شارك المقال
  • تم النسخ

ملايير السنوار في أنفاق غزة

من أطرف ما جرى وسط آلة الإبادة الجماعية المستمرة في الضفة والقطاع، هو الإعلان عن تجميد أموال يحيى السنوار في الخارج! هذا الهذيان يدل على أن العدوان يمكن أن يصل إلى حدود الجنون في تبريره والدعاية له.

   إن يحيى السنوار هو قائد حماس في الداخل، وقد برز نجمه شابا على عهد مؤسس المنظمة الشيخ أحمد ياسين، وهو من بنى جهازا أمنيّا للحركة قبل أن يبني أصدقاؤه جناحها العسكري. يحيى السنوار من أصول متواضعة حيث نشأ فقيراً في مخيم خان يونس، وبعدها قضى في سجون الاحتلال 26 سنة كاملة، وقد أصيب داخل السجن بورم في الدماغ وعولج منه. وحسب الإعلامي الفلسطيني عبد الباري عطوان، فإن السنوار لم يخرج من غزة في حياته إلا مرّة واحدة باتجاه مصر حيث قضى ليلة أو ليلتين لدى صديق له وليس بفندق من خمس نجوم. فمن أين لرجل كهذا أن يراكم الأموال؟ كيف تطلق إسرائيل وحلفاؤها الغربيون مثل هاته القنابل العنقودية من البهتان للتغطية على أكبر إبادة تجري تحت أعين العالم والجميع يتفرج.

   عدد شهداء غزة يكاد يصل إلى 20 ألفا أغلبهم أطفال ونساء هذا دون إحصاء من يوجدون تحت الأنقاض، وحجم الدمار كما قال الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية جوزيف بوريل هو إلى حد الآن أكبر من حجم دمار ألمانيا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، والإسرائيليون الذين كانوا يدعون السكان في غزة إلى المغادرة نحو الجنوب ها هم قد دخلوا هذا الجنوب من مناطق مختلفة بدعوى الوصول إلى معقل حماس بخان يونس، ووصلوا في الساعات الماضية إلى منطقة رفح، بل إن القصف العشوائي المدفعي والطيراني بعدما انتهى من المستشفيات، ينشط الآن في قصف المدارس التي احتمى بها السكان، ومقرات المنظمات الإنسانية، وبالتالي لم يعد هناك شبر واحد آمن في غزّة.

   كل هذا من أجل أهداف إسرائيلية هلامية. يتحدثون عن القضاء على حماس وهم يقضون بالفعل على الفلسطينيين المدنيين. لم نر مقاتلا واحدا من كتائب القسام في الأسر، ولم نر قائدا مستسلما ولا قتلى في المعارك من المقاومين. كل ما هنالك هو الجملة المكرورة للناطق باسم الجيش الإسرائيلي من أن المواجهات الميدانية الضارية تكون فيها للجيش الإسرائيلي اليد العليا! إنها اليد الدموية التي تبيد المدنيين.

   إن الحكومة الإسرائيلية الأكثر تطرفا في تاريخ هذا الكيان المزروع في قلب العالم العربي، أكثر إيمانا بالأساطير المؤسسة للدولة كما وصفها المفكر الراحل روجي غارودي الذي يتحدث مثلا عن أسطورة الوعد التي يستند عليها حكام إسرائيل لإعطاء الاحتلال شرعية دينية. ففي سفر التكوين  الإصحاح 15 ـ الآية 18 تقول التوراة: «سأعطي نسلك هذه الأرض من وادي العريش إلى النهر الكبير، نهر الفرات». ويورد غارودي تصريحا للجينرال موشي ديان لصحيفة جيروزاليم بوست في 10 غشت 1967 بعد نكسة حرب 1967: «إذا كنا نملك التوراة، ونعتبر أنفسنا شعب التوراة، فمن الواجب علينا أن نمتلك جميع الأراضي المنصوص عليها في التوراة».

   وهذا ما يعرفونه بمقولة «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض». ولهذا، وقبل بتسلئيل سموتريتش وزير المالية في الحكومة الحالية بعقود، صرحت جولدا مائير لصحيفة السنداي تايمز في 15 يونيو 1969 بأنه: «ليس هناك شعب فلسطيني. ولم يكن الحال أننا جئنا وأخرجناهم من الديار واغتصبنا أرضهم، فلا وجود لهم أصلا».

   إن ما حدث في 7 أكتوبر مع ما صاحب ذلك من تضخيم جهنمي لبعض التجاوزات في «طوفان الأقصى» كان ذريعة لحكومة نتنياهو المؤمنة بإسرائيل الكبرى لتشرع في تنفيذ ما تعتقد أنه وعد توراتي ثابت. والسذج الطيبون الذين كانوا يعيبون على بعض الفلسطينيين والعرب أنهم هم من يطلبون المستحيل بدعوتهم لرمي إسرائيل في البحر، لابد أن يستفيقوا لأن إسرائيل بنيت لترمي الفلسطينيين في البحر، وها هي اليوم في غزّة تكمل المخطط الذي بدأ منذ 1948 مع عصابات الهاكانا وستستمر.

   وإذا كان «الملياردير» المقيم في أنفاق غزة يحيى السنوار هو المطلوب رقم واحد لإسرائيل كما هو مكتوب في السيناريو المزيف لهذه الحرب، فإن الأمر لا يعدو أن يكون ذرا للرماد في العيون. إن المطلوب هو الشعب الفلسطيني، وسيواصلون حملة الإبادة حتى يصبح الفلسطيني – إذا ما بقي هناك فلسطيني – هدفا مشروعا للتصفية، وها هو نتنياهو قبل يومين يقول إن السلطة الفلسطينية أيضا مستهدفة، وبقدرة قادر، سيصبح محمود عباس ويحيى السنوار وجهان لعملة واحدة.

   عن أي حل لدولتين يتحدثون؟ هذه أدبيات في أوراق مدسوسة في حقائب وزراء الخارجية، وكلمات منمقة تؤثث الندوات الدولية! الإيديولوجية الإسرائيلية لا تؤمن بدولة ثانية في أرض الميعاد، وإذا كانت منظمة الأمم المتحدة قد أنشئت لتفادي فظاعات الحرب العالمية، فها نحن نرى كيف أن هذه المنظمة تستطيع أن تعالج الكثير من الجرائم والحروب إلا عندما يتعلق الأمر بإسرائيل.

   فلأول مرّة يقدم أمين عام للأمم المتحدة على تفعيل البند 99 من ميثاق الأمم المتحدة ويوجه رسالة لمجلس الأمن للتحرك، لأنه يعتبر ما يقع في غزة تهديدا للأمن والسلم الدوليين. اجتمع مجلس الأمن فعلا، ولكن، رفعت الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض، وكان لهذا الفيتو الأمريكي معنى واحد وهو أن الذي يبيد في غزة والضفة الغربية ليس الجيش الإسرائيلي فحسب، ولكنه الراعي الأمريكي أيضا.

   إن سيناريو التهجير الذي وقف ضده في الإعلام الملك الأردني عبد الله بن الحسين والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لا يعني أنه لم يعد ذا موضوع. فهذه الآلة الأمريكية الإسرائيلية يمكن أن ترمي بسكان غزة في البحر، ويمكن أن تعيد تشكيل الخريطة كما فعلت في 1967، وإذا استمر هذا الهدوء القاتل في العالم العربي والإسلامي، وانتظر الجميع أن تنتهي المجزرة ليفلت بجلده، فإن المفاجآت ستكون صادمة. هذا الشرق الأوسط لابد أن يتغير، فإما انتصار للحق ضد احتلال غاشم مدعوم بالقوى الكبرى، أو انهزام يمهد لإسرائيل الكبرى سيكون ضحاياه من الشام والجزيرة العربية وشمال إفريقيا.

   إن القضية لا تتعلق في المقاومة الحالية بمسألة إيديولوجية، هذا ليس إسلاما سياسيا يواجه إسرائيل بأجندة خاصة، بل هذه مقاومة تنوب عن الجميع، إسلاميين وليبراليين ويساريين وقوميين، وتجد لحد الآن نفسها معزولة، اللهم إلا من بعض السند في جنوب لبنان ومن اليمن. هذا الذي يجري أكبر من كل ما جرى في كل الحروب في الشرق الأوسط، ونتائجه ستكون مختلفة عن كل ما جرى منذ 1948. لقد لعبت حكومة نتنياهو المتطرفة لعبة خطرة، والنتيجة المنطقية هي ما وصل إليه أنطونيو غوتيريس، هذا الأمين العام للأمم المتحدة ليس عضوا في المكتب السياسي لحركة حماس، ولكنه قال إن الحرب على غزّة تهديد للأمن والسلم الدوليين، فهل مازال هناك في العالم المتعجرف من له ميزان يزن به هول هذه الكلمات.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي