شارك المقال
  • تم النسخ

هل تُعتبر “مهنة” كرة القدم قوة ناعمة أم صناعة اقتصادية مزيفة؟.. تحليل استشرافي لتأثيراتها على الثقافة والاقتصاد

انتقلت لعبة كرة القدم اليوم، من مجرد لعبة التسلية والترفيه، إلى قوة ناعمة سياسيا واقتصاديا، ومحركا للعديد من الصناعات والخدمات المرتبطة بها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

وعرفت الكرة الانتقال من لعبة بسيطة تعتمد على مدرب وفريق وخطة إلى صناعة وإدارة وهيكلة مؤسساتية، تشمل إدارة النادي وفريق طبي وفريق الاعداد وفريق اللوجيستيك، وفريق تدريب وفريق تجارة وتسويق وشراكات وعقد.

كما انتقلت من لعبة تعتمد على تحليل المهارات الفردية بشكل كبير واستقطاب ذوي الموهبة بالدرجة الأولى، إلى لعبة تعتمد على تحليل الخطط والاستراتيجيات وتحليل المهارات واللياقات البدنية وتحليل الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لأسر اللاعبين وتأثيرهم عليه وعلى نمط حياتة.

كرة القدم، أصبحت اليوم لعبة على مستوى الفرق تتطلب تكوين لاعبين وتقوية مسارهم العلمي الأكاديمي والمهني، لعبة أصبح يخطط لها كمسار وظيفي من بداية الدخول والولوج كلاعب متدرب حتى الوصول إلى لاعب متقاعد ونهاية الخدمة وإجراءات ما بعد نهاية الخدمة.

إن ما يمكن أن يقال عن لعبة كرة القدم، أنها لم تعد لعبة الترفيه والتسلية، بل أصبحت صناعة، وهاته الأخيرة تحتاج إلى مهن لتطويرها وتقدمها، فأصبحنا نتكلم عن مهنة كرة القدم.

وأصبح اللاعبون موظفون، والمدرب هو الرئيس المباشر أو مدير للاعبين، والمساعدين والأطقم هم الإدارات المساندة للمدير والملعب والخطة، والتدريب هو المنهاج والبرنامج التدريبي والخطة الاستراتيجية الواجب تنزيلها وتنفيذها على أرضية الملعب.

واللوجيستيك هم وسائل العمل، وإدارة النادي هم الجهاز الوصي على القطاع وعن إعداد التصور الاستراتيجي وتحديد الهياكل والتنظيمات والخطوط العريضة للفريق، فأما المشجعون فكان الله في عونهم، لم يبقى لهم سوى الصراخ والصياح والبكاء.

وبالتالي، فنحن أمام نظام الوظيفة، نظام مهننة كرة القدم وليس لعبة، والحقيقة المرة أن الرأسمالية العالمية المتوحشة خطيرة جعلت من كرة الهواء صناعة واقتصاد وإعادة إنتاج بطريقة مختلفة عبيد ومعبود ومعبد.

إن كرة القدم قوة ناعمة حقيقة وليس تهريج ،وخير دليل على ذلك مونديال قطر 2022، حيث تعتبر كرة القدم “soft power” من خلال تأثيرها الثقافي والاجتماعي في تعزيز الفهم والتواصل بين مختلف الثقافات والمجتمعات، فهي تشكل فرصة جمع اللاعبين والجماهير من مختلف البلدان، لتبادل الأفكار وتعزيز التواصل الثقافي.

كرة القدم تساهم بشكل كبير في التأثير الجيواستراتيجي للدول من خلال تكوين روابط دبلوماسية وتعزيز العلاقات الدولية، كما يمكن للدول استخدام الكرة كوسيلة لتحسين صورتها على المستوى العالمي وترويج قيمها وهويتها الثقافية من خلال اللقاءات والمنتديات الدولية والعالمية.

إن مونديال قطر ليس مونديال عادي بل استثنائي بامتياز، فاستضافة قطر للمونديال لم يكن الغرض منه الاستفادة من المداخيل، لأن قطر أنفقت على المونديال والتجهيزات والتحديثات وبنية تحتية طرقية وفندقية ما يقارب 220 مليار دولار، وهو مبلغ ضخم جدا، ولكن كان الهدف من المونديال القطري هو:

أولا : تسريع الوصول وتحقيق رؤية قطر 2030 على مستوى دول الخليج.
ثانيا : المنافسة على زعامة الخليج رفقة السعودية والإمارات.
ثالثا : تسويق قطر دوليا وعالميا من خلال كاس العالم وتشجيع السياحة والمساهمة في جلب المستثمرين الجدد بدل المستثمرين التقليديين.
رابعا : تحسين وضعية ومكانة قطر في مجال حقوق الإنسان وقيم الإنسانية والانفتاح الدولي.

إن كأس العالم في قطر كان بالنسبة لها قوة ناعمة استطاعت بدهاء قطر أن تحقق مكاسب على مستويات متعددة وتضمن ولوج وركوب الموجة الحضارية الرابعة وهي مرتاحة البال.

كما أن كرة القدم ليست قوة ناعمة، ولكن أيضا صناعة اقتصادية واجتماعية وثقافية، فالكرة تحرك العجلة الاقتصادية وتساهم في زيادة الإنفاق في مجال البنية التحتية وزيادة الخدمات وتحسينها.

كما تساهم في زيادة الإنفاق في البحث العلمي من أجل تطوير الخدمات والصناعات المرتبطة بها، بمعنى أصح، فهي محرك بشكل كبير للاقتصاد، والعجلة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها.

كن السؤال الذي يطرح نفسه، هل يمكن القول بأن كرة القدم تصنع اقتصادا قويا؟ أم اقتصادا مزيفا؟ ولماذا تدفع الرأسمالية العالمية المتوحشة الدول الفقيرة والنامية إلى تشجيع هذه الدول على الاستثمار في كرة القدم وجعلها صناعة؟ بالمقابل تستثمر الدول المتقدمة في الموارد الطبيعية والمعدنية والاقتصاد المستدام المنتج للثروة؟.

إن الرأسمالية العالمية المتوحشة خطيرة جدا فهي تضخ في دمائها إلا الاقتصاد المنتج للثروة والمستدام، والذي لا ينضب ويعتمد على الثروات الطبيعية والمعدنية بشكل أساسي، لأنها تعي في نهاية المطاف أن المواد الأولية والموارد الطبيعية والمعدنية والبشرية هم الأساس الفعلي لخلق أي ثروة حقيقية.

دون ذلك يبقى اقتصادا مزيفا، ولكن الذكي والأذكى هو الذي يستفيد من خلق الثروة في كلا الجهتين اقتصاد متمركز على الموارد الطبيعية والمعدنية، واقتصاد قائم على الموروث اللامادي.

*أمين سامي خبير الاستراتيجية وقيادة التغيير للشركات والمؤسسات والاستراتيجيات التنموية

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي