شارك المقال
  • تم النسخ

فلاديمير بوتين.. الزعيم القومي الذي أنقذ روسيا من التفتت والانهيار

جميلة عاطف من روسيا

بوتين يسلم السلطة. هكذا عنونت احدى الصحف الروسية البارزة صفحتها الاولى فور تقديم  فلاديمير بوتين اقتراحات لتعديل الدستور في خطابه أمام الجمعية الاتحادية.سريعا بعد نحو ساعة أعلن ديمتري مدفيديف استقالة حكومته او طلب منه ذلك ان تحدثنا بلطافة وسريعا أيضا عينه بوتين نائبا له في مجلس الامن القومي.

وبعد نحو ثلاث ساعات عقد بوتين اجتماعا مع مستشارين دستوريين وبرلمانيين لصياغة مقترحات تعديل الدستور  وتقديمها للبرلمان، الدوما، بسرعة وليس بتسرع يتم رسم خارطة طريق السلطة والحكم لما بعد بوتين في الكرملين رغم ان المسافة المتبقية تمتد لأربع سنوات.

في العام أربعة وعشرين يكون بوتين قد حكم البلاد في مرحلتها الانتقالية من الانهيار إلى استفاقة الدب لمدة عشرين عاما في الكرملين، وأربعة وعشرون، إن احتسبنا الحكم من موقع رئاسة الحكومة، أو القصر الأبيض، الذي يطل على الكرملين من مسافة لا تتجاوز الألف متر بقليل.

إلى اين تسير التعديلات الدستورية المقترحة وما هي اهدافها؟

كلمات معدودات فتحت شهية النقاش في الاوساط السياسية والاعلامية والقانونية في روسيا حول صيغة الحكم المحتملة التي يريدها بوتين لما بعد تركه كرسي الكرملين.

يقول الرجل إنه يعرف قلق المواطنين وهواجسهم من المرحلة المقبلة. فهو ارتبط اسمه  بمنع تفتيت روسيا وبعودتها إلى الصف الأمامي للدول الكبرى والعظمى، على الاقل سياسيا وعسكريا.

تسلم ابن سانت بطرسبورغ او لينينغراد (بالتسمية السوفياتية) قيادة روسيا بداية عام 2000 بأطلال دولة وتنخرها كل مؤشرات التقسيم والتفتيت لامبراطورية تناهز مساحتها 17 مليون كيلومتر مربع وتنام على بحار  احتياط نفط وغاز .

هو ابن جندي مقاتل في الحرب العالمية الثانية وهو سليل جهاز كي جي بي، أحد أقوى أجهزة الاستخبارات التي شاركت في حكم الكوكب لنحو 70 عاما. فهل سيخرج بوتين من موقع صنع القرار؟ أي صيغة ستعطي لـ”بوتين” حق المشاركة في صنع القرار الروسي داخليا أولا وخارجيا، ثانيا؟ وماذا عن القلق الداخلي؟

الحديث هنا يدور عن مجلس رئاسي، هو اقترح توسيع صلاحيات البرلمان(الدوما) في تشكيل الحكومة. وشدد على أن تبقى روسيا في نظام رئاسي. وبما أن الدستور لا يسمح لبوتين بأن يترشح مرة ثالثة للرئاسة والتي تمددت من 4 سنوات إلى ست، وبما أن تبادل المواقع كما جرى عام 2008 وانتقاله إلى رئاسة الحكومة، لم تعد سهلة الترويج فان استنساخ فكرة مجلس رئاسة الدولة (مجلس السوفيات الاعلى ايام الحكم الشيوعي) قد يكون صيغة ملائمة كي يبقى بوتين المرجعية الوطنية للقرارات الاستراتيجية خصوصا في ظل صراع تشكل النظام الدولي المتعدد الاقطاب.

داخليا، هناك قلق حقيقي من غياب بوتين عن موقع القرار الاول. الرجل يمسك بمفاتيح التوازنات  بين أقطاب الاوليغارشية في ظل صعوبات اجتماعية واقتصادية تتحمل العقوبات الغربية قسما من أسبابها وهو يمسك بتوازنات العلاقة مع الغرب، وفي الوقت نفسه نجح بدفع العلاقة مع الصين إلى طريق استراتيجية. 

يؤخذ على سياسة بوتين الاقتصادية أنها ارتكزت على استراتيجية اقتصاد الطاقة من دون العمل سريعا على النهوض وإحياء الصناعات الوطنية وتحديثها (غير الصناعات العسكرية الأكثر تطورا في العالم) هذه السياسة ظهرت تداعياتها السلبية في معركة مواجهة العقوبات الأمريكية أولا، ومن ثم الأوروبية الغربية ثانيا.

في خطابه السنوي أمام الجمعية الاتحادية كشف الزعيم الروسي عن بعض الصعوبات الداخلية. فهو تحدث عن ضرورة تطوير وتحديث ودعم القطاع الصحي واأيضا التربوي واقترح اعتماد بعض التقديمات في المدارس والتي كانت أيام العهد السوفياتي مثلا (تقديم الطعام مجانا لتلامذة المدارس حتى السنة الرابعة ابتدائية) ووصف هذه المرحلة بأنها مرحلة تعزيز رواتب الموظفين والتقديمات للمتقاعدين.

إذن، ما بين توسيع صلاحيات البرلمان والبقاء على نظام رئاسي قوي وما بين زعامة حزب روسيا الموحدة الحاكم حاليا، والذي يترأسه مدفيديف سينبثق مجلس الرئاسة، فهل سيكون هو الموقع الجديد لبوتين بعد العام 2024 وعبره سيبقى الممسك بالقرارات الاستراتيجية؟

إن قضية استمرار حضور بوتين في الحياة السياسية الروسية قد تكون من المسلمات الوطنية نظرا لأهمية هذا الرجل الذي يحلو للكثيرين في روسيا بوصفه أب النهضة الجديدة لروسيا واستعادة عظمتها والذي أفشل مخططات تفتيتها. فقضية استمرار بوتين ليست جديدة، فمنذ عام 2008 تداولت الأوساط الإعلامية والسياسية في روسيا فكرة تدعو إلى تكريسه  مرجعية في الخيارات الوطنية والاستراتيجية وان يتم اعتماد توصيف الزعيم الوطني عبر مشروع قانون في البرلمان(الدوما).

وهذا الكلام تزامن مع اقتراب مغادرة بوتين للكرملين وتسليم الرئاسة مؤقتا لمدفيديف. التذكير ببعض القرارات الاستراتيجية الخارجية قد يكون مهما لمعرفة المدى الذي استطاعت روسيا بوتين الوصول اليه في الساحة الدولية.على قاعدة الاستراتيجية الاوراسية نسج بوتين خيوط لعبة العودة وتكريس دور روسيا. ومدى أهمية وخطورة هذه الاستراتيجية في الصراع مع الولايات المتحدة يمكن استنتاجها من رأي لـ(زبغنيو بريجنسكي) مستشأر الامن القومي للرئيس جيمي كارتر في سبعينات القرن الماضي في كتابه “رقعة الشطرنج الكبرى”، فروسيا بالنسبة للأميركيين هي روسيا غير الموجودة، روسيا المحطمة التي يستغلها جيرانها.” محطتان بارزتان في سياسية روسيا بوتين الخارجية في القرن الحادي والعشرين.

في 30 سبتمبر عام 2015 أعلن بوتين من الأمم المتحدة بدء التدخل العسكري الروسي في سوريا لتنطلق في لحظة الاعلان “عاصفة السوخوي” ضد كل المعادلات الغربية والإقليمية التي بدأت ترسم منذ انطلاق الأزمة عام 2011 بصرف النظر عن التسميات او المصلطلحات ما بين ثورة او معارضة او جماعات ارهابية كداعش وغيره.نجح بوتين في فرض معادلاته السورية وبالتالي بات صاحب القرار الاول في مسار الازمة ومنها عادت روسيا ليس إلى موقع الشريك المتلقي أو الجالس في قاعة انتظار الأدوار، بل إلى موقع الفاعلين في صنع قرارات المنطقة عسكريا وسياسيا.

كل ذلك فيما الولايات المتحدة انطلقت الى استراتيجية الذهاب الى الشرق لمواجهة الصين والتخفيف من دور المتحكم الاول بسياسات الشرق الاوسط. ولعل استراتيجية الذهاب إلى سوريا المشمولة في الخارطة الاوراسية الروسية قد وجدت في الحرب الجورجية عام 2008  ما تستند غليه، ما سبق معركة ترويض اندفاعة الحلف الاطلسي لاستكمال حصار روسيا من القوقاز ولاحقا أوكرانيا كان كلام بوتين عام 2007 في مؤتمر ميونيخ للأمن. يومها استفز ذاكرة الغربيين واستراتيجياتهم وأعاد إلى اذهانهم ان هناك دولة كبرى اسمها روسيا ستعود.

وجاء في خطابه “لا يمكن أن يحكم بقوة واحدة ويجب أن يكون القانون الدولي هو الاساس و”من الآن وصاعدا ستسمعون كلاما ربما نسيتموه ” .

كيف تصرف بوتين مع الحرب الجورجية وهو في موقع رئاسة الحكومة؟

في 8 اب اغسطس 2008 شنت جورجيا السوفياتية السابقة وبرئاسة مخائيل ساكاشفيلي الموالي كليا للغرب والطامح لدخول الحلف الاطلسي حربا مباغتة على مقاطعتي اوسيتيا الجنوبية وابخازيا المنفصلتين عنها وكان الاختبار الأصعب أمام القيادة الروسية وجيشها للحفاظ على مسار تشافي روسيا من سبات وانهيار التسعينيات مرحلة بوريس يلتسين. بوتين حينها كان في الصين يشارك في افتتاح ألعاب أولمبية، فقطع زيارته عائدا ولكن ليس الى موسكو وانما الى أوسيتيا الشمالية شقيقة الجنوبية التي تواجه حرب ساكاشفيلي. من هناك أصدر بوتين قراره بسحق هجوم جورجيا وضرب خطة الاطلسي لحصار روسيا سياسيا وعسكريا من جنوبها القوقازي بالتكامل مع أوكرانيا قبل انتخاب ياناكوفيتش خلفا لفيكتور يوشينكو احد  قادة ما سمي الثورة البرتقالية عام 2004 والمدعوم غربيا  لتصبح روسيا في نصف دائرة حصار مع تمدد الناتو شرقا إلى حدودها الغربية.

انتهت الحرب في جورجيا بعد 5 ايام بتدخل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وبتوقيع ساكاشفيلي وثيقة الاستسلام. في الداخل انهى بوتين حروب التفتيت التي بدأت عام 94 في الشيشان وانتهت مطلع الالفية. أنهى حكم مافيات الاوليغارشية التي تحالفت اسالاعلام وتحكمت بالقوى السياسية.

أعاد القوة للقانون وأعاد، كما يقول الروس، الهيبة والكرامة لدولتهم. بقيت التحديات الأصعب في كل روسيا وهي التحديات الاقتصادية والاجتماعية، الأزمات تمتد من الديمغرافيا حيث المجتمع يحاصره الهرم والولادات تتراجع نسبها رغم الإغراءات المالية، والفقر أيضا أصاب شريحة واسعة من المجتمع والصناعة تواجه صعوبات التحديث والاقتصاد عامة أمام تحدي تنويع مصادره كي لا يبقى اقتصاد طاقة فقط (نفط وغاز) وقطاعات الصحة والتعليم وتسخير التكنولوجيا للمجتمع والتخلي عن حصرها في الصناعات العسكرية والفضائية من أبرز التحديات.

فهل فعلا تستطيع روسيا مواجهة كل هذه التحديات المستقبلية والاستراتيجية من دون دور ريادي لبوتين؟ وهل الأزمة في عدم تحويل روسيا كليا الى حكم المؤسسات بصرف النظر عن أهمية الاشخاص ؟ هل ما زالت روسيا في عملية الخروج من المرحلة الانتقالية اي ما بعد انهيار التسعينات؟فهل كل ذلك يحتم بقاء بوتين الزعيم ومهما يكن توصيف الموقع ان كان رئاسة الكرملين او رئاسة مجلس الدولة؟

*إعلامية مغربية مقيمة في روسيا

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي