شارك المقال
  • تم النسخ

حول سؤال شرعية “الممانعة السياسية” للعملية الانتخابية بالمغرب

حافظت الملكية على وتيرة تدخلها في المجال السياسي من خلال العديد من الأولويات سواء التي دأبت على استعمالها أو من خلال تجديد أدوات أخرى. في هذا السياق، لا زالت التجربة المغربية تؤكد على أن ”الخطاب الملكي” هو فاعل سياسي بالدرجة الأولى، فمثلا، لا زلنا نتذكر خطاب 3 يناير 2010 الذي أسس فيما بعد للجهوية المتقدمة دستوريا و قانونيا، و أيضا خطاب 9 مارس 2011 الذي رسم و هيكل و وضع الركائز الأساسية للدستور الجديد الموافق ل 2011، يأتي في هذا السياق، خطاب 30 يوليوز 2016 الذي أكد فيه رئيس الدولة أن “… أنا ملك الذين لا يصوتون…” ليضع أمام الفقهاء السياسيين في البلاد إشكالية ” شرعية المقاطعة الانتخابية ” وكيفية التعامل معها على أرض الواقع، خصوصا بعد اعتراف رئيس الدولة المغربية بها.

انه وإلى حدود الخطاب الملكي ل 30 يوليوز 2016، وإلى حدود العبارة ”أنا ملك الذين لا يصوتون ” ، كان يعتبر معارضا للنظام المغربي كل من لا يصوت أو يدعوا لمقاطعة الانتخابات، أيضا كان يُعتبر خارجا عن اللعبة السياسية بدعوى أنه لا جدوى من المقاطعة إذا كان ذلك سيكثر من إمكانية وصول المفسدين إلى سدة التسيير.

اليوم، ومن منطلق الحمولة السياسية للخطاب الملكي في النظام المغربي، حيث يعتبر مؤسسا وموجها للمشهد السياسي في البلاد، ومن إحدى أهم وسائل التدخل غير المباشرة في الحياة العامة خاصة، فإن مسالة الإقرار بحق المقاطعة ليست بالمسالة العادية أو العابرة خصوصا ونحن بصدد هذه المرحلة والبلاد مقبلة على الولاية التشريعية الثالثة بعد دستور 2011.

عندما يصرح رئيس الدولة المغربية وممثلها الأسمي والساهر على صيانة الاختيار الديمقراطي، كما يشير إلى ذلك الدستور المغربي في فصله 42، في خطابه بأنه ” لا يصوت ” و أنه ” ملك للذين لا يصوتون ”، وبالتالي الاعتراف الصريح بوجود طرف ثالث في اللعبة السياسية، تطرح معه مجموعة من التساؤلات حول إشكالية شرعية المقاطعة الانتخابية ومدى حدود ممارسة هذا المكتسب الجديد، وكيفية التعاطي معه في هذه المرحلة، خصوصا وأن رئيس الدولة المغربية وجه نقدا لاذعا لكل الأحزاب السياسية، والتي تم اعتبارها إلى حدود هذا الخطاب تستفيد ل ” تجعل من الانتخابات آلية فقط للوصول لممارسة السلطة ”، مما يزيد، في رأينا، من شرعية هذا الفعل وهذه الممارسة السياسية خصوصا أمام فشل أغلبية النخبة السياسية، وهو الأمر الذي أكد عليه خطاب ل 29 يوليو 2017، … أليس “… من حق المواطن أن يتساءل: ما الجدوى من وجود المؤسسات، وإجراء الانتخابات، وتعيين الحكومة والوزراء، والولاة والعمال، والسفراء والقناصل، إذا كانون هم في واد، والشعب وهمومه في واد آخر؟. فممارسات بعض المسؤولين المنتخبين، تدفع عددا من المواطنين، وخاصة الشباب، للعزوف عن الانخراط في العمل السياسي، وعن المشاركة في الانتخابات، لأنهم بكل بساطة، لا يثقون في الطبقة السياسية، ولأن بعض الفاعلين أفسدوا السياسة، وانحرفوا بها عن جوهرها النبيل.

صحيح أن الامتناع ومقاطعة الانتخابات هو حق شرعي لأي مواطن كما هو حق المشاركة بالتصويت، لكنه كان حقا مسكوت عنه وغير مرغوب فيه. بل كان يُعتبر من يدعوا إليه ضبابي في تفكيره وغير واضح في طرحه، وفجأة يتم الاعتراف به مع نقد الأحزاب السياسية المغربية.

الأكيد اليوم وبعد إشكالية القاسم الانتخابي، وبعد ما عاشته مرحلة الترشيحات التي كشفت عن إشكالية ” معنى الانتماء السياسي”، بحث لم يعد هناك معنى لشيء اسمه “البرنامج الانتخابي، أن “فعل الممانعة” يطرح اليوم، كما من قبل، لكن أكثر حدة ومنطقا، فعل الممانعة تطرح اليوم كشكل من أهم أشكال الممارسة السياسية في السياق المغربي؛ وهنا يجب التفريق بين “ممارسة السياسة” و”السياسة الانتخابية”، فما هذه الأخيرة إلا جزء لا يتجزأ من العملية السياسية ككل.

الممانعة تعني بالأساس الانتقال ومحاولة التأثير من الخارج بغية التأسيس إلى فعل جديد “فعل الانتخابات الديمقراطية الحقيقية”. فعل الممانعة، بهذا الشكل يختلف تماما عن “العزوف السياسي”، الذي لا يعدو أن يكون تعبيرا “حالة ملل واكتئاب سياسي وإشباع …”، أما المقاطعة والممانعة فتُحدث فعلا على أرض الواقع، وبالتالي فهي شكل من من أشكال المشاركة السياسية والانتخابية من خلال التعبير بعدم التصويت.

أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية
جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي