شارك المقال
  • تم النسخ

تركيا المفجوعة وذكريات الحسيمة

فُجعت كما فجع غيري بالزلزال الذي ضرب منطقة الجنوب بتركيا وجزءا من سوريا، إذ لم يكن هذا الحدث جديدا بالنسبة لي، فقد عايشته منذ مدة طويلة، فهو ليس حديث عهد بنفسيتي، فمنذ فجر اليوم لا حديث يعلو عن المشاهد المأساوية والأخبار الكارثية التي لا تبرح مخيلتي وبصري وعقلي ووجداني التي ملأت مختلف ساحات السوشل ميديا، والدمع يتقاطر من أعيننا بين الحين والآخر، فالذي عايش تجربة التواجد والاحتكاك المباشر مع الزلازل سيدرك حجم الألم الذي تخلفه مثل هذه الظواهر وآثارها التي لا تنمحي على النفس؛ أحداث سريعة تحدث بين فترات متابعة متتالية في لمح البصر تقلب حياة الإنسان والأرض والعمران، لا يدرك ملامحه من حيث الزمان والمكان، فتدور الأرض وتطوف وتلوذ وتلوي وتعوي وتسري وتجرف وتقلب وتنسكب أوارها وجوارفها وأطمارها وأترابها حاملة نفس الملامح؛ فكيف لا وأنا ابنة الريف الذي لا تسكن أرضه عن الزلزال؛ سنة 1994 الذي هز أراضيه هزا يدركه الكبار منا، وفي سنة 2004 ستعرف مدينة الحسيمة وضواحيها الواقعة شمال البحر الأبيض المتوسط أحد أعنف الهزات، وقد راح ضحيته المئات من الشهداء، وأزيد من ألف جريح، ولن أنسى عقارب الساعة وهي تشير إلى الثانية والنصف صباحا أيقظتني هزة أرضية اهتزت على إثرها الأبواب والنوافذ وكل الموجودات، ودارت الأرض دورا، وتحركت تدنو وتقرب وتبعد وكأنني في مهد يروح ويغدو يمينا ويسارا، استيقظت بعدها أسرتي من النوم بل كل الأسر والعائلات، وما إن هدأ الروع حتى عاد كل فرد إلى غرفته.

توقعناها هزة قوية بعض الشيء، إلا أن اسيتقاظنا في الصباح الباكر لتجهيز وجبة الفطور لمن معنا من الأقارب لننادي على إمام المسجد الذي سيذبح أضحية عقيقة أختي الصغرى، التي تزامنت عقيقتها تماما مع زلزال الحسيمة سنة 2004، لنتفاجأ بعد فتحنا لشاشات التلفاز بهول الكارثة في الإعلام المغربي يسرد أحداث الحسيمة، وقد انهدمت المنازل والبيوت، وتشردت الأسر ومآسي الجرحى يعجز اللسان عن وصفها لعدم توفر المستشفيات بالمنطقة القادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة !

أتممنا العقيقة وحضر المدعوون وسار النهار على مايرام، إلا أن حجم الألم والهلع الذي دب قلوب ساكنة المنطقة لا يتصور، فمدينة الحسيمة يفصل بيننا وبينها 70 كلم فقط والبرد والصقيع كان يطوي الأسر المشردة في الشوارع فكيف يهنأ لنا بال، لتشهد المنطقة تسلسلا متواصلا في تحرك الأرض طيلة العقد الأخير.

وها هي الدنيا تدور بنفس الملامح لأعيش ذات المواجع في بقعة جغرافية مختلفة وفي بلد آخر إلا أنه بلدي الثاني تركيا الجميلة والحزينة اليوم، والتي فجعت في الآلاف من سكانها وهم الآن تحت الأنقاض، ولا نملك حيال ذلك سوى الدعاء بالرحمة والمغفرة للشهداء، والشفاء العاجل لكل الجرحى سواء بتركيا وسوريا، وكافة المناطق المتضررة، وأن تكف الإنسانية برمتها عن الاقتتال الداخلي والصراع الحربي، فإن لفواجع الزمن أثره الكافي في زعزعة المشاعر فلما تمتد يد الإنسان إلى غيره لترديه قتيلا شريدا.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي