Share
  • Link copied

منطقة تندوف للتجارة الحرة.. إلا الحماقة أعيت من يداويها!

“لكل داء دواء يستطاب به*** إلا الحماقة أعيت من يداويها” الشاعر أبو الطيب المتنبي

شهدنا البارحة حدثا يزيد العالم قناعة وخبراء الاقتصاد والاستثمار إيمانا أن الجزائر أصبحت أضحوكة العالم، وأن الحماقة أعيت من يداويها، على حد تعبير المتنبي، ليس من حيث تطور البلاد نحو الاقتصاد المنتج والمتنوع، ولا عبر نموذج اقتصادي وتنموي مبتكر، ولكن عبر ما ينتجه نظامها من أساليب اختلطت فيها المفاهيم العصرية على صناع القرار بقصر المرادية فشُبه لهم التبادل الحر وكأنه سوق أسبوعي كأسواق أربعاء لكفاف أو ثلاثاء سيدي بنور أو كـ”جوطية” لبيع المتلاشيات، مع العلم أن النشاط التجاري بهذه الأسواق والـ”جوطيات” سيكون أكثر تنظيما وربما يحقق رقم معاملات أكبر مما يمكن أن تجنيه دولة الجزائر من سوق تندوف المسمى عبثا منطقة التجارة الحرة.

وهنا سنبسط الرأي بشكل علمي وأكاديمي.

من المعلوم أن مناطق التجارة الحرة باعتبارها مفهوما اقتصاديا يعود للعصور القديمة، وفي صيغته الحديثة نشأ بعد الحرب العالمية الثانية نتيجة نجاح مخطط مرشال لإعادة إعمار أوروبا، وكان نواة لنشأة الاتحاد الأوروبي كتنظيم إقليمي ومنطقة تبادل حر، كما تطور هذا المفهوم واتسعت دلالته مع إنشاء منظمة التجارة العالمية بعد اجتماع مراكش في 1995، حيث بدأ التفكير في تحرير المبادلات.

كما تطور المفهوم في مناطق جغرافية متعددة في الصين وأمريكا اللاتينية وإفريقيا ومجموعة البريكس وغيرها من المناطق التي تأسست عبرها تلك المناطق كمجموعات أو اتفاقيات ثنائية كاتفاقيات التبادل الحر التي تربط المغرب بمجموعة من الدول كالولايات المتحدة الأمريكية، و هنا لم نلاحظ أن القوة الاقتصادية الأولى في العالم وبلدان صاعدة على المستوى الاقتصادي قد دشنت “سوقا أو بالأحرى “جوطية” في البر أو البحر من أجل تبادل السلع أو بيعها على شاكلة ما يتخيل أصحاب العقول النيرة في الجارة الشرقية.

هنا يبدو أن الأمر اختلط على صناع القرار في الجزائر بين المناطق الصناعية الحرة التي توفر امتيازات ضريبية وجمركية لبعض المقاولات في إطار دعم عملية جلب الاستثمارات الخارجية واستقطاب الشركات العالمية، والحالة هنا المنطقة الحرة بطنجة ومفهوم المناطق التجارية الحرة التي تعتبر تجمعا جغرافيا لمجموعة من الدول ترتبط باتفاق يؤطر المبادلات التجارية داخل هذه المنطقة دون أن تكون هذه المبادلات محددة في منطقة معينة.

وفي ظل انسداد الأفق في المحيط الإقليمي للجزائر لم تجد سوى الجارة موريتانيا تحت عوامل الضغط والابتزاز والتخويف لتشركها في تلك الصورة الكاريكاتورية لحظة تدشين “جوطية تندوف” وتستقدم الرئيس الموريتاني الذي نجا من محاولة اغتيال دبرها ابن الرئيس السابق المقيم في الجنوب الجزائري رفقة الجماعات المسلحة النشطة في المنطقة والتي نتج عنها اغتيال حارسه الشخصي حسب المعطيات القادمة من هناك.

لقد كان للمبادرة المغربية الأطلسية وتأثيرها ووزنها أثر نفسي عميق لدى حكام الجزائر الذين بدؤوا يستشعرون العزلة القادمة والمستقبل الحالك الذي ينتظر كيان الدولة هناك، وبالرغم من كل المناورات فإن هذه المبادرة تسير بخطى الثبات وتكسب ثقة الشركاء في كل دول العالم ويدعمها سياق التوتر في مناطق أخرى كمنطقة البحر الأحمر التي تعيش على وقع تهديدات الحوثيين مما يفرض تغييرا في مسارات السفن وسلاسل التوريد العالمية، ويفتح الأفق لارتفاع الحركية والنشاط التجاري على الواجهة الأطلسية ورفع جاذبية الاستثمارات في موانئ الدول المطلة على الأطلسي والتي تعتبر كذلك أسواقا واعدة، فهل ستنخرط موريتانيا في هذه المقاربة وربما قد تحتاج هذه الدولة دعما ومساعدة في الجانب الأمني من أجل رفع وتجاوز التهديدات الجزائرية عبر الأدرع الإرهابية التي تشتغل في الجنوب وضمنها جبهة البوليساريو.

إن ما وقع من تغييرات على مستوى دول الساحل وبعض الدول الإفريقية وخفوت الدور الفرنسي وتصاعد دور دول أخرى ساهم بشكل كبير في إضعاف التأثير الجزائري والتي هي في حاجة لرجة داخلية تغير معالم نظام الحكم العسكري وتتجاوز منطق العقدة النفسية وتستوعب نداء الملك محمد السادس في خطبه ويده الممدودة التي تجعل المملكة المغربية المنفذ الوحيد والمنقذ للاقتصاد الجزائري من الانهيار القادم لا محالة في ظل التوقعات بحدوث صدمة في سوق الطاقة، وكذا الأسواق المالية وسلاسل التوريد والتي قد تهدد الشعب الجزائري بمجاعة باعتبار أن أغلب ما يستهلكه هو واردات يشتريها ببيع المحروقات.

Share
  • Link copied
المقال التالي