شارك المقال
  • تم النسخ

اسليمي يكتب.. وراء جنون “الدولة التنسيقية بالجزائر”.. الداخل والساحل ومبادرة المغرب الأطلسية

يتناول الدكتور عبدالرحيم المنار اسليمي، رئيس المركز الأطلسي للدراسات الاستراتيجية والتحليل الأمني، في هذا المقال التحليلي، ظاهرة الجنون الدبلوماسي الجزائري منذ إعلان الخطاب الملكي عن مبادرة الأطلسي وولوج دول الساحل، المتجسدة في سلوكات عسكرية جزائرية تكشف عن الوضعية النفسية الصعبة التي يعيشها النظام العسكري بين صعوبات ضبط الداخل وتوالي النكبات الإقليمية والدولية، وكيف سقط النظام العسكري في خطأ قاتل بمحاولة إعادة استنساخه لـ”بوليساريو” جديد في شكل “مكتب للانفصال”، لدرجة ينعت فيها الدكتور المنار اسليمي الجزائر بـ”التنسيقية العسكرية التي تدرب على صناعة مكاتب الانفصال في خمسة أيام”.

فيما يلي نص المقال:

يستدعي التفسير السيكولوجي للجنون الجزائري، الذي تكشفه السلوكات المضطربة لقادة الجزائر مع دول الساحل والمملكة المغربية عن عجز جزائري عميق في فهم التحولات الجارية في النظام الدولي والمحيط الإقليمي للجزائر. كما تكشف هذه السلوكات عن تأزم الوضع الداخلي الجزائري الذي يحتاج معه النظام العسكري الحاكم في كل مرة إلى استعمال فكرة «العدو الخارجي « وشيطنة دولة الجوار المملكة المغربية.

ولا أحد يمكنه أن يتصور وصول نفسية النظام العسكري إلى هذه الدرجة من الجنون بعد خطاب الملك محمد السادس في السادس من نونبر الماضي، ذكرى المسيرة الخضراء، لما أعلن عن مبادرة الأطلسي الإفريقي التي تضم الدول الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي، وتفتح أمام دول الساحل الإفريقي واجهة بحرية، درجة من الجنون تجعل الوزير أحمد عطاف يطوف في ساعات على تونس وليبيا وصولا إلى موريتانيا، حاملا معه مخطط تدمير اتحاد المغرب العربي، والدعوة لمشروع جديد، يطلب فيه الابتعاد عن المغرب، وإدخال مليشيات البوليساريو في تنظيم يحل محل الاتحاد المغاربي.

يكشف هذا السلوك، أن كل مافعله النظام العسكري الجزائري منذ سنة 1963، بدأ يرتد عليه، فالنظام الذي حاول بعد حرب الرمال مع المغرب، إبرام تحالف مع إسبانيا فرانكو أنذاك، يجد أمامه اليوم تكاملا إقليميا بين المملكتين الإسبانية والمغربية، والنظام العسكري الجزائري الذي جعل من دولة مالي حديقة خلفية تخرج إليه اليوم الحكومة الانتقالية المالية لتتهمه بالحجج والأدلة بالأعمال العدائية واحتضان مكاتب لتنظيمات إرهابية تضرب الاستقرار في مالي، والنظام العسكري الجزائري الذي حرس نفوذ فرنسا في النيجر يجد أمامه اليوم السلطات النيجرية تطرد السفير الفرنسي وترد على أكاذيب عطاف حول مبادرة الوساطة بين النيجر ودول الإيكواس، والنظام العسكري الذي تحالف مع القذافي في صناعة البوليساريو يجد أمامه الأطراف الليبية تتمسك باتفاق الصخيرات وبوزنيقة، ويجد أمامه المشير حفتر الذي يطالب بأبار نفطية ليبية استولت عليها الجزائر، ويهدد قادة الجزائر من الاقتراب من الحدود الليبية.

ويبين هذا المشهد، أن النظام العسكري الجزائري بعد اثنين وستين سنة يجد نفسه وسط سيناريو العقرب الذي يلدغ ذيله، ويبدأ في إفراز سلوكات انتحارية بعد اشتعال النيران من حوله، ذلك أن الضغط على تونس قيس سعيد بجنون، وصل إلى حد وصف دولة بورقيبة بـ»الولاية الجزائرية»، والضغط على موريتانيا من أجل الحصول على منفذ بحري على المحيط الأطلسي لعرقلة المبادرة الأفريقية الأطلسية المغربية، وتفسير كل الفشل الجزائري في الداخل والخارج بـ »مؤامرات مغربية »، هي تعبيرات سيكولوجية عن وصول النظام العسكري الجزائري لدرجة بداية الانتحار .

ويبدو أن حكام الجزائر لم يفهموا لحد اليوم، أنهم بعد اثنين وستين سنة من نشر الفوضى في محيطهم بدؤوا في حصاد نتيجة هذه الفوضى وارتداداتها الداخلية عليهم في حراك انطلق في سنة 2019، ولازال حيا يستعد للعودة في سنة 2024، سنة محاولة العسكر الإطاحة بتبون وتنصيب رئيس جديد محله، وأن حكام الجزائر لم يفهموا بعد نصف قرن من صناعة البوليساريو لتجزئة المملكة المغربية، أن هذا البوليساريو بات قنبلة قابلة للانفجار داخل الجزائر، فكيف يريد حكام الجزائر هؤلاء أن يحملوا قنبلة البوليساريو للبناء بها تنظيما إقليميا جديدا بديلا لاتحاد المغرب العربي؟

والثابت اليوم، أن دول المحيط الأطلسي الإفريقي، وهي تتابع الطريقة التي تأخذ بها المملكة المغربية الريادة وتحول المحيط الأطلسي إلى مجال حيوي جديد في النظام الدولي الانتقالي، وكيف تستعد لربط شمال الأطلسي بجنوب الأطلسي الإفريقي، ومد شبكات العلاقات الأطلسية نحو ضفة الأمريكيتين، وكيف أن المملكة المغربية تبني بشراكة مع نيجيريا مشروع أنبوب الغاز الذي يمتد على الأطلسي الإفريقي نحو أوروبا، وأن دول المحيط الأطلسي الإفريقي تتابع المقاربة الجديدة التي يعمل بها المغرب مع دول الساحل، وينقلها من منطقة ينظر إليها العالم من زاوية الحروب والصراعات وموطن التنظيمات الإرهابية إلى نظرة جديدة تعيد إحياء تاريخ مالي والنيجر وغيرها من دول الساحل التي ظلت إلى حدود المنتصف الأول من القرن العشرين ممر عبور التجارة البرية نحو إفريقيا، وطريق حج المسلمين نحو الديار المقدسة، هذه هي الصورة التي يعيد المغرب إحيائها بمقاربة اقتصادية تنموية تفتح لدول الساحل الطريق نحو معبر الكركرات للذهاب نحو أوروبا أو غرب إفريقيا الأطلسية ونحو موانئ المحيط الأطلسي.

ولن يستطيع حكام الجزائر، أمام قوة هذه المبادرة الأطلسية الإفريقية شيطنة صورة المغرب. كما أن الرد على هذه المبادرة بالشروع في التحريض ضد اتحاد المغرب العربي، وتقديم عرض بتأسيس تنظيم جديد يضم البوليساريو، يبدو أنه رد مجانين ولن يقبل به إلا مجنون.

ومع الإعلان عن المبادرة الأطلسية الإفريقية، ترتفع درجة الجنون الجزائري إلى مراحلها القصوى، جنون السياسة والاقتصاد والإعلام وكرة القدم وصولا إلى محاولة إعادة إنتاج نسخة لبوليساريو ثان، وهي سلوكات تكشف الحالة النفسية التي وصل إليها النظام الجزائري، الذي يتحرك منذ نصف قرن بملف واحد يشرح كل سلوكاتهم في مجلس الأمن والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين… إنه ملف البوليساريو وإعادة استنساخ البوليساريو، دبلوماسية جزائرية تحمل ملفا واحدا يقوم على شعار فليمت الجزائريون من أجل بقاء البوليساريو ونسخ جديدة في شكل “مكاتب للإنفصال”، وإذا مات البوليساريو يعاد إحياء بوليساريو جديد، فالنظام العسكري لايمكنه حكم الجزائريين بدون وجود البوليساريو، وتزداد الصعوبة النفسية لقادة النظام العسكري، بأن يستقطبوا كل شخص تائه في أوروبا ويعملون على تحويله إلى “مكتب انفصالي” ويخرجون أيتاما جزائريين إلى الشارع، ويحولون دار أيتام إلى مقر لـ”مكتب انفصالي”، فكم عدد دور الأيتام ومستشفيات المرضى النفسانيين الذين سيفرغهم جبار مهنا لاحتضان “مكاتب انفصالية” ضد المغرب، وهل تحولت دولة الجزائر العسكرية إلى تنسيقية للتدريب على كيفية صناعة المكاتب الانفصالية في خمسة أيام؟

رئيس المركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية والتحليل الأمني

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي