شارك المقال
  • تم النسخ

وضعية الرحل بالجنوب الشرقي..واقع مأساوي ومستقبل مجهول

بناصا من ميدلت: سمير فركاني

على بعد كيلومترات من النزالة التابعة ترابيا لإقليم ميدلت وعلى غرار باقي مناطق الجنوب الشرقي ، تقع جبال الأطلس التي تنعدم فيها أي فرص النماء، بل تنذر بغياب شروط الحياة على أرضها، إذ من الصعب أن تصدق للوهلة الأولى بأن تجد بين فيافي الجبال و شعابها أكواخا و خياما يسكنها الإنسان في القرن الواحد و العشرين. و بالرغم مما يعرفه هذا العصر من تطورات على كافة المستويات، إلا أن واقع الرحل على نقيض ما يعيشه الإنسان المحظوظ من توفر كل ظروف العيش الكريم.

وضعية التضاريس الوعرة والإمكانيات الضعيفة من لدن الرحل، تجعل حياتهم على محك المعاناة والمأساة، وتزداد صعوبتها مع هطول الأمطار و الثلوج، ما يجعلها أكثر قسوة بما لا يطاق، فينعكس ذلك على واقعهم المعيش ، ما يعدم عليهم فرص الانعتاق من قهر الفقر والهشاشة.

رصدت جريدة (بناصا) نمط عيش أسرة “ميمون ” الفتية والمكونة من ثلاثة أفراد والتي اتخذت لنفسها كوخا متعدد التوظيفات، فبالليل يكون ملاذ غرفة النوم ، ويصبح مطبخا وملجئا للاستلقاء والجلوس نهارا، وإلى جانبه خيمة لمرتع الأغنام والخرفان والدجاج. وإن أول ما يبدأ به الرجل يومه الباكر، بعد إعداد الفطور من زوجته الحامل ، يتجه مباشرة الى إنجاز نشاطه الرئيسي و هو الرعي.

تخرج الزوجة “زهرة” رفقة ابنها ذا السنتين من عمره، باحثة عن الحطب و جلب المياه من آبار، تبعد عن المسكن بمسافات. ومن مسؤولياتها أيضا، طهي الطعام و تحضير الخبز البدوي في كل يوم، أ كان الجو باردا أو حارا ، تعصف فيه الرياح أو الثلوج لن يثنى ذلك عن ترك مزاولة مهامها. عن هذه المعاناة تحكي لنا “زهرة” و التي تقاوم بشراسة ظروفها القاسية. ومما لاشك فيه، ان فترة المرض ، تشتد الصعاب و تتضاعف قساوة العيش. و ما يزيد الوضع بؤسا ، لما تجف الأرض من الماء و يضعف مصدر الكلأ ، حينها تبدأ رحلة البحث عن إيجاد ظروف أكثر ملائمة لمزوالة نشاطهم الرئيسي .

و في ظل هذه الوضعية المزرية، و نتيجة لغياب شروط التعليم و الصحة الأساسية ، وذلك ببعد المدرسة بآلاف الأمتار و بنفس المسافة مع المستوصفات. و بالرغم من كل المجهودات المبذولة من لدن الوزارتين، إلا أن بهكذا ظروف قاسية ، و نتيجة لضعف البرامج الحكومية المنصفة للمناطق الجبلية حسب المجلس الاقتصادي و الاجتماعي والبيئي، فإن من الصعب أن يتم تغيير معالم الواقع المعيش لهاته الفئة الهشة الأوضاع. كيف لا، وأرقام المندوبية السامية للإحصاء تؤكد أن مساهمة المناطق القروية والجبلية لا تتجاوز %5 من الناتج الداخلي الخام للمغرب، ما يعني مزيدا من هدر فرص الإقلاع.

و في سؤال عن مطالبهم إزاء الدولة، يناشدون المسؤولين بحرقة وأنين، وذلك بتمكينهم باللاوازم المخففة لوطأة وقسوة البرد . كما يرجون من الدولة تقديم يد العون لتعليم أبنائهم حتى يتمكنوا من تغيير أحوال معيشتهم، و ينفلتوا من أزمة الفقر المذقع.

أسرة ميمون التي التقتها جريدة بناصا، هي فقط نموذج لكثير من المواطنين الرحل، الذين يئنون، ويتألمون، وبالرغم من ذلك فهم صابرون متحملون لأوضاعهم الماساوية، ولا يرضون مد أيديهم رغم وضعهم المزري، حيث تهالكت أجسادهم جراء قسوة ظروف العيش، ولا من يرفع عنهم على حد قولهم قهر المعيشة الضنكاء.

وبالرغم من الإمكانيات الهزيلة، إلا أنهم متمسكون بنبل القيم والأخلاق الطيبة. وعلى أمل التغيير، فهم مستمرون بمقاومة أشد الظروف بوسائل هزيلة أشبه ما كان يستعمله البدائيون من البشر.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي