شارك المقال
  • تم النسخ

السياسة الدينية في منظور جماعة العدل والإحسان: من الاحتكار السياسي إلى التحرر التدبيري

قسمت جماعة العدل والإحسان وثيقتها السياسية إلى  ثلاث محاور: المحور الأول سياسي  (حرية وعدالة وحكم المؤسسات) والمحور الثاني اقتصادي واجتماعي (عدالة وتكافل وتنمية مستدامة ) ومحور ثالث ( كرامة وتضامن وتربية متوازنة ) . وضمن هذا المحور الأخير خصصت الجماعة بدايته لمناقشة تدبير الحقل الديني بالمملكة . مما يطرح عدة تساؤلات عن المبتغى من هذا الترتيب لجماعة ذي مرجعية دينية فضلت إدماج هذا الإشكال في المحور الأخير من الوثيقة تأسيسها  .

       –احتكار السلطة لتدبير الشأن الديني

   أكدت الوثيقة أن حفظ الدين وتحقق الإيمان وصالح السلوك من طرف الفرد والمجتمع يقوم على  مسؤولية الدولة ومؤسساتها في تمكين الناس من ممارسة تدينهم وذلك من خلال تدبيرها للحقل الديني ومرافقه العمومية وشعائره الروحية. مع ما يفرضه ذلك من فسح المجال للدعوة وتشجيعها لتمارس وظائفها في التربية الإيمانية المتكاملة والتوجيه الأخلاقي للمجتمع، وتجديد فهم المسلمين لدينهم بما يحقق الانتقال من إسلام فردي إلى إسلام جماعي، ومن إسلام مشتت إلى إسلام جامع، ومن إسلام سكون إلى إسلام فاعل.

غير أن ما يطبع واقع السياسة الدينية بالمغرب، حسب الوثيقة ، هو نزوع نحو احتكار السلطة للحقل الديني، واستغلاله في إضفاء الشرعية على وجودها وقراراتها مقابل إقصاء المجتمع وقواه الحية، فضلا عن محاولة لتحنيط الدين باختزاله في بعض الأحكام الضيقة، وممارسة التعتيم على الكثير من مقتضياته في السياسة والاقتصاد وغيرها من مجالات الحياة. بالإضافة إلى إشاعة تصورات تخدم توجهات السلطوية واتجاهاتها، وتبرير أخطاءها وتقيد من مساحة الرأي والتعبير. كما يتم التحكم  من خلال هذه السياسة الدينية الرسمية في مختلف مجالات الشؤون الدينية خاصة على مستوى تدبير شؤون الحج وإدارة الأوقاف، مع ما يواكب ذلك من التضييق المباشر وغير المباشر على الفقهاء والعلماء والدعاة والعاملين غير الخاضعين لدائرة َحكمها، ومحاصرتهم وتغييبهم وحرمانهم من وسائل التواصل الإسلامية كالاعتكاف في المساجد، حيث يتم إغلاق المساجد مباشرة بعد أداء الصلوات الخمس بدل جعلها مكانا متعدد المهام والوظائف خدمة للمجتمع. مما يشجع على تفشي مظاهر الانحطاط الأخلاقي والتغريب والميوعة داخل المجتمع المغربي، والسماح بمهاجمة الدين والتهكم على تعاليمه والمس بمقدساته في فضاءات عمومية ومناهج تعليمية.

تحرير مؤسسات  تدبير الشأن الديني

ترى الوثيقة أن استعادة الدين لمكانته داخل المجتمع المغربي يتطلب توفير  مبدأين أساسيين:

      – سن سياسات تيسر و تسهل حق الأفراد في التدين، والانتقال من تدين منعزل عن الشأن العام، إلى تدين سلوكي عملي قائم على معاين التربية المتوازنة الجامعة بين حركة الفرد وحركة المجتمع، وعلى دعوة عامة إلى التوبة إلى الله في إطار الحرية المسؤولة ودون إكراه،

     – تجديد الفقه اجتهادا مجددا جامعا بدل أن يظل منحبسا دون تفصيل القول في الفقه السياسي نتيجة ضغط الاستبداد وتغول السلطة، أو جامدا غير متفاعل مع واقع الناس وحاجياتهم المستجدة.

وانطلاقا من هذين المبدأين تقترح الوثيقة ما يلي:

  • تحرير مؤسسات الشأن الديني  ومنها المساجد، من احتكار السلطة وضمان حيادها وعدم توظيفها في المناكفات السياسية والدعاية الحزبية والاختلافات المذهبية.

– إعادة الاعتبار لمكانة المساجد، وبعث الحياة فيها، باعتبارها مؤسسة جامعة ذات  إشعاع روحي وتربوي وتثقيفي وتعليمي واجتماعي.

 -إشاعة قيم الإسلام وأخلاقه في مختلف أدوات التنشئة الاجتماعية وفي  الفضاء التواصلي العام.

– التأكيد على حرية ممارسة الدعوة الإسلامية بشرط التزام السلمية، والابتعاد عن كل أشكال العنف المادي والرمزي.

– ضمان الحق في حرية العبادة لأتباع الرسالات السماوية الأخرى وفق في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتربوية.

– تنظيم الإفتاء  في شكل مؤسسة للاجتهاد على أصول الرسالة الإسلامية بفقهها التجديدي الجامع المعتدل والمنفتح على مختلف التخصصات.

– إنشاء إطار مؤسساتي مستقل ينظم شؤون المساجد ويحدد السياسة العامة في المجال الديني، وذلك وفق مقاربة تشاركية.

– عدم إغلاق المساجد في وجه المصلين بسبب الهواجس الأمنية المتوهمة في كثير من الاحيان، مع مراعاة حرمة المسجد وحمايته من التسيب والفوضى.

-تعميم بناء المساجد في كل بقاع الوطن موازاة مع تعميم المدارس في إطار تكامل رسالي.

-الاعتناء بالبنية المعمارية للمسجد ليتأهل لأداء وظائفه المختلفة، وهو ما يقتضي أن يشمل مرافق متنوعة ومتكاملة تجعل منه فضاء روحيا جذابا.

– توقير أئمة المساجد والعلماء، وانتظامهم في مؤسسة على المستوى الوطني وفق قانون يحدد وظائفهم وشروط وطرق انتدابهم ومسؤولياتهم، ويضمن حقوقهم المادية والمعنوية.

– فتح أنظمة تدريبية تعليمية لتخريج وتأهيل الأئمة والدعاة والعلماء، وجعل المسجد المؤسسة الأولى والمركزية لذلك.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي