شارك المقال
  • تم النسخ

محاربة الفساد من مسؤولية الدولة والمجتمع

يبدو أن الدولة على أعلى مستوى اتخدت قرارا لا رجعة فيه من أجل متابعة كل من تورط في الفساد المالي أو الإداري في إطار حرصها على تنزيل مبادئ الدستور، وخاصة المتعلقة بربط المسؤولية بالمحاسبة، وعدم الإفلات من العقاب لأن الفساد يكلف الدولة خسارة فادحة ويفسد المجتمع بشكل فضيع.

من خلال ما تنشره اليوم الصحف والمواقع الإلكترونية من أخبار حول متابعة عدد كبير من المنتخبين في عدد من الجهات، بناء على تقارير المفتشية العامة لوزارة الداخلية وتقارير المجلس الأعلى للحسابات، يتأكد بما لا يدع أي مجال للشك، أن منطق عفا الله عما سلف ومن عاد فلينتقم منه الله الذي روج له عبد الإله بن كيران عندما كان رئيسا للحكومة باسم العدالة والتنمية، أصبح متجاوزا وأن مصير كل فاسد سيكون بيد القضاء الذي لا يمكن المزايدة عليه سياسيا أو إعلاميا.

تحريك المتابعات القضائية على ضوء التقارير الصادرة عن قضاة المجلس الأعلى للحسابات، ومفتتشي الإدارة الترابية، هو الذي سيشجع هؤلاء القضاة والمفتشين على بذل المزيد من الجهد لفحص أكبر قدر ممكن من الملفات ذات الصلة بتدبير الجماعات المحلية والمؤسسات والإدارات العمومية لحماية المال العام من الهدر والتبديد، بعد أن تغول الفساد الإداري والمالي بشكل فضيع وأصبح يضر بصورة الدولة ويسبب احتقانا اجتماعيا خطيرا يقع وزره على المؤسسات الأمنية في البلاد التي أصبحت تجد نفسها في مواجهة تبعات فساد إداري ومالي واقتصادي وسياسي ليست مسؤولة عنه.

ما يحدث الآن لا ينبغي التعامل معه بعقلية التشكيك، كما حدث في ملف الناصري وبعيوي ومن معهم، لأن لا أحد في هذا البلد يوجد خارج المساءلة أو بعيدا عنها مهما كان موقعه، لأن الفساد يضر بأمن واستقرار البلد ويهدد السلم الاجتماعي.

من حق البعض أن يتساءل عن منطق الانتقائية في تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة وتركيز الاهتمام على الجماعات المحلية أكثر من المؤسسات والإدارات العمومية خلال هذه المرحلة ولكن الثابت من خلال رصد عدة مؤشرات أن القادم أسوأ وأنه لن يظل هناك مسؤول بعيد عن المساءلة مستقبلا ويكفي تتبع ما يجري داخل سلك القضاء وداخل سلك الأمن من تغيرات بنيوية.

هناك عمل جيد ينبغي الإشاذة به حاليا، وهناك ملفات كبيرة وحارقة سيأتي دورها بكل تأكيد، مادام أن المخاض موجود، ومادام أن هناك إرادة حقيقية للقطع مع مرحلة والدخول في مرحلة جديدة موجودة أيضا.

محاربة الفساد على مستوى الجماعات المحلية عمل لا يمكن الاستهانة به، لأن الميزانيات التي تم استنزافها من طرف المفسدين في القرى والمدن مند الاستقلال إلى الآن تقدر بملايير الدولارات، وساهمت بشكل كبير في انتشار أحزمة البؤس والفقر وصنعت بيئة اجتماعية ملائمة للتطرف والإرهاب.

نأمل أن تتجه الانظار إلى المؤسسات والادارات العمومية التي تستنزف بدورها ميزانيات ضخمة للقضاء على عدد كبير من المفسدين الذين راكموا ثروات خيالية في زمن قصير بسبب وظائفهم، دون اغفال أهمية تخليق مجال الصحافة والاعلام وتنقيته من الشوائب والطفيليات التي علقت به خلال السنوات الاخيرة.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي