شارك المقال
  • تم النسخ

الجباري: المساواة ليست مبدأ كونيا يتم الاحتكام إليه.. والمطالبون بها في الإرث يستعملونها كـ”شعار جميل من أجل أهداف غير جميلة”

انتقد عبد الله الجباري، الباحث في الفقه الإسلامي، تركيز المطالبين بـ”المساواة”، على الجانب المتعلق بالإرث، في الوقت الذي تسود فيه العديد من مظاهر “اللامساواة”، في مختلف الجالات، معتبراً أن هذه الفئة، تستعمل المصطلح، “كشعار جميل من أجل أهداف غير جميلة”.

وقال عبد الله الجباري، وهو أستاذ حاصل على الدكتوراه في الاجتهاد الفقهي عند الحافظ عبد الله بنصديق، خلال حلوله ضيفاً على برنامج “معهم حيث هم”، الذي يقدمه الإعلامي نور الدين لشهب، على جريدة “بناصا”، إن “النقاش الذي دار حول إصلاح مدونة الأسرة، خلال بداية الألفية الحالية، كان قويا محتدما، أما الآن، فرغم أن هناك تدافعا، إلا أنه أكثر نضجا، ففي المرة السابقة، خرجت المبادرة من طرف في الحكومة، وهو الوزير سعيد السعدي”.

وأضاف الجباري: “إن عدنا إلى الوراء، فهذا الأمر، لم يكن برنامجا حكوميا في البداية، بل إن جناحا في الحكومة فقط، هو من كان داعما للوزير، في حين كان هناك جناح آخر، ممانع، وهو المتمثل في الحركة الوطنية الشعبية والتجمع الوطني للأحرار. الحكومة وقتها لم تكن متضامنة بكاملها مع الملف”.

وتابع أن النقاش الذي دار وقتها، كان “إيديولوجيا، أما الآن، ربما المجتمع كان أكثر نضجا. سابقا، ما أوقف ذلك التدافع القوي، هو التدخل الملكي بإحداث لجنة. في حين الآن، جاءت المبادرة أصلا من الملك، برسالة وجهها إلى رئيس الحكومة، لإحداث هيئة مكونة من مؤسسات وليس من أشخاص، لتقديم مقترحات حول تعديل المدونة”.

وأوضح المتحدث أن “هذه الرسالة الملكية يجب التوقف عندها، لأنها في الحقيقة، لم تُعط حقها من حيث النقاش والتحليل”، مبرزاً أنها “كانت رسالة دقيقة جدا، وبدأت باستعراض مجموعة من إيجابيات المدونة السابقة، كما أنها تحدثت عن المشكل الرئيسي الذي يجب أن تنصب عليه التعديلات، إضافة إلى عدة أمور أخرى”.

واسترسل أن “أول نقطة؛ ما هو المشكل الرئيسي الذي فرض تعديل المدونة؟ إن قرأنا الرسالة الملكية، سنجد أن الملك يتحدث بشكل قوي عن ما يسمى بالتطبيق القضائي، على مستوى المساطر القضائية والقانونية، فحين يقول إن: مدونة الأسرة، أضحت اليوم في حاجة إلى إعادة النظر، بهدف تجاوز بعض العيوب والاختلالات التي أظهرها تطبيقها القضائي، فالأمر لا يتعلق بعيوب في المساواة أو في الزواج من أصله، أو في العدة أو غيرها، بل في العيوب والاختلالات التي ظهرت عند تطبيقها القضائي”.

وأردف الجباري: “لما نتحدث عن التطبيق القضائي، هل يجب أن نحشر القضايا الإديولوجية في هذا النقاش؟ الكثير ممن دخلوا في النقاش حول المدونة، كانوا في حالة شرود عن خارطة الطريق التي وضعتها الرسالة الملكية”، متابعاً: “تضيف الرسالة الملكية وتقول: واعتبارا لمركزية الأبعاد القانونية والقضائية لهذا الموضوع، لهذا السبب، ارتأينا أن نسند قيادة عملية التعديل بشكل جماعي ومشترك”، لكل من وزارة العدل، رئاسة النيابة العامة، المجلس الأعلى للسطة القضائية.

ونبه إلى أن الرسالة الملكية، تؤكد أن “صلب الموضوع متعلق بالأمور القانونية والقضائية”، متابعاً: “ولكن للأسف، هذا لم يكن حاضرا، في النقاش العام الذي وقع حول المدونة. إن تجاوزنا هذا البعد المركزي في الإصلاح، فإن الرسالة الملكية تحدثت أيضا، عن ضوابط الإصلاح، وعن مرجعيات الإصلاح، وعن منهجية العمل”. وبخصوص ضوابط الإصلاح، يقول الجباري، متقبسا عن الرسالة الملكية: “نحن حريصون على أن يتم ذلك في إطار الشريعة الإسلامية”، مردفا بخصوص معنى ذلك: “إذا إن وقع تعديل في ما هو قضائي وقانوني، قد يمس ما هو مرتبط بالشريعة الإسلامية، لذلك لابد من الاحتياط”.

وإلى جانب مقاصد الشريعة الإسلامية، حددت الرسالة الملكية، ضوابط أخرى، هي “خصوصيات المجتمع المغربي”، و”الاعتماد على فضائل الاعتدال”، و”ثم الاجتهاد المنتفح”. أما بخصوص مرجعيات هذا التعديل، فظلت دون تغيير مقارنة بالمدونة السابقة، ويتعلق الأمر بـ”مبادئ العدل والمساواة والتضامن والانسجام، النابعة من ديننا الإسلامي”، وهو ما يعني حسب الجباري: “لا يمكن أن نجلب بعض التصورات الخارجية، التي لها علاقة بهذه القيم، وأن نفرضها على مجتمعنا. نحن نتحدث عن قيم كونية، ولكن في إطار الخصوصية الإسلامية”.

وإضافة إلى ذلك، وضعت الرسالة الملكية “القيم الكونية المنبثقة من الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب”، ضمن مرجعيات ومرتكزات التعديل. ونبه الجباري في هذا الصدد، إلى أن “الرسالة الملكية، وضعت مرجعين رئيسين، أولا الدين الإسلامي، وثانيا الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، بمعنى أن الاتفاقيات الدولية التي لم يصادق عليها المغرب، لا يمكن اعتبارها من ضمن مراجع هذا الإصلاح، بل حتى الاتفاقيات التي صادق عليها المغرب، يجب أن نهتم بها، مع التركيز على التحفظات التي للمملكة المغربية عليها، لأن القانون الدولي يعطي للدول حق التحفظ. والمواد التي تحفظ عليها المغرب، المغرب ليس ملزما بها”.

أما بخصوص المساواة، فالرسالة الملكية، يردف الجباري، “تقول عن المدونة السابقة: رغم ما جسدته من مميزات، وما أفرزته من دينامية تغيير إيجابي، من خلال منظورها للمساواة والتوازن الأسري (انتهى الاقتباس). إذا، الرسالة لا تتحدث عن المساواة، بل تتحدث عن منظور المدونة للمساواة، وهنا تأتي الخصوصية المغربية، والخصوصية الإسلامية، في النظرة للمساواة”، مضيفاً أن “نقاش المساواة والعدل، ليس قانونيا، بل هو نقاش فلسفي وفكري”.

وأشار الجباري، إلى أن المساواة ليست مبدأ كونيا يتم الاحتكام إليه. أما بشأن تواري المطالبين بالمساواة في الإرث، خلف “مقاصد الشريعة”، يقول الجباري، إن “المقاصد مسألة معروفة، واليوم كثير من الناس يتحدثون عن المقاصد بتسيب. المقاصد تنطلق من الشريعة، وترتكز عليها، ولا مقاصد بدون نص. النص هو الأصل في المقاصد. كثير من الناس لا علاقة لهم بالشريعة الإسلامية”، مؤكداً أن “المقاصد باتت مثل وسيلة لتحقيق مآرب إيديولوجية وفكرية”.

وفيما يتعلق بالمساواة، استعرض الجباري، مظاهر “اللامساواة” في العالم، على مختلف المستويات، بداية بالتمييز بين الحرب الروسية على أوكرانيا، وبين الحرب الإسرائيلية على فلسطين، ومرورا بحق “الفيتو”، الذي ليس مبنيا على المساواة، إضافة إلى مناصب الحاخام في الثقافة اليهودية، والبابا في الثقافة المسيحية، وهي مناصب ذكورية، قبل أن يصل إلى المغرب، موضحاً أن “المغاربة في أغلبهم هللوا وصفقوا لدستور 2011، أولا، دستور 2011، أعطى “الكوطا” للنساء، ويسمونه بالتمييز الإيجابي، وهو “لامساواة”، يمكن تسميته بالإنصاف أو أي شيء، ولكنه ليس مساواة، وثانيا، منصب رئيس الدولة، هل هو منصب ذكوري محض؟ أم يخضع للمساواة؟”.

وتساءل الجباري، عن السبب الذي يمنع من أسماهم بـ”المساواتيون”، الذين يطالبون بتغيير النص الشرعي من أجل مبدأ المساواة، ممن المطالبة بـ”تغيير نص دستوري من أجل نفس المبدأ؟”، مبرزاً أن “هؤلاء المساواتيون، هم لا يؤمنون بالمساواة، فلو كانوا يؤمنون بها، فيجب تطبيقها في كل المجالات”.

وفي هذا الصدد، كشف الجباري، أنه تم استدعاؤه في إذاعة وطنية مغربية، لمناقشة هذا الموضوع، في برنامج حضره 4 أشخاص، اثنان يدافعان عن النظرة الشرعية، والآخران يطالبان بالمساواة في الإرث، متابعاً أنه طلب من المذيعة، إرسال رابط الحلقة بعد نشرها، وهو الأمر الذي ما يزال ينتظره إلى الآن، مبرزاً: “حين بحثت، وجدت أن الإذاعة، قامت بنشر مقطعين للشخصين اللذين تدخلا للمطالبة بالمساواة في الإرث، ولم يضعا مداخلتَينا نحن اللّذيْن طالبنا بتطبيق النص الشرعي. على الأقل كان يفترض أن يتعاملوا معنا بالمساواة؟”، قبل أن يخلص إلى أن “المساواة شعار جميل من أجل أهداف غير جميلة”.

وذكّر الجباري، بأن “المقصد هو العدل، أما المساواة هي وسيلة، وليست مقصدا، والوسيلة قد تكون محققة لهذا المقصد، وقد لا تكون، ولهذا يقول علال الفاسي، إن المساواة قد تكون جائرة. نعم العدل لا يكون جائرا، لذلك قال القرآن الكريم، إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وليس بالمساواة”. وتابع أنه “في الفكر الإنساني، المساواة ليست مبدأ كونيا.
وفي الشريعة: الشريعة تأمر بالعدل ولا تأمر بالمساواة. هناك فرق بين المساواة، وبين العدل، وبين الإنصاف”.

هذا، ونبه الجباري إلى أن العدل، يمكن أن “لا يؤدي دوره كاملاً، لأن العدل يتحدث عن المجموع وليس عن الأفراد أو الحالات الخاصة، ما جعل الفكر الإنساني، يهتدي إلى ما يسمى بالإنصاف، وهو ما طرحه، جون راولز، في أطروحته العدالة كإنصاف”، مضيفاً: “هذه هي التي أمر بها الإسلام قبل قرون، حين أمر بالعدل والإحسان، والإنصاف من مشمولات الإحسان، فلذلك، العدل هو الأساس، والإنصاف أو الإحسان والـ”كوطا” تدخل في إطار الإنصاف. لأن المُشرّع المغربي تعامل بالعدل في إطار القوانين المنظمة للانتخابات، النساء والرجال يدخلون على حد سواء، ولكن المجتمع المغربي لم يكن يصوت للنساء، لذلك جاء المشرع، ليبتكر هذا الحل، لإنصاف هذا النصف من المجتمع”.

إذا، يقول الجباري: “نحن، أمام العدل والإنصاف، ولسنا أمام المساواة، فلماذا، لا تظهر لهؤلاء المساواة إلا في الشريعة الإسلامية، وإلا في الإرث؟ لذلك يجب أن نطرح هذا السؤال مليا، ولماذا صار هذا التمسك بالمساواة، تمسكا مريبا، وهنا أعود إلى الخلفية الإيديولوجية في المقاربة، وهذا أخطر شيء”، مشدداً على ضرورة الترفع عن مقاربة القضايا الاجتماعية مقاربة إيديولوجية.

واسترسل الجباري: “أما بخصوص واقعة الصحابي عمر بن الخطاب، الذي رغم عدله، لم يطبق المساواة في الإرث، فإن تكرار واقعة عدم قطعه ليد السارق تنبني على مغالطة، من أجل تمرير مغالطة”، موضحاً أن “عمر بن الخطاب، لم يعطل حدّاً، ولم يعطل نصّا، بل أبقى كل شيء كما هو، ما وقع، هو أن ارتكاب الجريمة لا يؤدي بالضرورة إلى اعتبار مرتكبها مجرما، كما أنه لا يؤدي بالضرورة إلى تطبيق العقوبة عليه”.

وأشار في هذا الصدد، إلى أنه “لو أن ارتكاب الجريمة يؤدي بالضرورة إلى العقوبة، لم تكن هناك حاجة إلى القاضي، لماذا لدينا قضاة؟ لأن القاضي هو من يفكر ويحلل الملف ويدرس القضية ويخلص إلى حكم”، متابعاً أن “هناك أناسا يرتكبون جريمة، والقانون يقول لهم أنتم لستم مجرمين، فمثلا، القانون المغربي على سبيل المثال، في الباب الرابع من القانون الجنائي، عنوانه في الأسباب المبررة التي تمحو الجريمة؛ الفصل 124، يقول: لا جناية ولا جنحة، ولا مخالفة، في الأحوال الآتية، وهي 3 أحوال، ما يهمنا هنا هو ثالثها: إذا اضطر الفاعل، ماديا، إلى ارتكاب الجريمة، أو كان في حالة استحال عليه معها، استحالة مادية، اجتنابها، وذلك لسبب خارجي لم يستطع مقاومته”.

وأكد الجباري في هذا الصدد، على أن “هذا الأمر الذي يقره القانون المغربي، هو نفسه الذي قام به الصحافي عمر بن الخطاب، وهو قانون إنساني”، مسترسلاً: “الآن مثلا إن سرقة أحدهم، وبرأه القاضي وقال له إنك لست مجرماً، فهل سنقول إن القاضي عطل حكما أو حدا؟ لا بل هو طبّق نصا آخر، لأن لدينا نصوصا. والشريعة الإسلامية لدينا السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما، ولكن قال لنا القرآن الكريم أيضا، فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه، ومنه أخذنا القاعدة الأصولية الكبيرة، الضرورات تبيح المحظورات”.

وجدد الجباري، التأكيد على أن “عمر ابن الخطاب كان فقيها، ولم يعطل نصّا، بل طبق نصا آخر، أما من يطالبون اليوم بتعطيل النصوص الشرعية، فهم ليسوا فقهاء. عمر بن الخطاب، قام بما يسمى الآن، بـ”التكييف القضائي”. أما في الوقت الحالي، فلا وجود لأي ضرورة، من تغيير نص للذكر مثل حظ الأنثيين، مستدركاً: “في الحالات الاستثنائية، يمكن الاجتهاد، مثلا يمكن للمشرع، أن يضع قانونا، ينص على رفع من يريد توزيع التركة، الملف إلى القضاء، للنظر فيه في أجل مدته مثلا 60 يوما، ويمكن للقانون وقتها أن يتدخل، ويعطي العناصر التي يضعها المجتمع على أنها الوريث الضعيف، البنت أو الزوجة، الأولوية في التوزيع”.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي