شارك المقال
  • تم النسخ

عبد الصمد بلكبير اليساري البنكيراني.. وبؤس التحليل السياسي

  سعيد ألعنزي تاشفين*

لا يمكن التعليق على مواقف السيد بلكبير إلا بكونها مثيرة للشفقة. منذ مدة و أنا أتابع خرجاته من على منابر وطنية، و هو يظهر من خلال تحليل الخطاب أنه فعلا يمتح من مرجعية “يسارية ” مشبوهة فعلا تحاول أن تسترجع تميزها عن الجنوح العام للمغاربة المعادي لما أسفرت عنه مخططات ابن كيران الذي خرب كل شيء، وقدم المغرب للأقلية من الأغنياء على طبق من ذهب.

وما نلحظه أن بلكبير يعمل جاهدا كي يظهر كيساري نزيه قادر على تصريف مواقف ايجابية عن “الزعيم” الإسلامي الذي تحاصره الدولة !! لكونه يكافح ضد الأوليغارشية المتحكمة في إنتاج الحروب !!لقد أصيب بلكبير بهوس باطولوجي خطير لدرجة أنه أصبح يصرف مواقف تحت طلب التسويق السياسي لنفسه كرجل “حر” في إبداء إعجابه بعراب الليبرالية المتوحشة التي انتصر لها الشعبوي الأول صاحب أخطر الإنتهاكات الحقوقية اقتصاديا في مغرب ما بعد الربيع الديموقراطي.


و يكفي وضع كل المفردات المشكلة لـ” الخطاب ” السياسي لبلكبير للتأكد أنه فعلا منبطح أمام “الظاهرة البنكيرانية” بما يشرعن البحث عن دواعي ذلك ، كأن نتصور أنه يفترض أن عودة ابن كيران متاحة خلال استحقاقات 2021 ؛ و هي فرصة اليساري الانتهازي للانقضاض على منصب سام من مدخل التعيين في المناصب السياسية باقتراح من ولي نعمته، أو حقيبة في حكومة لن يترأسها حتما سوى الإسلام السياسي الليبرالي ، خاصة مع إبعاد إلياس العماري و ضعف الأداء الخطابي للسيد عزيز أخنوش ، ومع ما يحصل للاتحاد الاشتراكي تحت ضربات العبث الذي يمارسه إدريس لشكر ، و سيما أن حزب الاستقلال أضحى دون مستوى اللحظة بسبب كون أمينه العام يحمل ” بروفايلا ” رسميا نخبويا بورجوازيا لا يناسب زخم الاحتقان الاجتماعي الحاصل ، حتى أن إزاحة حميد شباط يفيد أن كل الطرق معبدة لعودة الحزب الإسلامي الليبرالي المحافظ الى رئاسة الحكومة مستقبلا .


إن بلكبير يتفهم أن الدولة متوافقة مع ابن كيران بشكل يخلق منطقة ضبابية في التحليل لدرجة أن الشعبوي هذا يبدو، في غالب الأحيان ، أكثر دهاء من الدولة، حتى إنه مثلما نجح في تبخيس مؤسسة رئاسة الحكومة، يحاول تسفيه مؤسسات أخرى أهم بذكاء دقيق، وهو ما لا يمكن أن يفهمه سوى من دقق النظر في طبيعة الخطاب الشعبوي الإسلامي الذي راكم لثلاثة عقود تنظيرات استراتيجية خطيرة مسنودة بماكينة دعائية دولية/ أمريكية دون تردد.


المُلاحظ أن بلكبير في خرجته الأخيرة يسوق لخطاب “ديموقراطي” شعبوي بئيس، يجعلنا، من خلال تفكيك الخطاب و مضمون رمزيته أمام نظيمة “الشيخ و المريد” التي كان فيها عبد الله حمودي متمكنا من آليات تشكل التبعية والتماهي من منطق أنتروبولوجي عميق، وما ابن كيران سوى “الخليفة ” المفقود في اللاشعور الجمعي للمريدين.


وبؤس خرجة بلكبير تتجلى في محاولة رد خيبة ابن كيران انتصار للنظافة من منطلق تحويل العظمة إلى انتصار، و كأن الزعيم وقع ضحية لمؤامرة تورطت فيها الدولة وأحزاب الإدارة، و كل قوى الرجعية، ضد محرر المغرب من المديونية وإخفاق التعليم و تعسف الإدارة و الإثراء غير الشرعي عبر “تحرير” سوق المحروقات.


إن أقل ما يقال عن الخرجة الباطولوجية حيال رجل دمر نفسه وخرب حزبه وأساء للشعب، وذلك من خلال تدمير كل المكتسبات في رمشة عين بقرار رجعية لا ديموقراطية، حتى إن التهور في تخريب ملف التقاعد الذي استهدف من خلاله عموم الموظفين الذين لا يبلغون سوى أقل من مليون موظف، في كل القطاعات لشعب يتجاوز التلاثين مليون نسمة. كيف لا والشعبوي كان يصف الموظفين بأبشع الأوصاف في مداخلات موثقة صوتا وصورة ، في حين أنه يبدو جبانا جدا وفاقدا لعذرية اللسان حيال الأثرياء الذين يرهنون الوطن ويحولونه تعسفا إلى صفقة مربحة وإلى أصل تجاري.


فالجرأة المتوافرة في فرض تخريب التقاعد وفق الثالوت المشؤوم، وتخريب الوظيفة العمومية بتبخيس حق فقراء الشعب من عمل قار و مريح، لا كما جاء به الإسلام السياسي الذي حول التعليم إلى “موقف ” لطلب الشغل في ظل استهداف فج لأنبل مهنة وتحويل الأستاذ والمعلم إلى أجير مستباح.

بالمقابل ماذا فعل الشعبوي الأول من إغلاق لاسامير غير بعيد من العنتريات الورقية للسيد “بووانو ” الذي عجز عن موافقة حزب البام في الدفع نحو تشكيل لجنة تقصي الحقائق في مبلغ 1700 مليار الذي كانت صفقة مثيرة للنقاش، بل مدعاة للشبهة.


إن حكومة ابن كيران أساءت للمغاربة وخلقت مشاكل حقيقية للدولة وبخست صورة المغرب دوليا، حتى أن الدولة تماهت في غالب الأحيان مع انزياحات بن كيران بما خدش صورة الوطن داخليا و خارجيا.


إن بن كيران ظهر دائما أكثر ذكاء من الدولة للأسف، بما يجعله يناقض نفسه و ينقلب كليا و يورط الدولة في قرارات مجحفة توثر مناخ السلم المجتمعي ويخلق إحساسا جماعيا بالغبن و الحكرة . فكيف ليساري نكوصي من طينة بلكبير أن يدافع عن ابن كيران الذي سيشوه الدولة ، لولا المعاش المأخوذ من اقتطاعات الموظفين الفقراء ، لأنه كان معوزا ولم يجد ما يسد به رمقه، حتى إنه كان يفكر في العمل كسائق طاكسي !! إنه منتهى الشعبوية أن ينطق من يدعي شرف النزاهة السياسية للتصريح بهكذا موقف من رجل كان موظفا عموميا لعقود ، وكان يحصل على أجرة برلماني لسنوات، وكان يتمتع بالتعويضات الدسمة كرئيس للحكومة، علاوة على تعويضات التنقل والسفر والتقارير … دون أن ننسى مواقعه في التعليم الخصوصي و في مصنع ” جافيل “.

إن ادعاء بن كيران للعوز ليس سوى مجرد تمويه للرأي العام بأسلوب شعبوي عاطفي يستنجد بالميزاج العام لإعادة ترميم بكرته السياسية الممزقة تحت نهم السلطة والانتهازية المغرضة لرجل تمرد على تاريخه الدعوي الأخلاقوي وسقط عنه القناع خلسة أمام لذة المال العمومي واستسلم لجشع المنصب، منتقما من سنوات الدعوة و التبليغ منذ الشبيبة الإسلامية الى الإصلاح و التوحيد، ليتحول من مرحلة “غرغري أو لا تغرغري ” إلى مرحلة “عفا الله عما سلف ” نحو الضربة الموجعة حيث أصبح يستفيد من “معاش” سبعة ملايين سنتيم شهريا !!


و نتساءل مع يساري الشيخوخة الفكرية من يؤدي المعاش لابن كيران ؟ هل من صندوق الباطرونا !! أي من اتحاد مقاولات المغرب ؟؟ أم من ميزانية البورجوازية الفلاحية المعفية من الضرائب !! ونهمس في أذن بلكبير إن المعاش يؤخذ تعسفا من صندوق معاشات جحافل الموظفين الذين استهدفهم عراب الشعبوية الإنتهازي الأول بالإقتطاعات من مستخلصاتهم الهزيلة أصلا باجتهاده البليذ “الأجر مقابل العمل”، ولسان الحال يؤكد إن بن كيران كان عازما على تمرير ” صفقة القرن ” لأنه كان يعي أنه سيستفيد من تلك الإقتطاعات التي ليست سوى دماء الموظفين وعرق جبينهم المباح تحت تأويل ” كومبرادوري ” لعوز بن كيران.


إن معاش السحت لم يكن يوما درسا من دروس الأخلاق التي كان يقدمها الداعية عبد الإلاه للإخوان المريدين ، قبل أن يقص اللحية انسجاما مع الصالونات المكيفة ومع اللقاءات المخملية و مع التوافق مع الإسلام الأمريكي الناعم ليبراليا، كأداة إجرائية لابتزاز الأنظمة من جهة وإخماد ديناميات الشعوب من جهة ثانية .


إن حديث بلكبير عن الرجعية و هو في معرض حديثه عن طهرانية الأمل الموعود من أجل منصب مرتقب عام 21، يعكس انتهازية فكرية تجعل المتكلم يتناسى كيف ولد الإسلام السياسي منذ عام 1928 بالضبط مع الإخوان المسلمين ، حتى أنني أحيله على كتاب ” الإسلام و أصول الحكم ” ، لفهم كيف تتجلى الرجعية فعلا كما قعد لها علي عبد الرازق ، منذ القديم نحو لحظة الولادة بمصر ، وإلى الأن كتجل لتطويع الولايات المتحدة للقرار السياسي السيادي للأنظمة عبر مدخل الإسلام السياسي وفق نسقية الشرق الأوسط الكبير و شمال افريقيا كنظيرية قعد لها رواد الفوضى الخلاقة ومجددا، هنا ، نهمس في اذن اليساري البنكيراني إن الإسلام السياسي عندنا تلقى تكوينا دقيقا بعقر دار ” العام سام ” من أجل تحديد منحى الفعل وفق مخرجات الأنتروبولوجيا السياسية التي تولد من دهاليز البنتاغون مسنودة بميزانيات ضخمة و ببحث علمي استراتيجي خطير بهدف إنتاج شعبوية موجهة مثل شعبوية ابن كيران ببروفايل متفق عليه كما هو عليه حال صاحب ” غرغري او لا تغرغري ” ، لا على منوال عمر بن الخطاب ، الأمام العادل ، بل على شجن حي الليمون و السيارة المصفحة ثورة منه على الزهد في الدنيا كما كان إبان سنوات الأخلاق و دروس الموعظة في اللقاءات المغلقة لما توافق الإخوان و الوهابيين بحر ثمانينيات القرن الماضي .لقد كان عبد الصمد بلكبير فعلا محللا سياسيا لا يميز بين العقل و المزاج ، و بين الرأي و الفكرة ، و بين الموقف و التصور ، و بين التحليل و القول ، و بين الإنتصار و التماهي .. إنه سقط في تبخيس نفسه من مدخل البحث عن التميز ، على خلاق المنحى العام ، و هو تماهي مع ما أضحى يلجأ إليه بعض وجوه يسارية أخرى تعادي كل مواقف الدولة، مهما كانت ، تنفيدا للمبدأ القديم / الجديد ” عرقلة ما يمكن عرقلته في افق العرقلة الشاملة ” ، و ما المواقف ” اليسارية ” من ملف بوعشرين و من حامي الدين سوى بوليميك مضبوط ضد الدولة للدفع بها إلى تغيير المعطيات بمنطق ابتزازي فج ؛ حتى إن مناصلين كبار من طراز الحبيب حاجي و محمد الهيني ليسوا سوى ” المخزن المناضل ” ، رغم ان حاجي قدم الضريبة مع رسالة الى التاريخ ، و الرجل يشتغل بهدوء و بمرونة فكرية و بوطنية صادقة تنتصر لليسارية بنبل و دون مراهقة ثورية ، غير بعيد من رفيقه الهيني الذي كان فذا في مواقفه و شهما في قرارته لصالح المعطلين ، ضحايا محضر 20 يوليوز ، و ما الحكم الصادر ابتدائيا و المطعون فيه استئنافيا من لدن ” النزيه الفقير ” بن كيران الذي استعرض عضلاته على شباب مغاربة معطلين ، سوى بطولة مؤرخة بمداد الفخر لرجل وطني كبير . كيف لا و ” اليساريون الأنبياء ” يشككون في نزاهة الهيني الذي انتصر للسلطة القضائية و انتصر للنساء السلاليات وانتصر للمعطلين إيمانا منه بالعهد الجديد الذي تسبب له ابن كيران في ازمات حقيقية ، و بكل مسؤولية ، مستعد للتأكيد على ذلك علميا و سياسيا .

إن مناهضة اليسار لليسار ، في ملفات بوعشرين و حامي الدين، و انتصار اليسار لابن كيران مع بلكبير و نبيل ابن عبد الله قبله ؛ يعكس ضبابية خطيرة تجعلنا نعتمد الشك المنهجي الديكارتي في من يمسك ” التليكونوند ” و يحرك كل هذه الخيوط و لصالح من !! ، رغم أن دعم الإسلام السياسي و محاولة تخليد تاريخ ابن كيران الفاشل بمداد الزور و التدليس ، تعبيدا للطريق أمامه نحو استحقاقات 21 ، أضحى جليا ، حتى أن تخوين حاجي و لهيني النظيفين أكثر من يسار الكافيار و التحفيزات الخارجية ، من أجل استعراض العضلات ، وحتى إن تنصيب بلكبير محاميا شرسا للشعبوي ابن كيران ، كل ذلك يتموقع ضمن البروباغوندا نفسها المستفيدة من تحرير الإعلام بما يخدم خطا تحريريا واحدا ، يدفع في اتجاه ارباك بصيص أمل متاح أمام الشعب للخروج من دائرة الضبابية ، و انزياحات ما يسمى بالإسلام السياسي و تحريف اليسار الراديكالي ، عبر بعض وجوهه ، لمنهجية استعداء المد الأصولي ، و التوافق على عدو مشترك هو الدولة ، و لو بالتحالف مع نظرية القومة في انتظار الإنكسار ، يؤكد رجعية انتهازية حقيقية عنوانها العريض هذه الخرجة البئيسة ليسار الخردة الذي مثله بلكبير رفيق الأخ عبد الإلاه الفقير و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم.


وختاما إن منهجية الإستبلاذ و الإستغباء لا تليق بنا ، فنحن هنا نريد المساهمة في دمقرطة الدولة والمجتمع دون اي قبول منا للإنكسار ولا للعرقلة، حيث يتوافق الرجعي النكوصي مع التقدمي المتنور لفرملة اليسار العقلاني و للمزايدة الدونخيشوكية على طوح شعب عظيم جريح في غذ مشرق بعد طي صفحة الرجعية الدينية المسنودة من لدن الإمبريالية، ورهن الإشارة فكريا لإقامة الحجة علميا و بالبرهان.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي