شارك المقال
  • تم النسخ

بعد رفض هيئة أكادير مرشحا للتمرين.. هل تمنع التوجهات الانفصالية من ولوج مهنة المحاماة؟

لا شك أن قرار هيئة المحامين بأكادير في رفض تسجيل مرشح للتمرين لديها بسبب توجهاته الانفصالية سيثير نقاشا قانونيا وحقوقيا كبيرا، وارتأينا تدشين ذلك النقاش مساهمة منا في النقاش العمومي من جهة، ولكون موقعنا المهني والحقوقي والقانوني وكذا ميدان الاشتغال في المحاماة والكتابات القانونية وفي ملف نزاع الصحراء كل ذلك من أجل المساهمة على نشر وتطوير المعلومات القانونية، وليس تطاولا على مقرر هيئة أكادير التي نكن لنقيبها وأعضاء المجلس ولكل الزملاء كل التقدير والاحترام.

مضمون مقرر هيئة المحامين بأكادير

وقد اعتمد مجلس هيئة أكادير في اتخاذ قراره على تقرير إداري للسلطة المحلية بالعيون توجهاته الانفصالية وتعذر احترام المترشح لقوانين الوطن وثوابته وقضاياه المصيرية، ولمبادئ وثوابت الهيئة على مضامين التقرير، والبحث المنجز من طرف الشرطة الإدارية بمدينة العيون، تأكد لديها أن “المعني معروف لدى مصالح الأمن، وفق البحث المجرى، بتوجهاته الانفصالية المعادية للوحدة الترابية ومشاركته لأكثر من مرة في أنشطة بمدن جزائرية وبمخيمات تندوف، وبالمنطقة العازلة تيفاريت، مع لقاءاته بزعماء الانفصال، وتقديمه لتصريحات عدائية خصوص قضية الوحدة الترابية للوطن، مع صور له بجانب علم الانفصاليين، وعلى ظهر دبابة، وبجانب زعماء البوليزاريو”.

واعتبر مجلس الهيئة وفق مقرر رفض التقييد أن “شروط مزاولة المهنة، أن يكون المترشح مغربيا أو مواطنا من الدول التي تربطها مع المغرب اتفاقيات، كما أن المواطنة لا يمكن اختزالها في شهادة الجنسية وإنما في الولاء للوطن واحترام النظام العام وعدم المساس بثوابته إلى غير ذلك من شروط الانتماء”.

مناقشة المقرر على ضوء القانون المنظم لمهنة المحاماة

يبدو من ظاهر قراءة مقرر هيئة المحامين بأكادير، أن المرشح حصل على شهادة الأهلية لممارسة مهنة المحاماة، وأنه وفر كل الوثائق والشروط التي تسمح له بتقديم طلب التسجيل في لائحة التمرين بنفس الهيئة وفقا للمادة الخامسة من قانون المهنة.

وأن رفض التسجيل انحصر في النقطة الواردة في البند 2 من المادة 11 من نفس القانون، والتي تبيح لمجلس الهيئة إجراء بحث حول أخلاق المرشح بكل الطرق التي يراها مناسبة. وفي نازلة الحال فإن المجلس قام بالبحث بواسطة الشرطة الادارية بمدينة العيون، وبناء عليه تم رفض طلب الترشيح استنادا على نقطتين، واحدة مرتبطة بآراء المرشح وتبوث اعتناقه لتوجهات سياسية انفصالية، من خلال آرائه المعبر عنها والأنشطة التي قام بها في المغرب أو خارج المغرب في الجزائر كما في مخيمات تيندوف، وهي أنشطة  تتطابق وهوية إيمانه السياسي في تأييده انفصال أقاليم الصحراء عن المغرب واستقلالها، وحضوره لأنشطة البوليساريو كحركة مسلحة انفصالية، وظهوره بصور بجانب هذه المعدات الحربية.

أما النقطة الثانية وهي إعطاء هيئة أكادير في مقررها برفض التسجيل تعريفا للمواطنة والقول بأنها ولاء للوطن واحترام النظام العام وعدم المساس بثوابته إلى غير ذلك من شروط الانتماء، وفقا للوارد في المقرر. ولا تختزل في شهادة الجنسية.

والنقاش القانوني الذي ستثيره هذه القضية هو عدم تعريف المشرع لمعنى الأخلاق المطلوب توفرها في المحامي، وعلاقتها بالآراء السياسية والتعبير عنها أو النضال من أجلها. 

كما أن النازلة تثير نقاشا آخر مرتبطا بزمن محاسبة المحامي المتمرن والمحامي بصفة عامة بالأخلاق العامة والمشار  إليها في مضمون القسم في المادة 12، هل نسائله عن ماضيه أم بعد أداء القسم!

وشخصيا أميل إلى المحاسبة عن أخلاقه لما بعد القسم، لأنه نقطة البداية للالتزام، وهو ما يظهر من ألفاظ النص القانوني الخاص بالقسم التي صيغت بفعل المضارع “وأن لا أنشر أو أبوح بما يخالف… والأخلاق العامة..” من جهة.

ومن جهة أخرى فإن ما يؤكد ذلك أن أخلاق المرشح للمحاماة تحكمه الفقرة الخامسة من المادة 5 في باب الشروط العامة من قانون مهنة المحاماة، التي تفرض على المرشح من أجل القبول أن لا يكون مُدانا إدانة قضائية أو تأديبية بسبب ارتكابه أفعالا منافية للشرف والمروءة أو حسن السلوك ولو رد اعتباره.

أي أن الماضي يحاسب عنه المرشح بالأفعال الثابتة بالإدانة بمقرر قضائي أو بقرار اداري وفقا للشرط الوارد في الفقرة  5من المادة 5.

مناقشة المقرر على ضوء القانون المادة 257 الفقرة 5 من القانون الجنائي

لقد سبق للمشرع المغربي أن عدل في القانون الجنائي بمقتضى المادة 5/267، المعنونة بإهانة علم المملكة، ورموزها والإساءة لثوابتها، وأثير آنذاك نقاش حول دواعي هذا التعديل لارتباط ذلك بالحق في التعبير، والحق في اعتناق أفكار مخالفة، كما الحق في التعبير عنها، لا يجب وضع قيود عليه بتجريمه. ولا يُستثنى من هذا الحق أحد بغض النظر عن هوية صاحبة، ولا طبيعة أفكاره، ولا يُحرم منه حتى من لا يؤمن بثوابت الأمة، فكما أن الثوابت دستورية، فالحق في التعبير دستوري كذلك.

فلا تعدم هذه الثوابت حق من يطالب بتقرير المصير في إقليم الصحراء، أو من ينادي بالدولة المدنية، وفصل الدين عن الدولة، كالعلمانيين، أو من يختلف مع النظام الملكي، ويطالب بتطويره إلى ملكية برلمانية.

ومهما يكن من أمر واختلاف حول نص التجريم في حد ذاته، فقد أصبح قائم الذات وسط التقنين الجنائي وساري النفاذ، وبيت القصيد في النازلة يكمن في علاقة اعتناق المرشح للتمرين بأكادير الذي رفض طلبه بسبب اعتناقه افكار انفصالية ولها ارتباط مباشر بهذه المادة الجنائية بحقه في التسجيل لاستيفاء طلبه كافة الشروط القانونية.

بمعنى أن المرشح كان ليسأل عن ذلك لو تمت إدانته بحكم بات بهذه المخالفة، وكان ليحرم من التسجيل وفقا للفقرة 5 من المادة 5 التي تنص على إثبات المرشح عدم الإدانة القضائية والإدارية.

أما مجرد المعلومات الواردة في تقرير للضابطة الإدارية بالعيون فقيمته لا تتعدى كذلك ولا يرقى إلى مرتبة الصك والسند والحكم والقرار بإدانة يدين المرشح، ولا يمكن بناء الحرمان من التسجيل عليه.

وهنا يقال عن ارتباط حق التعبير بالأخلاق وانعدام رابط بينهما، يقال عن الجنسية أيضا، إذ أن مجلس الهيئة أقام خلطا تعسفيا بين الجنسية وإثباتها الشكلي بالشهادة وبين واجبات المواطنة التي حصرها في احترام الثوابت الدستورية والوفاء والإخلاص لها والدفاع عنها، وتنكر لحق المرشح الدستوري في التعبير بما يخالف ذلك ما لم يرقى الى التحريض المجرم بمقتضى المادة  257/5، والتي يجب الإدانة عنه بحكم بات لا تعقيب عليه. ومن تم فإن المقرر وقع في خطأ في تعريف الأخلاق، وانطلق من التعريف القديم القائل بأنّ الأخلاق ترتبط بما يحدّده ويفرضهُ الآخرون، والحال أن هذا التعريف تطور إلى اعتبارها دراسة معياريّة للخير والشر تهتمّ بالقيم المُثلى، وتصلُ بالإنسان إلى الارتقاء عن السلوك الغريزي بمحض إرادته الحرة.

ومن يدري فالمرشح قد يراجع أفكاره ويصححها انطلاقا من فرضية ارتقاء السلوك الغريزي.

وأخيرا فان شهادة الحنسية كورقة ليست وحدها هي من تعطي الجنسية المغربية فساكنة مخيمات تندوف مغاربة، ويناديهم الملك كذلك، فبالأحروية المرشح الذي اختار الاقامة في الوطن المغربي، ولا تهم ميولاته وتوجهاته التي تبقى من صميم حرية التعبير مادامت حبيسة ذلك ولم تنتقل الى التحريض المجرم بمقتضى المادة 267?من القانون الجنائي، ولازيدخل ذلك في مفهوم الأخلاق التي تتناقض ورسالة المحاماة

* محامي بهيئة مكناس وخبير في القانون الدولي ونزاع الصحراء

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي