شارك المقال
  • تم النسخ

إيران والكيان.. مسرحية أم مواجهة؟

الذين يقولون بأن هذا ليس وقت “الطائفية”.. عليهم أن يقنعوا إيران أولا بأن تكف عن قتل المسلمين السنة.. بل أن يقنعوها فقط بالسماح للسنة الذين يحملون جنسيتها ببناء مساجد .. ففي طهران مليون سني.. لكن السفراء السنة يصلون الجمعة في السفارات..

****

تضاربت الآراء والتعليقات على هامش “الرد الإيراني” على قصف القنصلية، الذي يندرج أصلا ضمن سلسلة من الاعتداءات والضربات الإسرائيلية المتتالية التي ظلت دائما بلا “رد” سوى بلاغات الوعيد والتهديد والتنديد، والتأكيد على التمسك بحق “الرد” ..في “المكان والوقت المناسبين”.

وعموما، يمكن تقسيم ردود الفعل على الخطوة الإيرانية إلى اتجاهين رئيسيين:

اتجاه التهليل والتطبيل لهذا “القصف” وتصويره على أنه إنجاز استراتيجي من شأنه تغيير قواعد اللعبة في المنطقة، بل وتغيير أسس المعادلة من جذورها.

واتجاه السخرية والتنكيت الذي اعتبر ما جرى مجرد فصل من “مسرحية” متواصلة المشاهد والفصول، ضحيتها الأولى والأخيرة شعوب المنطقة.

ويمكن أن نضيف اتجاها ثالثا ثانويا، يمثل أقلية، اعتمد “الرصانة”، المبالغ فيها، عندما طالب بضرورة انتظار مرور وقت كاف لاتضاح المشهد كاملا، قبل خوض غمار “التحليل”.

للمساهمة في هذا النقاش، أتوقف عند رؤوس الأقلام التالية:

– لا أحد يستطيع الدفاع أو تبرير العبث الذي سبق “الرد الإيراني” بما أن الجميع كان على علم بزمانه ومكانه ومداه، لينضاف ذلك إلى ما تعودناه من كثرة الجعجعة والحروب الكلامية التي لا يعقبها فعل مؤثر، حيث إن الرد على تصفية الجنرال سليماني مازال يبحث عن الزمان والمكان المناسبين.. إذا تحاشينا التذكير بعملية قصف قاعدة “عين الأسد” وما عرفته هي أيضا من إبداع “مسرحي”..

ولتوضيح هذه النقطة لابد من الإشارة إلى مفارقة تغيب عن كثيرين، ليس لأن السرية والمباغتة من أهم سمات العمليات العسكرية الخاطفة، بل لأن إيران اعتمدت السرية عند الاعتداء على جيرانها في الغرب، وتحديدا أفغانستان وباكستان، اللتين سارعتا للرد بقوة وحزم أنهى مبكرا أحلام العظمة في دولة خامنائي.

– على ذكر السرية أيضا، فإن إسرائيل في ضرباتها التي توجهها لإيران وحلفائها في سوريا تحديدا، لا تحترم هي أيضا مبدأ السرية بحذافيره، بل تخبر مسبقا الروس بها، لكنهم لا يحذرون “شركاءهم” في “الساحة السورية”، بل يفسحون المجال للطائرات الإسرائيلية لأداء مهمتها بنجاح دون تشويش، خاصة عندما يتعلق الأمر بتصفية قادة ومستشارين عسكريين كبارا؛

– المقارنة التي تم تغييبها عمدا من طرف البعض، تتمثل في أن وزن “الرد الإيراني” ينبغي أن يتم قياسا إلى ما فعلته إيران بالشعب السوري طيلة السنوات الماضية، حيث تجاوز الأمر حدود الإبادة الجماعية إلى التهجير والإحلال الديموغرافي (أكثر من 306 آلاف قتيل مدني، و6.7 نازح حتى مستهل 2021).

فلماذا حرصت إيران في ردها على “الكيان” -كما صرحت بذلك مصادرها الرسمية- على عدم إراقة الدماء “الصهيونية”؟ ولماذا لم تتعامل من “المستوطنين” كما تعاملت مع السوريين والعراقيين؟

– تهليل البعض للكلفة العالية التي تطلبها التصدي لهذه المقذوفات، هي شهادة مجانية للكيان، الذي صرف مليار دولار ليس في مواجهة مفرقعات، بل حماية لـ”مستوطنيه”..

– كيف غاب عن البعض أن “العواجل” التي تابعناها على الفضائيات والمواقع الإخبارية عن مقذوفات أطلقت من هنا، وعند وصولها بعد ساعات تم اعتراضها جميعا تقريبا، وأنها لم تحقق أية إصابة مؤثرة، لا علاقة لها بـ”العواجل” التي تعودنا على متابعتها عندما هبت إيران لنجدة تابعها بشار عبر قصف الأسواق والمدارس والمواقع المدنية.

بالمقابل تؤكد كثير من المعطيات الإعلامية المتتالية أن حكومة “الكيان” سترد التحية .. بنفس الطريقة ربما، أي مقذوفات يتم اعتراضها وإسقاطها أمام عدسات الكاميرا؟

.. هكذا تقول فصول المسرحية.. في انتظار التفاصيل..

– هل يستطيع أحد أن ينكر أن الرد الإيراني فتح أمام نتنياهو هامشا جديدا للمناورة في اللحظة التي كانت فيها الأرض تهتز تحت قدميه.. داخليا، والضغوط تتوالى عليه خارجيا؟

قد يبادر البعض إلى إشهار ورقة “نظرية المؤامرة”، لكن من لا يستفيد من دروس التاريخ لا يستحق التوقف عند آرائه اصلا..

لا أقصد هنا فضيحة “إيران غيت” والتي أتمنى لو يطلع الناس على بعض تفاصيلها، ومنها أنه في 20/8/1985 انطلقت طائرة “دي سي 8” في أولى الرحلات من إسرائيل نحو إيران محملة بالأسلحة التي باعتها إدارة ريغان من خلف ظهر الكونغرس الأمريكي إلى “الجمهورية الإسلامية” التي كانت تحارب العراق يومها بدعوى امتناع نظامه عن فتح طريق بري نحو القدس.. وبدعوى تصدير الثورة..

لا أقصد هذه الفضيحة ولا ما تلاها، بل أتوقف فقط عند آخرها بعد انكشاف أمر اللقاءات السرية التي جرت بداية العام الجاري بسلطنة عمان، والتي تسربت بعض تفاصيلها، وسيكشف المستقبل حتما “التفاهمات” التي جرت خلالها على أنقاض غزة ودماء شهدائها.

– هناك من يروج لوهم أن المقاومة في غزة تأتمر بأوامر طهران، وتخدم مصالح إيران، وهناك من يؤمن بالمقابل أنه لولا “الجمهورية الإسلامية” لما كانت هناك مقاومة أصلا..

وهذا تناقض عجيب لا يمكن العثور على نظير له سوى في اليوتوب العربي الذي بلغ به الأمر إلى درجة اتهام حكومة نتنياهو بتمويل “المقاومة”..

– كيف يمكن تفسير إقدام أمريكا على تسليم العراق لإيران، وسماح إسرائيل لإيران نفسها بالتواجد العسكري في سوريا، أي على “حدودها” المباشرة؟

ولماذا لا يتحرك فيلق القدس والحرس الثوري المتواجدان بقوة في دولة بشار، إلى جانب مليشيات شيعية من كل الأجناس، لنجدة أهل غزة بدل التركيز فقط على نبش قبور الصحابة والاستيطان واحتلال منازل السوريين المهجرين؟

هذه مجرد رؤوس أقلام اعتبروها -إن شئتم- ملاحظات أو تساؤلات.. لكن الأهم هو أن متابعة ما يجري في الساحة حاليا يرسم صورة بالألوان الطبيعية لصراع المصالح في المنطقة التي نجحت أنظمتها في تحويلها إلى قصعة تداعت إليها الأكلة من كل الملل والنحل..

وأهم درس لابد من استخلاصه، وأكيد أن الفلسطينيين استخلصوه خلال الستة أشهر الماضية هو أن تحرير أرضهم بيدهم لا بيد زيد أو عمرو ولا بيد يامان ولا مهران..

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي