شارك المقال
  • تم النسخ

الاشتراك في الأضحية..! هل يُفتي العلماءُ بجواز الاشتراك في الأضحية بناء على مبدأ التيسير؟!

تثار في كل سنة مسألة الاشتراك في أضحية العيد، وتتقاطر الأسئلة في شأنها من داخل المغرب وخارجه من أبناء الجالية المسلمة في أوربا عموما، ومن فرنسا على وجه الخصوص.

وبالعودة إلى الموروث الفقهي، وإلى فتاوى المعاصرين المنثرة هنا وهناك، فإننا لا نكاد نجد سوى المنع من الاشتراك في الكبش، وجواز الاشتراك في البدنة أو البقرة، وبما أن الفقه لا يُسلّم إلا إذا استند إلى دليله، فإن الدليل الذي يستند عليه أصحاب هذا القول هو الفعل والقول النبوي في شعائر الحج، حيث يقع الاشتراك في البدنة والبقرة، ولا يقع الاشتراك في الكبش.

وأول ملاحظة على هذه الفتاوى المنثرة أنها تجيب على الأضحى وتستدل بالهدي، وشتان بين الأمرين، لأن الهدي متعلق بالحاج لذاته وعينه، فلو كان الحاج مع زوجته في المشاعر المقدسة، فإنه يذبح شاة وتذبح زوجته شاة أخرى، ولا تندرج معه فيها، أما الأضحية فإن المضحي يتقرب بها إلى الله تعالى عنه وعن زوجه وباقي أهل بيته.

ولو ذهب الرجل إلى الحج ومعه زوجته وابناه وبنتاه ممن يعول، فإنهم يشتركون في بقرة أو بدنة، وإذا كانوا في موطنهم فإن الأب يضحي بكبش واحد فقط.

لهذه الاختلافات، فإن قياس الأضحية على الهدي لا يستقيم. فما الحكم المناسب لهذه النازلة التي يسأل عنها كثير من الناس في فرنسا؟ وما حكم هذه النازلة في المغرب خصوصا في سنة الغلاء الذي تلا الوباء؟

لن أرتدي قبعة المفتي، وسأدلي برأي في المسألة عسى أن يتفاعل معه العلماء تأييدا أو نقدا أو نقضا.

أولا: المقرر في القواعد الشرعية والقانونية أنه لا حظر إلا بدليل، ولم نقرأ عند المانعين دليلا قويا على حظر الاشتراك في كبش الأضحية.

ثانيا: من القواعد المقررة أن الأصل في الأشياء الإباحة، ولا ننتقل من الإباحة إلى الوجوب أو المنع إلا بدليل.

ثالثا: تركُ النبي صلى الله عليه وسلم للاشتراك مع الغير في كبش الأضحية – إن ثبت هذا الترك – لا يدل على المنع والتحريم، وقاعدة (الترك مع وجود المقتضي) لا تفيد المنع، ألا ترى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ترك الصلاة على المنتحر مع وجود المقتضي وعدم وجود المانع؟ ومع ذلك فإن الصلاة على المنتحر جائزة، بل واجبة وجوبا كفائيا يحرم تركها بالكلية، ومثل ذلك عدم صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المدين.

لهذا، فإن ترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم للاشتراك في كبش الأضحية ليس دليلا على المنع والحرمة.

رابعا: ورد حديث في مسند أحمد ومستدرك الحاكم والسنة لابن أبي عاصم وغيرها أن صحابيا قال: كنت سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرنا نجمع لكل رجل منا درهما، فاشترينا أضحية بسبعة دراهم، فقلنا: يا رسول الله، لقد أغلينا بها، فقال: إن أفضل الضحايا أغلاها ثمنا وأسمنها، وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخذ رَجل برِجل، ورجل برجل، ورجل بيد، ورجل بيد، ورجل بقرن، ورجل بقرن، وذبحها السابع، وكبرنا عليها جميعا.

هذا الحديث جوّد إسناده ابن الملقن في البدر المنير، وضعفه غيره، ومع ذلك، فإنه قد يُقبل الاستدلال به للاعتبارات الآتية:

أولها: أن ضعفه ليس شديدا، لذلك اعتبره ابن حجر شاهدا لحديث آخر في التلخيص الحبير، وشديد الضعف لا يعتد به في الشواهد حسبما تقرر.

ثانيها: الأضحية بكل تفاصيلها مندرجة ضمن فضائل الأعمال، والحديث الضعيف يُعمل به في الفضائل كما تقرر أيضا.

ثالثها: هذا الحديث ليس حجة واحدة في الباب لنتحفظ بشأنه، بل هو دليل يعضد دليل الإباحة الأصلية المشار إليه سابقا ويتضافر معه، فيتقوى أحدهما بالآخر.

رابعها: ذكر الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – بعد أن مال إلى التضعيف – أن الحديث لم ينص على الشاة، فيحتمل أن الأضحية كانت بقرة. وهذا مجرد احتمال، ولفظ “الأضحية” ورد عاما فيبقى على عمومه، وأدنى العموم كبش، إضافة إلى أن لفظ الأضحية في الشرع حين يطلق يراد به الكبش أصالة، ولو أريد به البدنة أو البقرة فإنه يشار إلى ذلك للتقييد والتوضيح.

لهذه الأدلة والاعتبارات، وبناء على مبدأ التيسير على المكلفين، فهل يفتي علماؤنا بجواز الاشتراك في كبش الأضحية؟

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي