شارك المقال
  • تم النسخ

الاشتراك في الأضحية ومساحة العفو التشريعي… إياك أن تضيق على الناس !

كتبت قبل يومين مقالا حول الاشتراك في الأضحية، نظرا لمعاناة كثير من المسلمين في الغرب، وخصوصا بفرنسا، إضافة إلى الوضعية الاجتماعية والمادية التي أثرت على المغاربة في هذه السنة، وهي سنة الجفاف المسبوقة بسنة جفاف وسنتي وباء، وما ترتب على ذلك من فاحش الغلاء، مما أثر على أثمنة الأضاحي بطريقة لم تعهد من قبل.

بناء على هذه الوضعية، إضافة إلى الوضعية العامة التي يمكن توصيفها بالهشاشة، هل يمكن للفقهاء أن يجتهدوا في إنتاج حكم فقهي ميسر يجيز لذوي الحاجة الاشتراك في ثمن كبش الأضحية؟

في هذا السياق، طرحنا بعض المسالك الاستدلالية بين أيدي السادة العلماء لمناقشتها وإغنائها، وقد بادر إلى ذلك بعض الفضلاء، فمنهم من أيدها وعضد أدلتها، ومنهم من انتقدها وتمسك بالحكم الفقهي التقليدي المانع من الاشتراك، وهذا ما سنعمد إلى مناقشته في هذا المقال الاستئنافي.

أولا: أهم أدلة المتمسكين بالمنع

1 – الاستدلال بقاعدة [الأصل في الأشياء الإباحة] خطأ، لأن الأصل هو عدم الاشتراك في العبادات، إضافة إلى أن الأصل هو عدم الاشتراك في الأضحية وليس الاشتراك. ثم معنى [الأشياء] في القاعدة هو العادات والأعيان التي خلقها الله في الوجود، والأضحية من القربات التعبدية التي لا تخضع لهذه القاعدة.

2 – قياس الأضحية على الهدي قياس سائغ، لأنهما من الشعائر.

3 – الاستدلال بالحديث الضعيف في هذه النازلة لا يستقيم، لأن الاستدلال به لا يُقبل في الأحكام.

4 – التيسير لا يُلتفت إليه إلا في الواجبات العينية المقترنة بالمشقة والحرج، أما الأضحية فلا تجب إلا على القادر عليها المالك لثمنها الفاضل عن ضرورة معيشته، ومن ثم فالحرج مرفوع فيها أصلا.

5 – قاعدة “لا حظر إلا بدليل” خاصة بالأحكام العملية دون العقائدية والسلوكية.

6 – الأضحية ليست مجرد فعل خيرٍ، بل هي تعبد، والأصل في العبادة التوقف.

هذه أهم النقط المثارة حول مقالنا الابتدائي، وسنتفاعل معها في هذا المقال الاستئنافي، وقبل ذلك لا بد أن أتوجه بجزيل الشكر لكل من أخضع مقالي لمبضع النقد والمدارسة، لأنهم جميعا يسهمون في إغناء نقاش تقاعس عن خوض غماره كثيرٌ من المتخصصين سامحهم الله.

ثانيا: التعليق على النقط السابقة

1 – في الشريعة الإسلامية نصوص من القرآن والسنة تعدّ صوى منهجية وقواعد كلية لا بد من الاحتكام إليها والالتزام بها، ومن تلك النصوص الناظمة للصناعة الفقهية قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “إذا أمرتكم بشيء فائتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا”، والاشتراك في كبش الأضحية لم يأمرنا به النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينهنا عنه، فبقي ضمن العفو التشريعي، وهو المسمى بالإباحة، لهذا تعجبت من إنكار إخضاع هذا الاشتراك ضمن دائرة الإباحة من قبل هؤلاء الفضلاء.

2 – حصْر قاعدة “الأصل في الأشياء الإباحة” في الأعيان التي خلق الله تعالى والمعاملات دون القضايا التعبدية أو ذات الصلة بها تحكُّم محض، وفي تراثنا ما يدل على جواز الاحتكام إلى هذه القاعدة في ما له صلة بالعبادة دون العادات والأعيان، مثال ذلك ما ذكره ابن عبد البر أثناء مناقشته للصلاة على الميت في المسجد والدفن فيه، فإنه قال: “الأصل في الأشياء الإباحة حتى يصح المنع بوجه لا معارض له ودليل غير محتمل للتأويل”، وقال أثناء مناقشة مسألة ذات علاقة بالاعتكاف: “والأصل في الأشياء الإباحة حتى يقرعَ الشمعَ ما يوجب الحظرَ”، وكان الصحابة يتكلمون أثناء الصلاة ثم نُهوا عن الكلام وأُمِروا بالسكوت، وأثناء مناقشة هذه الجزئية التعبدية المحضة، قال البرهان البقاعي [وهو عالم متمكن من دون نزاع]: “إن الصلاة في أول الأمر لم تكن على الحدود التي صارت إليها آخرا، فيحتمل أن الفعل كان مباحا فيها كما كان الكلام، ويؤيده أن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يأتي نص بالمنع”.

وغني عن البيان أن الصلاة على الميت في المسجد ومتعلقات الاعتكاف والكلام أثناء الصلاة ليست من الأعيان التي خلق الله تعالى في الوجود وليست من العادات، فتبين لكل ذي عينين أن مقولي مطابق لمقول ابن عبد البر والبقاعي [وغيرهما ممن لم أذكرهم]، وأن المتحكمين في القاعدة الذين حاولوا قصْرَها على بعض مشمولاتها مخطئون.

2 – انطلاقا من نصوص ابن عبد البر والبرهان البقاعي، تبين أنهما متمسكان بقاعدة “لا حظر إلا بدليل”، وقد عبرا عن ذلك بصريح الكلام ومنطوقه لا بمفهومه وفحواه، ومنه تعلم بطلان هؤلاء المانعين الذين ادعوا أن هذه القاعدة خاصة بالأحكام العملية دون سواها من الأحكام التعبدية أو العقائدية أو السلوكية. ومثال [الكلام أثناء الصلاة] المذكور أعلاه دليل صريح على ما قلناه، فليُتنبه إليه.

3 – ذكرنا في مقالنا أن قياس الأضحية على الهدي لا يستقيم لما بينهما من الفروق، وذكرنا مثالا منها، وهو أن الرجل يذبح الهدي في الحج وتذبح زوجته هديا آخر، أما في الأضحية فإنه يذبح أضحيته ولا تذبح هي شيئا، وتعد أضحيته أضحيتها.

لكن العلماء المتمسكين بالمنع سوغوا قياس الأضحية على الهدي، ليخلصوا إلى جواز الاشتراك في البدنة والبقرة وعدم الجواز في الكبش، ولم يجدوا جامعا بين الأضحية والهدي سوى أنهما من الشعائر.

فهل تعد [الشعائر] علة جامعة تخول لنا الممارسة القياسية؟

ثم إن شعائر الله وحدوده لا تخضع للأقيسة البتة، بل كثيرا ما نجد فيها التفريق بين المتماثلات، وهاذان نموذجان:

النموذج الأول: حين يموت الرجل عن زوجته قبل الدخول فإنها تعتد وجوبا، وحين يطلق الرجل زوجته قبل الدخول فإنها لا تعتد أبدا، مع أن الحالتين متشابهتان في كونهما فراق قبل الدخول. وهذا من حدود الله.

النموذج الثاني: وهو قريب من موضوعنا، حيث يعدّ الكبش أفضل في الأضحية بناء على الفعل النبوي، والبدنة أفضل في ترتيب الأنعام في حديث التبكير يوم الجمعة، وفيه: “من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن …”.

من هنا يتبين أن الشعائر تعبدية لا دخل للأقيسة فيها. [التعبدية: غير معللة]. فكان الكبش أفضل من البدنة في الأضحية، والبدنة أفضل من الكبش في التبكير إلى الجمعة.

4 – تمسك مانعو الاشتراك في كبش الأضحية بمقولة: “الحديث الضعيف لا يعمل به في الأحكام”، ردا على استدلالنا بحديث ضعيف.

وهنا لا بد من وقفات.

الوقفة الأولى: نحن لم نستدل بهذا الحديث على الانفراد، بل أيدنا به دليل الإباحة الأصلية، ودليل عدم الحظر إلا بدليل، وغيرهما، والاستدلال بالحديث إن كان استدلالا ضعيفا فإنما أوردناه ليقوي غيره من الأدلة ويتقوى بها، فتصير للأدلة مجتمعة قوةً تفتقر إليها حين تكون منفردة. ولعلهم لم يتفطنوا لهذا الملحظ.

الوقفة الثانية: قولهم: “الحديث الضعيف لا يعمل به في الأحكام” هو من الأقوال التي قالها الفقهاء ولم يعملوا بها، وكثير من الأحكام الفقهية بنيت على أحاديث ضعيفة، ومن طالع كتب تخريج أحاديث المصنفات الفقهية لمس ذلك وتبينه، وللقارئ أن يراجع نصب الراية للزيلعي والتلخيص الحبير لابن حجر والهداية في تخريج أحاديث البداية لابن الصديق ومنار السبيل للألباني، فإن فيها غنية. بل سبق لتاج الدين التبريزي الشافعي [ت:746هـ] أن ألف كتابا بعنوان [المعيار في الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي استشهد بها الفقهاء].

بناء على ما سبق، فإن استشهادنا بالحديث الضعيف في المسألة ليس بدعا من الأمر، وقد بينا مسوغات ذلك، وهي أنه ليس شديد الضعيف، وهو خاص بالاشتراك في الأضحية التي تعد من المندوبات، وهي المعبر عنه بالفضائل، والقاعدة المقررة أن الضعيف يعمل به في الفضائل.

فأي مسلك سلكه المانعون سنسلكه معهم.

إن قالوا بأن الأضحية من الأحكام، قلنا بأن الفقهاء من جميع المذاهب اعتمدوا على الضعيف في الأحكام.

وإن قالوا بأن الأضحية من الفضائل، قلنا بأن الضعيف يعمل به في الفضائل.

الوقفة الثالثة: في الصناعة الفقهية، لم يكتف الفقهاء ببناء الفروع على الحديث الضعيف فحسب، بل بنوها على أدلة وأصول ضعيفة أيضا، ومنها الاستحسان، وهو أصل ضعيف موغل في الظنية، والحديث الضعيف أقوى منه، فلماذا يستنكرون الاستدلال بالحديث الضعيف الذي يقوي أدلة أخرى في مسألة فرعية مندرجة ضمن الفضائل؟

5 – ادعى المتمسكون بمنع الاشتراك في كبش الأضحية بأن الحرج مرفوع من الأصل، لأن الأضحية لا تجب إلا على القادر المالك لثمنها الفاضل عن ضرورة عيشه طيلة السنة.

والرد على هذا من وجوه:

الأول: قولهم بأن [الأضحية لا تجب إلا على القادر]، يُفهم منه القول بوجوب الأضحية على القادر، مع أنهم متمسكون في نازلتنا بالمذهب المالكي، والمالكية لا يقولون بالوجوب أولا، والصحابة قبلهم لا يقولون بالوجوب، ولعلها سبق قلم من المانعين.

الثاني: من المعلوم أن الأحكام والفتاوى تتغير بتغير الظروف زمانا ومكانا وعرفا، والتعامل مع الأضحية في سوريا مثلا مخالف تماما لتعامل المغاربة معها، وللمغاربة تمسك بهذه الشعيرة وتشدد في تطبيقها، وقد ترتب عن قرونٍ من هذه الممارسة عادات وتقاليد دخلت في بنية المجتمع والدولة على السواء، ونظرا لهذا الرسوخ اتخذها الوطنيون المغاربة وسيلة للضغط على المحتل الفرنسي الذي نفى السلطان محمد الخامس غداة عيد الأضحى، فقرر الوطنيون الامتناع عن ذبح النسك، وكان هذا الامتناع رسالة سياسية قوية للمحتل. وقبل هذا الحادث بقرون، كانت الأضحية سببا للثورة على القاضي أبي بكر بن العربي، لأنه لما تولى القضاء وأراد بناء سور إشبيلية، طالب من الناس إحضار جلود أضاحيهم مكرهين، فانتفضوا ضده وحاصروه في داره ورفعوا شعارات قوية ضده، ومنها: “ردّ الجلود يا قاضي اليهود”، ففر إلى قرطبة وعزل عن القضاء.

نظرا لهذه المعاملة المغربية والتمسك المغربي بهذه الشعيرة، فإنها احتفت بمجموعة من الحيثيات جعلت غير المُقْدِم عليها يقع في حرج شديد مع ذويه وجيرانه، وخصوصا مع أبنائه. وهذا واقع مشاهد، والواقع لا يرتفع، وذات مرة أقدم أحد المغاربة على الانتحار يوم العيد لأنه لم يرض بحاله الذي حال دون إحضار الأضحية لأبنائه، كما كان كثير التحسر لواقع أبنائه وشعورهم أمام أبناء الحي.

نعم، قد يقول قائل بأن هذا الواقع لا يؤثر في صناعة الفتوى والفقه، وهذا واهم، ولنا مثال مشابه، وهو تغيير المنكر، فإذا كان الواقع وملابساته تفرض على المرء أن يخاف على نفسه من مكروه قد يلحقه، فإنه قد يحجم عن تغييره، قال ابن عبد البر: “الحرج مرفوع عن كل من يخاف على نفسه في تغيير المنكر أو يضعف عن القيام بذلك”، وهكذا اعتبر إكراهات الواقع من الحرج الذي يُلتفت إليه في صناعة الفقه، ومن أمر بالأضحية هو من أمر بتغيير المنكر، فإذا كانت الظروف والملابسات المجتمعية تصنف الثاني في خانة الحرج، فلا مانع من إدراج الأول في الخانة ذاتها، مع التذكير بأن رفع الحرج من القواعد الكلية للشريعة.

ثالثا: إباحة الاشتراك في كبش الأضحية

سبق أن بينا إباحة الاشتراك في كبش الأضحية، وتوجه بعض العلماء إلى مقالنا بالنقد، ولو صمد ذلك النقد لتبنينا المنع وتمسكنا به.

لكننا بيّنا أن نقدهم لم يكن قويا، وعلقنا عليه نقطة نقطة، ونضيف هنا أمرين:

أولهما: من المعيب على صناع الفقه في عصرنا أن يأسروا أنفسهم في أقوال السابقين، فتجدهم يملأون منشوراتهم بقال مالك، وقال خليل، وغيرهما. فإن لهؤلاء المتقدمين فضل كبير، وعلم غزير، وأوهام وهنات كثيرة، وقد تكون لهم في المسألة قولان أو أكثر، وقد تكون أقوالهم سائغة مقبولة في عصرهم، لكنها غير سائغة البتة في عصرنا، وهنا مثالان:

أ – قال الإمام مالك: “يلزم الرجلَ أن يضحي عن نفسه وعن أولاده ما لزمه الإنفاق عليهم، ولا يلزمه أن يضحي عن زوجته”، وقد تناقل عنه هذا القول كثير من المالكية في مصنفاتهم.

ب – قال كثير من الفقهاء بأن من ذبح أضحيته قبل الإمام فإنها مجرد لحم وليست قربة ولا نسكا.

فهل نلتزم بهذه الأقوال؟ وهل لها حجية في ذاتها؟ أم أنها أقوال قابلة للخطأ والصواب؟

أما القول الأول، فمردود بالحديث الذي ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح كبشا عن نفسه وأهل بيته، ومِن أهل بيته زوجاته، فكيف نتبع مالكا في قوله بأن المرء ملزم بالتضحية عن أولاده وليس ملزما بالتضحية عن زوجاته؟

ومما يدل على خطأ قول الإمام مالك رحمه الله أنه مخالف لحديث آخر، وهو خطاب النبي لفاطمة عليهما السلام حين قال لها: “قومي إلى أضحيتك فاشهديها”، فنسب الأضحية إليها، ولو لم يكن علي عليه السلام ملزما بالتضحية عن زوجته لما جاز نسبتها إليها.

أما القول الثاني، فسيدخلنا إلى متاهة لا مخرج منها، فما معنى الإمام؟ هل الإمام هو إمام الصلاة في المصر؟ أم إمام السياسة في القطر؟ وهل يمنع على أهل مدينة الرباط ذبح أضاحيهم إلا بعد العاشرة أو الحادية عشرة صباحا؟ [على اعتبار أن الملك لا يذبح أضحيته في الرباط إلا في ذلك الوقت].

والصواب الذي لا محيد عنه أن الأضحية مرتبطة بالصلاة وليست مرتبطة بالإمام، لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من ذبح قبل أن يصلي فإنما هو شاة …”، فمن ذبح بعد الصلاة وقبل أو أثناء خطبة الإمام فذبحه صحيح سليم، ومن تعذر عليه الحضور إلى المصلى وصلى وحده أو مع ذويه في المنزل ثم ذبح فذبحه صحيح سليم، ولا علاقة له بالإمام.

وإذا كان أسْرُ المرء لنفسه في أسوار النقول والأقوال الفقهية معيبا، فإن الصناعة الفقهية تفرض عليه أن ييمم وجهه نحو الأدلة لإنتاج قول فقهي سليم، وليعلم أنه ليس ملزما بأقوال السابقين وإن تميزوا بجلالة القدر ورفعة المكانة.

وما يقوله أغلب المانعين للاشتراك في الأضحية لا يتجاوز منطق الأَسْر المشار إليه، ولا يتجاوزون قال فلان وقال فلان.

ثانيهما: مما يؤيد أدلتنا على جواز الاشتراك في الكبش حديث لم يسبق أن رأيت أحدا استدل به في الموضوع، وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين عرجها، والكسير التي لا تنقي”.

ووجه الدلالة في هذا الحديث:

أ – الحديث وارد بصيغة الحصر، [أربع لا تجوز…]، ولو كان الاشتراك في الكبش غير جائز لذكر في هذا السياق.

ب – كان النبي صلى الله عليه وسلم أثناء هذا الحديث في موقع البيان، ولو كان الاشتراك في الكبش محظورا لبينه هنا، لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.

ج – سكت النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث عن الاشتراك في الأضحية، وسكت عنه في أحاديث أخرى بينت أحكام وشروط الأضاحي، والقاعدة أن السكوت في مقام البيان بيان، فدلت على أن سكوته عن منع الاشتراك بيان للإباحة، ولا يعد سكوته دليلا على المنع بأي حال من الأحوال.

هذا، ويسرني في الختام أن أشير إلى أن تمسك المغاربة بأضحية العيد يعد لا محالة من الخصال المحمودة التي يجب تشجيعهم عليها، لأنه في المحصلة تعظيم لشعائر الله، وقد تسرب إلى ثقافتنا من يفت في عضدهم فيهون من هذه الشعيرة بعبارات من قبيل: هذه مجرد سنة.

وهذه عبارة مذمومة يجب أن تحارَب، ويجب علينا تشجيع المجتمع على التمسك بشعيرة الأضحى خصوصا أن بعض علية القوم صاروا يستهينون بها ويتوجهون إلى الفنادق الفخمة في المغرب أو خارجه لممارسة السياحة في إجازة العيد، ومن التشجيع على هذه الشعيرة تحفيزُ الميسورين على مساعدة المحتاجين وتمكينهم من الأضحية، فيسهمون في إدخال الفرح والسرور على أسرة بكاملها، ومن التشجيع أيضا إنتاج فتاوى فقهية مبنية على التيسير بدل التشدد والتعسير، لأن “سددوا وقاربوا ويسروا ولا تعسروا” نصائح ووصايا نبوية يجب الالتزام والاهتداء بها، وإذا كان الدليل ولو ضعيفا يساعدني في هذا وسلم من المعارض كان الميل إليه أولى، والتمسك بنقيضه ليس سوى تضييق على الناس، ولنتأمل إلى البراء حين قال له عبيد بن فيروز: إني أكره في الأضحية النقص من القرن والذنَب، فأجابه بقوله: “اكره لنفسك ما شئت، وإياك أن تضيق على الناس”.

والقول بجواز اشتراك الجار مع جاره أو الأخ مع أخيه في كبش الأضحية في وقت صار فيه ثمن الكبش الصغير مماثلا للحد الأدنى للأجور أو يزيد هو القول الأنسب للناس، والموافق لنصيحة البراء: “وإياك أن تضيق على الناس”.

والله أعلم.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي