شارك المقال
  • تم النسخ

خبير أمني: الجزائر صنعت جماعات إرهابية لإضعاف الساحل الإفريقي

حاوره نورالدين لشهب

اعتبر الخبير الأمني محمد الطيار أن المخابرات الجزائرية أنشأت جماعات إرهابية من وراء الستار، من أجل تأجيج الصراع وإضعاف حكومات دول الساحل الإفريقي.

وقدم الخبير الأمني عدة عناوين وأسماء لأهم الفصائل المقاتلة التي ربطها بالأمن العسكري الجزائري، ومن بينها “كتيبة الملثمين”، التي ستتحول إلى تنظيم “المرابطين”، والتي اتخذت شعار “الموقعون بالدم”، وكانت أبرز عملياتها الهجوم على منشأة عين أميناس للغاز في الجنوب الجزائري، بالإضافة إلى “سرية الفرقان”.. وكلها “مرتبطة بالأمن العسكري الجزائري”، حسب تعبيره.

كما قدم الكثير من التفاصيل والمعطيات الأمنية النادرة بخصوص الأسماء والكنى والتواريخ والوقائع… وكلها تتصل بعلاقة العسكر الجزائري ودوره في تأجيج الصراع في منطقة الساحل والدول المجاورة.

إليكم الحوار…



ألا ترى أنه بفضل الدور الذي تعتمده الجزائر في مقاربتها للتعامل مع الإرهاب، وكونها صاحبة تجربة وخبرة في هذا لمجال، إذ تقدم بشكل مستمر حصيلة مكافحتها للإرهابيين، كعدد المقتولين والمعتقلين وعدد الأسلحة والذخيرة التي يقوم الجيش بحجزها في مختلف العمليات، تستطيع إنهاء الأزمة في دولة مالي أو في ليبيا أو تونس عن طريق الحوار السياسي بدون تدخل أجنبي أو مغربي؟

صحيح، لقد كان هذا الكلام قبل أن تنكشف الخدعة ويتأكد الدور المزدوج الذي تلعبه في محاربة الإرهاب، ويتأكد بالملموس للمجتمع الدولي تقاعس الجزائر المعتمد في عدم مراقبة حدودها الجنوبية والسيطرة على الموارد التي تساعد مختلف الجماعات المسلحة على النمو والازدهار، فقطع الدعم القادم من الجنوب الجزائري لهذه الجماعات المتواجدة في شمال مالي وعلى حدودها مع تونس من شأنه إضعافها، غير أنه في إطار المقاربة الجزائرية في” محاربة الإرهاب”، لم تقم بأي إجراء ملموس من شأنه قطع الوسائل اللوجستيكية عن هذه التنظيمات.

وأين تتجلى السياسة الجزائرية المزدوجة في محاربة الإرهاب؟

أنت تعلم أن الجزائر دائما ما فتئت تطالب بضرورة إبعاد الخيار العسكري في أزمة مالي، كما هو الحال في ليبيا وتونس، والسعي إلى الوصول إلى تسوية سلمية، رغم مصادقة مجلس الأمن على جواز استعمال التدخل العسكري الذي أدى إلى تدخل فرنسا وحلفائها من غرب إفريقيا عسكريا.

وقد كانت الجزائر قبل التدخل الفرنسي اللاعب الأساسي في مالي، تحرك الجماعات الإرهابية، وتؤجج الاقتتال سرا، ثم تقوم بعقد لقاءات المصالحة، وفي الوقت نفسه تعمل على تعبيد الطريق أمام تنظيم “أنصار الدين” للسيطرة على البلاد، وبالتالي تهديد المصالح الغربية والمغربية (للمغرب عدة استثمارات مهمة في مالي) من جهة، ومنع الطوارق من الانفصال، إضافة إلى التخلص من الطوارق المتواجدين في جنوبها، ودفعهم إلى الهجرة إلى الدولة الجديدة التي ستصبح تحت سيطرتهم، خاصة قبيلة إفوغاس التي ينتمي إليها تنظيم “أنصار الدين”، والتي توجد بكثرة في الجنوب الجزائري، في كل من الهقار، وجنت، وتمنراست وأدرار.

غير أن المشروع الجزائري فشل، خاصة بعد التدخل العسكري الفرنسي والعودة القوية للمغرب في المنطقة.

إضافة إلى هذا فالدور الذي كانت تريد أن تلعبه الجزائر إقليميا في قيادة المسار التفاوضي بين أطراف الأزمة المالية لم يعط أي نتيجة ملموسة، كما أن محور الجزائر ـ أبوجا ـ بريتورياـ الذي ساعدها في توجيه سياسة الاتحاد الإفريقي، خاصة في ما يتعلق بمحاربة المغرب والعمل على إفشال جهوده في قضية وحدته الترابية، لم يستطع أن يمنع عودة فرنسا بقوة إلى منطقة أزواد ومالي بشكل عام.

والجزائر إلى الآن تعمل في الظاهر على جمع الفرقاء الماليين، تحت يافطة حسن الجوار والوساطة الدبلوماسية لحل مشكل أزواد، إذ عمدت منذ سنة 1991 إلى تنظيم عدة لقاءات بين مختلف الحركات الأزوادية لوقف العمليات المسلحة، وقامت كذلك بتنظيم لقاءات تجمع الحركات الأزوادية والحكومة المالية، غير أن هذه اللقاءات سرعان ما يفشل الالتزام بها، ما يدفع الجزائر إلى التدخل مرة أخرى، لتظهر أمام العالم بصورة المدافع المستميت عن الحلول السلمية والحوار.

هل يفهم من كلامك أن الجزائر وراء إنشاء الجماعات المتطرفة؟

طبعا. لا شك أن المخابرات الجزائرية هي التي قامت بإنشاء جماعات إرهابية من وراء الستار، تعمل على تأجيج الصراع وإضعاف حكومات دول الساحل الإفريقي، وتنشر الفوضى وتنسق مع مجموعات التهريب والجريمة المنظمة؛ كما تقوم بدعم حليفها الرئيسي تنظيم “أنصار الدين” – الذي يدعي انتماءه إلى القاعدة – من أجل السيطرة على مالي..أصبح هذا التنظيم ذراع النظام الجزائري القوي في مالي.

ماهي أهداف الجزائر في منطقة الساحل الإفريقي إذن؟

يمكن إجمال أهداف الجزائر في منطقة الساحل الإفريقي عموما في ما يلي:

-خلق التوتر في منطقة الساحل الإفريقي، حيث كان للجزائر دور في فتح جبهة الصحراء والساحل ضمن ما يعرف بالحرب على الإرهاب، وما تبع من توطين وزرع مجموعات مسلحة تنتسب إلى تنظيم القاعدة في شمال مالي، وقد تم ذلك سنة 2002، وبدأت أول عملية إرهابية في أوائل 2003 باختطاف 32 سائحا في الصحراء الجزائرية.

كان هذا الحادث نقطة انطلاق فتح جبهة الساحل والصحراء كما قلنا. ومن جملة نتائج هذه السياسة أن قامت أمريكا بإنشاء قوات “أفريكوم” سنة 2007، للحفاظ على مصالحها الاقتصادية ومحاصرة الصين.

-ترديد مزاعم الخطر الإرهابي الإسلامي الزاحف على أوربا للحصول على عدة منافع سياسية واقتصادية عن طريق “تخويف أوروبا”.

-الاستمرار في تسويق سياسة خارجية جديدة، تجعل الجزائر جزءا لا يتجزأ من الحرب العالمية على الإرهاب، بعد أن كانت السياسة الخارجية الجزائرية تقوم على تقديم نفسها كمحاربة لقوى الهيمنة والاستعمار.

وقد سبق للرئيس الأمريكي الأسبق بوش الابن أن اعتبر الجزائر أكبر حليف لأمريكا خارج الحلف الأطلسي من خلال رسائل بعث بها إلى بوتفليقة ونشرتها الصحف الجزائرية آنذاك في صفحاتها الأولى.

-عزل الغريم المغربي عن الساحل الإفريقي، ما يسهل حصاره إفريقيا ويضعف على المدى البعيد سيطرته على صحرائه.

-تأسيس نفوذ قوي في مالي والنيجر وموريتانيا.

-إضعاف ليبيا التي لا تعترف بحدودها مع الجزائر، والتي لازالت تطالب بما بين 20 و30 ألف كيلومتر مربع ضمتها فرنسا إلى الجزائر في الخمسينيات، والأمر نفسه تنهجه مع تونس.

-تعتبر الجزائر أن التواجد الفرنسي في المنطقة بتنسيق مع المغرب هدفه تأسيس كتلة لاحتواء القوة الجزائرية، لذلك تعمل على إخراج فرنسا من المنطقة عن طريق حرب العصابات.

ولازالت الجزائر تستعمل الجماعات الإرهابية التي خلقتها في المنطقة في ضرب القوات الأممية، وشن حرب عصابات على الفنادق، واغتيال عناصر “الحركة الوطنية لتحرير أزواد”، المقربة من المغرب، واستهداف الجنود الماليين.

فبعد التدخل الفرنسي، كثفت جماعة “أنصار الذين”، و”حركة ماسينا” والمجموعات المنتسبة إلى القاعدة هجماتها على مالي والنيجر وعلى القوات الفرنسية والأممية.

هل يمكن أن تحدد لنا أهم التنظيمات التابعة للأمن العسكري الجزائري؟

هناك المجموعات المنتسبة إلى القاعدة، كتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، التي يعود وجوده في منطقة شمال مالي إلى سنة 2003، وقد ارتبط بمختار بن محمد المختار (جزائري من مواليد 1972) المعروف باسمه الحركي خالد أبو العباس، وتلقبه الصحافة الجزائرية بـ”لعور أمير الصحراء”، والذي أسس سنة 2012 جماعة خاصة به أطلق عليها اسم “كتيبة الملثمين”، التي ستتحول إلى تنظيم “المرابطين”. كما اتخذ مختار بلمختار لجماعته شعارا خاصا سماه “الموقعون بالدم”، وكانت أبرز عملياتها الهجوم على منشأة عين أميناس للغاز في الجنوب الجزائري.

وإلى جانب “كتيبة الملثمين”، كانت هناك أيضا كتيبة طارق بن زياد، التي كان يقودها “عبد الحميد أبو زيد”، من عناصر المخابرات الجزائرية في المنطقة، واسمه الحقيقي عبد الحميد السوفي، وهو جزائري، ذكرت بعض التقارير أنه لقي حتفه في شمال مالي.

وقد قامت هذه الكتيبة بعدة عمليات، منها اختطاف وقتل البريطاني “أدون داير” سنة 2009. وهناك أيضا “سرية الفرقان”، ويقودها الجزائري جمال عكاشة، المكنى “بيحيا أبو الهمام”، وتتشكل من موريتانيين وماليين، واستهدفت أغلب عملياتها موريتانيا، ومن أهمها استهداف السفارة الفرنسية بنواكشوط سنة 2009.

ماهي أهم جماعة تابعة للأمن العسكري الجزائري؟

أهم جمعة التابعة للأمن العسكري الجزائري “جماعة أنصار الدين”. فبعد سقوط نظام القذافي عاد إلى منطقة أزواد أياد غالي، وهو من أبناء القيادات التاريخية لقبائل الإيفوغاس الطوارقية، وكان تزعم في بداية تسعينيات القرن الماضي تمردا ضد الحكومة المالية، انتهى بتوقيع اتفاقية سلام بين الحكومة والمتمردين الطوارق عام 1992، لينتقل بعد ذلك إلى العمل الدبلوماسي كقنصل عام لجمهورية مالي في السعودية، وبعد مدة اختفى فيها عن الأنظار عاد للظهور مع سقوط نظام القذافي، ليؤسس في نوفمبر 2011 جماعة تحمل اسم “حركة أنصار الدين” اعتمد في تأسيسها على أبناء قبيلته، وأصبحت بعد ذلك أقوى تنظيم في شمال مالي، بسبب تأطير الجيش الجزائري لها وقيامه باحتضانها بشكل سافر.

جرحى هذه الجماعة مثلا، الذين يصابون في المواجهات مع القوات الفرنسية أو المالية أو الأممية، يتلقون العلاج في مستشفيات مدن الجنوب الجزائري.

وقد نفذت هذه الجماعة هجمات متعددة ضد القوات الأممية بمالي، وكذلك ضد الجنود الماليين والفرنسيين، وتلعب في مالي دورا مشابها لحزب الله في لبنان، حيث تعتبر ذراع الجزائر في المنطقة، ولولا التدخل الفرنسي لسيطرت على العاصمة المالية، وتتحصن حاليا في جبال “تغرغارت” في أقصى الشمال الغربي لمالي، عند الحدود مع الجزائر.

هناك أيضا “جبهة تحرير ماسينا”، وتعد “التنظيم الجهادي” الأحدث في منطقة الساحل الإفريقي، إذ تأسست سنة 2015، واستمدت اسمها من إمبراطورية ماسينا الفولانية في القرن التاسع عشر، وكانت إمبراطورية شاسعة شملت مالي نيجيريا والسنغال، وينتمي عناصرها إلى قومية الفولان المنتشرة في المنطقة الوسطى من مالي، وهي قبيلة يقدر عددها بعشرين مليون نسمة، تنتشر غرب ووسط إفريقيا.

وقد أسس هذا التنظيم الجديد على أسس اثنيه، وهو فرع من “حركة أنصار الدين” التي أسستها الجزائر. ويتلقى جرحى هذا التنظيم العلاج في مستشفيات مدن موريتانية الشرقية قرب الحدود المالية.

وأصبحت “جبهة تحرير ماسينا” قوة جهادية كبيرة، ويقدر عدد المسلحين التابعين لها مابين 1000 إلى 4000 مقاتل، ولا يستبعد تحالفها مستقبلا مع “حركة بوكو حرام”، لتشابه أسلوب العمل وحضور الروابط العرقية.

وتشكل هذه الحركة أيضا تهديدا محتملا لموريتانيا، وتطورا خطيرا في خريطة التنظيمات الجهادية التي أخذت في التطور نحو الأفرقة الخالصة.

وهل هناك علاقة لعناصر الأمن العسكري الجزائري في شمال مالي بتأسيس “بوكو حرام” النيجري؟

لقد ربطت حركة “بوكو حرام” منذ بدايتها علاقات ببعض الجماعات الجهادية في منطقة الساحل الإفريقي ذات الخبرة في مجال العمل المسلح والتفجيرات، خصوصا “الجماعة السلفية للدعوة والقتال” الجزائرية، التي تم تحويلها نهاية عام 2006 إلى تنظيم “القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي”.

وكانت معسكرات المنطقة التاسعة في “الجماعة السلفية للدعوة والقتال”، أو ما يعرف بمنطقة الصحراء الكبرى، مكانا لتدريب عشرات النيجيريين من أعضاء “بوكو حرام”، الذين شاركوا في عمليات قتالية ضد دول المنطقة.وقد تخرج من معسكر الصحراء، الذي أشرف عليه القائد العسكري السابق للجماعة السلفية وأمير الصحراء لاحقا يحيى جوادي (أحد عناصر المخابرات الجزائرية في المنطقة)، دفعات من المقاتلين النيجيريين ذوي الخبرة في مجال حرب العصابات والتفخيخ والتفجير، فشكلوا وقود الحرب التي تشنها الجماعة في نيجيريا، ونقلوا إليها خبراتهم في تلك المجالات….

طيب، هل أثر الوجود الفرنسي في المنطقة على سياسة الجزائر؟

نعم، فالأمن العسكري مثلا كان يخطط لإنهاء مهام الإرهابي مختار بلمختار، كما فعل مع عبد الرزاق البارا وحسن حطاب العسكري، الذي ينسب إليه تأسيس “الجماعة السلفية للدعوة والقتال”، إذ أعطته أعلى سلطة في البلاد ضمانات بعدم تسليمه لأي دولة من الدول التي تطالب به، مقابل أن يسلم سلاحه ليستفيد من العفو، بحكم أنه أصبح يعاني من مضاعفات مرض السكري ومن مرض في عينه، وأصبح مطلوبا من دول وعصابات إجرامية وجماعات إرهابية ترغب جميعها في الاقتصاص.

وتركت السلطات الجزائرية الباب أمام الحطاب مفتوحا للتقاعد، وأعطته كذلك رئاسة الجمهورية ضمانات بحمايته وعدم تسليمه لأي جهة من الجهات، غير أنها مددت مهامه بعد تغير المعطيات في مالي بعد تدخل فرنسا.

وقبل التدخل الفرنسي في المنطقة كانت المخابرات الجزائرية تمهد الطريق أيضا لعودة عبد الحميد السوفي، المعرف بعبد الحميد ابوزيد، زعيم” كتيبة طارق بن زياد”، وكذلك يحيى جوادي، أحد زعماء ما يعرف “بإمارة الصحراء”، وباقي رفاق عبد القادر البارا، من عسكريين وعملاء جهاز المخابرات، إلى الجزائر تحت غطاء “المصالحة الوطنية”، الذي هو في الحقيقة قانون وضع أولا من أجل مصلحة العملاء الذين يعد أغلبهم عسكريين يعلنون “انشقاقهم” والتحاقهم بالعمل الجهادي، وهم في الحقيقة مكلفون بمهام الاغتيال والتخريب من طرف الأمن العسكري، وهو ما يؤكده حبيب سويدية، المظلي السابق في القوات الخاصة بالجيش الجزائري في كتابه “الحرب القذرة”، حيث أورد أن “بعض العملاء دستهم أجهزة الأمن في الجماعات المسلحة وعادوا الآن إلى مراكزهم الأصلية”.

سنة 2009 مثلا نشرت عدة منابر صحافية تابعة لجهاز الأمن العسكري أخبارا تتعلق بهذا الموضوع، إذ جاء في موقع مفكرة الإسلام الجزائري، بتاريخ 18 سبتمبر2009، خبر تحت عنوان “مصادر: المخابرات الجزائرية تعمل على إقناع “القاعدة” بالصحراء بالمصالحة”، وأن مصادر صحافية جزائرية أعلنت أن المخابرات تعمل حاليا على إقناع أمير تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في الصحراء، يحيى جوادي، مع أتباعه للالتحاق بسياسة المصالحة الوطنية.

وذكرت صحيفة “الخبر” أيضا، وهي مقربة من الأمن العسكري، على موقعها على شبكة الإنترنت في الفترة نفسها، أن وفدا أمنيا جزائريا يعمل بالتعاون مع أحد أقارب يحيى جوادي، المكنى “يحيى أبو عمار”، على إقناع الأخير وقائده العسكري “عبد الحميد السوفي” بمسعى المصالحة من خلال إشراك أعيان من قبائل البرابيش المالية، وعناصر من مسلحي الصحراء السابقين، يتقدمهم غريقة نور الذين وعبد الرزاق البارا.

هل يمكن أن تقدم نموذجا لتورط الجزائر في ما يجري؟

بعد أحداث 11 شتنبر 2001، حاولت الجزائر أن تظهر كحليف للولايات المتحدة في محاربة الإرهاب، وحصلت في المقابل من إدارة الرئيس بوش على تجهيزات تكنولوجية عسكرية. وكانت حادثة اختطاف 32 سائحا أوربيا سنة 2003 كما قلنا الحدث الذي دفع واشنطن إلى اعتبار الجزائر حليفا إقليميا إستراتيجيا جديدا، وحلت بعد ذلك قوى خاصة أمريكية في جنوب الجزائر سنة 2004.

واستطاعت الجزائر بتنسيقها مع واشنطن أن تفك العزلة التي كانت تعيشها إثر العشرية السوداء، وأصبحت فاعلا مهما في “محور الخير”.

غير أن الحقيقة غير ذلك، إذ تأكد أن المخابرات الجزائرية هي التي كانت وراء اختطاف الرهائن سنة 2003. فالبروفيسور البريطاني “جيرمي كينان”، مثلا، في كتابه “الصحراء المظلمة أو احتضار الصحراء الكبرى الإمبرياليّة الأمريكية والإرهاب في إفريقيا”، أشار إلى دور الجنرال كمال عبد الرحمان، وبشير طرطاق، مسؤول المخابرات العسكرية الحالي، ومحمد لمين مدين المدعو توفيق (الرئيس السابق للجهاز نفسه)، في إدارة مسرحية خطف 32 سائحا أوروبيا بواسطة عبد الرزاق البارا عام 2003، ومع ابرز أمراء القاعدة العاملين حاليا بشمال مالي. ويكشف الكتاب كيف تم إرسال عبد الرزاق البارا إلى التدريب مع القوات الخاصة في أمريكا من عام 1994 إلى 1997.

وكان اختيار البارا يقوم على كونه كان رئيس الحرس الشخصي لوزير الدفاع، الجنرال خالد نزار، ما بين 1990 و1993، وكان مقربا منه إلى درجة أن الأخير عرض عليه الزواج من ابنته.

وعبد الرزاق البارا ضابط عسكري، اسمه الحقيقي عماري صيفي، من أب جزائري وأم فرنسية، وقد هوجم بعد مرور شهور على دفع الفدية وسلم من طرف “حركة الديمقراطية والعدالة التشادية” إلى ليبيا، التي سلمته بدورها إلى الجزائر، وحكمت عليه محكمة جزائرية غيابيا بالسجن مدى الحياة، ولم يتم إحضاره إلى المحكمة، وأعيدت محاكمته غيابيا من أجل النظر في القضية، وتم إلغاء الحكم الصادر في حقه سنة 2005؛ وقد تأكد أنه لم يكن معتقلا، بل حرا طليقا.

وقد طالبت سويسرا بالاطلاع على ملفات عملية الاختطاف لسنة 2003 والاستماع إلى عبد الرزاق البارا، فلم تلب الجزائر هذا الطلب لإبعاد التهمة عنها. كما أن الولايات المتحدة لم تطالب به. وفي إطار سياسة الخداع، كانت الجزائر وراء القرار الذي تبناه مجلس الأمن بتاريخ 17/12/2009، والذي يمنع دفع الفدية مقابل تحرير الرهائن.

وأورد ضابط القوات الخاصة احمد شوشان، الذي غادر الجزائر سنة 1995 عبر الصحراء، وبقي مختبئا في دول غرب إفريقيا أكثر من سنتين، وانتهى مشواره في بريطانيا التي دخلها كلاجئ سياسي سنة 1998، أن الجنرال كمال عبد الرحمان طلب منه الالتحاق بالجيش الإسلامي للإنقاذ GIA، ليكون الرجل الثاني بعد جمال زيتوني، الذي كان هو الآخر يعمل لمصلحة المخابرات إلى جانب عنتر الزوابرى.

وهكذا فالعديد من عمليات الاختطاف وغيرها في منطقة الساحل والصحراء، وفي الجزائر، هي عمليات وراءها جهاز المخابرات الجزائرية.

والملاحظ من خلال كتب العديد من الضباط المنشقين عن جهاز المخابرات العسكرية الجزائرية؛ والذين هربوا وحصلوا على حق اللجوء لدى الدول الأوربية، أنهم وثقوا بشكل مفصل ودقيق تورط جهاز المخابرات في إنشاء التنظيمات المتطرفة، خاصة التي ادعت مبايعتها لتنظيم القاعدة، أو قبل ذلك في فترة التسعينيات إبان الحرب الأهلية التي عاشتها الجزائر، أو ما يعرف بالعشرية السوداء.

فمثلا الضابط السابق في جهاز المخابرات DRS عبد القادر تيغا يبين في كتابه CONTRE-ESPIONNAGE ALGERIEN: NOTRE GUERRE CONTRE LES ISLAMISTES يؤكد أن جمال زيتوني، الأمين السابق “للجماعة المسلحة”، ونائبه مولود عزوط، كانا يعملان بتنسيق مع جهاز المخابرات، وأن عملية خطف سبعة كهنة فرنسيين في الجزائر وقتلهم سنة 1996 كانت من عمل الجهاز المذكور، وبإشراف من الجنرال إسماعيل العماري.

الأمر نفسه أكده الجنرال الجزائري المتقاعد حسن بن حديد، إذ تناول في تصريحات صحافية له قبل اعتقاله تنسيق جهاز المخابرات مع أمراء الجماعات في منطقة الساحل والصحراء.

وما موقف الدول المجاورة للجزائر؟ هل تعي هذا الدور المزدوج؟

نعم، غير أنه بحكم تواجد أنظمة هشة على رأس أغلبها، لا تسيطر على مجالها الترابي، تخاف من مكائد الأمن العسكري الجزائري، إضافة إلى الأموال التي تقدمها الجزائر لشراء صمت المسؤولين المتعاملين معها في إفريقيا. وسأعطي مثالا على تأكد دول الجوار في الساحل من زيف وعود الجزائر، فقد تم إعلان إنشاء مجموعة “دول الساحل الخمس” من طرف قادة خمس دول شهر فبراير 2014 بنواكشوط، ويضم إضافة إلى موريتانيا مالي، النيجر، بوركينا فاسو، وتشاد. ويستهدف هذا التجمع كما جاء في أوراقه تنسيق ومتابعة التعاون الإقليمي، ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.

وجاء إنشاء هذه المجموعة بعد فشل المجموعة التي أسستها الجزائر في أبريل 2010 تحت اسم تجمع “دول الميدان” للتنسيق ضد الإرهاب، وضمت مالي، وموريتانيا والنيجر والجزائر، ونتج عنها تأسيس لجنة مشتركة لقيادة الأركان، اتخذت تمنراست في جنوب الجزائر مقرا لها، مع مركز استخباراتي في الجزائر العاصمة. غير أن هذا التجمع لم يقم بأي عمل عسكري ضد المجموعات الإرهابية واكتفى بإصدار البلاغات.

هيمنة الجزائر المطلقة على تجمع “دول الميدان” على غرار ما فعل القذافي بتجمع “دول الساحل والصحراء” في عهده، واستفرادها بالقرار وتهميش بقية الأعضاء، كان له الدور الأبرز في إضعاف هذا التجمع وامتعاض باقي الشركاء (موريتانيا ومالي والنيجر) الذين كانوا ينتظرون تنفيذ الوعود الجزائرية التي التزمت باستثمارات تتجاوز 37 مليار دولار في قطاع الحديد والصلب من منجم غار جبيلات، الواقع على الحدود الموريتانية الجزائرية، و11 مليار دولار في قطاع الصيد البحري، و3.8 مليارات في القطاع الزراعي و2.2 في قطاعي التعليم والسياحة.

بل إن الجزائر عمدت سنة 2010 إلى سحب استثمارات شركة “سونا طراك” النفطية من موريتانيا بعد 23 سنة من العمل.

كما وعدت الجزائر باستثمارات بمليارات الدولارات في كل من مالي والنيجر، وصرحت عدة مرات بعزمها افتتاح مناطق حرة في المدن الحدودية للتجارة، لكن كل هذه الوعود والتصريحات لم تجد طريقها إلى أرض الواقع، إضافة إلى التقاعس عن محاربة الإرهاب، وهي عوامل كانت وراء فشل “مجموعة الميدان” التي أسستها الجزائر. ومن بين الأمور كذلك التي عجلت بفشل المجموعة تأكد المجتمع الدولي من تراخي الجزائر في محاربة الإرهاب رغم الصورة التي حاولت تسويقها عن نفسها.

وهناك عدة أدلة ومعطيات تؤكد الدور المزدوج للجزائر في” محاربة الإرهاب”، لا يسع المجال هنا لذكرها وسردها، وتؤكد بالملموس تقاعس الجزائر المعتمد في عدم مراقبة حدودها الجنوبية وحدودها مع تونس وليبيا، والسيطرة على الموارد التي تساعد مختلف الجماعات المسلحة على النمو والتطور.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي