعض أفراد العائلة”، متابعاً: “تجربة فرنسا أعطتني درسا كبيرا. الإنسان مهما بلغ ووصل، لا يمكن إلا أن يكون نتيجة وصنيعة أناس آخرين، وأنا أعتبر نفسي منتوجا لهؤلاء الأشخاص والجمعيات اللذين ساعدوني واحتضنوني، واستطعت بفضلهم وبفضلهن، أن أكمل دراستي وتحصلت على الدكتوراه”.

وتابع المريزق: “زارني الأستاذ إدريس بنزكري، وشجعني على الرجوع إلى المغرب، عدت بالفعل في سنة 2007، ثم رجعت مرة أخرى إلى فرنسا، إلى أن التقيت الأستاذ المرحوم نورالدين هرمي، بالجامعة التي كنت أدْرس فيها، بفرسا، وهو من أقنعني بأن أجتاز مباراة التعليم العالي في المغرب، وبعد تمكني من ولوج التدريس في الجامعة، بقيت لسنتين وأنا أدرّس وأعود إلى فرنسا، قبل أن تلتحق بي زوجتي، لنستقر في مكناس”.

التجارب السياسية.. وسرعة التغيير، أين يمكن تصنيف المريزق؟

بشأن كثرة التجارب السياسية والفكرية التي مرّ بها، يوضح المريزق: “أنا أعيش تجربة، ثم يتبين لي بعدها أن المكان ليس لي، أو أني مجرد متطفل، أو أن المكان لن أعطي فيه، أو لست محترما فيه، أو أن المكان لن يزيد بي إلى الأمام، أو أن المكان لا يسرني”، متابعاً: “الإنسان للفرح، والسرور والتعاون والتضامن، الإنسان أن يقول فكرة اليوم، ثم يتراجع عنها غدا، ليس لي مشكل في هذا إطلاقا”.

واسترسل: “أنا المصطفى في 14 سنة، لست هو أنا في 22 سنة بالحركة الطلابية، كما لا يمكنني حمل الحركة الطلابية حياتي كلها، ولا يمكن أن أبقى الشخص نفسه الذي كان في السجن، كما لا يمكنني أن أستمر في التجربة النقابية، أنا لا أستطيع أن أظل حياتي كلها في العمل النقابي، ولا يمكنني الاستمرار في تجربة سياسية هي نفسها ولدت وتغيرت وتطورت”، مردفاً: “سأعيش تجارب أخرى، ولكن أفضل أن أعيش تجارب أنا من يتحمل فيها المسؤولية”.

وفي السياق نفسه، وفي إجابته على سؤال الإعلامي لشهب، بخصوص “الزاوية” أو الجهة، التي يمكن أن يتم تصنيف المريزق فيها، قال الأخير: “إنسان أنتمي إلى الإنسانية. الأرض وطني والإنسانية شعبي. إيديولوجيتي حاليا هي أني أنهل من جميع الإديولوجيات، يسارية، وديمقراطية، وتقدمية، وليبرالية”.

أما بخصوص المجهودات الجمعوية الجبارة التي يقوم بها، يقول المريزق: “حين تكون حرّا في ممارساتك، لا حسيب ولا رقيب، ولا أحد يطالبك بالتزام خط معين، أو شخص يدعوك للالتزام بتوجه معين، وليس لك وصي عليك، حين تكون حرّا، تستطيع أن تعطي الكثير في جميع المجالات، وبدون أي إمكانيات. كل ما نقوم به، هو بمساعدات لوجستيكية من العديد من الأصدقا ءوالمتعاطفين، ولكن لا وجود لأي دعم نهائي من الدولة”.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي