شارك المقال
  • تم النسخ

الحرب دمار وخراب وسفك للدماء!

الإسرائيليون لا ينتظرون الغطاء الدولي لارتكاب جرائم ضد الإنسانية، والتاريخ يثبت بما لا يدع أي مجال للشك، بأن كلفة قتل أو أسر جندي اسرائيلي واحد، تكون آلاف الشهداء من الجانب الفلسطيني (نساء، شيوخ، أطفال) دون الحديث عن تدمير مئات المباني السكنية والمنشآت العامة.

من حق أنصار المقاومة الفلسطينية في المغرب وخارج المغرب، الاستمتاع بنشوة الانتصار حاليا، غير أن فرحتهم لن تدوم طويلا، وسيخرجون في مسيرات حاشدة داخل فلسطين وخارجها عاجلا أم آجلا، للمطالبة بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، ورفع لافتات مكتوبة بالأحمر الفاقع “غزة تستغيت” و “غزة تنزف دما”.

لا شك أن العملية التي نفذتها كتائب القسام، وباقي فصائل المقاومة الفلسطينية في موقع عسكري إسرائيلي، عملية نوعية، وغير مسبوقة في تاريخ المقاومة، ولا شك أن هذه العملية سيكون لها تداعيات كبيرة في اسرائيل على كل المستويات( سياسيا، عسكريا، مخابراتيا) ، ولكن ما ينبغي التأكيد عليه في هذا الإطار، هو أن تداعياتها على قطاع غزة والضفة الغربية أيضا، ستكون أكبر وأفضع مما يتصوره الجميع، لأن رد فعل الجيش الإسرائيلي، في ظل المواقف المعبر عنها حاليا من طرف القوى الكبرى، سيكون قاسيا، لاسيما، وأن وقائع التاريخ تثبت بأننا أمام دولة مارقة، و لا تحترم قواعد القانون الدولي على الإطلاق، ولها مفهوم خاص للدفاع الشرعي على النفس، يختلف تماما عما هو مضمن في ميثاق الأمم المتحدة.

إسرائيل، ومن خلفها دول كبرى تتمتع بحق الفيتو بمجلس الأمن، لا تعترف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير ولا بحقه في الدفاع الشرعي على النفس. كما أنها تنظر إلى فصائل المقاومة، على أنها فصائل إرهابية، وهو الأمر الذي يزيد من تعقيد الأمور أكثر داخل قطاع غزة، الذي يعيش فيه أكثر من مليون فلسطيني.

ردود الفعل الأولية من طرف الجيش الإسرائيلي، ركزت على استهداف أهداف مدنية (أبراج سكنية) دون مبالاة بأرواح الشيوخ والنساء، والأطفال.
هل يستقيم الحديث عن نشوة الانتصار في ظل سقوط عشرات القتلى وآلاف الجرحى في صفوف الفلسطينيين والاسرائليين خلال اليوم الأول من المواجهات العسكرية غير المتكافئة بين الطرفين؟

يمكن لفصائل المقاومة أن تقتل عشرات العسكريين الإسرائيليين، ويمكن لها أن تأسر العشرات أيضا منهم، ولكن الرد العسكري الإسرائيلي، غالبا ما يكون ردا مبالغا فيه، ويستهدف المدنيين، والتجمعات المدنية، فيكون عدد الضحايا كبيرا في صفوف الفلسطينيين..

سبعون سنة مرت على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لا سلام تحقق، ولا دماء حقنت، ولا حل أممي فرض على الجانبين، لأن هناك أجندة دولية لا ترغب في الوصول إلى سلام عادل وشامل، مادام أنها هي التي زرعت دولة إسرائيل في قلب الشرق الأوسط بموجب قرار التقسيم لسنة 1947، وهي التي صمتت عن سياسة الاستيطان، في الوقت الذي كان يتعين عليها فيه، الدفع بتسوية النزاع أمميا وفق حل الدولتين في حدود 1967.

ما حدث اليوم، على خلاف كل التحليلات المتهافتة، التي تتكلم عن ارتباك إسرائيل، وعن وهنها العسكري، وضعفها المخابراتي، من غير المستبعد أن يكون فخا نصب بإحكام لفصائل المقاومة الفلسطينية، من طرف قوى دولية ترغب في حسم المعركة بقطاع غزة كمرحلة أولى، للانتقال إلى جنوب لبنان في مرحلة ثانية، ومن تمة المرور مباشرة إلى إيران التي تشكل عائقا كبيرا أمام الأجندة الدولية بمنطقة الشرق الأوسط.

لا شك أن هناك فشل مخابراتي اسرائيلي ذريع في رصد مخططات وتحركات المقاومة التي سبقت تنفيذ عملية الاقتحام العسكري، ولا شك أن صورة الجيش الذي لا يقهر قد خدشت عملياتيا، ولكن، الخطاب الذي ألقاه رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، اسماعيل هنية، يبقى خطابا لرفع معنويات المقاومين، وحشد التأييد الشعبي داخل فلسطين وخارجها.

أما الرسائل التي تعمد بعثها من خلال ذلك الخطاب، لمن سماهم بالمطبعين، في إشارة للدول التي وقعت على اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، ومن ضمنها المغرب بكل تأكيد، فهي رسائل تهديد أكثر منها رسائل تحذير، خصوصا وأن الرجل دعا جمهور المقاومة بالخارج إلى التحرك، ولا ندري أي جمهور يقصد؟ وأين ومتى سيكون ذلك التحرك؟ وضد من؟

من حق الدول أن تبني علاقاتها الدولية مع أي كان، ووفق مصالحها الدولية، خارج إطار التصور الذي طرحه رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في خطابه الموجه للأمة. كما أن ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي واضحين في هذا الإطار، ويمنعان التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

بخلاف رسائل إسماعيل هنية المبطنة للمغرب، فإن بلاغ وزارة الخارجية المغربية كان واضحا في مثنه، لأن المملكة المغربية تدرك من خلال معرفتها بطبيعة الصراع، أن المطلوب في هذه المرحلة هو حقن الدماء، ووقف نزيف الحرب، عوض التباهي بنشوة الانتصار، دون الاخد بعين الاعتبار موازين القوى.

الاستغلال السياسوي الفج، للعملية النوعية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية ضد الجيش الإسرائيلي، بدأت إرهاصاته الأولى تظهر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بعد وقت وجيز من وقوعها، بل إن حزب العدالة والتنمية، الذي وقع أمينه العام السابق على اتفاقية التطبيع مع إسرائيل، بصفته رئيسا للحكومة المغربية، خرج ببيان عبر فيه عن اعتزازه بعملية “طوفان الأقصى” واعتبرها ردا مشروعا على الاعتداءات الصهيونية.

بكل صدق، لست من عشاق الدم، ولا من دعاة الحرب، ولا أرى في عملية المقاومة الفلسطينية المشروعة أي نصر، بل هي قنطرة فقط، لارتكاب مجازر ضد النساء والشيوخ والأطفال في قطاع غزة.

دعم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، لن يكون من خلال التوظيف السياسوي الفج لعمليات المقاومة، بل يكون بالدعوة إلى حقن الدماء، وضبط النفس، والبحث عن آليات فعالة لإقرار سلام عادل ودائم، دون إراقة المزيد من الدماء، ودون سقوط آلاف القتلى والجرحى في حرب غير متكافئة على أكثر من صعيد.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي