شارك المقال
  • تم النسخ

الوجود الشيعي بالجزائر.. استفاد من العشرية الدموية والفراغ الروحي

نور الدين لشهب من الجزائر

مع بداية شهر فبراير الماضي تداول نشطاء جزائريون على موقعي التواصل الاجتماعي فايسبوك ويوتيوب فيديوهات لشيعة جزائريين من مدينة وهران وهم يؤدون طقوس اللطم داخل بيت ويرددون التأمين والصلاة على آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، مصحوبة باللطم بالأيدي على الصدور بصفة جماعية. وهذا هو أول فيديو يُنشر على الانترنيت للقاء شيعي جزائري في الجزائر بعد أن كان النشاط الشيعي في الجزائر يدخل في طي الكتمان والسرية.

الفيديو الذي تم نشره في مواقع التواصل الاجتماعي، مع غرة شهر فبراير الماضي، أثار جدلا في الإعلام الجزائري حول “الحراك” الشيعي في الجزائر، فتنسالت المقالات والحوارات لمقاربة “الظاهرة” من زوايا مختلفة، واستطاع الشيعة الجزائريون أن يلفتوا النظر إلى وجودهم إعلاميا، على الأقل، لاسيما مع زيارة وفد جزائري إلى دمشق يضم عدد من المتشيعة، وهو ما أغضب الأحزاب السياسية ذات الخلفية الإخوانية وكذا بعض العلماء المحسوبين على التيار السلفي بالإضافة إلى شخصيات وطنية معارضة.

فهل يوجد نشاط شيعي منظم بالجزائر كما في بعض الأقطار العربية أم أن الأمر لا يعدو ظاهرة إعلامية وحسب؟ وكم عدد المتشيعة بالجزائر؟ وما هي مطالبهم؟ وهل تقتصر مطالبهم عما هو ديني/ مذهبي وحسب، أم تتعدى إلى ما هو ثقافي وسياسي؟ وما هي موارد وجودهم؟ وما هو مستقبل التشيع في الجزائر، البلد المسلم الذي يتبع المذهب المالكي؟ وهل توجد ردود أفعال ضد الظاهرة؟ وماهي أسباب بروز التشيع بشكل منظم كما تشهد على ذلك بعض المواقع الشيعية على الانترنيت المكرسة للتبشير الشيعي بالبلاد؟

ظاهرة التشيع في الجزائر بين الواقع والعالم الافتراضي

بخصوص عدد المتشيعة في الجزائر، لا أحد يمكنه أن يحدد عدد المتشيعة بالجزائر، والذين يطلقون على أنفسهم بـ”المستبصرين”. ولا تتوفر أرقام رسمية حول عدد الشيعة في الجزائر، وبحسب مراقبين لا يزال الحضور الشيعي محتشماً في الجزائر مقارنة مع الحضور المسجل في بعض البلدان العربية والأفريقية، غير أن عدداً من المواقع الشيعية عبر شبكة الانترنيت، من بينها موقع مركز الأبحاث العقائدية، وهو أكبر المواقع الشيعية، بالإضافة لـ”شبكة شيعة الجزائر” التي ترفع شعار “من المدرسة المصالية إلى المدرسة الخمينية” يذهب مشرفه العام، والذي يسمي نفسه “محمد العامري” أن التشيع في الجزائر “مستمر بحمد الله والاستبصار أكثر من منتشر بل منفجر في كامل أرجاء التراب الجزائري متنقلا عبر كل الطبقات الاجتماعية فسابقا كان يدور بين الشبان والآن ببركة صاحب العصر والزمان دخلت بيوت بكاملها في التشيع وسمعت أن أكبر متشيع عمره 69 سنة”.

المشرف على شبكة “شيعة الجزائر”، لا يملك هو نفسه إحصائيات أو أرقام على مدى انتشار التشيع بين الجزائريين، إذ يقول “ليس هناك إحصائيات حديثة وحتى إن كانت هناك إحصائيات تبقى سرا ولا تسلم لأي كان لأسباب يطول شرحها”. غير أن بعض المراقبين يقدرون عدد الشيعة في الجزائر بالمئات، بينما يقدره الصادق السلايمية أحد “الرموز الشيعية بالجزائر” بـ75 ألف شيعي جزائري، أما السلفيون فيقدرونه بـ 3 آلاف، وهو ما استدعى تنظيم حملة جزائرية ضد التشيع شارك فيها علماء وكذا وزارة التربية الوطنية التي أوقفت بعض المدرسين الذين لهم علاقة بالتشيع.

الباحث الجزائري يحي بوزيدي يرى، في اتصال مع هسبريس من الجزائر، قال بأن المتشيعين بالجزائر منتشرون في مختلف أرجاء الوطن، وينشطون في عديد المدن، ولكن جل المتابعين يجمعون على تمركزهم في بعض المدن مثل عين تموشنت وباتنة، ووهران والعاصمة، وحجم النشاط مقترن بوجود أحد رموزهم فيه من عدمه، كما أنه يوجد نوع من النشاط الجماعي في المدن القريبة من بعضها البعض.

وعن عدد المتشيعة في الجزائر، يؤكد بوزيدي، وهو الباحث المتابع عن كثب لظاهرة التشيع في الجزائر، أن الظاهرة مازالت من الطابوهات، هذا فضلا عن “مبدأ التقية الذي يعتقد به هؤلاء”، ولذلك يصعب الجزم بعددهم أو تحديده، وحتى الآن لا توجد دراسات أكاديمية قامت بهذا العمل، وحتى إن حدث فإنه لا يمكن الأخذ بنتائجها كحقيقة مطلقة، والجهة الوحيدة التي يمكن أن تكون متوفرة لديها معلومات شبه دقيقة أو قريبة من الحقيقة هنا هي الأجهزة الأمنية العاملة على الموضوع، وعموما تشير التقديرات إلى أن عددهم يتراوح بين الثلاثة آلاف أو الأربعة، ولكن العدد ليس مهما وإنما النوعية والفاعلية، وجل هؤلاء ناشطين وفاعلين، كما أن عدد الشيعة القليل في المجتمعات المشرقية أحدث كوارث كبيرة عندما تحول إلى مشروع سياسي، وهذه قنبلة موقوتة ومن هنا تكمن خطورة الظاهرة.

ما غاية التبشير الشيعي بالجزائر؟

أي حركة تبشيرية، سواء كانت دينية أو أيديولوجية، إلا وتسعى إلى تحقيق أهداف معينة عن طريق استمالة الناس، فماذا يريد الشيعة أن يحققوه في بلد مسلم من خلال التبشير بمعتقدهم؟

في معرض جوابه على هذا السؤال، يقول بوزيدي: “الشيعة في الجزائر يسعون لنشر التشيع من أجل إنقاذ من يعتبرون أنهم على ضلال، والخلاص أو الثواب الذي ينتظرهم يجعلهم يتمسكون بمعتقداتهم ويحاولون الحفاظ عليها، وهم يمارسون الدعوة بشكل خاص في محيطهم الاجتماعي القريب فالأوسع، ومن يجدون عنده ميول للتدين بشكل عام”.

ويشير المتحدث إلى أن هذا العمل التبشيري منظم في الجزائر تشهد عليه بعض المؤشرات التي تدلل عليه على غرار تجمعهم في أماكن محددة لإحياء المناسبات المقدسة عندهم كعاشوراء التي ترتبط بشهادة الحسين بن علي رضي الله عنهما، أو ذكرى ولادة المهدي، الإمام الغائب لدى الشيعة كما أظهرته الفيديوهات التي نشروها قبل فترة، أو محاولة بناء مساجد خاصة بهم، كما حصل مؤخرا في تيبازة قرب العاصمة، وهذه حسينيات بتعبير أدق، فضلا عن إرسال البعض منهم إلى الحوزات الشيعية كقم الإيرانية، وتوزيع الكتب بينهم، وصفحاتهم على الفيسبوك والمجموعات الخاصة بهم، وقبل ذلك المنتديات، فهذا كله يدلل على مستوى من العمل المنظم بشكل أو آخر.

التشيع في الجزائر من السرية إلى العلن

يشير الباحث الجزائري يحيى بوزيدي أن أسباب الظهور للشيعة الجزائريين والمجاهرة بنشاطهم على عكس المرحلة السابقة، يمكن إرجاعها لسببين أساسيين، الأول عددهم الكبير نسبياً مقارنة بعدم وجود أصل لهم في المجتمع الجزائري الحديث، والبضعة آلاف التي هي محل إجماع بين مختلف المتابعين، رقم لا بأس به لإحداث نوع من الشعور بالطمأنينة والتكافل والأمان التي ترسخها أكثر اللقاءات الدورية، وهذا ما كشفته الفيديوهات أيضاً، ومن جهة أخرى فإن وضعهم تحت مجهر الإعلام يجعل لربما نشاطهم العلني آلية دفاعية لإثبات الوجود، وفرض أنفسهم كواقع تمهيدا للاعتراف بهم، وتبقى المجاهرة رغم ما قد ينجر عنها من مشاكل كبيرة طبيعية عند هؤلاء المتشيعين بل قد يجدون فيها نوع من المحاكاة لمأساة آل البيت، والظلم الذي تعرضوا له، ومعاناتهم امتداد لذلك كما يعتقدون، لذلك وجب عليهم المخاطرة بأنفسهم من أجل نصرة منهج آل البيت. كما لا ننفي التوجيه الخارجي ومطالبتهم بالانتقال إلى مرحلة الجهر بدعوتهم، وهو ما نشهده في جل البلدان الأخرى، أو حتى (الغيرة) من أقرانهم فيها.

الشيعة في الجزائر والبحث عن الاعتراف الرسمي من لدن الدولة

ما هي مطالب الشيعة في الجزائر؟ هل تقتصر فقط حول الاعتراف الرسمي بهم كمكون كما يحدث في المغرب؟ أم لهم مطالب سياسية وثقافية كما حدث في مصر وتونس؟

الباحث الجزائري بوزيدي، يقول في تصريح لهسبريس من الجزائر، بأن مطالب المتشيعة في الجزائر دينية صرفة يمكن اختصارها في البحث عن اعتراف رسمي أو شبه رسمي بقبولهم كمكون اجتماعي، والسماح بممارسة نشاط دعوي وبناء حسينيات وغير ذلك.

ويستطرد المتحدث بأن المطالب الدينية لا يمكن عزلها عن المطالب السياسية، فالانتخابات المحلية والتشريعية السابقة، وحتى التي قبلها شهدت محاولات منهم لاختراق بعض الأحزاب السياسية، وترشحهم في بعض القوائم، كما أن أبرز رموزهم الحالية كانت تنشط في أحزاب سياسية، وقد يكون هذا محاولة تمدد داخل الأجهزة الإدارية لتمكين المتشيعين وتسهيل نشاطهم بطرق مختلفة. ولكن إذا توقفنا عند هذا الحد حاليا فإنه لا ينفي أن تتطور مطالبهم مستقبلا إذا ما زاد عددهم أكثر إلا مطالب أكبر كتأسيس أحزاب سياسية شيعية، وجرائد ناطقة باسمهم، كما فعل نظرائهم في مصر وتونس، مع العلم أنهم أسسوا مواقع إلكترونية باسمهم، وهذا كما هو سلوك على المجال الافتراضي إن صح التعبير لا مانع من أن يصبح سلوك واقعي، ومشاركتهم في الوفد الذي زار الأسد قبل فترة مؤشر آخر يدعم ما نذهب إليه.

ظاهرة التشيع بالجزائر ناجمة عن العشرية السوداء والفراغ الروحي

هل بروز التشيع في الجزائر ناجم عن “فراغ روحي” بالجزائر كما يذهب إلى ذلك بعض الباحثين أم هناك أسباب أخرى؟

يجيب يحيى البوزيدي: ” بكل تأكيد كان هناك فراغ روحي كبير في الجزائر من أهم أسبابهم تحييد النظام السياسي لجمعية العلماء المسلمين بعد الاستقلال، والتي كانت رائدة في المجال الدعوي، هذا ما جعل الجزائريين أيتام دعويا، ودفعهم إلى التمسك بكل صوت دعوي يظهر، لذلك تعددت المشارب الإسلامية وانعكست على توجهات رموز الحركة الإسلامية الجزائرية، وإن كانت هذه المظاهر طبيعية في سياق المجتمعات الإسلامية والتأثير والتأثر المتبادل بين مختلف أقطارها عبر كل الأزمنة مشرقا ومغربا، والذي يستحيل أن يتوقف، كما أن التشيع ارتبط بحدث سياسي مهم وهو الثورة الإيرانية سنة 1979، والحدث بقوته وتأثيره السياسي الذي تزامن مع فراغ سياسي عربي مازال مستمرا لا يمكن أن يمر دون تأثيرات وتداعيات، كلها أسباب لظهور التشيع إلى جانب تجربة التسعينات الدموية في الجزائر والتي صبغت اتجاه إسلامي بصورة سلبية وظفها المتشيعين لنشر دعوتهم، بمقابل دعم طيف آخر من الحركة الإسلامية لإيران وحزب الله ودفاعه عنها والتهوين من خطر التشيع، بل واتهام من يقول ذلك بالعمالة للصهيونية”.

وعن مستقبل التبشير الشيعي بالجزائر، يشير بوزيدي أنه “سيراوح مكانه، ويبقى في هذا المستوى، ولكن على المستوى البعيد وإذا لم تبذل جهود حثيثة لمواجهة الظاهرة ولم توضع خطط واستراتيجيات توزع فيها المسؤولية على كل الأطراف والجهات فإنه لا شك قد يكون للظاهرة تأثير خطير جدا”.

ويضيف بوزيدي، في معرض حديثه عن انتشار الظاهرة داخل المجتمع الجزائري، بالقول: “نحن الآن أمام عائلات متشيعة بالكامل بينما كنا في السابق أمام حالات فردية، وهناك أطفال يولدون بين أبوين متشيعين، وهناك شباب يبحث عن الاقتران بمتشيعات، بل البعض يتحدث عن أحياء يغلب على قاطنيها التشيع، وحتى مع التراجع الإيراني عقب الثورة السورية بشكل خاص لم نلحظ تأثر من هؤلاء بالحدث بل جاهروا بدعم النظام السوري تبعية للموقف الإيراني، كما أنهم عقب الثورات بادروا لتأسيس أحزاب والمطالب للاعتراف بهم كأقليات وغير ذلك، وإذا كان يستبعد انتشار التشيع في المجتمع فإن هذه المعطيات تؤكد بالمقابل صعوبة اندثاره، ما يجعلنا أمام سيناريو آخر وهو انصهاره في المجتمع إن لم يكن على شكل أقليات، فلربما من خلال بدع جديدة هي في إطار التبلور كتلك التي خلفتها الحقبة الفاطمية سابقا”.

يُشار إلى أن النشاط الشيعي بالجزائر، وبالرغم من الجدل الإعلامي الذي رافق ظهور الفيديو بمدينة وهران خلال شهر فبراير الماضي، فالواضح أن النشاط الشيعي لا يزال محتشما بالبلد، إذ لا تظهر للزائر أي مظاهر للتشيع كما في البلدان الإسلامية الأخرى، والشخص الوحيد الذي جهر بتشيعه، ويظهر في وسائل الإعلام على هذا الأساس، هو الصادق سلايمية، وكان ينشط في حركة الإصلاح الوطني التي كان يترأسها عبد الله جاب الله، هذا بالإضافة إلى أن جمال بن عبد السلام وهو رئيس حزب سياسي حاليا، والذي كان في وفد زيارة الأسد المخترق من طرف المتشيعين، وعدة فلاحي المستشار الإعلامي السابق لوزير الشؤون الدينية والمدافع بشكل ما عن المتشيعين، هما أيضا كانا ينشطان أيضا في حركة جاب الله وانشقا عنه عبر مراحل زمنية مختلفة، والوفد الذي زار الأسد والذي كشفت بعض الأسماء الشيعية فيه، كان البعض منها ينشط في أحزاب سياسية إسلامية.

وعن مقارنة التشيع بالجزائر بغيرها من البلدان سواء المغرب أو تونس أو مصر، يقول الباحث الجزائري يحيى بوزيدي “نجد الكثير من التقاطعات: البحث عن واجهة إعلامية وتأسيس جمعيات، وهذا يبين أن المنبع واحد ومصادر التوجيه واحدة، بل حتى أن هناك تقرير نشره الخميس في موقع (ميدل إيست أون لاين) تحدث عن خلية إيرانية مكلفة بهذا الملف في طهران تحمل اسم كتامة، كناية على القبيلة البريرية التي احتضنت عبيد الله الشيعي كما تعلم”.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي