شارك المقال
  • تم النسخ

إحراق القرآن الكريم بين قواعد القانون الدولي والتحريض على الكراهية وازدراء الأديان

لا يمكن أن نكيف ما قام به متطرفون سويديون تحت حماية رسمية للإدارة السويدية، إلا بأنه مس برموز ومعتقدات دينية لما يقرب من ملياري مسلم عبر العالم، على اعتبار أن هذا الحادث المشؤوم مخالف لكل القيم والأخلاق الإنسانية والأعراف والعهود الدولية، ومناقض للمادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي حرمت التمييز بسبب الدين، ومتعارض مع مقتضيات المادة 18 من نفس الإعلان التي تحث على احترام الشعائر والرموز الدينية مع وجوب مراعاة ذلك في السر والعلن، وبمثابة خرق سافر لمقتضيات المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على أن القانون يحظر “أي دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تشكل تحريضاً على التمييز أو العداء أو العنف”.

إن حادث حرق المصحف الكريم يدخل في سياق ازدراء الأديان، وهو بمثابة إساءة أو استخفاف يصدره شخص أو هيئة ما بشأن معتقدات وأفكار ديانة ما، بقصد النيل من رموزها وشخصياتها المقدسة لدى أتباعها، وإشاعة الأفكار النمطية السلبية بشأنها، وتبني مواقف متعصبة أو تمييزية في مجال الديانات والمعتقدات.

وفي هذا الاتجاه يعتبر مؤيدوا سن قوانين منع ازدراء الأديان بأن الهدف من التجريم هو حماية المقدسات الدينية وتطويق مشاعر الكراهية للأديان، لأن انتشارها يهدد التعايش بين الأمم والحضارات ويؤدي إلى الإخلال بالسلم الدولي ويشكل مساسا خطيرا بالكرامة الإنسانية.

كما يرى نفس الفريق أن تجريم ازدراء الأديان لا ينبغي اعتباره تقييد لحرية الفكر والرأي، أو كبت للحق في التعبير الذي ينبغي ألا يستعمل للإساءة للآخرين وإهانتهم، بل يجب اعتباره آلية للوقاية من التطرف والفتن الدينية والطائفية في المجتمعات البشرية التي يسببها التحريض على الحقد الديني.

إن قواعد القانون الدولي المستقرة تحظر التمييز ضد الأشخاص بسبب الدين، بل إن الأمر تعدى ذلك إلى نطاق التجريم وإقامة المسؤولية الدولية على عاتق الدول المعنية عن إخلالها بتلك القواعد على النحو الوارد في أحكام الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.

إن المواثيق الدولية أقرت احترام الأديان، وجرمت الإساءة والسخرية من أعراق الناس وثقافاتهم، لكن البعض في الغرب يتجاهل ذلك عندما يتعلق الأمر بازدراء عقائد الإسلام ورموزه ومقدساته.

إن تطاول مواطنين سويديين على الدين الإسلامي بأفعالهم وسلوكاتهم الحقودة اتجاه ديانة ما يناهز ثلث سكان المعمور، مخالف للمادة 7 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على أن: “الناسُ جميعًا سواءٌ أمام القانون، وهم يتساوون في حقِّ التمتُّع بحماية القانون دونما تمييز، كما يتساوون في حقِّ التمتُّع بالحماية من أيِّ تمييز ينتهك هذا الإعلان ومن أيِّ تحريض على مثل هذا التمييز.

هذا الحادث المؤسف متناقض مع مقتضيات الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، التي تنص على تعزيز وتشجيع الاحترام والمراعاة العالميين لحقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا، دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين، وتحث على اتخاذ جميع التدابير اللازمة للقضاء السريع على التمييز العنصري بكافة أشكاله ومظاهره، وعلى منع المذاهب والممارسات العنصرية ومكافحتها بغية تعزيز التفاهم بين الأجناس وبناء مجتمع عالمي متحرر من جميع أشكال العزل والتمييز العنصريين، وتؤكد على أن جميع البشر متساوون أمام القانون ولهم حق متساو في حمايته لهم من أي تمييز ومن أي تحريض على التمييز.

هذا الفعل غير المسؤول يتعارض مع روح المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تنص على أن يعامل الناس بعضهم بعضا بروح الإخاء والاحترام المتبادل لكرامتهم ومشاعرهم وشعائرهم.

إن إحراق القرآن الكريم يدخل ضمن سياق “تشويه صورة الأديان”، وهي مسألة تناولتها الأمم المتحدة عدة مرات منذ 1999. حيث تم التصويت وإصدار عدة قرارات تضمنت إدانة الأمم المتحدة ل«تشويه صورة الأديان». هذه المقترحات كانت برعاية ودعم من منظمة المؤتمر الإسلامي، والتي تهدف إلى حظر أي تعبير أو فعل «من شأنه إذكاء التمييز والتطرف وسوء الفهم الذي من شأنه أن يؤدي إلى التشرذم والفرقة والتعصب بين بني مكونات المجموعات البشرية والأسرة الدولية.

وفي هذا السياق صدر القرار رقم 66/ 167 بتاريخ 11 دجنبر 2011 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بعنوان: “مكافحة التعصب والقولبة السلبية بالوصم والتمييز والتحريض على العنف وممارسته” ووضع خطة حكومية لمعالجة التوتر بين الأديان وتعزيز التفاهم والحوار، وتوفير استعداد أفضل للزعماء السياسيين والدينيين للتحدث علنا على حوادث التعصب.

وهذا ما نصت عليه المادة الثالثة من الإعلان العالمي ضد التمييز والعنصرية، والذي حث دول الأطراف الموقعة على هاته الاتفاقية ببذل جهود خاصة لمنع التمييز بسبب العرق أو اللون وعدم تهديد السلم والأمن الدوليين وعدم التمييز بسبب اختلاف الدين أو العقيدة.

ونصت عليه المادتان الرابعة والخامسة من ذات الإعلان بحثهما على إلغاء دول الأطراف كل القوانين والسياسات الراعية للتمييز.

وفي نفس الصدد نصت المادة التاسعة على حظر الدعاية الهادفة لإشعال الفتن، وذلك بالزام الدول بأن تشجب وبشدة جميع الدعايات والتنظيمات القائلة بتفوق أي عرق أو جماعة ما، لتبرير أو تعزيز أي شكل من أشكال التمييز العنصري،
وأكدت نفس المادة على ضرورة قيام جميع الدول إعمالا لمقاصد هذا الإعلان ولمبادئه باتخاذ التدابير القوية والإيجابية اللازمة بما فيها التدابير التشريعية وغيرها لملاحقة الأفراد والمنظمات القائمة على هذا التمييز.

وانسجاما مع نفس الاتجاه أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قرارا يقضي بأن الإساءة إلى النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- لا تندرج ضمن حرية الرأي التعبير، ويأتي قرارها ضمن مسار محاكمة وتغريم امرأة نمساوية تمت إدانتها بتهمة إشعال الكراهية الدينية، بسبب تصريحاتها عن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- مما دفعها إلى الاستئناف في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، إذ اعتبرت المحكمة أن هذه الإساءة تؤدي إلى تعميم الهجمات على كل المسلمين، وزيادة أجواء عدم التسامح الديني، وهناك فرق بين النقاش والإساءة.

إننا في هذا الصدد نؤكد المطالب والنداءات الموجهة إلى الجهات الأوروبية، خاصة منها سلطات السويد والدول الأخرى التي شهدت أعمال إساءة للمقدسات الإسلامية، أن “تخرج عن سلبيتها تجاهها، وأحيانا تواطئها مع أصحابها، وأن تترجم مبدأ الدفاع عن حرية الدين والمعتقد وحرية التعبير إلى إجراءات قانونية تمنع تكرار تلك الإساءات وتقطع مع أي ممارسات تحمل الكراهية لأي دين ومعتقد.

كما نوجه نداءنا إلى المجتمع الدولي، ومعه كل حكماء العالم، بالرفع من منسوب الضغط على الدول المعنية لوضع تشريعات متناغمة مع القرارات والاتفاقيات الدولية الداعية إلى الحد من خطاب ثقافة الكراهية للأديان والآخرين المخالفين أيا كانوا”.

إن المجتمع الذي ننشده هو مجتمع العمران الأخوي، الذي يبنى على المحبة والأخوة والتعاون والتراحم الإنساني، وينبذ الأنانية المستعلية والذاتية المقيتة، يقول الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله في كتابه إمامة الأمة “إن دخول دولة القرآن في الساحة لا نريده أن يكون عامل مزيد في الفوضى والقرصنة في العلاقات الدُّولية، فليس من صالح الدعوة الإسلامية، وهي الوظيفة العليا لدولة القرآن، أن يزداد العنفُ، وغمطُ الحقوق، وظلمُ العباد. بل يُصْلِحُها أن يسودَ الاستقرارُ والسَّلمُ ورعايةُ المصالح المشروعة لكل الدول، بإدخال الدولِ الكبرى التي يجب أن نساهم في الضغط عليها بكل وُسعنا، والثورةِ عليها إن اقتضى الحال، لينشأ جو الصداقة والإنصاف بين بني الإنسان”.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي