شارك المقال
  • تم النسخ

هل يتحمل الأستاذ مسؤولية تردي المنظومة التعليمية في البلاد؟

في البلدان التي تُغَيَّبُ فيها حقوق أهلها تتضخم واجبات الفرد فيها دون أن ينعم بالحد الأدنى من حقوقه، والأفدح أنه لا يتحمل مسؤولياته الملقاة على عاتقه فحسب بل يتحمل مسؤولية غيره من رؤساءه وكلما اقتربت من أعلى الهرم كلما نقصت المساءلة إلى أن تنعدم، كما في الحقل التعليمي فقد تم تصنيف الأستاذ في أدنى سلم موظفي وزارة التعليم والكل يرجع إليه لإلصاق وزر تردي القطاع به كأنه هو وحده من يتحكم في العملية التعليمية في وزارة تضم جحافل من الموظفين يصعب حصرهم وحصر مهامهم يتنعمون بتعويضات سمينة وامتيازات غير محدودة، أما المسؤولون فيستقيلون من تحمل أية تبعات للفشل المزمن لوزارة التربية الوطنية، وقد وصل السخف منتهاه حين تم تحميل مسؤولية إخفاق الفريق الممثل للمغرب في إحدى دورات الألعاب الأولمبية الأخيرة لأساتذة التربية البدنية، وذلك بربطهم بين نتائجه الهزيلة وبين تراجع الألعاب المدرسية.

  جدير بالذكر أننا لا نبرئ الأساتذة من مسؤولياتهم ولا ندافع عن المقصرين منهم، لكن أن نوجه لهم أصبع الاتهام لوحدهم فذلك حيف ما بعده حيف، فلا يعقل أن يُتعامَل مع المدرس كآلة تتم برمجتها وعندما لا تتحقق الأهداف المسطرة نقوم بجلده ونحرض عليه عامة الناس، حيث يلصق المسؤولون الذين لا يتغيرون التهمة بالأساتذة والذين يستثمرون مثل تلك اللحظات لتمرير قرارات تزيد من خنق الشغيلة التعليمية ومن التضييق على حقوقها، فهم من وضعوا لها المنهاج ومكوناته وحيزه الزمني وفرضوا عليها طرق تدريس بعينها والتعامل مع كتب مدرسية ذات طابع تجاري، ناهيك عن وضعهم في أقسام تعاني من الاكتظاظ وفي بعض الحالات يفرض عليهم تدريس الأقسام المشتركة بل وحتى ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يحتاجون إلى عناية بالغة وإلى ظروف استثنائية فقد أصبح لزاما على الأساتذة التعاطي معهم وإشراكهم في نفس القسم مع باقي التلاميذ في تخريجة غريبة، والنتيجة أن المدرس فقد عنصر المبادرة وضيق على حركته في فصله الدراسي ما كبح أية إمكانية للإبداع.

  لا نفهم سر السكوت على المسؤولين الحقيقيين عن تردي المنظومة التعليمية  كالمجلس الأعلى للتعليم ذلك المجلس الدستوري ذو الصلاحيات الأوسع في رسم السياسات التعليمية في البلاد وعن الخليط العجيب الذي يضمه، فهو لا يملك شرعية الانتخاب ولا يملك شرعية التخصص مثل المجلس الأعلى للحسابات أو المجلس الأعلى للقضاء أو المجلس العلمي الأعلى والتي تضم أهل الميدان، ذلك أنه بمثابة ريع لإرضاء فاعلين نقابيين أو حزبيين أو أشباه المثقفين وجلهم إسهامهم في ميدان البحث التربوي هزيل أو منعدم، كذلك الحال مع موظفي باب الرواح الذين لا توجه لهم سهام النقد رغم أنهم عمروا طويلا وعاصروا محطات أساسية سجلت فيها المنظومة التعليمية تعثرات كبرى.

  هؤلاء الفاعلون المركزيون حولوا قطاع التعليم إلى حقل للتجارب العشوائية، والأنكى هو مكابرتهم وعدم اعترافهم بالتحولات التي أجروها على القطاع، حيث لم يحدثوا قطيعة بين محطات التغيير المتعاقبة على مجال التربية والتعليم، وهو ما أدى إلى تخبط وإلى إرباك في الممارسة، فالأستاذ، تحديدا في الابتدائي، مطالب بالجمع بين كثير من المتناقضات المنتمية لأزمنة مختلفة فعليه أن يواكب المستجدات وفي نفس الوقت مطالب بالإبقاء على ممارسات من عصر السبعينات، وعليه أن يدمج تكنولوجيا المعلومات والاتصال في عمله وفي توثيقه دون أن يعفى من كافة أشكال التوثيق التقليدية مثل التوازيع وتعبئة الملفات الحمراء، ويفرض عليه أيضا الترقيع استجابة لكثير من المذكرات الرسمية المتعارضة، فالتوجهات المحينة تنظم السنة الدراسية خلافا للكتب المدرسية المعتمدة والغلاف الزمني الذي تطالب الأساتذة باحترامه في مختلف المكونات الدراسية لا يتناسب مع عدد ساعات الزمن المدرسي الأسبوعي.

  القاعدة واضحة هي أن نبدأ بمحاسبة الأكبر نفوذا والأكثر استفادة من الامتيازات وهكذا حتى نصل للأستاذ، وعلينا أن نحاسبه بمؤشرات واضحة مجمع عليها تتناسب مع مهامه الأساسية وظروف اشتغاله، وألا تترك السلطة التقديرية لمن يراقب أداءه والتي تفتح الباب أمام المزاجية أو تصفية الحسابات، وهذا ما لم يُفَعِّلْهُ النظام الأساسي رغم حديث المسؤولين السابق واللاحق عن ضرورة قياس مردودية المدرسين، والغريب أن نفس الأجهزة الرقابية والتأطيرية التي كانت تتولى مهمة تقييم أداء الأساتذة في الماضي هي التي أوكلت لها هذه المهمة دون أن تخضع بدورها لرقابة عن مهامها ودون أن تقدم جردا بأدائها في الماضي.

  فإن كان المشكل هو الأستاذ أين كان المسؤولون عليه فيما مضى؟ لماذا كان تقييمهم لأداء جل الأساتذة إيجابيا (النقط الممنوحة لجل الأساتذة من طرف المدير، المفتش، المدير الإقليمي تكون إيجابية فوق 16 للأساتذة القدامى ومنهم من يصل للعلامة الكاملة 20/20)؟ فالحقيقة أن وراء كل أستاذ متسيب مدير (أو مدير إقليمي) أكثر تسيبا منه لا يفعل القوانين الزجرية بحقه، ووراء كل أستاذ مردوديته ضعيفة مفتش مستهتر لا يقوم بأدواره التأطيرية، وإن كان مستوى الأستاذ محدودا من الناحية المعرفية فلِمَ تم قبوله في مباراة التعليم؟ ولماذا تخرج من مراكز التكوين؟ بل كيف سمح له أن ينال شهادته الجامعية من الأصل؟ وإن كان غشاشا لماذا لم توفر الوزارة شروط النزاهة والشفافية في امتحاناتها ومبارياتها حتى تقطع على أمثاله إمكانية نيل منصب لا يستحقه؟

  يجب التمييز هنا بين الصرامة والضبط المحمود وبين الإذلال وانتهاك الكرامة حيث يُضرَب الصالح دون الطالح من الشغيلة التعليمية، ذلك أن الطالح بما أنه كائن زئبقي فهو قادر على التكيف مع كل الأوضاع ولن يتغير عليه شيء في الوضع الجديد، فيكفيه أن ينال رضا مديره ومؤطره التربوي حتى يعفى من أية متابعة كما كان يصنع سابقا، وله في أنشطة الحياة المدرسية مجالا للتهرب من مسؤولياته الأصلية، فهو يحسن التقاط الصور مع النباتات والشجيرات ويسارع قبل غيره للاحتفاء بالأعياد الرسمية ليراكم الشواهد الكرتونية التي تثبت حسن سلوكه والتي وإن لم ينل بها مكافآت مادية فستعفيه من مشقة التدريس الفعال.

  كل الأصابع تتجه نحو وزارة باب الرواح، فهي المسؤول الأول والأخير عن أي تقصير وعليها أن تنظف الدوائر المحيطة بالقسم قبل أن تحاسب من فيه، أما أن تهرب إلى الأمام وتمرر نظاما أساسيا جديدا لا يعالج اختلالات المشهد التعليمي ويضع المدرس تحت رحمة رؤسائه الذين سيرهنون مساره في الترقي البطيء أصلا بتقديمه لفروض الولاء والطاعة لهم، فهي تخلف موعدها مجددا مع النهوض الحقيقي بقطاع التربية والتعليم.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي