شارك المقال
  • تم النسخ

خبير دولي في المالية يربط المسؤولية بالمحاسبة أمام المجلس الأعلى للحسابات

نور الدين لشهب

كيف يتم ربط المسؤولية بالمحاسبة أمام المجلس الأعلى للحسابات؟ هذا عنوان كتاب صدر باللغة الفرنسية لمؤلفه الدكتور محمد براو، الباحث والخبير الدولي في الحكامة والمحاسبة، عن دار L’Harmattan في فرنسا، الطبعة الأولى، 2017.

هذا الكتاب، الذي فاز مؤخرا بجائزة المغرب للكتاب في صنف العلوم الاجتماعية، يستجيب لقضية هي الأبرز ضمن قضايا الساعة بالمغرب، لا سيما بعد الخطاب الملكي بتاريخ 29 يوليو 2017؛ ولكن خارج المغرب أيضا، يقدم من خلال دراسة معدة بعناية، تحليلية ونقدية، وشاملة، ومعمقة، ومقارنة، مع النموذج المرجعي الفرنسي على وجه الخصوص، جوابا فريدا من حيث أصالته عن سؤال كيف وإلى أي حد يتم تفعيل مبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة” المنصوص عليه في الدستور أمام المجلس الأعلى للحسابات، ولا سيما العواقب المترتبة عنه في مواجهة المسؤولين والموظفين والأعوان المخلين بالقواعد القانونية والمسطرية الناظمة لعمليات تدبير الأموال العامة.

بعد عرض تمهيدي واف حول الخصائص المؤسساتية والسياقات التاريخية والتنظيمية للنموذج المغربي للرقابة العليا على المال العام والمساءلة عليه، بما في ذلك المدارس الكبرى والمعايير الدولية للرقابة المالية والمحاسبة، يتناول الكتاب بالشرح والبيان جميع الإخلالات والمخالفات المنسوبة إلى مختلف الفاعلين في التدبير العمومي في مادة التأديب المالي ومادة التسيير بحكم الواقع ومادة النظر في الحسابات، في ضوء قواعد القانون العام المالي والاجتهاد القضائي للمجلس الأعلى للحسابات ومحكمة النقض وكذا الاجتهاد القضائي الفرنسي.

كما يشتمل على تفسير دقيق لكافة المساطر وطرق الطعن وكذا الجسور والممرات المؤدية للمتابعة الجنائية. ويطرح في فصل ختامي رؤية استشرافية أولية حول انعكاس القانون التنظيمي الجديد لقوانين المالية على أشغال المجلس الأعلى للحسابات بوجه عام، وعلى نظام مسؤولية الفاعلين في التدبير العمومي بوجه خاص.

وكل ذلك، انطلاقا من مقاربة ديداكتيكية من شأنها تيسير سبل النفاذ لمحتويات الكتاب بالنسبة إلى مختلف المسؤولين والأطر المكلفين بتدبير الشؤون الإدارية والمالية بالوزارات والمؤسسات والمقاولات العمومية والجماعات الترابية، وأعضاء هيئات الرقابة والتفتيش والتدقيق داخل القطاع العام، والقضاة الماليين والإداريين والعدليين، والمحامين، وأعضاء الحكومة وأعضاء البرلمان والمجالس التداولية، والأساتذة والباحثين والطلبة الجامعيين في المواد التالية: المالية العامة، القضاء المالي، القانون الإداري، القضاء الإداري، القانون الجنائي المالي، القضاء الجنائي المالي، العلوم الإدارية، علوم الاقتصاد والتسيير.

وتم تصميم معمار هذا الكتاب لكي يستهدف ليس فقط، المغرب وفرنسا، بل وأيضا دول المغرب العربي وإفريقيا الفرنكوفونية، وعموما جميع بلدان العالم التي تعتمد نظام الرقابة القضائية على المال العام ولا سيما البلدان المنتمية لجمعية الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة التي تتشارك استعمال اللغة الفرنسية (آيسكوف)، والغاية من ذلك هي فتح سانحة الاطلاع، على أوسع نطاق ممكن، على النموذج المغربي، من أجل الاستفادة من مكتسباته القانونية والمؤسساتية، واستيعاب خصوصياته المسطرية وكذا استغلال اجتهاداته القضائية عند الاقتضاء. كما أن أعضاء المجتمع المدني وجميع المواطنين الملتزمين بقضية التدبير السليم للمال العام بإمكانهم أن يجدوا ضالتهم فيما يتضمنه الكتاب من إفادات وجيهة.

من أهم مخرجات الكتاب نطالع:

– التأديب المالي للمسؤولين عن مخالفة القانون العام المالي

– الدعوة إلى الانتقال من المخالفات الموصوفة للقوانين والأنظمة المالية إلى البحث الجدي والمستعجل في إمكانية متابعة أخطاء التسيير غير الموصوفة قانونا والتي قد تؤدي إلى تكبيد الصندوق العمومي خسائر معتبرة كما قد تفوت على المواطنين قضاء مصالحهم أو تلبية حاجياتهم في الوقت المناسب.

– مسؤولية الوزراء عن التدبير الإداري والمالي أي المسؤولية التدبيرية وليس المسؤولية السياسية؛ ومسؤولية موظفي مقاولات التدبير المفوض؛ وحق جهات أخرى معنية من خارج السلطات العمومية في رفع دعاوى التأديب المالي امام المجلس الأعلى للحسابات كمنظمات المجتمع المدني المدافعة عن المال العام والمواطنين المشتكين من عدم تنفيذ الاحكام القضائية المتعلقة باستحقاق ديون لفائدتهم لدى الإدارة.

ومن القضايا المهمة أيضا المثارة في الكتاب اقتراح الباحث الحد من سلطة رئيس الحكومة ووزير المالية فيما يخص الاعفاء من المسؤولية والابراء على وجه الاحسان باعتبار هذين الاختصاصين يعتبران اختصاصين قضائيين ولكنهما مازالا يمارسان من طرف الإدارة كنموذج لبقايا ما يسمى القضاء المحجوز.

الدعوة إلى تفعيل اختصاص التسيير بحكم الواقع

وهو اختصاص قضائي لا يمارس عمليا من لدن المجلس الأعلى للحسابات مع أن حالات التسيير بحكم الواقع تتكرر في الواقع المغربي، ومن أمثلتها حراس السيارات الذين يتقاضون أموال المواطنين في غياب تأهيل قانوني وكذا الصناديق السوداء والمداخيل التي يتم تحصيلها باسم الإدارة العمومية؛ لكن بطريقة خفية في غفلة من المراقبة المالية للدولة.

ما يخص الاجتهاد القضائي المالي

سجّل الباحث التقدم النسبي في نشر الاحكام القضائية؛ لكن لاحظ غياب أي تلخيصات تفسيرية أو تعاليق توضيحية بحيث ما زال الكثير من الباحثين والطلبة يجدون صعوبة في قراءة أحكام المجلس الأعلى للحسابات بمن فيهم المحامون أنفسهم.

العلاقة بين المجلس الأعلى للحسابات والقضاء العدلي

في هذا الإطار، يقترح الباحث المحافظة على النموذج القضائي المستقل للمجلس الأعلى للحسابات مع تدعيم جسور التواصل والتنسيق مع القضاء العدلي عموما ومع النيابة العامة المستقلة حديثا.

وأبدى عدة ملاحظات حول ثغرات التعديلات التي طرأت على مدونة المحاكم المالية أواخر سنة 2016 ولا سيما عدم الانتباه إلى ضرورة الملاءمة مع استقلال النيابة العامة، حيث لم يتم تعديل المادة الـ162 من مدونة المحاكم المالية التي ما زالت تتحدث عن وزير العدل.

ويختم الكتاب بالتوصية بضرورة الاقتران بين المحاسبة والشفافية؛ لأنهما مفهومان توأمان وبضرورة تحريك عجلة ربط المسؤولية بالمحاسبة من خلال منظور نسقي متعدد الأطراف يلعب فيه المجلس الأعلى للحسابات دور قطب الرحى؛ ولكن من خلال روافد ومنافذ يتشارك فيها البرلمان والقضاء العدلي والحكومة والمجتمع المدني والإعلام والمواطنون.

وكل ذلك في انسجام مع روح الإصلاح الدستوري، ولا سيما في بابه العاشر ومع الرسالة المزلزلة لخطاب 29 يوليوز 2017 الملكي والذي نقترب من ذكراه السنوية الأولى.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي