شارك المقال
  • تم النسخ

رغم تفاؤل واشنطن والقاهرة.. أدلة جديدة تفضح سعي نتنياهو لإفشال محادثات إطلاق سراح المحتجزين في غزة

فيما تتحدث مصادرُ أمريكية ومصرية، منذ الليل الفائت، بلغة متفائلة عن تقدّمٍ في مداولات الصفقة التي شهدتها قمة القاهرة، تشير معلومات داخل إسرائيل إلى عكس ذلك، وتدلّل على قيام رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو بـ “تفخيخ” هذه المحادثات وجعل فشلها نتيجة حتمية، متطابقةً مع موقف حركة “حماس”، التي تتهمه بإفشالها قبل أن تبدأ.

وحسب مصادر أمريكية، فقد شهدت مداولاتُ القاهرة، أمس، تقدّماً دون اختراق، والبند الإشكالي الخلافي الجوهري يتعلّق بمفتاح تعداد الأسرى، فنتنياهو مصمّم على أن يعتمد مفتاح الصفقة السابقة: ثلاثة أسرى فلسطينيين مقابل أسير إسرائيلي.

وهذا الموقف المتشدّد لنتنياهو يأتي بخلاف مواقفه السابقة المعلنة هو نفسه، حيث قال، في مؤتمرات صحفية ولعائلات المحتجزين في الاجتماعات المغلقة، إنه “لا يوجد مشكلة بعدد المفرج عنهم، لأن الجميع يدرك أن الثمن سيكون باهظاً وموجعاً، لكن المشكلة أن “حماس” ترفض أي صفقة دون وقف للحرب، لا للقتال فحسب”.

ونقلت إذاعة جيش الاحتلال عن مصادر إسرائيلية قولها إن إسرائيل مستعدة لزيادة عدد أيام الهدنة، لكن الخلاف الجوهري في المداولات يدور حول عدد ونوعية الأسرى الفلسطينيين، منوهة أنها تتدارس إمكانية إرسال بعثة بمستوى غير رفيع لمواصلة المداولات في القاهرة أو في غيرها. وهذا يحيل لحقيقة ما يجري داخل الائتلاف الحاكم، حيث تعارض مجموعة وزراء متشددين “صفقةً غير مسؤولة”، أو “صفقة فوضوية”، ويقصدون في ذلك إطلاق عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين، بمن فيهم أسرى قدامى وقادة، فهم يخشون صورة انتصار فلسطينية على شكل حافلات مليئة بالأسرى يطلّون من النوافذ وهم يلوّحون بشارة نصر، ولذا تراجعَ نتنياهو أمام تهديد حلفائه بفكّ الائتلاف الحاكم.

حبل قصير

وتكشف الإذاعة العبرية العامة، صباح اليوم الأربعاء، عن معطيات أخرى تكشف نوايا وحسابات نتنياهو غير المعلنة، فقد وَضَعَ بيد الوفد الأمني الإسرائيلي للقاهرة حبلاً قصيراً جداً يحول دون القيام بأي جهد حقيقي نحو اختراق في المداولات، وقد رفض مقترحاً صاغه الوفد الأمني بقيادة رئيسي الموساد والشاباك قبل سفره للقاهرة، وأمَرَهم بـ “الاستماع” فقط، دون طرح هذا المقترح أو غيره. ويبدو أن هذه هي الخلفية لاستنكاف مندوب الجيش في الوفد الجنرال نيتسان ألون عن المشاركة به، وتوكيل نائبه بالسفر بدلاً منه، إذ يبدو أنه يرفض أن يشارك في وفدٍ غير مخوّل، وفق تسريبات إسرائيلية.

كما كشف النقاب، هذا النهار، أن نتنياهو أجرى مشاورات وإرشادات اللحظة الأخيرة مع أعضاء الوفد الأمني ومع وزير الأمن غالانت دون إشراك الوزيرين عضوي مجلس الحرب غانتس وغالانت، استبعاداً لهما، وهما يؤيدان استمرار الحرب، لكنهما يفضّلان هدنةً طويلة الآن، في نطاق صفقة تعيد المحتجزين أولاً، وهذا منافٍ لحسابات نتنياهو.

وقالت القناة 12 العبرية إن غانتس امتلأ غضباً لسماعه أن نتنياهو تجاهله هو وآيزنكوت خلال مشاورات اللحظة الأخيرة.

شيطنة المحتجزين

ليس هذا فحسب، فقد اختار نتنياهو هذه المرة إرسال مستشاره الدبلوماسي السياسي أمير فولك ضمن الوفد للقاهرة، بخلاف لقاءات سابقة، كمراقب، وبالأحرى “جاسوس” يشرف على المداولات داخل الغرفة الموصدة.

يضاف لكل ذلك مؤشرات أخرى تدلّل على منطلقات ونوايا نتنياهو، منها موقف عائلات المحتجزين الذين يواصلون اتهامه بأنه يتنازل عن أعزائهم، وأنه يدير حملة سياسية، بمشاركة أبواقه في السياسة والإعلام، لشيطنتهم وتهيئة الشارع الإسرائيلي لاعتبارهم “كبش فداء” لصالح مصالح عليا للدولة، وقد سلمّت مذكّرة بذلك (تستند لتقرير فيك ريبورتر) لوزير الخارجية الأمريكي بلينكن قبيل مغادرته تل أبيب، يوم الأربعاء الماضي. وهذا ما تكررّه جهات إسرائيلية، منذ أسابيع طويلة، أبرزها وزير الأمن الأسبق موشيه ياعلون، الذي يؤّكد، على الدوام، أن نتنياهو تنازلَ عن المحتجزين، ويعمل على تهيئة الشارع الإسرائيلي لذلك.

وهناك في إسرائيل أيضاً من يعتبر أن نشر شريط فيديو يزعم أن يحيى السنوار “يهرب” وأسرته داخل نفق هو ليس فقط حرباً نفسية (كمزاعم انقطاع السنوار عن الاتصال) وتحريضاً على قادة المقاومة، وبحثاً عن صورة انتصار مفقودة، بل هي محاولة صرف أنظار الإسرائيليين عن مداولات عقيمة لاستعادة المحتجزين، كما قال المراسل العسكري للإذاعة العبرية العامة.

ما يطلبه المستمعون

ودفعت هذه التسريبات والمعلومات رئيسَ المعارضة يائير لبيد لمهاجمة حكومة نتنياهو بالقول إنه من غير المعقول أن تصل إسرائيل لطاولة مفاوضات في مصر وهي بصفة “مستمع” فحسب، وترفض بدوافع سياسية داخلية طرح ورقة عمل صاغتها المؤسسّة الأمنية.

في تغريدة جديدة في موقع “إكس”، تابع لبيد: “وبالأساس؛ من غير المعقول أن تجتهد جهات أجنبية أكثر منّا من أجل تحرير مخطوفينا من أنفاق حماس”.

وسارعَ حزب نتنياهو “الليكود” لمهاجمة لبيد بالقول إن من أعطى الغاز لـ “حزب الله” ليس من حقه أن يقوم بوعظنا”، وهذه إشارة لاتفاق الغاز في العام 2022 بين إسرائيل ولبنان حول ترسيم الحدود البحرية وحقول الغاز مقابل سواحل البحر المتوسّط.

وتابع “الليكود” في بيانه ضد لبيد: “لا يمكن أن يواصل لبيد التصرّف بقلّة مسؤولية، ويمسّ بالمداولات التي يجهل تفاصيلها، وبالتالي يلحق الضرر بجهود استعادة أعزائنا للبيت”.

وتراهن حكومة الاحتلال على قيام مصر بتليين موقف “حماس”، من خلال ممارسة الضغط الشديد عليها، وتهديدها بأن إسرائيل ستقوم باجتياح رفح بحال لم تتقدّم “حماس” نحو مواقف “واقعية”.

رهان على ضغوط مصرية على “حماس”

هذا ما أكّده وزير الزراعة، عضو المجلس الوزاري المصغّر، الرئيس الأسبق لـ “الشاباك” آفي ديختر، في حديث لإذاعة جيش الاحتلال، صباح اليوم الأربعاء، بأن مصر هي باب الأوكسجين الوحيد لـ “حماس”، وأن هذه لا تستطيع التنازل عنه، ولا تستطيع تجاهل مطالب المصريين.

وتابع ديختر: “في البدايات استخفّت مصر بالأنفاق حتى اكتشفت أن “حماس” على تواصل مع “داعش” في سيناء، فبادرت لمحاربة الأنفاق بغمرها بمياه البحر، وبهدم البيوت، وتجريف مناطق حدودية واسعة، وبوسائل أخرى لم تكن حتى إسرائيل قادرة على القيام بها. واليوم مصر قادرة على تليين مواقف “حماس”، وهي تتحفّظ من توغّلنا في رفح ليس حماية لـ “حماس”، بل لأنها تخشى فقط انتقال مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين عندئذ للحدود، وهدم الجدار والهرب لسيناء نتيجة القصف الإسرائيلي”.

ولا يستبعد ديختر بأن تطلق القوات المصرية النار على الفلسطينيين في مثل هذه الحالة، فهم معروفون بقسوة ردودهم، وما زال أهالي غزة يستذكرون ذلك من فترة الحكم المصري، حينما كانت قوات الأمن المصرية تفرض منعاً للتجوّل في القطاع، وتطلق النار ليس على من يغادر بيته فحسب، بل على من يطلّ عبر نافذة بيته وينظر للخارج”.

النصر المطلق
ومقابل الرهان الرسمي في إسرائيل على دور مصر في الضغط على “حماس”، يوجّه مراقبون إسرائيليون الأنظار لنتنياهو، ويؤكدون أنه هو من يعيق تحقيق صفقة جديدة، ومِن هؤلاء عاموس هارئيل، محلل الشؤون العسكرية في صحيفة “هآرتس”، الذي يقول إن تخويل الوفد الإسرائيلي للقاهرة كان محدوداً”.

كما يقول هارئيل إن نتنياهو يواصل طرح مواقف متشددة، ويواصل الزعم بأن الضغط العسكري هو الذي سيقود لصفقة، بيد أن رمضان خلف العتبة، وهذا أيضاً سيصعّب العمل العسكري بكثافة”.

لقطة من فيديو نشره الجيش الإسرائيلي أمس، على أنه ليحيى السنوار في أحد الأنفاق، وأنه صُوّر في 10 أكتوبر 2023

ويضيف، في استعراضه رفض نتنياهو للتقدم بخلاف موقفه المعلن: “حتى المصادقة على السفر للقاهرة صدرت في اللحظة الأخيرة، وأمريكا تحاول تخليص المداولات من حالة الجمود دون نجاح حتى الآن”.

الحكومة قرّرت ألّا تقرّر

وتبعه الكاتب الصحفي سامي بيرتس بالقول، اليوم، إن إستراتيجية “الليكود”، منذ “كارثة” السابع من أكتوبر، هي اجتياز العام الحالي بسلام: هم يرون تحطّمهم في استطلاعات الرأي، ويدركون أن الإسرائيليين غاضبون عليهم، وينوون محاسبتهم، ويعلمون أنه في أيّ انتخابات الآن سينهار “الليكود”.

ويتساءل بيرتس تساؤل العارف: “ماذا يفعلون بمثل هذه الحالة؟”، ويجيب: “يُرجئون كلَّ قرارٍ حيويّ للعام 2025، ويأملون خيراً. في المجال الاقتصادي يبلغ الضرر حدّ خفض التدريج الائتماني، ورفع ضرائب، وفي الجانب الدبلوماسي تتعرّض علاقاتنا الإستراتيجية مع الأمريكيين للاهتزاز”.

في المقابل، وبما يذكّر بالهوة الواسعة بين أقوال الإدارة الأمريكية المفرطة وأفعالها المفقودة، وبما يشي بحقيقة قوة وفاعلية الضغوط الخارجية مقابل ضغوط إسرائيلية داخلية مرشّحة للتصاعد الآن، قال السفير الإسرائيلي في واشنطن هرتسوغ، اليوم الأربعاء، لإذاعة جيش الاحتلال إن “واشنطن توجّه انتقادات، وتقدّم تساؤلات عن الحرب، لكنها تؤيد مواصلة الحرب حتى تحقيق أهدافها”.

(القدس العربي)

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي