شارك المقال
  • تم النسخ

وزان.. تاريخ تليد وحاضر عصيب

نزهة بوعكاد

بعد أسبوع مضن من العمل والتعب حل يوم الجمعة الذي يحمل معه بشرى عطلة نهاية الأسبوع، نهاية ألفنا أن نصمم لها برنامجا لتزجيتها.

استقر رأينا نهاية الأسبوع الماضي على زيارة مدينة وزان، التي زرتها لأول مرة قبل سنة ونصف، ودعتني زياراتي المتكررة لها للكتابة عنها.

وزان، المدينة التي لم تتحرر من تبعيتها الإقليمية لمدينة سيدي قاسم إلا بعد التقسيم الجهوي الجديد، ومن اضطرار ساكنتها إلى قطع مسافة تزيد عن ثمانين كيلومترا عبر طريق مليء بالمنعرجات والحفر لأبسط غرض إداري، مدينة هادئة تمد راحتيها لتستقبلك عند مدخلها بشوارع واسعة وأرصفة ضيقة، مما يضطر الراجلين إلى المشي وسط الشوارع فرادى وجماعات، لايأبهون للسيارات المارة ويضطرونها للتوقف كل لحظة.

وزان، مدينة صغيرة، يطبعها كل ما هو روحاني وصوفي، مختلفة عن غيرها من المدن التي عرفتها من قبل، تسحرك بعمرانها العتيق ذو اللونين الأبيض والأخضر الفاتح، فرغم ضيق الأزقة والممرات في الأحياء وارتفاعها الجبلي إلا أنك تجد نفسك مستمتعا بقضاء الوقت بها، تستمتع بتراتيل القرآن الشجية الصادرة من أحد المساجد العتيقة بعد صلاة المغرب، بشكل الأطفال الذين يلهون في الزقاق بألعاب هجرها معظم أطفال المدن، بلكنتهم الجبلية المميزة وملامحهم الشقراء وعيونهم الزرق. يدهشك حرص الوازانيين على استهلاك كل ماهو طبيعي كالليمون الحامض والزيتون والثوم.. وماله صلة بالأعشاب “الزياتة مثلا”.

في وزان، كل شيء صغير “ستيتو” بلهجة أهلها، فحافلاتهم الصغيرة “كْوِيَرْ”، ومتنفسهم الأسبوعي “بْحَيِّرْ”، والسوق “سويق”…

قرأت يوما أن المدن تعكس قلوب سكانها، فإذا أظلمت هذه القلوب وأفِلت روحانياتها فإن هذه المدن تفقد بريقها وبهاءها، ولذلك لم أستغرب من البريق والبهاء الذي يحيط مدينة وزان فرغم كل ماتعانيه من مشاكل اقتصادية، فقلوب أهلها مؤمنة، سليلة المسيد واللوح ودار الضمانة، محافظون يظهر الوقار على رجالها والحشمة على نسائها، أناس بسطاء، يعيشون بساطتهم بسعادة، يبتسمون في وجه الغرباء بعفوية، متريثون فلا يستعجلون أمورهم ولا يضجرون، لا يبدون عبوس اهل المدن الصاخبة.

أما إذا كتب لك أن تجالس أحد شيوخ وزان، فستغنم علما غزيرا، وحكمة فريدة، أبهرتني قدرة الجد محمد على الاستدلال على المعنى بآية قرآنية في الحين، وتفسير الفرق بين الإنسان والملك والحيوان بسلاسة بالغة وتحليل دقيق لم أنتبه إليه يوما، ونحن جالسون إليه نصغي له باهتمام وفي كل مرة يتوقف نستزيده أكثر.


هكذا قضيت عطلة نهاية الأسبوع بمدينة وزان، التي منحتني شعورا بالراحة يعز عن الوصف، أغرمت بها فحملتها في قلبي وأنا أغادرها، ولو كنت أقرض الشعر لقلت كما قال أحمد البُقيْدي:

أين شعـري وبيانـي * من رَوَابيها الحسانٍ
بلـدتي وزان رَبْـع ***فاض من خلْد الجِنان
روضُ زيتون وتيــن***ماله في الحُسن ثـان
قلعةُكانت وتبقـــى*** دار أمنٍ و ضمــان

n.bouagad1@gmail.com

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي