شارك المقال
  • تم النسخ

أطروحة جامعية حول نزاع الصحراء في الكتابات السياسية بالمغرب بين الجذور التاريخية والصراعات السياسية بجامعة ابن طفيل بمدينة القنيطرة

نوقشت، مساء أمس، برحاب كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية جامعة ابن طفيل القنيطرة، أطروحة دكتوراه حول “نزاع الصحراء المغربية بين الجذور التاريخية والصراعات السياسية (1960م – 2020م)”، وتكونت لجنة المناقشة من الدكتور محمد الغرايب كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية جامعة ابن طفيل القنيطرة (رئيسا)، والدكتور محمد مزيان كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية جامعة ابن طفيل القنيطرة (مشرفا)، والدكتور مراد التعربتي كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية جامعة ابن طفيل القنيطرة ( مقررا)، والدكتور  عبد الفتاح البلعمشي كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة القاضي عياض مراكش (مقررا)، وكذا الدكتور عبد الإله الدحاني المدرسة العليا للأساتذة جامعة محمد الخامس الرباط (مقررا).

نزاع الصحراء واسترجاع المغرب لأراضيه

اعتبر الباحث أن نزاع الصحراء المغربية يُعد أنموذجا للنزاعات التي تفاعلت ضمنها مجموعة من الأحداث، وظهر هذا النزاع جليا منذ بداية مطالبة المغرب باسترجاع أقاليمه الجنوبية. فاتفقت كل من اسبانيا والجزائر وليبيا على خلق جبهة “البوليساريو” لبلقنة مشروعية المغرب التاريخية والقانونية على نفوذ تراب صحرائه.

وعرفت المرحلة التي أعقبت استرجاع المغرب لما بقي من أراضيه تحت نير الاحتلال الإسباني بعد تنظيم المسيرة الخضراء، تطورات بين المغرب والجزائر المساندة للقوى الانفصالية سياسيا وعسكريا، مما دفع المغرب إلى طرق أبواب المحكمة الدولية ومنظمة الوحدة الأفريقية، وهيئة الأمم المتحدة، لتفنيد أطروحة الجزائر القائلة بوجود شعب صحراوي، تسعى الجزائر منه تأخير مطالبة المغرب بترسيم الحدود بينهما.

لم يلق طلب المغرب الخاص بنزاع الصحراء المغربية آذانا صاغية من طرف منظمة الوحدة الأفريقية، التي اتهمها المغرب بالتطاول على بنود القانون الأساسي المنظم لها، ورضوخها إلى إملاءات الجزائر، مما جعله يدير بوصلته نحو منظمة الأمم المتحدة، استنادا إلى الرأي الاستشاري الذي أقرته المحكمة الدولية ”لاهاي” بعد أن اطلعت على الوثائق التاريخية التي أدلى بها المغرب، مقتنعة أن الأقاليم الصحراوية الجنوبية كان لها مالك قبل احتلالها من طرف إسبانيا، وثبت لها وجود روابط قانونية وبيعة بين سلاطين المغرب والقبائل المقيمة بها.

لا يزال نزاع الصحراء المغربية يتداول بين ردهات منظمة الأمم المتحدة للوصول إلى تسوية نهائية بعد أن تم طرح عدة حلول قوبلت بالرفض، آخرها مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب والتي رحبت بها العديد من الدول باعتبارها الحل الأمثل لطي ملف النزاع.

نزاع الصحراء في الكتابات السياسية

اشتغل الطالب الباحث عبد الله اللويز في موضوع نزاع الصحراء المغربية بين الجذور التاريخية والصراعات السياسية بالمغرب من خلال الكتابات المغربية (1960م – 2020م)، حيث تشغل قضية الصحراء المغربية الرأي العام والخاص.

ووقف الباحث على الكتابات المغربية خاصة بصرف النظر عما جاءت به بعض الكتابات الأجنبية، هذه الكتابات منها ما اتخذ طابعا أكاديميا، حاول أصحابه الدفاع عن مواقفهم من وجهة نظر أكاديمية، ومنها ما اتخذ طابعا رسميا بالنسبة للجهات الفاعلة في المشهد السياسي، ومنها ما اتخذ طابع مذكرات استنطق أصحابها الذاكرة ليجيبوا عن أسئلة الحاضر انطلاقا من أحداث الماضي، قصد تبيان موقفها من هذا النزاع. واعتمد الطالب أيضا على سلسلة من الدراسات والأبحاث الأخرى، لامست الموضوع في بعض جوانبه قصد الإستفادة منها فيما يهم موضوع البحث.

حصر الطالب الباحث الموضوع بين سنة  1960م  و2020م. لأن سنة 1960م تذكر بحدث بارز، ألا وهو إعلان الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة على استقلال الشعوب والبلدان المستعمرة، ودعوتها كذلك إلى حق الحفاظ على الوحدة الترابية للدول ونسف كل محاولة لتقزيمها. أما سنة 2020م تم فيها إقرار الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء، هذا الإقرار الذي شكل ضربة تحت الحزام لكل المغررين بهم الذين يقفون ضد استكمال المملكة المغربية لوحدتها الترابية.

بعد التقديم، قدم الطالب خارطة توضح المجال المدروس، مع ذكر الأسباب الموضوعية والذاتية التي دفعته لكتابة هذا الموضوع والتي حصرها فيما يلي:

– الأسباب الموضوعية : كون النزاع المفتعل يعتبر من النزاعات المعقدة والشائكة الذي عمر طويلا حيث لم يتم التوصل إلى تسوية نهائية لطي ملفه, زيادة على ذلك المكانة التي تحتلها قضية الصحراء المغربية، التي أصبحت محط تهديد لدول الساحل وشمال أفريقيا.

 – الأسباب الذاتية: حصرها الطالب الباحث في الاشتغال بالمنطقة للذود على الوحدة الترابية، إضافة إلى وقع النشيد الحماسي حول الصحراء المغربية الذي يلقن لأفراد الدرك الملكي والقوات المسلحة الملكية، والقوات المساعدة، خلال مرحلة التدريب.

إشكالية الأطروحة

حدد الطالب الباحث عبد الله اللويز إشكالية الموضوع على شكل سؤال: هل يرجع تأخير تسوية نزاع الصحراء المغربية الذي عمر طويلا إلى تضارب المصالح الدولية وإكراه العلاقات الإقليمية؟ وللإجابة عن هذه الإشكالية قام بتفكيكها  إلى مجموعة من التساؤلات التي جاءت على الشكل التالي:

ـ ما هي العوامل التي أفرزت نزاع الصحراء المغربية؟

– كيف استرجع المغرب أقاليمه الجنوبية؟

– هل فعلا النزاع حول الصحراء المغربية محصور بين المغرب وجبهة ”البوليساريو“؟

– كيف تفاعلت السياسة الداخلية للمغرب مع تطور نزاع الصحراء المغربية؟

– ما هي الأسباب التي ساهمت في تقويض الحلول المقترحة؟

– ما هي التداعيات التي خلفها نزاع الصحراء المغربية؟

سبر وتقسيم

وللإجابة عن الإشكالية التي طرحها، قام بتقسيم موضوع الدراسة بعد المقدمة إلى ثلاثة أبواب، وضمن لكل باب فصلين، وذيله بخاتمة.

تطرق في الباب الأول إلى المجال، والإنسان والتطور التاريخي لنزاع الصحراء المغربية إلى حدود تنظيم المسيرة الخضراء، وقسمه إلى فصلين:

تناول في الفصل الأول ثلاثة محاور، تطرق في المحور الأول إلى المعطيين الجغرافي والسكاني في الصحراء المغربية، لما لهما من أهمية في الموضوع، وفي المحور الثاني إلى الروابط التاريخية التي تؤكد سيادة المغرب على الصحراء، المتجسدة في عقود البيعة والظهائر والرسائل السلطانية، علاوة على الاتفاقيات الدولية، كما تناول في المحور الثالث خلفيات نزاع الصحراء المغربية،  وعالج فيه وضع الأقاليم الجنوبية زمن الحماية، وجهود المغرب لاسترجاع أقاليمه المتبقية تحت هيمنة الاحتلال الاسباني بعد سنة 1956م. أما الفصل الثاني فقد خصصه لدراسة وضعية الأقاليم الجنوبية (1960م – 1975م)، قسمه إلى ثلاثة محاور، تطرق في المحور الأول إلى المسار المستجد للأقاليم الجنوبية المغربية، والذي تناول فيه وضع الصحراء المغربية ما بين 1960م و1970م، ونشأة جبهة “البوليساريو”، ثم المحور الثاني المتعلق بنزاع الصحراء المغربية بمحكمة العدل الدولية وموقف الأحزاب الوطنية، والذي عرج فيه على طرح نزاع الصحراء المغربية بمحكمة العدل الدولية والحكم الاستشاري الذي أقرته، علاوة على موقف بعض الأحزاب الوطنية ذات الآراء والأفكار والعقائد والفلسفات المختلفة، وفي المحور الثالث تحدث عن حدث المسيرة الخضراء الذي هو مفتاح استرجاع الأقاليم الجنوبية، والذي عالج فيه ردود الفعل الدولية بعد قرار تنظيم المسيرة الخضراء، التي ترتبت عنها اتفاقية مدريد الثلاثية. وقد أكد على أن كل هذا ساهم في رسم مسار جديد للصحراء المغربية بعد انسحاب اسبانيا منها.

     أما الباب الثاني فقد خصصه للمواجهات العسكرية وتدبير نزاع الصحراء المغربية بمنظمتي الوحدة الأفريقية والأمم المتحدة. يتضمن فصلين:

يتعلق الفصل الأول بالمواجهات العسكرية وتشييد الحزام الأمني، تطرق في المحور الأول منه إلى المواجهات العسكرية بين المغرب وجبهة “البوليساريو” وما خلفته من خسائر بشرية ومادية، كما تناول في المحور الثاني عمليات تشييد الحزام الأمني ودوره في المواجهات العسكرية وتحصين الحدود الذي عززه برسم بياني.  وتحدث في الفصل الثاني عن تدبير نزاع الصحراء المغربية بين دواليب منظمتي الوحدة الأفريقية والأمم المتحدة. وقسمه إلى ثلاثة محاور، تطرق في المحور الأول إلى تأسيس لجنة الحكماء لدراسة معطيات نزاع الصحراء وعن التوصيات التي خرجت بها بعد قمتي الخرطوم ومونروفيا، كما تناول فيه مؤتمر فريتاون وقبول المغرب بالاستفتاء التأكيدي لمغربية الصحراء، ثم بعده تحدث عن عرقلة الجزائر لمبدأ الاستفتاء. وفي المحور الثاني تطرق إلى فشل منظمة الوحدة الأفريقية في إيجاد تسوية نهائية للنزاع، الذي تحدث فيه عن إشراك جبهة “البوليساريو” في القمة العشرين، وخروج المغرب منها، إضافة إلى ردود الفعل الوطنية والأفريقية، أما المحور الثالث فقد تمحور حول نزاع الصحراء المغربية في دواليب الأمم المتحدة، ووقف فيه عند مخطط تنظيم الاستفتاء بالصحراء المغربية، وموقف الأطراف من مضمون التسوية الأممية، وعرقلة الجزائر و”البوليساريو” لهذه التسوية.

     أما الباب الثالث والأخير عالج فيه الحلول الجديدة وانعكاسات نزاع الصحراء المغربية، قسمه إلى فصلين:

     ناقش في الفصل الأول الحلول المقترحة لتسوية نزاع الصحراء المغربية، وقسمه إلى ثلاثة محاور، تناول في المحور الأول البحث عن تسوية سلمية بعد إخفاق مخطط الاستفتاء، تحدث فيه على الاتفاق الإطار وموقف أطراف  النزاع منه، وكذلك حل التقسيم ومقترحات بيكر، أما المحور الثاني تناول فيه مرتكزات وقواعد رسم ملامح الحكم الذاتي في الصحراء المغربية الذي طرحه المغرب، وتطرق فيه إلى الظروف التي فرضت هذه المبادرة، ومدى مواكبتها للقانون الدولي، والمفاوضات المباشرة التي نتجت عنها بين المغرب وجبهة “البوليساريو”، أما المحور الثالث عالج فيه نظرة المنتظم الدولي إلى مبادرة الحكم الذاتي من خلال موقف الدول الدائمة العضوية بمجلس الأمن وكذلك المواقف الإقليمية. وتناول في الفصل الثاني انعكاس النزاع على وضع الأقاليم الجنوبية الصحراوية، وعلى تفعيل اتحاد المغرب العربي، والذي قسمه إلى محورين، تطرق في المحور الأول إلى عودة التوتر في الأقاليم الصحراوية واختراق اتفاق وقف إطلاق النار بعد اشتعال التوتر من جديد وبروز أزمتي الكَركَرات الأولى والثانية. هذه الأوضاع التي فرضت على المغرب القيام بتحصين منطقة الكَركَرات بحزامين أمنيين جديدين. والدفع كذلك بالحزام الأمني على مستوى واجهة منطقة التويزكي، كل هذه التغييرات زادت من شد الخناق على تحركات عناصر جبهة ”البوليساريو“. أما المحور الثاني عالج فيه تأثير نزاع الصحراء المغربية، والذي تناول فيه التحولات بالأقاليم الجنوبية الصحراوية، وكذلك تأثير نزاع الصحراء المغربية على تفعيل اتحاد المغرب العربي والآفاق المستقبلية.

وفي الأخير ختم بخلاصة حول نزاع الصحراء المغربية الذي أرَّق المنتظم الدولي بكونه نزاعا معقدا ومتشعبا، تعود جذوره إلى فترة ما قبل الحماية، هذا النزاع الذي عرف أيضا تطورات مختلفة رافقته تعقيدات سياسية وقانونية.  وأكد الطالب الباحث  أن الصحراء جزء  لا يتجزأ من أراضي المغرب بناءً على:

ـ العلاقات التاريخية والثقافية والاقتصادية. وهذا بشهادة العديد من الدول الأجنبية.

ـ البيعة والظهائر والمراسلات  بين سلاطين المغرب وأهل الصحراء .

ـ الاتفاقيات الدولية.

ـ عدم وجود أي منازع بالصحراء المغربية قبل الحماية وإبانها.

ـ بناء على هذه الأدلة الدامغة وغيرها، فإن الصحراء المحررة من الاحتلال الإسباني مغربية وستظل مغربية، لأن جبهة ”البوليساريو“ المفتعلة ظهرت حديثا بعد المسيرة الخضراء بإيعاز من الجزائر التي وفرت لها بعض الشروط للإستقرار فوق ترابها.

وفي نهاية هذا العرض، قال الطالب بأن الخاتمة ليست نهاية البحث، حيث لا تزال المفاوضات مستمرة ما بين المغرب والجبهة  المزعومة للتوصل إلى إيجاد حل سلمي يحقق الاستقرار والتنمية في المنطقة. لذا يبقى الباب مفتوحا للمزيد من العطاء حول هذا الموضوع.

وختم في الأخير عمله بما جاء على لسان  هنري كيسنجر في حق التاريخ إذ يقول: ” إن التاريخ هو ذلك المنجم الزاخر بالحكمة الذي نجد فيه المفاتيح الذهبية لحل مشاكل عصرنا، شريطة أن نعرف أين نضرب معولنا”.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي