شارك المقال
  • تم النسخ

الجباري: الحياة الخاصّة للقضاة “مصادرة” نتيجة ضغط العمل وواجب التّحفظ.. و”الأمن المهني” هو شعور القاضي بـ”الاطمئنان” أثناء ممارسة مهامه (+ فيديو)

سلّط القاضي عبد الرزاق الجباري، رئيس “نادي قضاة المغرب”، الضوء، على الأسباب التي جعلته يفكر منذ صغره، في ولوج مهنة القضاء، على رأسها الرغبة في الإصلاح، ورفع المظالم وتحقيق العدل. مبرزاً الإكراهات التي يعانيها القضاة، خصوصا على مستوى الحياة الخاصة “المقيّدة”.

من الحلم في الهجرة إلى التفكير في القضاء

وقال الجباري، في حوار أجراه معه الإعلامي نورالدين لشهب، ضمن برنامج “معهم حيث هم” الذي تبثّه جريدة “بناصا”: “حين كنت تلميذا، كنت مهتما بأمور أخرى، غير الدراسة، على رأسها الهجرة إلى الديار الأوروبية، وذلك تماشيا مع الثقافة السائدة في الشمال، حيث يحلم أغلب الشباب بالهجرة نحو الضفة الشمالية من المتوسط، خاصة أن أغلب أفراد الأسرة، متواجدون في إسبانيا وهولندا وبلجيكا”.

وأضاف الجباري أن هذا المطمح، “إن جاز أن نسميه مطمحا، كان مطمحا شبابيا، لم يدم سوى سنة أو سنتين، بعدها تحولت الفكرة إلى الاستمرار في الدراسة، والاجتهاد فيها، وتغيير الطموح، فكان دائماً بين أعيني حين كنت تلميذا في أولى باكالوريا وثانيا باكالوريا، العمل والاشتغال في منصب القضاء”.

وتابع أن هذا الهدف، راجع إلى أنه “في أسرتي العديد من القضاة، الذين كنت أقتدي بهم، وأقتدي بسلوكاتهم، وأقدتي بنزاهتهم”، مردفاً: “كان لدي ابني عمي، أحدهما كان رئيسا لغرفة بمحكمة النقض، وقبلها كان قاضيا للتحقيق بمحكمة الاستئناف بطنجة، وترك بصمة في الدائرة الاستنافية لطنجة”.

وأوضح أن هذه البصمة مستمرة إلى الآن، “ما زال المواطنون العاديون، يحكون عنه الحكايات الكثيرة، بخصوص نزاهته، وجرأته في تطبيق القانون، بخصوص شجاعته، وبخصوص رفضه للظلم. كذلك ابن عمّ آخر، وهو شقيقه، انتهى به الأمر رئيسا أولا لمحكمة الاستئناف بالقنيطرة، وقبل ذلك، تدرج في العديد من المسؤوليات القضائية”.

واسترسل الجباري: “كانت لدي ابنة عم أخرى، رحمها الله، توفيت في حادثة سير وهي في طريقها إلى محكمة النقض، حيث كانت تعمل، لدرجة أن ملفاتها وجدت مدرجة في دمائها. وقبل هؤلاء كان بعض أسلافنا قضاة، مثلا، أحد أعمامي في العهد السليماني، كان قاضيا، وقبلها عدلاً، ومفتيا، في القصر الكبير”.

وأمام هذه الشخصيات العائلية، التي كانت تمارس القضاء، يقول الجباري: “تاقت نفسي إلى أن أكون مثلهم، وأدخل هذا الغمار، خصوصا وأنه بعد الالتحاق بالجامعة، زادت الفكرة في تخمرها، وامتزج معها بعض الأحاسيس الأخرى، مثل حب الطالب في الجامعة للتغير، وللعمل من داخل المؤسسات، والعمل من داخل مراكز القرار، حتى يمارس بعض قناعاته في تحقيق العدل، ورفع المظالم، وتطبيق القانون”.

نادي قضاة المغرب

وبخصوص مساره في نادي قضاة المغرب، قال الجباري: “أسس في 20 غشت 2011، وقتها كنت في المعهد العالي للقضاء، لازلت ملحقا قضائيا، وآثرت نفسي، على أن أشارك زملائي في هذا التأسيس، رغم علمي بالمنع الذي طاله آنذاك. ومنذ ذلك الحين، وبمجرد أن تعينت، لم يمر على تعيني سوى أسبوع، كتبت مقالاً من ثلاث صفحات، حول الفكر الإصلاحي الذي جاء من أجله نادي قضاة المغرب”.

وأردف: “منذ تلك الفترة، بدأت مسيرتي مع الزملاء في نادي قضاة المغرب، وساهمت بقدر المستطاع في ترسيخ مجموعة من الأدبيات والمبادئ التي يجتمع عليها النادي، ويحاول تنزيلها على أرض الواقع. أما كيف بتُّ رئيسا لهذه الجمعية، فإني لم أكن أرغب في ذلك إطلاقاً، وحتى قبل الجمع العام بشهر ونصف، الإخوان الذين طالبوني بالترشح، أخبرتهم بأني لن أترشح، قبل أن ينزعوني لاحقا، ويدفعوني للترشح. وأتمنى أن أكون عند حسن ظنهم”.

ونبه الجباري إلى أن “الجميل في نادي قضاة المغرب، هو طريقة تسييره، فالرئيس، لا يعدو أن يكون منسقا بين الأجهزة الوطنية والأجهزة الجهوية للنادي. لا شيء في الجمعية، إلا ويسير وفق آليات التسيير الديمقراطي، ونحن نحترم الفصل 12 من الدستور احتراما مطلقا، ولا صوت يعلو على صوت الديمقراطية، والتسيير هو تسيير تشاركي”.

نادي قضاة المغرب.. جمعية مهنية أم نقابة؟

“يجب أن نتفق على أن نادي قضاة المغرب”، يقول الجباري: “هو جمعية مهنية للقضاة، ومؤسسة الجمعية المهنية، هي حديثة العهد بالتنظيم والنص عليها في النسق القانوني المغربي، جاء بها دستور 2011، في فصله 111، هو الذي نص على أحقية القضاة في تأسيس جمعيات مهنية، تجمعهم كتكتل وكرابط مهني، أو الانخراط فيها”.

وذكر أن “الجمعية المهنية كمفهوم، لن تجد لها أي تعريف في النسق القانوني المغربي. إذا ما العمل؟ العمل هو أنه يتعين علينا، إن أردنا معرفة طبيعة الجمعية وأدوارها، العودة إلى أصلها التاريخي أو أصلها المادي كما يسميه فقهاء فلسفة القانون؛ أصلها المادي هو المواثيق الدولية والإعلانات الدولية، إضافة إلى التجارب المقارنة القضائية، لأن فيها مثل هذه المؤسسات، إن عدنا إلى مجمل الوثائق الدولية، التي تحدثت عن الجمعيات المهنية، نجدها جميعاً، تُجمع على أن أدوار الجمعية المهنية للقضاة، هي الدفاع عن استقلالية السلطة القضائية، والدفاع عن حقوق القضاة، والدفاع عن مصالح القضاة المشروعة، هذه ثلاث أمور كلية، تندرج تحتها عدة أمور أخرى”.

وأشار الجباري إلى أنه “إذا ما رجعنا إلى المرجعية الوطنية، نجد بعض الوثائق، التي قد تسعفنا في تحديد الجمعيات المهنية للقضاة، فمثلا، هناك رسالة سامية للملك محمد السادس، وجهها إلى أعضاء المجلس الأعلى للقضاء سابقا، في فاتح مارس 2002، في معرض حديثه عن الجمعية المهنية، تحدث عن دور أساسي تقوم به، ألا وهو الدفاع عن حقوق القضاة. الملك يؤكد على الدور الدفاعي للجمعية المهنية عن حقوق القضاة”.

كذلك نجد،يتابع الجباري، “قرار المحكمة الدستورية سنة 2016، حين بت في مدى دستورية القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، أورد فقرة صريحة، بأن الجمعيات المهنية هي التي تمثل مصالح القضاة. كذلك إن عدنا إلى أحد التقارير الصادرة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي صدر في 2020، يتحدث عن الجمعية المهنية للقضاة، باعتبارها الممثل لمصالح القضاة. إذا، إن وضعنا هذه النقاط مجتمعة، سنخلص إلى نتيجة مفادها: أن الجمعية المهنية، ليست كباقي الجمعيات المدنية العادية، وكذلك ليست نقابة، بل تأتي في منزلة بين المنزلتين”.

ونبه إلى أن “الاختلاف بين النقابة والجمعية المهنية، هو اختلاف جوهري، لأن النقابة يمكن أن تدعو إلى إضراب، وأن تنفذه عن طريق أعضائها، أما الجمعية المهنية للقضاة، فلا يمكنها الدعوة إلى ذلك إطلاقا، إذا هي تدافع عن استقلالية السلطة القضائية وحقوقهم ومصالحهم المشروعة، ولكن بالطرق والوسائل المسموح بها قانونا، لأن مدونة الأخلاقيات القضائية، تمنع صراحة على القضاة، تنظيم وقفات احتجاجية”.

حياة القضاة الخاصة وواجب التحفظ

فيما يخص الحياة الخاصة للقاضي، أوضح الجباري، أنها “ليست سهلة، لأنه من الفئات القليلة في المجتمع التي صودرت حياته الخاصة؛ من زاوية ضغط العمل، لأن القاضي أنهكته الملفات، وأنهكته الجلسات، خصوصا في الوضعية التي نعيشها الآن، والتي تشهد خصاصا مهولاً في جانب الموارد البشرية. كما أن القاضي حياته مصادرة، نتيجة الواجبات الملقاة على عاتقه، مثلا واجب التحفظ. بل حتى حياته الخاصة، مع عائلته وأصحابه، تكون حياة مقيدة ومطوقة بالعديد من الواجبات”.

ومضى الجباري يقول في السياق نفسه: “القاضي مثله مثل باقي الناس من جانب بشريته وإنسانيته، ولكنه مختلف من جانب حياته الخاصة، التي لا يمكنه عيشها، نتيجة الالتزامات التي تحدثنا عنها. لا يمكنه التعبير عن آرائه وأفكاره مثلما يعبر عنها رجال التعليم أو الصحافيون. ربما يمكن لأي مواطن الجلوس في أي مكان، لكننا نحن لا نستطيع، حتى نسأل عن المكان، ومن يجلس فيه، وذلك احتراما لواجب المنصب القضائي الذي له هيبته وسمعته. ما أريد قوله: القاضي لا يعيش حياته مثل باقي الناس”.

وزاد: “أنا أعرف قضاة وهم كثر، يدخلون إلى العمل عند الثامنة والنصف صباحا، ولا يخرجون حتى العاشرة ليلاً، بسبب كثرة العمل والضغط؛ مثلاً جلسة الهيئة القضائية التي تبت في ملفات التلبس معتقلا، وهي مثلها مثل الجنايات، يأتي القاضي مع الثامنة والنصف صباحا، لأن عليه دراسة الجلسة قبل دخولها، لكي يحكون حريصا على إيصال الحقوق إلى أصحابها، لأن عدم دراسة الجلسة قبل دخولها، قد يؤدي إلى ألا يسير القاضي الجلسة بالشكل المطلوب”.

التعارض بين مكونات أسرة القضاء

قال الجباري، إنه لا يعتقد أن هذا التعارض، “سينصب على أدوار كل جهة على حدة، لأن المحامي له دوره الدفاعي عن حقوق موكله والترافع عنه، والقاضي له دوره في حماية حقوق وحريات المواطنين أفرادا وجماعات وأمنهم القضائي وتطبيق القانون، كذلك النيابة العامة هي جزء لا يتجزأ من القضاء، لأن في نظامنا الدستوري، نعتمد على وحدة القضاء، إضافة إلى كتابة الضبط. التعارض لا يكون في هذه الأدوار، ربما يكون في بعض العلاقات، أو سوء فهم في تدبير علاقة من العلاقات بين هذه المكونات”.

أما بخصوص إمكانية اعتقال النيابة العامة لشخص، ثم إطلاق سراحه من قبل القاضي، يقول الجباري: “منطق النيابة العامة ليس هو منطق قاضي الحكم، فالنيابة العامة يمكن أن تتخذ قرارها بناء على عدة منافع وقتية، مثلا شخص ارتكب حادثة سير مميتة، عائلة الهالك لازالت في أوج هيجانها، كيف يمكن لك أن تتصور أن يقدم المعني بالأمر لدى النيابة العامة، وتتابعه في حالة سراح مثلا؟ ربما ستشكل خطورة عليه، وقد تعطي صورة مغلوطة عن النيابة العامة، إذا ربما قد نقع في مثل هذه الحالات، التي تكون الفائدة قائمة في اتخاذ مثل هذا القرار، بشكل وقتي، على أن يُعرض على القضاء، والقضاء قد تكون له كلمة أخرى، بسبب عوامل أخرى، تدخل في تقديرات القاضي أو الهيئة”.

الثقافات المحلية وتأثيرها على قرار القاضي

أكد الجباري، أن “ثقافة القاضي وتكوينه والبيئة التي تربى فيها، عوامل مؤثرة في اتخاذ القرار، خصوصا في المادة الزجرية، لأن المادة الزجرية قوامها السلطة التقديرية للقضاة في تطبيق القانون، لأن الوقائع المعروضة على القضاء، تختلف من ملف إلى آخر، وبالتالي لا يمكن تطبيق القاعدة القانونية على جميع الوقائع. لأن القضاء يعتمد على عنصر أساسي، يسمى بالخطورة الإجرامية، وهي الخطورة الكامنة في نفسية الفاعل”. متابعاً: “ما يقع هو أن القضاة قد يختلفون في تدبيراتهم، ولكن الشرط الذي يتعين أن يُحترم في مثل هذه الحالات، هو أن تبقى هذه التقديرات في إطار القانون”.

وذكّر الجباري، بأن “السياسة الجنائية تختلف من منطقة إلى أخرى، مثلا في الجنوب لا يمكن للضمير الجمعي أن يقبل جريمة الفساد، وتعتبر شيئا كبيرا جدا، في حين في مدن أخرى، ولاعتبارات أخرى تتعلق بالنظام العام الاقتصادي وما إلى ذلك، لا تعتقل النيابة العامة أي شخص في مثل هذه الحالات، يأتون للحارسة النظرية ثم يطلق سراحهم بعدها. لذا الاعتبارات الثقافية ضروري أن تؤخذ في عين الاعتبار عند القضاة”.

الأمن المهني للقضاة

وبشأن تكرار نادي قضاة المغرب، لمصطلح “الأمن المهني” للقضاة، أوضح الجباري، أنه “في تراثنا الإسلامي الزاخر، أن القاضي، لا يقضي وهو غضبان، وإن كان الحديث حديثا ضعيفا، ولكن الحديث الضعيف يؤخذ به في فضائل الأعمال، ونحن نتحدث عن فضيلة من فضائل الأعمال. قاس الفقهاء الغضب على الجوع، والخوف. إذا الأمن المهني، هو أن يحس القاضي، أثناء ممارسته لمهامه القضائية، بالاطمئنان”.

وأضاف: “مثلا من الشروط الأساسية للأمن المهني للقاضي، هو أن يتوقع نتائج تدبير وضعيته المهنية من طرف المجلس، مثلا قاضي يعمل في مدينة تشتغل زوجته في تلك المدينة، لديه أبناء يدرسون في تلك المدينة، من الناحية الأسرية مستقر ونفسيته مرتاحة، فإذا به يفاجأ بالانتقال من تلك المدينة إلى مدينة أخرى بعيدة، من أجل سد الخصاص، أو للمصلحة القضائية، دون أن نفسر معنى المصلحة القضائية”.

وفي هذا الصدد، أشار الجباري إلى أن “الأصل في نقل القضاة بطلب منهم، وهكذا قالت المحكمة الدستورية، الاستثناء هو النقل بدون طلب لسد الخصاص، أو النقل على إثر ترقية، ولكن القانون حدد مجموعة من الشروط والمعايير، منها القرب الجغرافي، والوضعية الاجتماعية للقاضي، إذا نقل القاضي من ابتدائي القصر الكبير إلى طنجة مثلا، لا إشكال فيه، لأن القرب الجغرافي تمت مراعاته هنا، الإشكال هو مثلا، نقل قاضي من مدينة العيون إلى مدينة الرشيدية، أو من الرشيدية إلى بني ملال”.

كذلك هناك أمور أخرى، يواصل الجباري: “مثل التي نشرها المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب، والمتعلقة بالمعاينات القضائية”. موضحاً أن التقرير الذي يخص “المعاينات”، ربطناه بالأمن المهني، لأن كل القضاة، الذين يأمرون بهذه المعاينات، هم في ذهنهم، وبحكم تكوينهم، وبحكم اندماجهم في الوسط القضائي حين يعينون في المحاكم، أنهم يطبقون القانون، حتى فوجئوا باستدعاءات من المفتشية العامة، تستمع إليهم، على أساس ارتكابهم لمخالفة مهنية، نظرا لأن المعاينات بالشكل الذين قاموا به، ليست قانونية”.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي