شارك المقال
  • تم النسخ

“بُرج الحمام”.. معلمةٌ تاريخية بمدينة زايو تُقاوم اهتراءَ الجدران وتهميش الإنسان

بمحاذاةِ الملعب الشرفيّ لزايو، وعلى قمة التلّة الغربية لـ”التوأمتين”، يترأى للناظرين بُرجٌ شبيه بأبراج المراقبة العسكريّة، بلونين، الأبيض للشقّ العلويّ، والرمادي الصخري للشق السفليّ، مع بعض الثقوب التي وفرت مسكناً لطائر الحمامِ، ليرتبط اسمه به لدى سكان المدينة الصغيرة الواقعة في إقليم الناظور، على الطريق الوطنية رقم 2 في اتجاه بركان.

بُرج الحمام، الذي بناه المستعمر الإسباني سنة 1914، بات لاحقاً، رمزاً لزايو، وشاهداً على تاريخ مدينة صيغرة افتتح تشييدها، في شكلها المعاصر، المحتلون الشماليون، صار في السنوات القليلة الماضية، معرّضاً للانهيار، بعدما نفد صبر السور المحيط، الذي أنهى جزء منه صموده في وجه الزمن، واختار السقوط مكرهاً، بسبب الإهمال الذي طاله من المسؤولين.

رغمَ أنه يُلقّب بـ “برج الحمام”، إلا أن الحكايات التي تروى عنه، ليست متفقةً تماماً في أنه شُيد من أجل إيواء الحمامِ، حيث تقول روايات إنه نشأ ليكون برج مراقبة لعناصر الجيش الإسباني التي كانت متواجدة في الثكنة العسكرية المحاذية له، وما يُرجح الرواية الأخيرة، بناؤه فوق تلّ مرتفعٍ، يُمثل موقعاً إستراتيجياً للمراقبة، غير أن تضارب المنقول لا يؤثر في نظر الساكنة على كونه معلمةً وجب إنقاذها.

صرخاتٌ متكرّرة تلك التي أطلقها عدة فعاليات بزايو، من أجل إنقاذ معلمةٍ تاريخية هي أهمّ ما بقي فيها.. وصل صدى بعضها إلى قبة المؤسسة التشريعية، غير أنها ظلّت من دون مجيبٍ.. وبقي بُرجُ الحمامِ يترقب منقذ مبنى يزيد عمره عن القرنِ من الزمن.. بقي شاهداً على كلّ تطورات المدينة الحديثة.. منذ الحرب العالمية الأولى وإلى غاية خروج الاحتلال.

“بُرج الحمام هو زايو.. والعكس صحيح”، تعليقٌ من يونس، القاطن بهذه المدينة، الذي شدّد في تصريحٍ لـ”بناصا”، على أن “المعلمة تعني الكثير للمدينة، لأنها بنيت قبلها، واستمرت معها لعقود، لذا وجب الحفاظ عليها، والالتفات إليها، وتصنيفها كمعلمة تاريخية وطنية من لدن وزارة الثقافة، مع ضرورة إعادة ترميمها لتفادي سقوطها مثل ما وقع مع سور الثكنة العسكرية”.

المتحدث نفسه أضاف في حديثه للجريدة، بأن “إهمال البرج من طرف مسؤولي المدينة وعلى رأسهم المجلس الجماعي، الذي يتولى شخصٌ واحدٌ رئاسته منذ 45 سنة، جعل من المعلمة، مكاناً لطرح النفايات، وللجوء المتسكعين، والمشردين”، مضيفاً: “كما أنها مهدّدة بالانهيار في أي لحظة.. وبدل المسارعة لترميمها، ما يزال المسؤولون يراقبون الوضع لغاية سقوطها”.

وسبق للنائبة البرلمانية عن حزب الاتحاد الاشتراكي، ابتسام مراس، أن وجهت سؤالاً كتابياً إلى وزير الثقافة والاتصال، سنة 2018، بخصوص الإجراءات التي سيتخذها للعناية بمعلمتي قصبة سلوان وبرج الحمام، مشيرةً إلى أنهما يعتبران “من أهم المآثر التاريخية بإقليم الناظور، إلا أن هما أصبحا اليوم معرضان للاندثار بسبب الإهمال وتآكل جنباتهما”.

ومن جانبه، وجه النائب البرلمان عن حزب العدالة والتنمية بالناظور، ملتمساً لوزير الثقافة والاتصال، في 2018 أيضا، مطالباً إياه بحماية برج الحمام الكائن بمدينة زايو، والذي بناه الإسبان لإيواء الحمام، وكان يحرسه ويعتني به، شخص ينحدر من الجارة الشمالية ويدعى “لويس”، معتبراً إياه بأنه موروث ثقافي وطنيّ.

وأوضح محمد الأعرج، وزير الثقافة وقتها، بأن مصالح المديرية الجهوية لوزارة الاتصال بجهة الشرق، ستقوم بإعداد تشخيص ودراسة للمعلمة التاريخية برج الحمام، من أجل تحديد أشكال التدخل التي يستدعيها ترميمها، غير أنه، وبعد مرورِ ما يزيد عن السنتين عن ردّ الوزير الذي غادر منصبه لاحقاً، لم يشهد البرج، أي التفاتة من المسؤولين.

وفي هذا السياق، ناشد الفاعل الجمعوي بزايو، فريد العلالي، المسؤولين للقيام بواجبهم في الحفاظ على التراث الثقافي وإعادته لسابق عهده ليكون ملجأ للحمام، متابعاً بأن على المسؤولين أن يردوا الاعتبار لهذا البرج، الذي يحظى بأهمية كبيرة في المدينة، قائلاً: “يمكنك أن تسأل أي مواطن عن رمز زايو، فسيجيب بدون تردد برج الحمام؛ إنها بمثابة هوية للمدينة”.

وأعرب العلالي عن أمله في أن تكفّ “أيادي العبث عن تدمير البرج عبر الصمت والإهمال”، داعياً الغيورين على تاريخ المدية لحماية هذا المعلمة التي تتعرض لما أسماه “القتل الممنهج”، موضحاً بأن البرج يعتبر إرثا ثقافيا للمدينة، وهو من أهم البنايات الثقافية فيها، غير أنه اليوم يتعرض للإهمال، وقد سقط بالفعل، جزء منه، حسبه.

وأشار المتحدث نفسه إلى أننا “رأينا مجموعة من البرلمانيين الذين راسلوا وزارة الثقافة، كما سمعنا أنه سيتم ترميمه ويتحول إلى متحف، لكن لحد الآن لا وجود لأي شيء، وما يزال الوضع على حاله، حيث نراه يوميا يهدم بشكل تدريجي، كلّ يوم نرى جزءاً منه وقد سقط، وصت صمت المسؤولين ومراقبته لهذا الانهيار”.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي