شارك المقال
  • تم النسخ

حي برِينْسِيبِي ألْفُونْسُو..قلعة “السلفية الجهادية” بمدينة سبتة


نورالدين لشهب من سبتة المحتلة

على الرغم من احتلالها من قبل الإسبان ما يقرب من ستة قرون، فلا تزال مدينة سبتة المحتلة تحتفظ بطابعها الإسلامي الذي لا تخطئه عين الزائر، فالصوامع شاهدة على وجود المسلمين، والمتحف الوطني حافظ للمكانة التي تبوأتها مدينة سبتة عبر التاريخ الإسلامي، فكانت المدينة منارة للعلم والعلماء، حيث نبغ منها علماء مسلمون في مختلف العلوم الإسلامية من أمثال الشريف الإدريسي، وابن حجر، وابن رُشيد، وأبو الحسن الشاري والقاضي عياض، الذي قيل فيه: لولا عياض ما عُرف المغرب، لأن صاحب كتاب “الشفا بتعريف حقوق المصطفى” لفت علماء المشرق إلى مكانة علماء المغرب.

حدث هذا إلى حدود أواخر القرن السادس الهجري حين كان المغرب الأقصى ممتدا من قرطبة إلى مراكش، ومن فاس إلى تلمسان، وكانت الحضارة الإسلامية في عنفوان قوتها. وأما اليوم فلا ينقل الإعلام والصحافة عن صورة الإسلام في سبتة سوى أخبار “التطرف” و”العنف” و”الجهاد المقدس” حين لفت شباب من سبتة ما يقع في المشرق، وانضم بعضهم إلى جماعات جهادية في العراق سابقا، أو في سوريا حاليا لقتال ما تبقى من الجيش النظامي هناك.

الاهتمام الإسباني بالتيارات “الجهادية” ما بين 11 شتنبر بنيويورك و11 مارس في مدريد

بعد الاعتداءات التي طالت مدريد يوم 11 مارس عام 2004، والتي أسفرت عن مقتل 191 وجرح 1900 من المواطنين الإسبان بدعوى أن منفذي الاعتداءات كانوا يطالبون بانسحاب القوات الاسبانية من العراق حسب بيان نُشر على الانترنيت آنذاك، بدأت أجهزة المخابرات الإسبانية تولي اهتمامها بمدينة مليلية وسبتة، حيث ذهبت صحيفة “الباييس” الإسبانية آنذاك أن المدنيتين المحتلتين أصبحتا هدفا لـ”الجهاد المقدس” ضد الاحتلال الإسباني.

وربطت الأجهزة الاستخباراتية الاسبانية سبب التهديدات الجديدة الخاصة بمدينتي سبتة ومليلية بمشاركة القوات الاسبانية ضمن القوات الدولية العاملة في أفغانستان ولبنان إضافة إلى ملاحقة القضاء الاسباني المستمرة للخلايا السلفية ما بعد أحداث 11 مارس في مدريد.

وبالرغم من أن مدينة سبتة تضم أزيد من 40 جمعية تنشط في مجال الدعوة الإسلامية، منها ما هو مرتبط بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ومنها من يدعو إلى إسلام “إسباني” ويتجاهل مسألة “إمارة المؤمنين” فإن كلا التيارين يظلان معتدلين في أعين الأجهزة الأمنية الإسبانية ولا يشكلان أي خطر على مصالحها، على عكس التيارات التي تدعو إلى “إسلام محلي” رافض للاحتلال الإسباني لمدينة سبتة ولا تعترف بـ”إمارة” المؤمنين” فإن الأجهزة الأمنية ترى أنها تستبطن الدعوة المتكررة التي أطلقها أسامة بن لادن سابقا وبعض زعماء تنظيم القاعدة لتحرير الأندلس لكونها إقليما إسلاميا مفقودا.

هناك ملاحظة تستوقف المواكب للكتابات التي تتناول “الحركات الإسلامية” لدى الكتاب والمحللين الإسبان، وهي أن جل المحللين والكتاب الإسبان غالبا ما يربطون تنامي التيارات السلفية بمدينة سبتة بالدعوة إلى تحرير الأندلس و”الجهاد ضد الدولة الاسبانية الكافرة وتحرير مدينتي سبتة ومليلية” والدعوة الدائمة إلى “استرداد الأندلس الذي خسرها العرب”، بل إن كاتبا يدعى “خوسي لويس نافارو” دعا، في مقال له في صحيفة “البويبلو” التي تصدر بمدينة سبتة، بتاريخ 17 من يونيو من السنة الفائتة، السلطات الاسبانية بمنع “جميع الأشخاص ذوي التوجه الإسلامي الراديكالي من دخول التراب الاسباني ومدينة سبتة المحتلة وطرد جميع الناشطين الإسلاميين ذوي التوجه المتطرف إلى بلدانهم الأصلية لأنهم يهددون الدستور الاسباني”.

كما طالب بـ”تأسيس شرطة دينية تعمل على مراقبة ومتابعة الناشطين الإسلاميين” وذهب في تعاريض مقالته إلى أن الإسلام في مدينة سبتة “يعاني من تنامي المد السلفي”.

الملاحظ، أيضا، أن جل هؤلاء الكتاب الصحافيين والمحللين الإسبان المهتمين بالظاهرة الإسلامية، وخاصة التيار السلفي، يصدرون عن مواقف ترتبط بالذاكرة ، وتحديدا تاريخ الأندلس والحروب الصليبية، هذا بالإضافة إلى أن هؤلاء الكتاب والمحللين يستندون في “تحليلاتهم” على معلومات استخبارية تُعنى بالحفاظ على الأمن القومي ضد الهجمات التي تهدف إلى”تحرير الأندلس”، بحيث تنعدم مقاربات علمية للموضوع من زايا أخرى تظل غائبة.

والسبب يؤول، أساسا، إلى غياب تقاليد البحث العلمي لدى الإسبان في مقاربة الظاهرة كما هو عليه الحال لدى الفرنسيين والإنجليز والبريطانيين، إذ يتم تغييب العامل الاقتصادي والاجتماعي في الموضوع والأزمة التي عصفت باقتصاد إسبانيا، ناهيك عن التهميش الذي يلاقيه المواطنون الإسبان من أصول مسلمة في بعض الأحياء الهامشية بالإضافة إلى سياسة الإقصاء ضد الإسبان من أصول مغربية كما هو عليه الحال في حي برنسيبي في مدينة سبتة المحتلة.

حي برينسيبي .. مغاربة مهمشون ومواطنون بلا مواطنة

البرينسيبي ألفونسو، حي يقع على بعد عشرات الأمتار من الحدود الفاصلة بين سبتة والمغرب حيث يعيش حسب الإحصاء الرسمي 8000 نسمة وهناك من يقدر العدد بـ 12000 نسمة. ويتكون الحي من 300 منزل وكوخ تتخللها دروب وأزقة ضيقة ” إذا مات أحد السكان لا يستطيع الناس إخراجه في النعش، بل يخرجونه على أكتافهم إلى الشارع ومن ثمة يجهزونه في نعش خشبي والذهاب به إلى المقبرة، فالدروب ضيقة جدا” يقول صلاح الدين الذي رافقنا في جولة خاطفة داخل الحي.

وأثناء التوغل داخل الحي لاحظنا العديد من السيارات محروقة على قارعة الطريق، ويشرح صلاح الدين المواطن الإسباني من أصول مغربية سبب إحراق هذه السيارات بأنها غالبا ما تكون في ملكية أحد “المشتبه بهم” الذين يتعاملون مع السلطات الإسبانية، فالحي أصبح شبه محرم دخوله على رجال الأمن، وأضاف: “قبل أيام استطاعت السلطات أن تقتحم الحي فجرا وتعتقل ثمانية أفراد محسوبين على تيار السلفية الجهادية، بحيث أنها تمكنت من دخول الحي بمساعدة أكثر من 100 شرطي مدججين بالسلاح الحي وطائرات خاصة نقلت الموقوفين الثمانية إلى العاصمة مدريد”.

الحي لا يوجد به رجال الأمن، ولا يتوفر على مرافق ، ولا تصله الصحافة، والصيدلية الوحيدة في الحي لا تطبق المداومة الليلية، وأي تعيين في مدرسة الحي أو في المستوصف الصغير يعتبره الموظفون عقوبة تأديبية من قبل السلطات المحلية، والسبب في ذلك أن الحي بات وكرا للجريمة حيث التصفيات الجسدية بالرصاص الحي بسبب خلافات حول التجارة غير المشروعة في المخدرات وتهريب البشر (الهجرة السرية) وآخر عملية قتل وقعت بالحي والتي أثارت الإعلام الإسباني هي مقتل زعيم عصابة يدعى (المصطفى ولد السعدية) الذي تعرض لإطلاق رصاصات من قبل مجهولين، كما أن عملية إحراق السيارات أصبح عرفا لتصفية الحسابات بين مالكيها ولاسيما المتعاملين مع السلطات الأمنية الإسبانية بسبتة.

حي البرينسيبي أصبح محرما دخوله على الإسبان، ولو تعلق الأمر بقوات الأمن أو رجال المطافئ، والذين غالبا ما تتعرض سياراتهم للرشق بالحجارة من قبل الشباب الساخط، إذ لا يسكن الحي سوى المواطنين الإسبان من أصول مغربية.

وعلى الجانب الديني، يتوفر الحي على 13 مسجدا، خمسة منها بالصوامع والباقي عبارة عن مقرات دون صوامع ولا قبب، ” كانت عبارة عن مقرات للزوايا ولا سيما الزاوية الحراقية والعلاوية قبل أن يسيطر عليها السلفيون الذين نصبوا عليها شيوخا تابعين للتيار السلفي التقليدي والجهادي” يورد مرافقنا الإسباني/المغربي. فالزاوية الحراقية التي كانت تتوفر على مقر بالحي تعرضت للاقتحام عام 2006 من قبل السلفيين وطُرد شيخها الغالي الحراق وتحول المقر إلى مسجد أطلق عليه السلفيون اسم مسجد “التوبة”.

سلفيو سبتة المحتلة لم يكتفوا بالسيطرة على مقرات الزوايا وتحويلها إلى مساجد خاصة بأتباعهم، بل تعدى الأمر إلى إحراق الأضرحة، ففي عام 2007 تعرض ضريح أبو العباس السبتي للإحراق وطرد المقدم “امرأة” ورموا بالتابوت في البحر، كما أن ضريح سيدي امبارك تعرض لمحاولة الإحراق والتفجير بواسطة قنينات غاز التي لم تنفجر.

كل شيء في الحي يشي أن المكان تعرض للتهميش والإقصاء ويشرح مرافقنا بالقول: “الحي كله لا توجد به سوى 30عمود إنارة، وجلها معطل لا يعمل، ولا تزال مناطق داخل الحي بدون كهرباء ولا ماء صالح للشرب، ولذلك فسكان الحي يعانون من الميز العنصري على الرغم من امتلاكهم الجنسية الإسبانية”.

ويضيف صلاح الدين شارحا الوضع الاجتماعي في الحي: “ما بين أواخر التسعينات وبداية القرن 21، أحكمت السلطة ووزارة المالية والشرطة قبضتها، وحاصرت الاتجار في المخدرات، فتعرض شباب الحي للبطالة، وفضل العشرات منهم منفذا عبر الانخراط في الجيش، ويقدر عددهم بـ50% على الأقل من ذكور الحي الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و 30 سنة، هذا بالإضافة إلى أن نسبة الفشل الدراسي ناهزت 50% في مؤسستي الحي الابتدائية والثانوية، وذلك حسب أرقام الإدارة الإقليمية لوزارة التربية والعلوم.

هل التهميش والإقصاء يساهم في تنامي التيار السلفي بالحي؟

أشارت دراسة صادرة في إسبانيا بعنوان “التجمعات القابلة للتجنيد الجهادي حي البرينسييي الفونسو في سبتة” من لدن باحثين من شعبة العلوم السياسية وعلم النفس الاجتماعي بجامعة غرناطة، إلى أن التهميش والإقصاء يعد عاملان في صعود التيار السلفي الجهادي بحي برينسيبي ألفونسو، وذلك قبل أن تتوصل الشرطة في هذا الحي إلى توجيه ثاني أكبر ضربة للإرهاب “الإسلامي” في إسبانيا والأهم في تاريخ سبتة، لقد اعتقل أحد عشر عضواً من خلية السلفية الجهادية. وتستنتج الدراسة أن حي البرينسيبي “يسير في طريق أن يتحول إلى قاعدة، كلية أوجزئية مراقبة من طرف الراديكاليين”.

وتضيف الدراسة في محاولة تفسير أسباب تنامي التيارات “الجهادية بالحي: “هذا الحي لا يبدو صعبا أن يسقط الشخص في التهميش، إما لأنه لا يتوفر على حاجته الأساسية، أو أنه يحس بأنه مواطن من الدرجة الثانية لأنه لم يرق إلى مصاف الطبقة الاجتماعية المأمولة، أو لإحساسه بالتمييز ضده لأسباب سياسية أو ثقافية أو دينية أو إثنية”.

أما رئيس مجلس سبتة، وهو من الحزب الشعبي فيعتبر أن الجو الذي يعيش فيه سكان البرينسييي لا يختلف عن أجواء الأحياء الهامشية في إسبانيا، غير أن الفرق بنظره أن الأحياء الهامشية داخل إسبانيا لا يوجد بها الدين الإسلامي، أما في البرينسييي فكل القرائن تدل على انتشار الراديكالية “السلفية” وأيضا “الجهادية”.

إن عاملي الإقصاء والتهميش “يساهما بشكل مباشر بالنسبة لسكان الحي في زعزعة ثقتهم وانتمائهم إلى هويتهم الشخصية، الأمر الذي يجعلهم يفقدون الثقة في أنفسهم، والقدرة على التحكم في تصرفاتهم، إنهم أفراد بدون حافز، وعلى العموم يسهل إقناعهم” يقول باحث في الشأن الثقافي بالمدينة.

كما يعزو ذات الباحث عاملا آخر لبروز التيار الجهادي في سبتة، ويتعلق الأمر بالجهل بأصول العلوم الإسلامية في استنباط الأحكام، ويقول: ” التيار السلفي بمدينة سبتة يعتمد في الدعوة على بعض الرموز الذين لا يتقنون اللغة العربية وليس لهم كفاءة في استنباط الأحكام، من أمثال الشيخ عيسى كارسيا، وهو داعية من الأرجنتين، وكذلك مالك بن عيسى وهو أيضا داعية من مليلية ولا يتقن اللغة العربية”.
 

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي