شارك المقال
  • تم النسخ

عندما يتم وضع «الصريمة»

إن من عاش في الريف يعرف «الصريمة» التي كانت توضع في فم البغل حتى يتم التحكم في حركته… وهذا المصطلح الدارج ما هو إلا جزء من جهاز أكبر يسمى بالعربية الفصحى «اللجام» الذي يستعمل للتحكم في حركة الفرس. كما تسمى «الصريمة» بالأمازيغية «أَلْڴم» أو «تاورييت»، وبالفرنسية «Le mors»، وبالإنجليزية «The bit». غير أن أحداثا تجعلنا نتمثل هذه الوسيلة في حالة الإنسان، فالإنسان كذلك له «صريمته»…

إن ملاحظة ما نعيشه ونتعايش معه في عالمنا المزدحم، وما يبرز من صمت مدو، صمت من غالبية ليست باليسيرة ينبع من جبن يطوق الكثيرين، ويمنعهم من التعبير عن أبسط المواقف، خوفا من المتابعة أو اللوم أو الرفض أو حتى مجرد النقاش… أو ينبع من انتهازية مقيتة جعلت الجشع وانتظار “المكاسب” ميزة البعض، وهم بالتالي مستعدون ليس للسكوت فقط، بل قد يذهبون أبعد من ذلك إلى حد التواطؤ…

وحتى يكون مقالنا مركزا فسوف نخصصه لظاهرة الجبن فقط، حيث يختبئ هذا الجبن وراء أقنعةٍ شتى، وتبريرات جاهزة، ليصبح تهربا من المسؤولية، وتحويلا للبوصلة باتجاه الآخر، ليتحمل ذلك الآخر عبء مسؤولية الفعل والرأي والتعبير والنضال، حيث يعتبر هذا شكلا من أشكال “تشتت المسؤولية”…

يقنع الفرد نفسه بأن التجاوز هو الحل، وأن الصمت هو عين الصواب، ومن صمت نجى، والفم المغلق لا يدخله الذباب… وقد يقنع نفسه بأن فلانا سيقوم بذلك، أو أنهم سيتكلفون بذلك، أو لا بد أن تنتصب الهيئة الفلانية… متناسيا أن ما أقدم عليه هو سيقدم عليه آخرون غيره! وما هو بصدده قد لا يقتصر على الأفراد، بل قد يتجاوزه إلى مؤسسات، وهيئات، بل وقد يشمل مجتمعات بأكملها… مما يكون له عواقب وخيمة على الفرد، أو على المجتمع، أو على الوطن، أو على الإنسانية عموما.

إن ما يتمثل لنا من وضع «الصريمة» المشار له سابقا غير قليل، مع ضرورة تبيان أن حالة البشر تختلف في كون «الصريمة» قد يضعها بنفسه، بل وقد يسعى لها جاهدا! وسنكتفي ها هنا ببعض أوجه التشابه. فقد يطلع موظف على خروقات وتجاوزات، ويضع «صريمته»، طمعا في ريع ما، أو خوفا من عقاب ما. وقد يقف عامل عن حالة زميل له يتم التضييق عليه، أو ينكل به تنكيلا، ويضع «صريمته»، عاملا ب “اذهب أنت وربك فقاتلا” ومتناسيا “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”. وقد يعلم موظف بما هو قادم من أضرار وتراجعات، ويضع «صريمته»، معيدا تلك الأسطوانة المشروخة “النقابات باعت المَاتْشْ”… وقد يرى مواطن ما سيصيبه أو سيصيب مجتمعه أو ما قد يلحق وطنه عموما نتيجة ما يخططه وينفذه شلة ممن احترفوا “السياسة”، ويضع «صريمته»، منتظرا “المهدي”. وقد تطلع هيئات ومؤسسات على تراجعات خطيرة، وظلمات، وكوارث، فتختار وضع «الصريمة»! وقد يشاهد إنسان ما يلحق أخيه الإنسان من تقتيل وتنكيل وتجويع وترهيب، فيختار وضع «صريمته» متهربا من واجباته، نعم يضع «صريمته» ولعلك ستصدم إن عرفت السبب! وقد يشاهد إنسان ما يلحق أخيه الإنسان من تقتيل وتنكيل وتجويع وترهيب، فيأبى إلا أن يعبر عن احتجاجه وتضامنه بوسائل شتى، ولعل أقلها الدعم من خلال التدوين والنشر عبر وسائط لها قوة تأثير عظمى في وقتنا الحالي… وهنا يأتي دور المالكين فيقرروا وضع «الصريمة» لكل متضامن! متحججين بخواريزميات هم واضعيها…

وللتقليل من هذه الظاهرة، وحتى يتحمل كل فرد (هيئة) المسؤولية تجاه المجتمع والوطن والإنسانية جمعاء، فإننا نعتقد بخصوص النقط الست الأولى بوجوب إصلاح المدرسة أولا فهي الباب الضامن لأي نهضة، ثم لا بد من الالتزام بالقوانين، ومحاسبة الفاسدين، وتوسيع هامش الحرية… وأما بخصوص النقطة الأخيرة، والتي شغلت بال كل متتبع منذ السابع من أكتوبر الماضي، فلا بد لنا من الإجابة على أسئلة مثل: هل للمالكين الحق في وضع «الصريمة» لكل متضامن؟ وهل يجب أن نذعن ونلتزم بما يريدون؟ وألا يوجد هناك حل؟ أم هل نحن بصدد “متلازمة ستوكهولم”؟

*أستاذ جامعي

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي