شارك المقال
  • تم النسخ

رهان إصلاح المدرسة يتطلب تعاقدا اجتماعيا جديدا

سامر أبو القاسم

سيكون من السذاجة والغباء، ومن باب إلحاق المزيد من الأذى بالأسر المغربية إن تم تحميلها مسؤولية الأعطاب السياسية والتدبيرية التي تسببت فيها طبيعة وشكل إدارة هذه المؤسسة الحيوية.فأهم الاختلالات التي عرفتها المنظومة التربوية لا زالت هي نفسها إلى يومنا هذا:

فرغم  نهج نموذج للحكامة مرون وبصلاحيات أوسع على مستوى الأكاديميات الجهوية، فإن المنظومة لم تتمكن بعد من فتح بعض الأوراش الصعبة، من قبيل إرساء آليات لتقويم الفاعلين فيها وترسيخ مسؤولياتهم، وترسيخ آليات ملائمة للقيادة والضبط، وإلى تطوير هياكل التدبير على مستوى الأكاديميات والمؤسسات التعليمية.

ويبدو أن درجة التزام المدرسين وتعبئتهم وانخراطهم في الإصلاح التربوي تظل متباينة وغير كافية، بالنظر إلى الدور الحاسم لهؤلاء الفاعلين في الارتقاء بالمدرسة.

وإذا كانت المنظومة قد باشرت العديد من الإصلاحات البيداغوجية والهيكلية، وأرست أقطابا للامتياز، من قبيل المعاهد العليا المتخصصة، وعدد من الثانويات التأهيلية الجيدة، ونظام ناجع للتكوين المهني… فإن المدرسة والجامعة لم تتمكنا من توفير تعليم وتكوين بطرائق ومضامين وظروف عمل، في مستوى المعايير المتعارف عليها في هذا الشأن.

وعلى الرغم من أن الموارد المرصودة للمنظومة عرفت ارتفاعا ملحوظا في السنوات الأخيرة، فإن الإنفاق التربوي، بحسب كل تلميذ، يظل جد محدود. كما أن الموارد المرصودة ينقصها التوزيع الأمثل.

ويبدو أن انخراط الأسرة التربوية في سيرورة حياة المدرسة ما فتئ يعرف تراجعا، في الوقت الذي تتزايد فيه حدة الصعوبات التي تعاني منها المؤسسة التعليمية، مغذية بذلك الحلقة المفرغة لضعف التعبئة ونقص الجودة.

فالأمر يتطلب تعاقدا جديدا لكل مكونات المجتمع المغربي، وبناء عليه اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لإعطاء نفس للإصلاح ولتعزيز المكتسبات؛ ذلك أن الشروط اليوم تعد مواتية لانخراط جميع مكونات المجتمع المغربي في مرحلة جديدة لدعم تأهيل مدرستنا ولتجسيد آثار الإصلاح في عمق المؤسسة التعليمية والفصل الدراسي، وكسب رهان الجودة، وإحراز نتائج ملموسة، يكون وقعها مباشرا على المتعلمات والمتعلمين.

الرهان الحالي يتمثل في رفع تحدي دمقرطة التعليم بالحفاظ على التلاميذ في المدرسة أكبر مدة، وهو ما يتطلب المزيد من التدخل على مستوى التعليم الابتدائي لبلوغ التعميم التام للتمدرس وتحسين معدل الاحتفاظ بالتلاميذ، والمضي في دعم دور المدرسة الإعدادية في ترسيخ المعارف والكفايات الأساسية، وتنمية استقلالية التلاميذ، في إطار إعدادهم لممارسة مواطنتهم، وتمكينهم من اكتشاف مهاراتهم الفردية، وبذل الجهد لإرساء مفهوم بيداغوجي جديد لتعليم أولي عصري، والعمل على رفع حصة التعليم الثانوي التأهيلي من التحدي التربوي بإعطائه استقلالية أوسع، ومده بوسائل عمل تخول له الانخراط في برامج تربوية أكثر تنوعا للبحث عن الابتكار والامتياز.

كل ذلك دون أن نهمل الجوانب المتعلقة بالمزيد من البحث عن سبل انخراط المدرسات والمدرسين وتثمين مهنتهم، وإرساء قواعد الحكامة القائمة على ترسيخ المسؤولية، ودعم كل الجهود المبذولة من أجل التحكم في اللغات، وإيلاء التوجيه التربوي وإعادة التوازن بين المسالك الأهمية اللازمة لملاءمة أفضل للمدرسة وحاجات المحيط الاقتصادي.

وهو ما يتطلب المزيد من التعبئة حول المدرسة والانخراط في برنامج إصلاحها، وهو ما يتطلب إرساء تعاقد جديد مع كل مكونات المجتمع المغربي، والبحث عن صيغ جديدة للتعاقد مع هيئة التدريس على أساس الثقة في المدرسة المغربية، وتعزيز سبل تقدمها، ويمكن أن تنتظم صيغ هاذين التعاقدين في دينامية حوار اجتماعي بناء.

وإذا كان تقرير الخمسينية قد ارتأى أن مداخل تحسين النظام المدرسي تكمن فيترسيخ الطابع المحلي والجهوي لمنظومة التربية والتكوين مع مراعاة تنوعها، وبلوغ هدف الجودة والامتياز والتفوق على صعيد كل مؤسسة، وقابلية منظومة التربية والتكوين للحكامة بما تتطلبه من مسؤولية هيئة التدريس ووضعها القانوني، وتحديث عميق لإدارة التربية الوطنية، وإعادة التأهيل الشامل لهيئة المدرسين، وتقويم منتظم للمنظومة، وإطلاع المجتمع ومختلف الفاعلين والرأي العام على إنجازاتها ومواطن قصورها ومكامن قوتها.

فإن هذه المداخل لا زالت قائمة، والحاجة إليها اليوم هي أكبر بكثير من2006 سنة صدور هذا التقرير، لكن المحظور الذي ينبغي ألا نسقط فيه، خاصة مع التدبير الحكومي الحالي، هو أن يتم التعامل مع إصلاح المنظومة التربوية بهواجس سياسوية لا تمت إلى المصلحة العامة بصلة، كأن يتم التفكير في إنجاز مخططات عمل لاستكمال جهود ضرب ما تبقى من لمسات لمؤسسات الدولة على مستوى تقديم الخدمات الاجتماعية للأسر المغربية، بدون الارتكاز على قراءة متفحصة للقدرة الشرائية وللمستوى المعيشي للأسر ولواقع العطالة الذي لم يستثن أية أسرة من الأسر الفقيرة أو ذات الدخل المحدود أو حتى تلك التي كانت تحسب على الطبقة المتوسطة.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي