شارك المقال
  • تم النسخ

الشرقاوي: مكافحة حوادث السير تتطلب تقويم المثلث السيني

حاوره نورالدين لشهب

يرى محمد سالم الشرقاوي، الباحث المختص في سوسيولوجيا التواصل، أن حوادث السير، عموما، هي ظاهرة سوسيولوجية بامتياز، علاوة على كونها ظاهرة موضوعاتية تتطلب مقاربة مسطرية، إجرائية وقانونية.

معالجة هذه الظاهرة تتطلب، حسب الباحث، تقويم أضلاع ما يسميه بالمثلث “السيني”؛ وهي: السائق والسياقة والسياق، بما يقتضيه ذلك من اجتهاد على مستوى تأهيل العنصر البشري وتجويد منظومة السير وتحسين ظروفها في محيط تقني وقانوني متوازن.

إليكم الحوار كاملا مع محمد سالم الشرقاوي:

قاربت، في أطروحتك “منهاج التفاصُل في سوسيولوجيا التواصُل”، ظاهرة حوادث السير من منظور سوسيولوجي.. هل حوادث السير في حاجة إلى مقاربة من هذا النوع؟

إن الأرقام المهولة لحوادث السير في بلادنا تجعلنا في حيرة من أمرنا إزاء هذا العدد المتزايد من الضحايا، على الرغم من الجهود المبذولة لتعزيز منظومة قوانين السير، وتحسين جودة الطرقات، وتطوير أساليب التحسيس والتواصل من خلال المنجزات المُهمة للجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير، ومن ورائها الهيئات الحكومية المختصة.

حينئذ، لا بد للمرء أن يتساءل عن أسباب هذا النزيف استنادا إلى المعطيات الموجودة لدى الهيئات المسؤولة، ومنها اللجنة الوطنية ووزارات التجهيز والنقل والصحة وغيرها؛ وهي معطيات معززة بحيثياتها المعتبرة تؤكد أن العامل البشري ثم الحالة الميكانيكية للمركبات تبقى في طليعة العوامل المسببة لحوادث السير، بينما يتجه مستعملو الطريق إلى إلقاء اللائمة على البنيات التحتية وحالة الطرق وهشاشة تجهيزاتها وغياب علامات التشوير أحيانا.

لذلك تشكل مثلث بأضلاع تربطها علاقة تماثلية تكون مُحدِّدا لتوجيه الرأي في تأثير بعضها على البعض الآخر، وهي العلاقة التي تربط في حالتنا عنصر “السائق” بعملية “السياقة” ثم بعامل “السياق” الذي تجري فيه هذه العملية؛ وهو ما جعلني أمام مثلث “سيني” يُترجم بالصفة ذاتها إلى اللغة الفرنسية: (Conducteur, Conduite, Contexte).

إذا وضعنا العنصر البشري في طليعة العوامل المسببة في الحوادث، فإن ذلك يدفعنا، بالضرورة، إلى وضع السائقين ومستعملي الطريق، على حد سواء، في مختبر الدراسة للبحث عن خلفيات السلوكات الدافعة إلى عدم الانضباط للقوانين وللأعراف وللقيم المميزة لمجتمعنا؛ وهو ما سيجعلنا، حينئذ، أمام ظاهرة سوسيولوجية بامتياز، تتجاوز الحدود والأحكام الضابطة. أما إذا كان الخلل يتصل بعملية السياقة وبالسياق الذي تجري فيه، فإن ذلك سيكون عاملا محفزا لمراجعة القوانين وإصلاح منظومة تسليم رخص السياقة وتحسين إجراءات فحص ومراقبة المركبات وتأهيل البنيات الطرقية وغيرها من العمليات (المادية) التي قطعت فيها البلاد أشواطا مهمة.

أعتقد أن الحد من حوادث السير لا يتوقف على عملية إجرائية يتخذ فيها المختصون قرارا نافذا يُقدم للعمل به فورا!! بل إن الأمر يتعلق، في رأيي، بسلسلة مترابطة من التدابير والإجراءات المعقدة، التي تساعدنا على التعرف على كل من يتولى السياقة على الطرقات.. فهل جميع سائقينا أصحاء بدنيا وأسوياء نفسيا؟ ألم تقل أرقام وزارة الصحة، مثلا، إن أكثر من نصف المغاربة يعانون، بتفاوت، انفصاما في الشخصية.

كيف يمكننا أن نتعرف على كل من يقود المركبات على الطرقات وهي تقدر بالآلاف؟

لا أعتقد أن ذلك سيكون ذلك صعبا، أمام الطفرة التكنولوجية التي نشهدها.. ويكفينا أن يكون حافزنا في هذا النوع من الاستثمار هو الحد من نزيف الطرقات التي تزهق أرواح آلاف الضحايا سنويا، فضلا عما يفقده اقتصادنا من عائدات تقدر بـ2 في المائة من الناتج الداخلي الخام لبلادنا.

تنظيم قطاع النقل على الطرقات، بما في ذلك نقل الركاب والبضائع، يشكل مدخلا مهما لوضع سجل خاص بالسائقين المحترفين على مستوى الشركات المُشغلة، ثم على مستوى القطاعات المعنية، التي تسعى إلى وضع ميثاق يحدد حقوق الأطراف وواجباتها فيما يتصل، على الخصوص، بإجراءات الأمان والسلامة.

وعلاوة على ذلك، اقترحت في معرض كتابي المذكور، من دون أن أخوض في التفاصيل، مبادرة أسميتها “مدن بلا حوادث”؛ وهي عبارة عن عملية مندمجة تتضمن عددا من الإجراءات والتدابير التي تهم منظومة السلامة الطرقية، يتم تنفيذها في إحدى الجهات التي تسجل ارتفاعا في حوادث السير، قبل نقلها إلى جهات أخرى.

وإذا اجتهد كافة المتدخلين، من سلطات الجهة ومجالسها المنتخبة والقطاعات الوزارية والأمن والمراقبة والوقاية ثم أرباب مدراس السياقةوأصحاب مراكز الفحص التقني، في سبيل إنجاح هذه التجربة؛ فإن ذلك سيكون مشتلا لتطوير أساليب معالجة سلوكات مستعملي الطريق، كل في مجال اختصاصه، تعززه حملات التوعية التي تنظم، بشكل منتظم في المدارس وفي الجامعات، موازاة مع دور وسائل الإعلام وحملات التواصل، التي تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل جهة على حدة.

على ذكر الإعلام والتواصل. ما تقويمك لأثر حملات التواصل التي يتم تنظيمها من أجل الحد من حوادث السير؟ وأيّ دور لوسائل الإعلام في ذلك؟

دعني أنوه في البداية بالمجهود الكبير الذي تبذله فرق اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير؛ فقد وقفتُ شخصيا، في سياق البحث، على عدد من الدراسات التي وضعت الأصبع على مكامن الخلل في الحملات التواصلية الموجهة إلى توعية الناس بمخاطر الطريق، وهي دراسات أنجزتها اللجنة بمساعدة مكاتب دراسات ومختصين انتهت إلى عدد من التوصيات المهمة التي جرى تنفيذ بعضها ويجري تنفيذ بعضها الآخر.

ما يهمني هُنا هو ما يمكن القيام به في إطار تعزيز الالتقائية المطلوبة بين البرامج وبين المشاريع الموجهة إلى التوعية والتحسيس، على اختلاف حواملها؛ بدءا من البيت ثم المدرسة، وبينهما الشارع الذي يبقى مفتوحا على كل السلوكات.

لذلك، فقد تجد في بلادنا من يقتنع بسهولة برسائل التوعية التي يتلقاها من الإذاعة أو التلفزيون أو الصحافة، بينما يمارس سلوكا آخر لا علاقة له برسالة التوعية التي رآها منذ حين فقط! وتجد كذلك بعضا من مواطنينا في الخارج من ينضبط أشد الانضباط لقوانين السير في بلاد الاستقبال؛ بيد أنه لا يجد غضاضة في خرقها، عند عودته في فصل الصيف إلى أرض الوطن!

يعني ذلك أن ثمة اشتغالا على مستوى العقليات المحفزة على هذا النوع من السلوكات، وهو اشتغال يأخذ طبيعة نفسية وسلوكية تتجاوز حدود الرسائل الصوتية أو المصورة التي يتم إنتاجها، مهما كانت جودتها أو عُمقها أو حدتها.

وبخصوص دور وسائل الإعلام في التوعية والتحسيس بمخاطر الطرقات، أعلم أن إمكانات العديد من المؤسسات الإعلامية لا تسمح لها بتكوين صحافيين متخصصين في بعض المجالات؛ وهو ما يحرم جمهورها من التعرف على عدد من الملفات من خلال متابعات منتظمة يقوم بها مختصون في ذلك، ومن ضمنها ملف السلامة الطرقية.

ولا شك في أن السلطات المختصة والمعاهد والجامعات مطالبة بتوفير الإطار القانوني والمعرفي الذي يسمح بتكوين الصحافيين في مجالات معينة في أفق التخصص المُدر لسيولة المعلومات والإنتاجية في الأخبار والملفات ومن ثمة بالعائد على الصحافي وعلى مقاولته الإعلامية.

ما تعليقك على “محرقة” أمسكرود، وقبلها طانطان وتنغير وغيرها من المآسي التي تسائل الضمير الجمعي؟

من الناحية الأخلاقية، فإن الأرواح التي ارتفعت إلى ربها تسائلنا عما يتعين علينا عمله للحد من هذا النزيف المهول، فأنت من دون شك لا تستطيع أن تغير ما بقومٍ، لمجرد أنك تحب ذلك أو تأمله؛ بل يتعين أن تسعى إلى ذلك ما استطعت، بالعمل والمثابرة والحد من سلوك غض الطرف عن المخالفين (بمقابل أو من دونه)، والكف عن التسامح مع مرتكبي الحماقات (بمقابل أو من دونه)، والتوقف عن منح شهادات الفحص التقني للمركبات المخالفة (بمقابل أو من دونه)، وتجنب منح رخصة السياقة لغير المؤهلين (بمقابل أو من دونه)، فمن يتجاهل إشارة التوقف، ويسمح لنفسه بالتجاوز في الخط المتواصل، فكأنما قتل نفسا بغير حق.. ومن ارتكب أشد من ذلك، فعليه أن يكون عبرة لغيره.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي