شارك المقال
  • تم النسخ

باحث مغربي يُحقق السبق على الصعيد العربي بأطروحة جامعية حول “سوسيولوجيا الخبرة والخبراء”

يعتبر كتاب “في سوسيولوجيا الخبرة والخبراء” من الأطروحات الجامعية النادرة الجادة، والتي تستحق النشر كي يطلع عليها الباحثون من داخل المغرب وخارجه، كما يمثل الكتاب، والذي سيعرض بالمعرض الدولي للكتاب بالرباط، نموذجا فريدا من النماذج المهمة التي ينبغي أن يقتدي بها الطلبة الباحثون في العلوم الاجتماعية بشكل عام.

وحين يقرر الباحث نشر رسالته الجامعية، بالرغم من الصعوبات المادية التي تعترضه، فهذا يعني، أولا، ثقته بمنجزه المعرفي (النظري والميداني)، ويعني ، ثانيا، رفع سقف النقاش إلى المستوى الذي ينبغي أن تكون عليه الدراسات الجامعية، وتجاوزا لخطاب التتفيه والتسفيه، الذي لا يقدم ولا يؤخر شيئا للبحث العلمي، بالرغم من وجود أطروحات مخجلة لأصحابها قبل غيرهم، ممن ادعوا زورا صفة البحث العلمي ذات يوم.

ويُعد كتاب “في سوسيولوجيا الخبرة والخبراء” لصاحبه الباحث نورالدين لشكر، من الأطروحات التي يحق لصاحبها أن يعتز بما حققه من قصب السبق على الصعيد العربي بخصوص موضوع الخبرة منظورا إليها سوسيولوجيا.

ومن المتوقع أن ينزل الكتاب إلى معرض الكتاب بالرباط خلال هذه الأيام، عن دار القلم للنشر بالرباط، في انتظار صدور الجزء الثاني من الأطروحة في كتاب لاحق، كما وعد صاحبه بذلك.

 إنه الكتاب، كما اطلعنا عليه سابقا، يتناول موضوعا تعتبر الكتابة فيه نادرة عربيا، ذلك أنه يتعرض لقضية لها علاقة مباشرة بموضوع التنمية، فإذا كانت الدراسات السوسيولوجية قد اهتمت بشكل مستفيض بالنظريات التي تعنى بالتنمية، والظواهر الاجتماعية والكشف عن آليات إنتاج عدد منها، وعن كيفية التعاطي معها،  إلا أنه، وكعدد من العلوم الإنسانية، ما تزال تعمل على دعم مشروعيتها بموضوعات يتحقق فيها “البريق المعرفي”، إلا أن موضوع هذا الكتاب سيحرص على رصد إحدى الموضوعات غير المسبوقة بالدراسة الأكاديمية مغربيا وعربيا، فهي إذن أول أطروحة جامعية تتناول عالم الدراسات التدخلية وتقارير الخبرة ومن تم مناقشة معايير الخبراء.

يسبح بنا الكتاب في تحديد دلالات الخبرة، والتي غالبا ما يتم تداولها عند الخاص والعام، وفي سياقات متنوعة، حيث تتأرجح استعمالاتها بين التوظيف في أعلى المستويات العلمية والسياسية والإقتصادية والقانونية، محليا ودوليا.. إلخ، وبين أخرى تصل حد الابتذال، يعبر عن جهل مطبق بالمفهوم. فأغلب المؤسسات (عمومية، خاصة، محلية، دولية) تلجأ إلى “الخبرة” كإجراء عمليّ، وكسيرورة من العمليات المعرفية الميدانية والتقنية التي تهدف بحسب ما هو معلن، إلى تحقيق التنمية ومعالجة أوضاع تحتاج إلى التدخل؛ بما يؤطر هذا الهدف وتلك الإجراءات الميدانية من خلفيات سياسية واختيارات معرفية سوسيولوجية واقتصادية وغيرها؛ الشيء الذي يدعو البعض إلى اتخاذ مواقف من دراسات الخبرة، التي تجريها المؤسسات المكلفة بإعدادها، لاعتبارات شتى، تتراوح بين من يرى أنها تقتل العمل الأكاديمي، وبين من يعتبرها خدمة مأجورة تحت الطلب لا تفي بمتطلبات البحث العلمي، وبين من يعتبر أن إخضاع المعرفة العلمية للمؤسسات ذات الأهداف المالية، والسياسية، والإيديولوجية يفقدها الكثير من مصداقيتها، إلخ.

حاول صاحب الكتاب أن يخوض غمار الحدود الرمادية بين عالم الخبرة والدراسات التدخلية من جهة، وبين البحث العلمي الأكاديمي والجامعي من جهة أخرى، خاصة وأن التوتر المعرفي حول كيفية تحقيق أهداف التنمية وتجسيدها، بقدر ما تشكل محور التقاء بين الباحثين الأكاديميين والخبراء، بقدر ما يشكل مصدر تجاذب بين المؤسسات العلمية، وخاصة الجامعية منها، وبين المؤسسات الراعية والممولة للخبرة. لذلك يطلعنا صاحب الكتاب على طبيعة النقاش العلمي المحتد بين هذه الأطراف، علميا ومهنيا وكذا سياسيا وأخلاقيا وفلسفيا؛ سواء فيما يتصل بتحديد أهداف الخبرة وتجلية الغايات المحركة لها، أو فيما يخص تحديد معايير الخبراء ومؤهلاتهم العلمية، أو ما يهم طبيعة العلاقة التي تجمعهم بالمؤسسات والمنظمات المشغلة لهم.

وأنا أتجول في الكتاب، ألفيت أنه ثمرة بحث موسع، فأمام ندرة الكتابات والدراسات الجامعية والأبحاث المتخصصة محليا أو عربيا في الموضوع، مقابل ما تم إنتاجه غربيا، اللهم بضع مقالات، كتبت ونشرت خلال السنوات الأخيرة؛ لذلك نرى صاحب الكتاب يقدم لائحة مراجع في المجال تحتاج لوحدها لأكثر من قراءة باعتبارها ذهبت بعيدا في تحديد معالم الخبير، في مقابل ما عليه الحال في وطننا العربي حيث خاصة هناك من يوزع صفة “خبير” بسخاء على كل مهتم بموضوع ما، دون تحديد لأي معيار، أو استناد لمفهوم. بل هناك من يلصق صفة الخبير بكل شخص ذو مؤهلات تقنية وليس علمية، عندما يسدي خدمات تقنية محددة، الشيء الذي يجعل المفهوم يسبح داخل ضبابية كبيرة في النظر والاستعمال؛ سعى صاحب هذا العمل إلى بيان عدد من الأبعاد المتصلة بالموضوع وكشف الضبابية حوله.

لم يكن الباعث على خوض غمار هذا الموضوع لدى الباحث محاولة استكشاف عالم مجهول، أو تحقيق سبق معرفي، بل انطلاقا من ممارسة ميدانية لصالح مؤسسات وطنية ودولية، أتاحت له فرصة تسجيل ملاحظات عديدة، كانت بمثابة أرضية أولية تبلورت حولها قضية التفكير والتساؤل حول الخبرة، وسبل ضخّ المعرفة الأكاديمية في دراسات الخبرة التي تجريها المؤسسات الدولية أو المحلية، وكيفية الإفادة من شروط دراسات الخبرة في الأعمال الأكاديمية والجامعية المعنية بالتنمية ومشاريعها، وخاصة السوسيولوجية منها.

وأن يعيش الباحث مثل هذا التوتر المعرفي، وأن ينسج انطلاقا منه ملاحظاته وتساؤلاته، هو ما أحدث لي شخصيا (وأعتقد أن هذا ما سيحدث لكل قارئ مهتم بالبحث العلمي) نوعا من الإصرار على قراءة هذا المنجز، فبين رهانات المعرفة النظرية الأكاديمية، ورهانات المؤسسات الدولية الاستراتيجية، يتموقع كتاب صاحبنا وتتموقع معه الخبرة، ويتموقع معهما الخبير كشخص يحمل قبعتين أحيانا: قبعة الخبير وقبعة الأكاديمي، وما بينهما من تقاطع وتكامل.

يقع الكتاب في ستة فصول، وهي عناوين كبرى تضم مباحث وتجيب عن أسئلة عديدة من أهمها، كيف نشأ مفهوم الخبرة؟ ومن هو الخبير؟ وكيف ينقل الخبير معرفته النظرية إلى الميدان؟ وهل يجوز اختزال الخبرة في بعد عملي وتقني؟ لينتقل صاحب الكتاب إلى أسئلة أخرى تتسم بتوتر أكبر، وخاصة تلك التي حاولت استكشاف طبيعة العلاقة التي تربط الخبير بالمؤسسات الراعية للخبرة. وعلاقته أيضا بالاستقلالية. وكيف يمكن للخبرة أن تصبح أداة وفرصة لتحويل القرار السياسي إلى يد الخبير؟

ما يثير في الكتاب ليس مادته النظرية والميدانية فحسب، والتي تعتبر سبقا معرفيا في عالمنا العربي كما قلنا سابقا، بل طريقة اشتغال صاحبه، والمنهجية التي اعتمدها من أجل إنجاز هذا المنجز، وهو بحق عمل يصلح أن يكون درسا في مناهج البحث العلمي والجامعي ضمن حق العلوم الإنسانية والاجتماعية تحديدا؛ حيث لاحظنا لدى الباحث اهتمامه الشديد برصد وتوثيق أهم ما كتب في موضوع سوسيولوجيا الخبرة، وتحديد السياقات التاريخية، وبيان الخصوصيات الثقافية والفكرية والسياسية، التي أحاطت ببناء وتشكل هذا المفهوم، حيث عرفنا على أهم وأبرز الكتابات في الموضوع وخاصة بالفرنسية والانجليزية.

كما لاحظنا اهتمام الباحث بكل التقاطعات التي يتموقع ضمنها المفهوم بين ما هو سوسيولوجي، وبين ما هو مُنتمٍ لحقول معرفية أخرى، وخاصة إلى مجالات العلوم الاجتماعية الأخرى، الإقتصادية منها والقانونية وغيرها. ولم يكتف صاحب الكتاب بالعمل النظري التوثيقي الذي كان غنيا ودسما إلى حد كبير، بل واجهه وقابله بالواقعي الفعلي، عبر الممارسة المهنية للخبراء أنفسهم، من خلال مقابلات أجريت مع عدد منهم. لقد أنجز صاحب الكتاب مقابلات مع خبراء مغاربة وأجانب، بالإضافة إلى مجموعة استشارات مع باحثين جامعيين ارتبطوا بهذا المجال بشكل أو بآخر. خبراء قادمين من تخصصات عديدة، ومن آفاق معرفية متنوعة، وهو ما زاد من إغناء المادة المعرفية المتحصل عليها من المراجع المتخصصة. فبالإضافة إلى خبراء من ذوي الخلفية السوسيولوجية، تمت مقابلة جغرافيين، وإحصائيين، واقتصاديين، ومهندسين زراعيين، وبيولوجيين، زاولوا جميعهم مهام الخبرة؛ بالإضافة إلى البحث في الأبعاد القانونية والأخلاقية المتصلة بمزاولة هذه المهمة.

لم تكن عملية إجراء المقابلات سهلة، فقد أدى صاحب الكتاب ضريبتها بأن أضحى شخصا غير مرغوب فيه لدى بعض مكاتب الدراسات، أو من يشتغل لفائدتهم وفق عقد مُؤدّى عنه حين علم بعضهم بطبيعة موضوع بحثه، وهو ما يكشف مرة أخرى تلك العلاقة المتوترة بين البحث العلمي ومهام الخبرة التي حاول صاحب الكتاب التعريف ببعض أوجهها. 

 مما يثير داخل ثنايا الكتاب، هو الاختيار الدقيق لعناوين الفصول والمباحث وحتى الفقرات، فإطلالة سريعة على فهرس الكتاب، تجعل القارئ يسجل نوعا من الإبداع في تقديم ملخص مركز ودقيق عن كل مبحث أو فقرة، ناهيك عن الترتيب الممنهج في عرض مادة الكتاب المعرفية. فبعد أن طاف بنا صاحب الكتاب حول دلالة المفهوم وسياقات تشكله، من خلال المعاجم اللغوية والفلسفية والسوسيولوجية وحقول معرفية أخرى، قام بمقابلة الخبير مع المستشار ثم المثقف ثم العالم والباحث. لينتقل بعدها إلى الحفر في الجذور التاريخية والمعرفية للمفهوم، ليخلص أن الخبرة جزء من الدولة الحديثة وهي بمثابة “جهاز تحكم عن بعد”. من هنا أقدم للقارئ بعض العناوين التي قد تغري وتحفز الباحث والمهتم على قراءة الكتاب فعلا:

  • الخبير المدعي: هل الخبرة يافطة؟
  • معايير الخبير: في الحاجة إلى تخفيف المفهوم من الأدعياء
  • ماذا يعني أن تكون خبيرا؟
  • العلوم الاجتماعية والخبرة: جذور التوتر والتجاذب.
  • المد النيوليبرالي وتسليع المعرفة
  • هل الخبرة ضد البحث العلمي؟
  • الخبير: باحث “تحت الطلب”، أم تحد للباحث المستقل؟
  • وماذا عن “مهنيي المعرفة”؟
  • الخبير المبدع: من تحليل الظواهر إلى صنعها
  • خطورة الخبير: إبداع أم خطيئة؟
  • علم الاجتماع، أم علم لصنع المجتمعات؟
  • صانع القرار بين جماعة علمية غير مواكبة، وخبرة فعالة
  • خبير عالم أم خبير كفء
  •  إفراغ العلم وتحنيطه.
  • خبرة معقلنة، أم تقنوية تخفي مصلحة
  • لا حيادَ في الخبرة
  • استسلام العالم للخبير
  • عالم قابل للفهم أم قابل للإدارة؟
  • تقني مبدع، أم تقنوي مُمتثل؟
  • الخبرة الهشة: ضعف في التأطير وتهرب من الميدان
  • عوامل تقتل الخبرة
  • الخبير البراغماتي وصناعة “الحقيقة الاجتماعية”
  • مراكز خبرة وبؤر خبراء: جامعات بدون طلبة.
  • مراكز صراع: المعرفة أم القوة؟
  • الوعي المتأخر بمَأْسسة الخبرة
  • أسواق للمعرفة وخبراء للبيع
  • تسليع وتسرب إلى مفاصل الدولة
  • خبراء للبيع: و”مافيا” المكاتب
  • كيف تتأثر درجة استقلالية الخبير بقوة المؤسسة الراعية للخبرة؟
  • مدة الخبرة: فجوة بين زمني الخبير وطالب الخبرة
  • التمويل، بين سخاء المنظمات وشح الجامعات
  • في الحاجة إلى الخبراء وإلى الحذر منهم
  • آفة الخبراء: الحكم بعدم اختصاص المواطنين
  • صانع القرار والخبير: من يتحمل مسؤولية النتائج أمام الشعب؟
  • استشارات تساهم في تأجيج السخط الاجتماعي
  • خبراء بدون حس سوسيوأخلاقي

هذه بعض العناوين التي وردت في مادة الكتاب، ليخلص صاحبه في الأخير إلى مجموعة خلاصات غاية في الأهمية، ثم تصنيف يعتبر اجتهادا معرفيا، يعتبر الأول عربيا، حيث قام بعرض تصنيفات لأشكال وأنواع الخبرة والخبراء. كخبير الدولة (التقنوقراطي)، والخبير الوسيط ثم الخبير المبدع، والخبير التطبيقي والخبير المواكب للمستجدات، والخبير الفاعل والخبير المحترف، والخبير المدعي؛ ثم الخبرة خارجية، والخبرة المحايدة وخبرة القرار والخبرة الجماعية والأخرى الهشة وكذا الخبرة كهندسة اجتماعية، فالخبرة المعتمدة والخبرة المضادة، والخبرة الوسيطة والخبرة الممتدة والخبرة المقلدة.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي