شارك المقال
  • تم النسخ

عاطف تكتب: رحلة ليبية من موسكو إلى برلين ..عشق النفط والغاز ونوستالجيا أوروبية

جميلة عاطف*


رحلة ليبية من موسكو الى برلين .. عشق النفط  والغاز ونوستالجيا اوروبية انتهى مؤتمر برلين الليبي وتفرق عشاق النفط ومرضى فوبيا الهجرة من الجنوب الى شواطئ المتوسط الاوروبية.

نجحت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل في جمع اللاعبين الخارجيين بجغرافيا السياسة والنفط الليبي في قاعة واحدة ومن دون كبير عناء وفشلت في جمع الخصمين الليبيين “فايز السراج “و”خليفة حفتر” تحت سقف واحد.قد يصح القول أنه مؤتمر اللاعبين الخارجيين في الساحة الليبية وليس مؤتمر السلام الليبي او التوافقات الليبية كما جرى في الصخيرات المغربية الذي يشكل أساسا بشهادة الجميع وذكرت الرباط بأن الصخيرات أثمرت أسس الحل السياسي.

انتهى مؤتمر برلين بضجيج إعلامي وبروائح نفطية  فتحت شهية البعض وأسالت لعاب البعض الآخر لكن لم تنته عجائبه وتناقضاته. ولعل الصورة التذكارية الصادمة للمشاركين من الزعماء التي وثقت غياب أصحاب الشأن حفتر والسراج وسجلت حضورا عربيا باهتا يثير التساؤلات وبقوة حول حسابات كل طرف في الصورة والأكثر استغرابا هو غياب او تغييب الجيران الاشقاء .السؤال الفضيحة . هو كيف يمكن تغييب الشقيقة والجارة تونس التي تتقاسم الحدود لمئات الكيلومترات مع ليبيا وتحتضن ألاف اللاجئين والمهجرين من الليبيين ومعظم سفارات العالم تتابع مصالحها من تونس.حاولت ميركل استدراك المشاركة التونسية متأخرة لكن تونس التي شعرت بالجرح رفضت الحضور ولو حفاظا على شيئ من الكبرياء الدبلوماسي.

والأغرب من تغييب تونس هو تغييب الشقيقة المغرب وهي التي يسجل لها النجاح في إخراج أول اتفاق سياسي في الصخيرات بين الليبيين بعد سقوط العقيد القذافي وهو الاتفاق الذي أعاد ليبيا الى دائرة الاهتمام السياسي الدولي ورسم لها خارطة طريق للحل السياسي وعلى الأقل أثمر اتفاقا على وضع هيكليات مؤسسات الدولة من حكومة وفاق الى مجلس نيابي .وبين المغرب وتونس حضرت الجزائر وعلى الأغلب أن الحسابات الداخلية الجزائرية كانت من أبرز الدوافع للمشاركة . فهي الدولة التي لم تتعافى بعد من أزمتها الداخلية بعد تنحي بوتفليقة .

وقد تكون مشاركة رئيسها مناسبة مهمة للاطلالة الاولى على العالم منذ انتخابه.التغييب طال أيضا السودان وتشاد وحتى قطر الحاضرة إعلاميا وسياسيا عبر دعم حكومة الوفاق وإن كان حضورها موجودا الى حد كبير في الحضور التركي البارز .

اللافت أن قطر لم تعلق او تصدر بيانا على عدم حضورها وهي كما يقول ليبيون صاحبة الشأن الاساسي في قضية الغاز الليبي.ولماذا غياب السعودية أيضا وإن كانت الامارات حاضرة على مستوى الخارجية.؟في حسابات الحاضرين. تقاطعات مصالح في لعبة الاضداد سهلتها تناقضات الجسد الليبي الممزق.اللاعبان الأكثر حضورا “بوتين واردوغان” فهما يتواجهان على الأرض ويتفاهمان على معادلات الأرض وعلى صفحات سورية وليبية في خط واحد.نجح الرجلان في فتح باب الهدنة العسكرية بين قوات السراج وحفتر ليرفعا من منسوب القلق الأوروبي لاسيما الفرنسي والإيطالي فيما ميركل حاولت التخفيف من اندفاعة فرنسا وايطاليا لتقول لهما إن المانيا هي القاطرة والقائدة وهي ايضا ليست طرفا مستفزا لليبيين والروس والأتراك والأمريكيين الذي لم يحضر زعيمهم “ترامب” في رسالة تشير الى ان واشنطن لن تتصدر المشهد الليبي ولن تبذل كبير جهد وهي التي تخطط للتخفيف من وجودها في القارة السمراء.من تابع مجريات مؤتمر برلين ويقرأ بنود البيان الختامي الذي تولت ميركل إعلانه  قد لا يذهب كثيرا الى التفاؤل بقدر ما يشغله الحذر والترقب لما بعد المؤتر.قد يكون لقاء بوتين أردوغان هو نصف المؤتمر القمة.

الرجلان ذهبا الى برلين ويحملان نجاحا في اعلان هدنة عسكرية او اتفاق وقف اطلاق النار بنصف توقيع وضعه السراج فيما حفتر القلق دائما على دوره ورغم الانفتاح الروسي الكبير عليه وحظوته بدعم من أطراف عدة كالإمارات ومصر والسعودية وفرنسا طلب وقتا إضافيا لإعادة برمجة حساباته وهو الأمر الذي أظهر انزعاجا روسيا.

ذهب أردوغان وبوتين ويحملان اتفاق موسكو وعقدا لقاء هناك وكأنهما يقولان لكل ضيوف المؤتمر نحن فتحنا الطريق ووضعنا السيناريو والأمر لنا وعليكم بإخراجه الى المحافل الدولية.عشرات المرات تكررت كلمة النفط على لسان ميركل والأمين العام للأمم المتحدة والمبعوث الأممي الى ليبيا غسان سلامة.بشكل مفاجئ وقبل يومين من المؤتمر اقتحمت مجموعات قبلية يغلب عليها التأييد لحفتر المناطق والموانئ النفطية في ليبيا.غسان سلامة سريعا جاءت ردة فعله بأنه لا يستغرب إذا تم طرح قضية النفط في مؤتمر برلين. حصة النفط في البيان الختامي تجاوزت الثلث. يقول البيان إن “المؤسسة الوطنية للنفط تمثل شركة النفط الشرعية المستقلة الوحيدة بموجب القرارين 2259 و2441 الصادرين عن مجلس الأمن  وندعو كل الأطراف إلى مواصلة ضمان أمن المنشآت والامتناع عن أي عمليات عدائية بحق المواقع والبنية التحتية النفطية”. ورفض البيان كل المحاولات لتدمير البنية التحتية النفطية الليبية..

ولعل هذه الفقرة الأخيرة عن التنقيب تحمل الكثير من الاشارات.   “نرفض جميع أنواع العمل غير الشرعي للتنقيب عن موارد الطاقة التي تتبع للشعب الليبي عن طريق بيع أو شراء النفط الخام أو المنتجات النفطية خارج سيطرة المؤسسة الوطنية للنفط”..قيل ويقال الكثير عن المصالح الفرنسية والقطرية في ليبيا استبقت ما سمي بالربيع العربي. تقول التقارير ومنها فرنسية ان باريس قبل اسقاط القذافي كانت تطمح للإستحواذ  على أكثر من 35% من كل النفط والغاز الليبي بمساعدة قطرية.وقع اردوغان مع السراج اتفاق الحدود البحرية الى جانب الإتفاق العسكري.. شركة “فاغنر” الروسية للأمن وللعمليات الخاصة غير الرسمية تقدم الدعم لحفتر..يطمح اردوغان بالإستحواذ على ثروات نفطية في المتوسط حسب التقديرات تكفي تركيا لعشارت السنين ويطمح أن يصبح عقدة التحكم بحركة الغاز الى أوروبا بعد افتتاح الأنبوب الروسي التركي.لا يقبل بوتين بخسارة الموقع النفطي الليبي وهو الذاهب من سوريا واستثماراته الغازية في المتوسط.. يرغب بحصة في الغاز الافريقي وبالموقع الليبي الذي يقابل نقطة طرطوس السورية.تريد إيطاليا حصة أيضا وهي دولة الاستعمار والجار الاوروبي الأقرب لليبيا.وتتشارك ايطاليا مع فرنسا في هاجس الهجرة الإفريقية. ولا يغيب تهديد أردوغان من تداعيات إسقاط حكومة السراج ويلوح للأوروبيين بسيف الهجرة الإفريقية .إنها حرب الأنابيب الثانية بعد حرب الانابيب السورية.وتقُدر احتياطيات ليبيا من الغاز الطبيعي قبل سقوط القذافي بحوالي 1.55 ترليون متر مكعب ومن المتوقع أن تزيد مع الإكتشافات الجديدة والإستثمارات، 

في الجانب العسكري لم يستطع الاوروبيون سحب قوة الحضور الروسي التركي وطغيانه على البيان الختامي ويقول. “نرحب بالتراجع الملموس لمستوى العنف في ليبيا منذ 12 يناير والمفاوضات المنعقدة في موسكو يوم 13 يناير وكل المبادرات الدولية الرامية إلى مواصلة السبيل نحو توقيع اتفاق حول وقف إطلاق النار. كرة الشأن العسكري رميت في ملعب مجلس الأمن للمتابعة والمراقبة وضمان تثبيت وقف إطلاق النار..لم ينجح المؤتمرون في الإتفاق على إرسال قوات سلام أوروبية.لم ينجح الاوروبيون بالتالي في إضعاف الحضور الروسي التركي .ما إن انفض مؤتمر برلين حتى بدأت التسريبات الإعلامية عن خيبة أمل السراج وحفتر لأنهما ذهبا الى المؤتمر كمدعوين بقيا في  القاعات الفندقية الفخمة ولم يحضرا الى وليمة الداعين لتقاسم الحصص في برلين.فهل سيتحقق ما خرج من المؤتمر القمة ..رمى المؤتمرون الكرة في ملعب الليبيين أولا ومن ثم في مرمى الأمم المتحدة..فهل سيعودون الى تقاذفها أم المصالح في الملعب الليبي رسمتها خارطة طريق ميركل؟

*إعلامية مغربية مقيمة في روسيا

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي