شارك المقال
  • تم النسخ

دمقرطة الشأن الثقافي في منظور جماعة العدل والإحسان

خلصت وثيقة جماعة العدل والإحسان إلى أن العوائق التي يعاني منها الحقل الثقافي بالمغرب يرجع بالأساس إلى غياب رؤية استراتيجية عميقة للشأن الثقافي والفني، تحدد أبعاده القيمية

والحضارية ، و توظيفه سياسيا لشرعنة الاستبداد ونشر الرداءة والميوعة، والارتهان لنظرة دونية تعتبر مجالا هامشيا في عملية التنمية الشاملة المطلوبة. ولعل هذا ما ينعكس من خلال

الانتاجات الثقافية والفنية التي تكرس سيادة الطابع التبريري والتزييني لواقع الفساد والاستبداد و تردي الوضع الاعتباري للمثقف والفنان لتبقى أدوارهما وفاعليتهما محصورة ومحاصرة في مراتب لا ترقى إلى المكانة والتأثير المنتظر.

لمواجهة هذا الواقع الثقافي المتردي  ، تؤكد  الوثيقة بأن المجال الثقافي والفني  يحظى بمكانة هامة في المشروع التغييري للجماعة ، باعتباره واجهة أساسية من واجهات برنامجها السياسي

نظرا لوظيفته التنويرية والتوجيهية والتثقيفية ودوره الحاسم في بناء وتربية الشخصية المتوازنة المتشبعة بروح الأخلاق وجوهر القيم.

-مرتكزات رؤية الجماعة الثقافية

ترتكز هذه الرؤية على المبادئ التالية:  

     – اعتبار الثقافة مرآة الهوية ودعامة حمايتها وتطويرها وصقلها، وإيلاؤها أهمية قصوى ضمن أولويات المشروع الوطني.

     – ترسيخ الهوية الإسلامية بأبعادها الوجودية والرسالية، ودعم العمق الإسلامي لهويتنا الوطنية بأبعاده الأصيلة والوسطية المستوعبة لمختلف المكونات الثقافية الوطنية.

    – حفظ الهوية الوطنية المغربية بتنوعها الثقافي واللغوي، وبث الشعور الوطني البنّاء والاعتزاز بالروافد والمقومات المحلية دون تعصب أو انغلاق.

    – اعتماد مقاربة ثقافية تعزز التماسك الاجتماعي وتقوي منعة المجتمع ضد دعاوى  التفتيت والعصبية والعنصرية والصهيونية.

     – ترسيخ مبدأ الحق في الاختلاف والاعتراف المتبادل واحترام التنوع الثقافي موازاة مع ترسيخ مبدأ التكامل والتعاون وثقافة التعايش السلمي ونبذ الكراهية والعنف، وتعزيز قيم الحوار والتسامح.

– دعم الانفتاح الإيجابي الواعي على الثقافة الإنسانية في بعدها الكوني، والإسهام الفعال في بلورة المشترك الحضاري الإنساني مع مقاومة الاستلاب والاستتباع الثقافي.

– جعل الثقافة قاطرة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية المجالية والوطنية، باعتبارها ثروة  لا مادية.

– توفير الحق في  الترفيه والترويح باعتبار ذلك من حقوق الإنسان، مع العمل على ترسيخ قيم الحس بالمسؤولية والواجب ودعم ثقافة التطوع، والتربية على تقدير الجمال والذوق السليم وتنمية ملكة النقد والإبداع.

-محددات رؤية الجماعة الثقافية

تتمثل  هذه المحددات فيما يلي:

   -ارتباط الثقافة بالتربية والتنمية ، حيث ترى الجماعة بأنه لا يمكن الفصل بين المسألة الثقافية والمسألة التربوية، حيث تشكل الثقافة آلية بنائية لا أداة إلهاء وتمييع وتطويع وتدجين. وهي هبذا تروم التأسيس لثقافة مواطنة متشبعة بقيم الهوية الأخلاقية المغربية الأصيلة معززة للتماسك الاجتماعي، ومنفتحة على كل فئات الشعب وحيثياته، ومرسخة للتعايش السلمي الذي يغذيه التنوع العام، مع الانفتاح على الأبعاد الإنسانية في المكونات الثقافية العالمية ونبذ ثقافة العنف والتمييز والكراهية والتعصب والعنصرية والصهيونية، مع بلورة وعي ثقافي جماعي يجابه كل أشكال اختراقات الاستلاب للمجتمع الثقافي والفني ويواجه كل أنماط التمييع والإسفاف.

– ارتباط الثقافة بالتنمية، تشمل تنمية الفرد وتنمية المجتمع، وتنمية الاقتصاد أيضا، إذ إن الثقافة ومكوناتها هي عناصر مهمة ينبغي أن تصير مدخلا أساسيا لتطوير العمل التشاركي بين القطاع العام والمجتمع المدني، للنهوض بقضية التنمية المستدامة والانفتاح على التجارب الإنسانية الرائدة في المجال.

-حرية الفعل الثقافي وفاعلية المثقف من خلال تدعيم استقلالية الفعل الثقافي ودعم حرية المثقف الضامنة لإبداع الأجيال. فالثقافة المواطنة تستحضر التنوع والتكامل والانسجام والتعايش السلمي على أساس المواطنة الكاملة المحفوظة لكل أبناء الوطن. وبالتالي ينبغي في نظر الجماعة تدعيم مختلف التشريعات والقوانين التي تساهم في النهوض بالمسألة الثقافية، ودعم الحرية المسؤولة للمثقف، والدعوة لجعل المثقف في صلب اهتمامات وطنه، من خلال إشراكه في وضع تصورات السياسات العمومية في شقها الثقافي، وذلك عبر المشاركة الفاعلة في المجالس والمؤسسات الرئيسة ذات الصلة ومالائمتها لتستجيب للحاجات الملحة للوطن.

-الثقافة المواطنة الأصيلة المبدعة والمنتجة، حيث ترى الجماعة بأن أي إرساء للثقافة  المواطنة الأصيلة يقتضي إعمال مبدأ الاستثناء الثقافي الذي يدعم في العمق مسألة الخصوصية، دون أن يؤدي إلى الجمود والتحجر والانغلاق على الذات من دون ممارسة واعية ومسؤولة لحرية النقد. كما ينبغي لكي تكون الثقافة منتجة، أن يتم دعم الفنان والمثقف  ومواكبته للانتقال من المشاريع الثقافية الاستهلاكية إلى مشاريع منتجة وتنافسية، مع إخضاع البرامج الثقافية والفنية للتقييم وإثبات الجدوى.

  -دمقرطة الفعل الثقافي وتخليصه من الريع من خلال دمقرطة المؤسسات الثقافية واندماجها واتساقها مع مختلف مؤسسات التنشئة المجتمعية، مع منع الريع الثقافي ومحاربته، ودعم الإنتاج على أساس تكافؤ الفرص وتنوعها وتراكم التجربة وتشجيع المبادرات، مع الأخذ بعين الاعتبار التوازن المطلوب مجاليا وقطاعيا وفئويا ونوعيا، في ظل سياسة شفافة ومقاربة تعتمد

على الحكامة الجيدة، وتطوير الإطارات القانونية والتشريعية بما يخدم تنظيم المجال وتعميم الفائدة.

   -تثمين المنتوج الثقافي الوطني وإعادة الاعتبار للآثار والتراث من خلال النهوض بالتظاهرات الثقافية والفنية المنتجة والمنفتحة في إطار التصالح مع الذات الوطنية، وتأهيل المواقع التاريخية والأثرية لتكون قادرة على التنافسية مع نظيراتها على المستوى العالمي؛ وذلك

من خلال إعداد خرائط مفصلة لهذه المواقع بعد تطويرها وإعادة هيكلتها وتسهيل الولوج إليها ورقمنتها.

وبالتالي ، تقترح الجماعة لتنزيل هذا النموذج الثقافي برؤيته ومحدداته ما يلي:

     – إعادة الاعتبار للثقافة والفنون من خلال إعادة النظر في وضعية الثقافة والفنون ضمن سلم أولويات المشروع الوطني.

    – ربطا الثقافة والفنون بالتنمية، وجعلها قاعدة صلبة لها، لتشكل حلقة أساسية في البناء ولبنة متينة من لبنات العمران الأخوي المتماسك.

    – تبني سياسة ثقافية وفنية واضحة، وذلك بدعم الإنتاج الثقافي والفني وجعل الثقافة والفنون قاطرة للتعريف بالمؤهلات الوطنية وخدمة لقضايا الوطن، عبر ّ دعم السياحة الثقافية وبناء جسور التواصل الثقافي والفني الفعال مع مختلف الأمم والشعوب،

– دعم وتثمين المنتوج الثقافي والفني الوطني، عبر استراتيجية تجويدية تكوينا وتأهيلا، واستراتيجية تحفيزية إنتاجا وتسويقا، واستراتيجية تقويمية قياسا للجدوى وملامسة للأثر.

– اعتبار الفاعل الثقافي مرتكز النهضة الثقافية، إذ يشكل الفنان والمثقف محور الحركية الفنية والثقافية ودعامة نجاحها الأساسية.

-الاعتناء بالوضع القانوني والمادي وبمجال الحماية الاجتماعية والصحية للمثقف والفنان.

– تطوير البنية المؤسساتية للفعل الثقافي، وذلك من خلال العمل على إخراج القوانين والنصوص التنظيمية التي تتيح إمكانيات أكبر ومساحة أوسع للفعل الثقافي والفني، وتولي اهتماما حقيقيا بالمجال وذلك بالتأسيس لوضعية نظامية مؤسساتية قانونية تحمي الفنان وحقوقه وتضمن الحرية النقابية والمهنية،

– وضع سياسة ثقافية فنية مندمجة على أرضية تشاركية يكون لمؤسسات التربية والتعليم والإعلام النصيب الوافر والأساسي فيها.

– إحداث مجلس أعلى للثقافة والفنون يضع السياسات والاستراتيجيات العامة، ويكون هيئة استشارية مستقلة، يستعين بمجالس جهوية للثقافة تعمل على وضع السياسات الثقافية المحلية.

-مراجعة التشريعات المتعلقة بتنظيم الثقافة والفن لجعلها أكثر انفتاحا وحرية، وأكثر عدالة وإنصافا، وأكثر إجرائية وبعدا من الروتين والبيروقراطية، وحل إشكال تعدد المتدخلين في الشأن الثقافي والفني.

– تعزيز اللامركزية الثقافية وتأسيس وتطوير المديريات الجهوية للثقافة والفن مع تحديد الاختصاصات وحصر حالات ومجالات التداخل.

-تكريس الشفافية والحكامة الجيدة في السياسة الثقافية والفنية عبر القطع مع منطق الريع والمحسوبية ودمقرطة الفعل الثقافي ومؤسساته.

– تبني استراتيجية وطنية فاعلة وطموحة لتشجيع القراءة ودعم التوزيع والنشر والكتاب،

– تشجيع المعارض الخاصة بالكتاب، والرسم والتشكيل، وتشجيع المهرجانات السينمائية

 وتثمين وتنويع المنتوج الوطني المسرحي، وتطوير الجوائز الوطنية.

– النهوض بالمهرجانات والتظاهرات المنتجة والمنفتحة في إطار التصالح مع الهوية الثقافية بأبعادها المتنوعة

– وضع استراتيجية مستقبلية شاملة لقطاع الترجمة والمهن المرتبطة بها.

– مراجعة القوانين المتعلقة بالملكية الفكرية لتكون مواكبة للتحولات الرقمية والعولمة الثقافية.

-تطوير تقنيات وآليات الاحتضان الثقافي والفني ومأسسته، وإنشاء مؤسسة للدعم الاجتماعي لصالح المثقفين والفنانين.

– تقوية الوضع الاعتباري والأدائي لنقابة المثقفين والفنانين من خلال هيئة منتخبة تحدد الانتماء للمهنة، وتمارس أدوارا رقابية وتأديبية ذاتية مسؤولة تضمن الحقوق وتحفظ الواجبات وتصون المشهد الثقافي والفني.

-تعزيز البنيات الثقافية على مستوى الأحياء وإنشاء المركبات الثقافية الجامعة.

-تأهيل المواقع الأثرية والأماكن التاريخية والعمرانية، وجعلها مركز استقطاب حقيقي للرفع من نسبة السياحة الثقافية، من خلال العمل على توسيع قدراتها االاستقطابية، وتأهيلها إلى مستوى التنافسية عبر إعداد الخرائط المفصلة والمنظومات والتطبيقات الرقمية المسهلة لعملية التعريف والتحفيز على الزيارة.

– تطوير مناهج معاهد الهندسة والفنون الجميلة للتأكيد على ثقافة الابتكار وغرس قيم الجمال في المجال المعماري.

– دعم مقاولات وشركات الإنتاج ومختلف الإصدارات والمجلات الورقية والرقمية والمواقع الإلكترونية ذات المحتوى الثقافي والفني.

-التشجيع على حفظ الأرشيف الثقافي والفني صونا للذاكرة الوطنية، والعمل على رقمنة المخزون السمعي البصري، ووضعه رهن إشارة الباحثين والمنتجين.

– توفير منظومة للدعم المالي للإنتاجات الثقافية والفنية الخاصة والعامة وللمقاولات المشتغلة في مختلف مجالات الفعل الثقافي والفني، على أرضية دفاتر تحملات واضحة، وبناء على  ميثاق شفاف لمساطر الدعم المالي.

-إنعاش الصناعة الثقافية والمهن الثقافية، والنهوض بالصناعة الفنية والسينمائية الوطنية وتأهيلها وحمايتها تأسيسا لاقتصاد ثقافي تنموي.

– تشجيع الاستثمار الثقافي والفني، مع تيسير المساطر بإحداث الشباك الوحيد، وكذا عبر إقرار تسهيلات ضريبية وعقارية وتسويقية.

-تشجيع الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص، وتفعيل أدوارهما معا في دعم المجال الثقافي والفني عبر مسارات تحفيزية ومساطر تسهيلية.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي